Skip to main content

Full text of "تأويل الأسطورة في كتابات أفلاطون"

See other formats




بات أفلاطون 2 











تأويل الأسطورة 
في كتابات أفلاطون 


د. مها عيسى فتاح العبدالله 


تأويل الأسطورة 
في كتابات أفلاطون 


دار الفارابى 





أ ©12.وع[200 3 1طد 
رابلطة يديل > 2814. طاغعلد2 


الكتاب: تأويل الأسطورة في كتابات أفلاطون 
المؤلف: د. مها عيسى فتاح العبد الله 


قا ا 


الناشر: دار الفارابي بيروت - لبنان 
ت: )١1(7١1631‏ - فاكس: 0/الالاء "01(1) 
ص.ب: 11/181 - الرمز البريدي: ١١١17 ١1٠‏ 
مدمء .1ط 21-2122 .لاجوكرة 


طنمء.أطوتة له تمل هص كنأ :الهس 


الطبعة الأولى: كانون الثاني ١١15‏ 


© جميع الحقوق محفوظة 


تباع النسخة إلكترونياً عبر موقع الدار. 


إن الآراء الواردة قي هذا الكتاب لا تعبّر بالضرورة عن رأي الدار. 





الفصل الأول: الإطار النظري للأسطورة سس سس سس ...لاس" 
ثالثاً: الأسطورة في مرحلة ما قبل أفلاطون 0١-6‏ 
زازعا التاويل: الفلسشفي الور ا 

الفصل الثاني: سمات الأسطورة الْأفأاطُولية ا تتت... 1١‏ 
أولاً: سمات الأسطورة في مرحلة الشباب سس سس .948 
ثانياً: سمات الأسطورة في مرحلة النضج ...ع ١8‏ 


ثالثاً:. سمات الأمطورة في مرحلة الشيخوخة ب-ببب.............. 1١170‏ 


اغا السّمات العانة الأسطورة الفلا 1 


تؤيل الأسطورةي كتادات أقلاطون 


الفصل الثالث: أبعاد الأسطورة الأفلاطونية 0 


أولاً: البُعد الميتافيزيقي 01 


رابعاً: البُعد المجازيىب... 


الفصل الرابع: وظائف الأسطورة الأقلاطوقية ىب... 


أولاً: الوظيفة النقدية...بب.... 
ثانياً: الوظيفة الاجتماعية 


ثالثاً: الوظيفة السياسية 


رابعاً: الوظيفة التفسيرية المنهجية (الفلسفة)..... 
الفصل الخامس: الرمز ودلالته في الأساطير الأفلاطونية ... 


ثائيا: أسطورة كروئوس--...تبب.. 


كالنا: أسطورة: المركة أو الغربة الفححة ...هب 


ولد العا 


ثالثاً. المعاجم والدوريات والموسوعات..ب..... 


رض 
ل 


زاكاه أسطورة لكي لذ [ز ز 1 11211111 


زنانا 


الإهداء 


إلى أستاذي الفاضل 
الدكتور محمد حواد الموسوي 
إجلالاً... ا ووقاء 


شكر وتقدير 


أجد من المناسب وأنا مُقدمة على طبع هذا العمل أن أتوجه 
بالشكر والامتنان إلى الأستاذ الدكتور سليمان الضاهر الأستاذ في قسم 
الفلسفة بجامعة دمشقء الذي تولى مهمة الإشراف على هذا العمل وقدم 


لي من علمه وخبرته ما كان عونا لي على إنجازه. 


هو غ* 


لعديم 


د. محمد جواد حسن الموسوي 


أستاذ متمرس - قسم الفلسفة - جامعة البصرة 


بعض المقدمات يمكن أن تكون عبئاً على المؤلفات أو النصوص التي 
تصدرهاء لأنها تشوش على القارىء. تحرف توجهه عن مبتغى المؤلف أو 
تقيم عوائق بين القارىء وبين كل إمكانية لفعل قراءة واعية مبدعة. وبعض 
المقدمات توفر للقارىء مدخلاً سهلاً ميسوراً يسهم في جعل قراءة النص أكثر 
سلاسة. وتشير حين تشير إلى معالم الهداية بحركات بالغة الرشاقة. دون أن 
تسلب القارىء حقه في التفكير أو تصادر حريته في اكتشاف السبيل إلى 
نسخته الخاصة المحررة من النص الذي يقرأه وهي الوظيفة الأكثر إمتاعاً في 
كل قراءة. وتشركه في الحوار مع النص الذي ربما استغرق كل فعل القراءة. 
مما يوفر للقارىء صحبة ذات غنى خصب وإمتاع في سفر آمنٍ مطمئن. 


بعض المقدمات تقاطع القارىء وتفسد عليه كل لحظة من 


1 


تاؤبل الاأشطورة ف كتادات أقلاطون 


لحظات قراءته» وبعضها لا تقول ما تقوله إلا وكأنها تنصت إليه في تساؤلاته 
وشكوكه وهواجسه. وتحاول أن تشير إلى المواطن التي يجد فيها ما يلاقي هذه 
الشكوك والتساؤلات والهواجس. 

بعض المقدمات تقوم بدور الخاتمة التي هي من حق القارىء بعد فراغه 
من قراءة النصء فهي تلخص وتوجه الوعي بالنصء وقد تنحاز وتتعصبء ما يجعل 
المقدمة في مكان غير مكانها من المؤلفات. 

بعض المقدمات تفيد من الأسماء الكبيرة المعروفة لتزكية المؤلفات 
وربما لتسويقها ما يجعلها أقرب إلى الإعلان التجاري الذي يظهر في صفحات 
الغلاف الخارجي. 

المقدمة التي نكتبها لذلك الكتاب المفيد والممتع. ترضى لنفسها أن 
تكون مجرد إيماءات إلى معالم طريق وضعها أحد السالكينء ليوفر لمن يأتي 
بعده من السالكين مزيداً من الاحساس بالألفة والأنس, وربما الأمان في الدرب 
الذي يسيرون فيه. أنساً لا يلغي غرائبيته بل يعين على اكتشافهاء ولا يحول 
بين القارىء وبين اكتساب خبرته الخاصة بالجهد الذي يتطلبه اكتساب مثل 
هذه الخبرة» والمتعة التي تصاحب مثل هذا الجهد وتنتج منه. 

في هذا الكتاب الذي يسرنا أن نقدمه للقارىء وحدة سوف 
لا يجد القارىء أي عناء أو صعوبة في التعرف إليهاء والاستمتاع بما 
يوفره مناخ الوحدة هذه من ألفة ومن إمكانيات للتأمل. وهو أمر ربما 
افتقدته مؤلفات كثيرة. أما تقسيمه إلى فصول ومباحث فهو مجرد 


تسهيل للعرض وإعانة القارىء على التقاط أنفاسه ومحطات توقف 


تقدريم 


يجدد فيها نشاطه ليواصل طريقه واعياً متنبهاً وشواخص تدل على ما قطعه 
وما عليه أن يقطع حتى يبلغ هدفه. 

يقدم الكتاب الأساطير في الثقافة اليونانية لا بوصفها إرثاً ينتمي إلى 
الماضي بل بوصفها عالماً زاخراً بالرموز العابرة للأجيال والثقافات, وبهذا المعنى 
ربما كان تأملها ضرورياً لإلقاء مزيد من الضوء على كثير من مشكلاتنا الفكرية 
والواقعية» وربما حتى طرائق تفكيرناء إنها ليست مجرد وعي مجتمع إنساني 
ماء في ثقافة ماء وفي زمن ما بحقيقة واقعه وتحسسه مصيره. بل هي تتجاوز 
ذلك إلى وعي الإنسان في إطار كينونته الإنسانية بواقع وجوده, ومكانته في 
الكون والحياةء ومأسوية مصيره ومخاوفه وأحلامه وسبل خلاصه. ووعي الثقافات 
الإنسانية بمكانتها في الوجود. 

إن الحفريات الآثارية والمعرفية والوثائق التي عثر عليها الإنسانء 
وما زال يكتشف الكثير منهاء ويعيد التأمل فيها ودراستها باتت تؤكد ثقة 
الإنسان بماضيه وتجدد هذه الثقة وتشكل مصدر إلهام وينبوع وعي مختلف 
بعالمه. لم يعد تاريخ الفكر في المجتمعات الإنسانية الموغلة في القدم 
عبئاً على الحاضرء بل سبيلاً من سبل إعادة اكتشاف الحاضر وإعادة إنتاجه. 
وإن اختزان تجربته. كل ما يمكن اختزانه من هذه التجربة. دون حذف 
أي جزء منها أو التنازل عنه والعكوف على دراستهاء وتكوين وعي مختلف 
بهاء يناسب توجهاته المعاصرة أصبحت إحدى وسائل الشعور بالأمان. وربما 


التماس العون منها لاستشراف المستقبل وربما التنبؤ به. وهو وإن لم 


10 


تاويل الأسطورة 
يكن غرضاً متاحاً من الناحية العملية إلا أنه مهم تماماً لوعي الإنسان بوحدة 
تجربته. وبأنه جزء منهاء وأن كل جزء من تجربة الإنسان تترك أثراً لا يمكن 
محوه من مجال الوعي. 

قد يجد كثير من الباحثين في دراسة الأسطورة ما يكشف عن غرائبية 
الوجود. وغموض الكينونة الإنسانية» ولكن مثل هذه الدراسة ستفضي بالنهاية 
إلى الوعي بطرائق تأسيس نماذج في هذا الوعي للسلوك الذي يحقق تكامل 
الفرد مع الجماعة ودعم اندماجه في الأنظمة الراهنة. 

والكتاب معني بشكل خاص بحضور الأسطورة في أفكار الفلاسفة 
ونظرياتهم حضوراً بنائياً لا بقصد نقدها أو تجاوزهاء ولكن من أجل لفت 
الانتباه إلى ما تحمله من دلالات وجودية وفكريةء وإلى ما تلهمه من رؤى 
تربوية ومعرفية وتعليمية» وما تقوم به من دور في توضيح المشكلات الفكرية, 
كما تصورها وعرضها مناخ خلاق لم يكن يأبه كثيراً للخط الذي يفصل الخيال 
عن الواقع والوهم عن الحقيقة. ورغم الجهود المضنية التي بذلها الإنسان 
لاستبدال البرهان المنطقيء والدليل الحسي أو العقلي بإيحاءات الخيال وأوهام 
المشاعر الإنسانية» فما زالت ظلال الأسطورة والتصورات الأسطورية لها حضورها 
بقوة أحياناً في أفكار السياسيين وخطط المصلحين وتصورات المفكرين وأعمال 
الفنانين وأحلام الشعراءء وحتى في تبريرات نشأة الدولء وربما في أخيلة 


العلماء حضورها في الاستطباب والعلاج وفي حركات المهرجين. 


1١ 


تقدريم 


والكتاب الذي نقدمه للقارىء العربي. هو سياحة فكرية في نظريات 
أفلاطون الفلسفية, لا بحثاً عن أصولها الفلسفية القريبة» بل محاولة للوصول 
إلى أصول لها تضرب عميقاً في أرض الوعي الإنسانيء بما يعين بشكل أسامي, 
على تكوين وعي بالعلاقة بين النظريات والأفكار ونظم صياغتها وهو بهذا 
المعنى يهم كلا من القارىء المتخصص والقارىء المثقف. 

أما المؤلفة» وهي أستاذة الفلسفة اليونانية المساعدة في جامعة البصرة, 
فهي كلفة بأفلاطون أشد الكلفء لا تكاد تفارقه حتى تعود إليه وهي دائمة 
الانصات إليه والسهر على إرثه الفلسفي. فقد اتخذت فلسفته السياسية موضوعاً 
لرسالتها في الماجستير التي كانت بعنوان «الفلسفي والأيديولوجي في نظرية 
أفلاطون السياسية» وفي رسالتها هذه التي نالت عليها درجة الدكتوراه. ومن لا 
يكلف بأفلاطون بعد أول قراءة له؟ ومن لا يفرض عليه أفلاطون مكانته الخاصة 
التي لا يزاحمه فيها أحد بعد أن يعي فلسفته؟ هذا الينبوع المتدفق الذي لا 
تنتهي إلهاماته ولا تنقضي عجائبه. 

أنا واثق أن القارىوء سوف يحظى برفقة ممتعة ومفيدة. وهو يعيش 
ساعات من الغنى الخصب لفكر أفلاطونء. في سياحة تأمل المؤلفة أن لا 
يسلس قياده للدليل السياحيء بل تنعش تساؤلاته وتحفز استفهاماته. وبهذا 
وحده يؤدي الكتاب رسالته. 

والمؤلفة لم تبخل علينا بتأويلاتها الخاصة للأمثلة التي اختارها 


أفلاطون لشرح فلسفته. كما في مثال الكهف المشهورء فهي ترى 


1/ 


اويل ااأسطورة يخ كتإدات الفلاطون 

أن الكهف الذي اختاره أفلاطون للكشف عن عوائق تعترض تجربة الإنسان 
الفكرية إنما هو يمثل أثينا كما فهمها أفلاطون متأثراً بتجربته بما فيها من عناء 
ومرارة منذ طغيان المد السوفسطائي وصولاً إلى محاكمة سقراط ثم إعدامه. 


وهو تأويل مهما يكن موقفنا منه إنما هو جدير بالتأمل. 


18 


المقدمة 


المقدمة 


ربما يتساءل بعضهم عن سر العودة إلى دراسة الأسطورة وتحليلهاء كأن 
الإنسانية قد تجاوزت مرحلة التفكير الأسطوري. وتخلصت من كل آثارها.ء وهو 
أمر قد لا يقبله كثير من الباحثينء ومن بينهم المفكر المعروف «أرنست 
كاسيرر» الذي يدق ناقوس الخطر محذراً من أن أكثر ملامح الفكر السياسي 
الحديث يظهر من جديد قوة الفكر الأسطوريء الذي عاد إلى الواجهة منتصراً 
على الفكر العقلي في كثير من جوانب نظمنا السياسية”. ويرى كاسيرر أن 
المعرفة العلمية وتقنيات السيطرة على الطبيعة, تحرز تقدماً كل يوم, لكن 
حياة الإنسان العملية والاجتماعية يشهد فيها الفكر العقلاني انهزاماً وكأن هذا 
الإرث الذي كون جزءاً من تصورات الإنسان عن الكون والحياة في مرحلة 
ليست بعيدة ولا قليلة من حياة المجتمعات الإنسانية, ما زالت البشرية تحتفظ 
بقدر غير قليل من آثاره. لا في أفكار الشعوب فقطء بل في نظمنا التربوية 


ومؤسفاتا الساسية 


)00( لتو نهنا علدلا سوحة1] مع81! ,علماد عط[ا كزه ا(ابرالة 1116 ,رأقصسظ كعتتلومهت 


.3-4 م ,1961 رش.كى.نا :.0ن) عمأاصلوط لإمنا8 عغط]1 ,ووعوط 


19 


تاؤويل الأسطورة يخ كتادات أقلاطون 


إن ولوج عالم الأماطير لمعرفة ماهيتهاء والوظيفة التي أدتها في حياة 
المجتمعات. ليست بالمهمة اليسيرة, كونها ممثلة لمرحلة من مراحل نمو 
الوعي الإنساني وتطورهء وبصورة خاصة عندما نتأمل الأسطورة يغية الوصول إلى 
رؤية توجه تأويلاتنا وتُضفي عليها وحدة وانسجاماً للأماطيرء بدءاً بما عكسته 
لنا المؤلفات المختلفة, كالمعاجم والموسوعاتء والمراجع المعروفة الأخرى 
كالكتب. فالنظريات الخاصة بالأسطورة ما زالت موضع خلاف كبير حسب 
زعم كاسيررء فكل مذهب يقدم لنا إجابة مختلفة. يتعارض بعضها مع بعضها 
الآخر تعارضاً كبيراً". ما يعني أن نضع في حسابنا هذا التباين بين المواقف 
المختلفة. وأول ما ينبغي أن ندركه أن من الصعب التصور أن هناك تعريفاً 
واحداً لماهية الأمطورة. ولا يوجد منهج واحدٌ لدراستهاء كما لا يمكن لنا أن 
نتجاهل أن الأسطورة التي تمثل جزءاً مهماً من تاريخ تطور الوعي الإنساني 
بالكون والحياة. يمكن أن نعدها أولى محاولات الوعي الإنساني للكشف عن 
ارتباطه بالكون والوصول إلى معرفة سننه في نظرات كلية تجد إجابات عن 
كثير من تساؤلاته» وتعطي الحلول لمشكلاته. فضلاً عن ذلك فالأسطورة محاولة 
تؤرخ لتجربة الإنسان في كثير من جوانب حياته ومواقفه الفكرية المختلفة 
منها. 


)١(‏ أرنست كاسيررء الدولة والاسطورة ترجمة أحمد محمود, مراجعة أحمد خاكيء الهيئة المصرية 


العامة للكتاب» القاهرة. 1910 ص 18. 


المقدمة 


وكان من الممكن تتبع تأثير الفكر الأسطوري في بواكير الفكر الفلسفي» 
حيث يُنظر إلى الأسطورة على أنها مرحلة سابقة على التفكير الفلسفي وممهدة 
له. لكن حضور الأساطير نفسها في أفكار الفلاسفة لم ينل إلا اهتماماً قليلاً من 
المفكرينء ولعل مثل هذه المحاولة جديرة بالاهتمام: لأنها يمكن أن ترشدنا 
إلى الطريق الذي اتبعه الفلاسفة في تأويل الأساطيرء وهذا يمهد لدراسة نظم 
التأويل التي ربما كانت الفلسفة أبرز ممثلة لها. 

لقد شغل الاهتمام بالأساطير حيزاً كبيراً من جهود الفلاسفة والعلماء 
والمفكرين. فمحاولاتهم المستمرة لتفسيرها وتحليلها وتأويلها تؤكد ذلك 
الاهتمام. فالأسطورة كانت تعني الكثير للإنسان في المجتمعات البدائية: لأنها 
تشكل عالماً موازياً لعالمه الواقعي كما تشير إلى ذلك «كارين» التي أكدت 
أن الميثولوجيا تتكلم عن عالم مواز لعالمنا وبطريقة ما داعم لوجودنا'". ما 
يعني أن الأسطورة كانت حاضرة بصورة دائمة في حياة الإنسان إلى جانب 
عالمه الذي يعيشه. ولهذا ترى «كارين» أن الأسطورة قد صممت لمساعدة 
البشر على التعامل مع المآزق البشرية المستعصية. كما أنها تعين الناس على 


0 


تحديد موقعهم ووجهتهم فيه. 


)١(‏ كارين أرمسترونغء تلريخ الاسطورة ترجمة وجيه قانصوء الدار العربية للعلوم ناشرون؛ بيروت» 
4 ص 3١‏ 


9) م.ن. ص .١3١‏ 


"١ 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 

وما يميز عالم الأساطير خصبه وعجائبيته أو غرائبيته وحيويته وحركته 
التي تبلغ حد الصراع؛ فضلاً عن ديمومته قياساً بعالمنا. 

إن قارئ نصوص أفلاطون الفلسفية يلاحظ أنه عمد أحياناً إلى استلهام 
بعض الأساطيرء بما أهاب بعدد من الباحثين الذين درسوا فلسفته لفهم هذا 
الجانب من فلسفته. وطرح عدد من الأسئلة حوله©.. لماذا لجأ أفلاطون إلى 
الاستعانة بالأسطورة في عرضه لأفكاره؟ لماذا اختار ذلك في مواضع معينة من 
فلسفته؟ وما الذي وجده في هذه الأساطير لتكون وسائل إضاءة لهذه الجوانب 
من فلسفته؟ هل نجح أفلاطون في خياراته التعبيرية هذه؟ أتمثل جوانب قوة 
في عروضه الفلسفية أم جوانب ضعف؟ وغيرها من التساؤلات التي اختلفت 
حولها الرؤى وتعددتء بين مؤيد لاستخدام أفلاطون لهاء ومنكر عليه استخدامهاء 
وبين منتقد و6 له وبين معجب مادح له. 


إن ما نشير إليه من آراء هو من أجل بيان ما حظيت به الأسطورة 


(*) أثناء إعداد هذه الرسالة. وقفت على كتاب يحمل عنوان (أفلاطون والأسطورة) من تأليف الدكتور 
محمد عباس (دار التنوير للطباعة والنشرء .07٠١8‏ وبعد الاطلاع عليه وجدت فيه توجهاً 
مختلفاً في تناول موضوع الأسطورة في فلسفة أفلاطون, ربما كان الكتاب وافياً بغرض مؤلفه. 
إلا أنه بعيدٌ تماماً عن الوفاء بغرضنا من دراسة الأسطورة في فلسفة أفلاطون ومحاولة تأويلهاء 
وهي محاولة يراد أن تكشف عن طرائق أفلاطون في التعامل مع الأساطير التي اختارهاء وما 
تحمله من دلالات لغايات فكرية تحليلية خاصة بأفلاطونء ولأغراض جمالية تعبيرية في الكتابة 
الفلسفية الأفلاطونية. 


رخا 


المقدمة 


في فلسفة أفلاطونء. وكيف اختلفت الرؤى حولها. فمن أولئك الذين انتقدوا 
أفلاطون لاستخدامه الأمطورة «بروشار-4مددءه,8», الذي رأى أن فلسفة أفلاطون 
تنقسم إلى قسمينء قسم يتصل بالماهياتء والآخر يتصل بالصيرورة. وعلى 
هذا أيضاً يقسم العلم لديه إلى قسمين. قسم يناظر الماهيات» والآخر يناظر 
التغيرء فالقسم الأول يمثل العلم الحقيقيء أما الآخر فيمثل الظن. فالأسطورة 
تدخل في باب الظنء أي إن الفكر الأسطوري يكشف عن جوانب الظنء. من 
هنا ينبغي طرحه إذ إن الجزء الخاص بالماهيات وحده فقط يمثل مذهب 
أفلاطون الحقيقي. بينما يرى «تيسملر» أن لجوء أفلاطون إلى الأسطورة من 
أجل أن يسهل الفهم لأولئك الذين لا يقدرون على تصور الأشياء بصورة 
مجردة, فالأسطورة كما يعتقد هي الثوب الحسي المجسم للأشياء العقلية 
المجردة. أما هيغل وتسلر فقد رأى كلاهما أن أفلاطون كان يلجأ إلى 
الأمطورة عندما يشعر بتراخي عقله وضعفه عن التفكير". ولكن لا يبدو 
أن أفلاطون قد ألغى عالم الحس وإن انتقصه وجعل له حدوداً لا يتعداهاء 
فأفلاطون أدرك أنه ليس بإمكانه أن يلغي ذلك العالم الذي يفرض وجوده 
رغم تغيره. فكيف نبيح لأنفسنا أن نلغي ما لم يلغه أفلاطون. كما ذهب 
بروشار. فمن المفيد أن نقبل أفلاطون كما قدم لنا نفسه من خلال فلسفته 


)١(‏ انظر عبد الرحمن بدويء اقلاطون. وكالة المطبوعات. دار القلم؛ الكويت بيروتء 21915 ص 


0 


7 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


العقلية والحسية. وألا نعلي من شأن العالم العقلي على حساب العالم الحسيء 
لأن كليهما يقدم لنا أفلاطون برؤيته الفلسفية الخاصة. 

وإذا كان لجوء أفلاطون إلى الأسطورة من أجل تسهيل عملية الفهم لمن 
هم عاجزون عن فهم الأشياء المجردة, فهذا يعني أن الأسطورة قد استخدمت 
لأغراض تعليمية تربوية على أنها طريق سهل لمقاربة عدد من المشكلات رأى 
فيها أفلاطون ما لم يره بغيرها لتبسيط الأفكار المجردة وتوضيحهاء فهي المثال 
الذي يستعين به أفلاطون لتوضيح أفكاره. وهذا يدل على أن الأسطورة هي 
إحدى وسائل التعلم المهمة. وهذا الأمر لم يغفله أفلاطون عندما استعان بها 
في التربية والتعليم الذي ابتغاه في جمهوريته. 

أما إذا كان أفلاطون استعان بالأسطورة في حالات عجز عقله وضعفه عن 
التفكير حسب هيغل وتسلرء فهنا استبدل بالبراهين والحجج العقلية» ما يوفره 
الخيال من قدرة على سوق الأمثلة. أي إن أفلاطون فكر في وسيلة أخرى غير 
البرهان العقلي لعرض بعض المسائل التي لا تكون فيها الحجج العقلية مجدية 
أو قادرة على الإقناع. 

إن لهذه الدراسة أهدافاً عامة وأخرى خاصة. فمن أهدافها العامة الإجابة 
عن جملة من التساؤلات والإشكالات التي أثارتها هذه الدراسة فيما يتصل بالتفكير 
الأمطوري. كيف نتأمل الدواعي التي أدت إلى بزوغ التفكير الأسطوري بوصفها 
طريقة من طرائق وعي الإنسان العالم وذاته. وما أهمية ذلك؟ ومن غايات 


هذه الدراسة الكشف عن المناهج المناسبة لدراسة الأسطورةء والأسباب وراء 


ع 


المقدعة 
هذا الاهتمام لدراسة الأساطيرء الذي تمثل بمحاولات الفلاسفة والمفكرين 
والعلماء تحليلها وفك رموزها وتأويلها. 
أما الهدف الخاص للدراسة فهو البحث في أهمية الأسطورة في فلسفة 
أفلاطون لطرح الكثير من المشكلات الفلسفية ومناقشتهاء كما عرضها أفلاطون 
مستعيناً بالأمطورة. فلا يمكن لنا أن نلم إلماماً حقيقياً بفلسفة أفلاطون إذا 
ما نحينا جانباً تلك الأماطيرء وكما يقول كاسيرر: «كان أفلاطون يشعر بسحر 
الأمطورة كاملا وكان يتمتع بخيال قوي قد ساعده على أن يصبح أحد كبار 
صانعي الأسطورة في التاريخ الإنساني. ونحن لا نستطيع تصور الفلسفة 
الأفلاطونية بغير أن نذكر الأساطير الأفلاطونية»'". حقاً لا يمكن لنا الكلام على 
فلسفة أفلاطون دون أن تتبادر إلى أذهاننا الأساطير التي ذكرها أفلاطون في 
مؤلفاته المختلفة. فهي جزء مهم من عروض أفلاطون الفلسفية, لا يمكن لنا 
أن نلغيه أو نتجاهله, ليس لأنها تمتاز بالبساطة والجمال فقطء بل لأن أفلاطون 
باستخدامه الأسطورة قد ألبس مشكلاته العميقة التي ناقشها ثوباً أضفى عليها 
الكثير من الطراوة والجمالء وهذا يفتح لنا مجالات لفهم أفلاطون الشاعر أو 
الأديب جنباً إلى جنب مع أفلاطون الفيلسوف. 
ومن أهداف دراستنا إماطة اللثام عن الرموز التي استخدمها 


أفلاطون في أساطيره المختلفة. وذلك عبر تأويل تلك الرموز التي 


)0( أرنست كاسيررء الذولة... مرجع سابقء» ص ؟6١٠.‏ 


50 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات أفلاطون 


نأمل أن يكون موفقاً في التعبير عما أراده أفلاطون بتلك الرموزء ومنسجماً مع 
رؤاه الفلسفية التي أراد ألا يبوح بها بصورة مباشرة بل اكتفى بالإيماء إليها 
والإشارة باستخدامه للرموز. 

إن تنامي الوعي بقيمة الأساطير الأفلاطونية واختلاف الرؤى حولهاء 
ومكانتها في فلسفته بالإضافة إلى أثرها الذي لا ينكر في حياة الشعوب». 
وخصوصاً الشعوب اليونانية وكيف وظفها أفلاطون لمعالجة الكثير من 
المشكلات الفلسفية والرغبة في تأويل رموز تلك الأساطير للكشف عن معناها 
الحقيقيء وإزاحة الحجب عنهاء كانت أهم الأسباب لاختيار هذا الموضوع, الذي 
يحاول أن يقدم إجابات مقنعة عن جملة من التساؤلات التي تمثل إشكالية 
هذه الدراسة والهدف الأساس منها. 

وبغية الكشف عن هذه الإشكاليات التي أثارتها الدراسة. فقد قسم 
البحث إلى مقدمة. وخمسة فصولء وخاتمة. جاء في المقدمة عرض للبحث 
وأهميته. والأسباب الكامنة وراء هذه الدراسة. وإشكاليتها وأهدافها بالإضافة إلى 
ذكر المنهج الذي استخدم في دراسة الأسطورة عند أفلاطون. 

أما الفصل الأول وعنوانه (الإطار النظري للأسطورة) فقد تضمن أربعة أجزاء 
الجزء الأول وعنوانه (الأسطورة شكل من أشكال التفكير). وتم فيه الكشف عن 
ماهية الأمطورة. حيث عرض عدداً من وجهات النظر المختلفة حول ماهية الأسطورة, 
فهناك من عدها قصةء وآخر اعتبرها منظومة اتصالء ومنهم من رأى فيها تعبيراً 


7” 


المقدمة 


عن الحياة كلها. وقدَّم هذا الجزء أبرز المناهج لدراسة الأسطورة. كالمنهج 
الوظيفي والبنيوي. إضافة إلى ذلك تم في هذا الجزء مناقشة وظائف الأسطورة, 
حيث حاولنا الكشف عن أبرز الوظائف التي تؤديها الأسطورة. 

أما الجزء الثاني وعنوانه (علاقة الفلسفة بالأسطورة)» التي اختلفت حولها 
الرؤى بين من يعتقد أنها امتداد لمرحلة الأسطورة» وبين من يرى أن هناك 
فرقاً بنيوياً بين الفلسفة والأسطورة. 

بينما يتناول الجزء الثالث وعنوانه (الأسطورة في مرحلة ما قبل أفلاطون) 
التفكير الأمطوري في المرحلة التي سبقت أفلاطون. وكيف تمت مناقشة 
الكثير من المشكلات, كأصل الكونء ونظرة الفلاسفة الذين سبقوا أفلاطون إلى 
الأسطورة. وكيف تعاملوا معها. 

أما الجزء الرابع وعنوانه (التأويل الفلسفي للأسطورة). فقد تناول التعريف 
بماهية التأويلء وغاياته في الكشف عن المعنى الخفيء فالتأويل هو عمل 
الفكر الذي يتشكل عند الكشف عن المعنى الحقيقي وراء المعنى الظاهري. 

وجاء الفصل الثاني وعنوانه (سمات الأسطورة الأفلاطونية). وفيه عرض 
لمؤلفات أفلاطون. وسمات كل مرحلة من مراحل كتابته. ونوقشت سمات 
الأسطورة في كل مرحلة. اي عن بعض الأسئلة. مثل هل كانت الأسطورة 
منسجمة مع موضوع المحاورة أم لاه وهل سايرت الأسطورة المرحلة التي صُنفت 
مؤلفات أفلاطون لها؟ وهذا كان الغرض من تتبع محاورات أفلاطون وتحديد سمات 


وخأ 


تاؤبل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


كل مجموعة من مؤلفاته كما صُنفت من قبل المعنيين بفلسفة أفلاطون. 
وقد شمل هذا الفصل أربعة أجزاء. في الجزء الأول الذي كان عنوانه (سمات 
الأسطورة في محاورات الشباب «السقراطية») عرض لسمات الأسطورة في هذه 
المرحلة من مراحل مؤلفات أفلاطون. وهي المرحلة المبكرة التي غلب عليها 
التأثر بفلسفة سقراط. 

أما الجزء الثاني وعنوانه (سمات الأسطورة في مرحلة النضج). وهي 
المرحلة التي برز فيها تأثر أفلاطون بالفلسفة الفيثاغوريةء وهذه المجموعة من 
مؤلفاته تعد الأغزرء والأكثر تنوعاً من ناحية وجود الأساطير فيها. 

أما الجزء الثالث وعنوانه (الأسطورة في مرحلة الشيخوخة). وهي مرحلة 
تمتاز بالنضجء يبدو فيها استقلال أفلاطون الفكري عن أستاذه سقراطء. وقد 
تناولنا هنا محاورات أفلاطون في هذه المرحلة: والأساطير التي تمثل هذه 
المرحلة المتأخرة من حياة أفلاطونء وناقشنا المشكلات التي عالجها أفلاطون 
باستخدام هذه الأساطيرء كمشكلة الصلة بين الإله والكون, وأثر ذلك في حياة 
البشرء ومشكلة الكون طبيعته ونظامه. 

وفي الجزء الرابع تحديد للسمات العامة للأسطورة الأفلاطونية» ومنها أنها 
اتصفت بالكونية والشمولء وكانت تهتم بالبعد الأخلاقي» وتفردت أيضاً بمحاولة 
سبرها أغوار النفس الإنسانية. 

أما الفصل الثالث الذي عنوانه (أبعاد الأسطورة الأفلاطونية)» 


1 


المقدمة 


فقد ناقش الأبعاد المختلفة للأسطورة. ذلك أن الأساطير التى استخدمها أفلاطون 
لم تكن لمجرد التسلية الفكرية» بل كان وراء ذلك أبعاد مختلفة. ففي الجزء 
الأول وعنوانه (البعد الميتافيزيقي) الذي حظي باهتمام أفلاطون. وشغلته 


موضوعاته. كالنفس التي ميز فيها بين النفس الظالمةء والنفس المظلومة, 
وثوابها وعقابها في العالم الآخرء وخلودهاء إضافة إلى حديث أفلاطون عن 
العالم الآخر. 

أما الجزء الثاني وعنوانه (البعد القيمي) والمتضمن مسألتي الأخلاق 
والجمال: ففيه حديث عن القيم الخلقية في الأساطير التي ورد ذكرها في 
هذا الموضوع., فتلك الأساطير طرحت مشكلة العدالة وما يتصل بها كمشكلة 
الاعتداء على الآخرين. أما ما يتصل بالجمال فقد بيّنت تلك الأساطير إشكالية 
الوصول إلى الجمال المطلق كما يعرضه أفلاطون في أسطورة «ولادة الحب». 
فالوصول إلى الجمال المطلق ومعرفته يأتي عن طريق الحب. إن الحب غاية 
نهائيةء وهي الوصول إلى الجمال المطلقء وتتحقق بتدرج الإنسان في الانتقال 
من الجمال المادي مروراً بجمال معرفة العلوم المختلفة. ثم الوصول إلى 
الجمال المطلق. كما أن الحب يعيننا على استعادة عالمنا السابق بتذكر النفس 
ذلك العالم. 

أما الجزء الثالث وعنوانه (البعد الكوسمولوجي). فتم فيه مناقشة رؤية 
أفلاطون الشاملة إلى الكون. كيف ابتدأت المخلوقات؟ وكيف تمت عملية 
حدوثها؟ ويماذا تميزت مخلوقاته. وكيف تم ذلك؟ وكيف عملت العناية الإلهية 
على استمرار بقائها بالوسائل المختلفة كالغذاء والتكاثرء بما يناسب كل مخلوق 


من مخلوقات العالم. 


إمهرا 


تؤيل الأسطورةي كتادات افلاطون 


وفي الجزء الرابع» وعنوانه (البعد المجازي), كلام على خلق معنى جديد 
يختلف عن المعنى المألوفء وموقف أفلاطون من المجاز حيث ضمّن بعض 
الأماطير التي استخدمها تعبيراً مجازياً. فأراد باستخدام الأساطير أن يظهر 
معنى مخالفاً للمعنى الظاهري لرموز تلك الأساطيرء أي إنه اختار رموزاً معينة 
وقصد بها شيئاً آخر كما هو الحال مع «خاتم جيجس». و«المركبة المجنحة» 
و«الكهف». 

أما الفصل الرابع وعنوانه (وظائف الأسطورة الأفلاطونية). ففيه عرض 
للوظائف التي أدتها الأسطورة في فلسفة أفلاطون. وكيف استطاع أفلاطون أن 
يطوعها لتلبي غاياته التي كان يتطلع إلى تحقيقهاء وكيف تمكن من جعلها 
عنصراً من عناصر الإقناع» يُضاف إلى ذلك الحجج والأدلة العقلية المنطقية, 
وقد تم له ذلك لعرض عدة وظائف أبرزتها تلك الأساطير. 

الجزء الأول وعنوانه (الوظيفة النقدية) سلط الضوء على النقد الذي 
وجهه أفلاطون إلى الأفكار والآراء والممارسات المختلفة التي كانت سائدة 
في المجتمع الأثيني» وقد تم التركيز بشكل خاص على نقد أفلاطون العنيف 
للمجتمع اليوناني» وما يسوده من ممارسات وجدها أفلاطون خاطئة مستعيناً 
باستخدام بعض الأساطير التي وجد فيها ما يلائم الوفاء بغرضه. وقد امتازت 
الوظيفة النقدية كما أرادها أفلاطون في أساطيره بالتنوع» فوجه نقده للمعرفة 
الزائفة خصوصاً تلك التي روجها السفسطائيونء وانتقد الوضع السياسي لأثينا 


وما آلت إليه من تراجع قياساً بأثينا الغابرة المزدهرة. 


المقدمة 


وفي الجزء الثاني وعنوانه (الوظيفة الاجتماعية) نوقش موقف أفلاطون 
الاجتماعي وصلته بموقفه السياسي. والكشف عن الأسباب الخفية التي كانت 
وراء تفكير أفلاطون في إقامة دولة مثالية.ء تخلو من المشكلات التي عانتها 
أثينا وشغلت تفكير أفلاطون في إيجاد الحلول لها. فما برز من مشكلات 
بالمجتمع الأثيني انعكست آثارها على تشكيل وعي أفلاطونء وبلورت رؤاه 
بتلك المشكلاتء فراح يفتش عن معرفة أسبابهاء وإيجاد الحلول المناسبة لهاء 
فبدأ عملية الإصلاح الاجتماعي بإصلاح التعليم» ووضع الحدود بين طبقات 
المجتمع. أي عمل على إيجاد نظم ليؤكد رأيه في المحافظة على النظام 
الاجتماعي الذي أراده أن يسود المجتمع. ووظف الأسطورة ليُظهر السمات 
التي يتصف بها الفلاسفة عن بقية الطبقات. والتي تجعلهم مؤهلين لإدارة 
شؤون الدولة. 

أما الجزء الثالث وعنوانه (الوظيفة السياسية) ففيه كشف عن برنامج 
أفلاطون الذي خططه لإصلاح المجتمع اليوناني» وكيفية إيجاد البيئة المناسبة 
لتهيئة الملك الفيلسوف الذي يعول عليه أفلاطون لتنظيم حياة المجتمع 
ورقيه. فقد شغل النموذج الذي أراده أفلاطون لإدارة الدولة أو سياسة 
الدولة تفكيره. وعكست مؤلفاته السياسية ذلكء ففيها حاول أن يقدم رؤى 
مختلفة إلى الرجل الذي سيتولى إدارة شؤون الدولة. وبتنوع رؤية أفلاطون 
السياسية» تنوعت أيضاً وظيفة الأسطورة السياسية, فنراه تارة يوظف الأسطورة 


لنقد أثينا الحاضرة التي أثقلت كاهلها المشكلات والصراعات. وسادتها 


9 


تؤيل الأسطورةي كتادات اقلاطون 


الفوضى والاضطرابء مقارنة بأثينا الغابرة والمزدهرة التي لم تعرف المشكلات. 
كما هو الحال في «أسطورة كرونوس». وتارة يوظف الأسطورة سياسياًء ليكشف 
بها فساد الحكم.ء وسوء أوضاع الدولة. عندما يتولى أولئك الذين يفتقرون إلى 
المؤهلات الحقيقية لإدارة شؤون الدولة. كما ورد في أسطورة «خاتم جيجس». 

وتحدث الجزء الرابع وعنوانه (الوظيفة التفسيرية المنهجية) عن 
المشكلات التي حاول أفلاطون أن يفسرها بلجوئه إلى الأسطورة من أجل تعزيز 
الإقناع بالبراهين المنطقية التي حشد لها حججاً إضافية مستمدة من الأساطيرء 
دعماً لحججه المنطقية التي ربما رآها ليست كافية لبلوغ حد من اليقين الذي 
أراده لهاء كمعرفة المثلء وموضوع النفس وما يتصل بها من مشكلاتء كالخلود 
والثواب والعقاب. ومكانها في العالم الآخر. 

بينما قصر الفصل الخامس وعنوانه (الرمز ودلالته في الأساطير الأفلاطونية 
«نماذج منتقاة») على تأويل رموز بعض الأساطير التي استعان بها أفلاطون 
ليناقش عدداً من الإشكاليات التي وضعتها هذه الدراسة. كما تحاول أن تبرز 
السبب في انتقائها لهذه الأساطير دون سواها مما ذكره أفلاطون. وقد حرص 
البحث على انتقاء الأماطير التي تكشف عن تفاصيل فلسفة أفلاطون كلها فتم 
تأويل رموز كل أسطورة. وقد وقع الاختيار أولاً على أسطورة «خاتم جيجس». 
التي تبحث في الآصرة التي تربط بين الأخلاق والسياسة. وتقدم لنا فكرة عن 
رؤية أفلاطون السياسية التي سيكشف عنها فيما بعد. 


رخا 


المقدمة 


أما الأسطورة الثانية فكانت «أسطورة كرونوس». وهذه الأسطورة تعرض 
رؤية أفلاطون السياسية فيما يتصل بالحكم.ء وكذلك انتقاداته لأثينا التي يحيا 
بها من جراء ما تعانيه من فوضى وفساد. 

أما الأسطورة الثالثة فكانت أسطورة «المركية المجنحة». هذه الأسطورة 
تتحدث عن خلود النفس وصلتها بالمعرفة. وتبين لنا كيفية الحصول على 
المعرفة. 

ووقع اختيارنا على «أسطورة الكهف» - وهي الأسطورة الرابعة - لأنها 
تقدم لنا خلاصة فلسفة أفلاطون بكل تفاصيلهاء ففيها نجد المعرفة.» والمنطق» 
والأخلاق» والسياسة. والميتافيزيقاء هذا من جانبء كما أنها تقدم لنا رؤية 
أفلاطون إلى المعرفة والتربية. وقد سار البحث على وتيرة واحدة في تأويل 
الأساطير التي تم انتقاؤهاء وذلك بإعطاء نبذة مختصرة عن الأسطورة» ثم حصر 
الرموز الواردة فيهاء وبعدها تأتي الخطوة الأخيرة بتأويل كل رمز من الرموز 
الموجودة في الأسطورة. 

وقدمت الخاتمة النتائج التي هيأتها الدراسة» والتي نأمل أن تعمق الوعي 
بفلسفة أفلاطون ذات الغنى والإلهام. 

ونظراً إلى طبيعة هذه الدراسة تطلب الأمر منا اللجوء إلى 
العرض التاريخي والتحليلي إضافة إلى ذلك عمل المقارنات بين 
الرؤى والمواقف المختلفة. ومن ثم جاء دور العقل للنظر في الآراء 


المختلفة والوقوف عندها بغية تقديم موقف عقلي نقديء إذ إن هذه 


0” 


تذيل الأشطورةخ كتابات أقلاطون 
المناهج التي اعتمدناها لهذه الدراسة كانت هي المناهج المناسبة لها أكثر 
من سواها. 

وقد رجعنا في هذه الدراسة إلى عدد من المصادر والمراجع» وكان 
مصدرنا الأول نصوص أفلاطون نفسهاء وقد اعتمدنا أساساً على النص الإنكليزي 
الذي قام بترجمته عن الإغريقية بنيامين جويت (0[ منصسدزهء8)ء الذي شمل 
جميع كتابات أفلاطون. وقمنا بعقد مقارنة بين الأصل الإنكليزي والترجمات 
العربية لا انتقاصاً من هذه الترجمات التي قام بها مترجمون بارزون ممن لهم 
حضورهم في واقع الفكر العربيء ولكن لتوفير أكبر قدر ممكن من المعنى 
الواضح الجلي لكتابات أفلاطون. 

إن عملنا في تأويل ما ترمز إليه الأساطير كما أراد أفلاطون أن يوجه 
الوعي بهاء تطلب معرفة مفصلة بالرموزء التي يمكن استخلاصها من قراءة 
الأماطير. 

تأمل. أن: تكون: :هذة الدراسة هوا منغرفان : بالوفاء. لهذا الفيلسوف 
العظيم: الذي جعل من قراءته وقراءة غيره من الفلاسفة متعة شخصية ليء 
لا ينقضي أثرهاء ولا تزول فوائدها. 


د. مها عيسى فتاح العبد الله 


ع 


تأويل الأسطورة 
في كتابات أفلاطون 


>50 


الفصل الأول 
الإطار النظري للأسطورة 


* أولاً: الأسطورة شكلاً من أشكال التفكير 
أ- مفهوم الأسطورة 
ب- المناهج والوظائف 

* ثانياً: علاقة الفلسفة بالأسطورة 

* ثالثاً: الأسطورة في مرحلة ما قبل أفلاطون 


* رابعاً: التأويل الفلسفي للأسطورة 


7 


الإطار النظري للاسطورة 


الإطار النظري للأسطورة 


أولاً: الأسطورة شكلاً من أشكال التفكير 

ليست محاولة الدخول إلى عالم الأساطير من أجل إماطة اللثام عما 
يكتنفٌ هذا العالم من لبس وغموض بالأمر الهين اليسير. ويدخل ضمن ذلك 
مفهوم الأسطورة وأشكال تجلياتها في تاريخ المجتمعات الإنسانية» والدور 
المعرفي والطقسي الذي أدته في حياة 'الجمافة» خصوضا إذا أخذنا في الاعتبار 
المؤلفات العديدة التي تناولت الأمطورة عبر مناهج مختلفة وتأويلات متعددة, 
كالمعاجم والموسوعات والدوريات والمؤلفات المختلفة. وكذلك اختلاف 
المذاهب الفكرية التي حاولت تفسير الأسطورة والمواقف منها. 

تحاول هذه الدراسة أن تجيب عن جملة من التساؤلات المهمة عن التفكير 
الأسطوريء ومنها على سبيل المثال: هل ظهر التفكير الأسطوري ليفي بمتطلبات 
أملتها ظروف خاصة: أو وضعيات اجتماعية: أو ثقافية معينة على الإنسان؟ وهل 


حاولت الأساطير كغيرها من طرائق وعي العالم إعانة الإنسان على استمرار وجوده؟ 


5 


تاوريل الشطورة يي كتإدات اقلاطون 


وهل يُرى في التفكير الأسطوري تأريخ لتجربة الإنسان في الحياة وموقفه 
الفكري منها؟ وغيرها من التساؤلات. 

وتأتي أهمية دراسة الأساطير حين ننظر إليها بوصفها مرحلة مهمة 
لا يمكن لنا تجاهلها لمعرفة خط سير تطور الفكر الإنساني ورقيهء فالأساطير 
تشكل بواكير تفكير الإنسان. ومحاولاته المبكرة المتواصلة لمواجهة مشكلاته. 
وطرح الحلول لها. 

ولقد أخذ الاهتمام بالأساطير يشغل حيزاً كبيراً من جهود المعنيين بها. 
ومحاولة تحليلها وتفسيرها وتأويلهاء فمنذ القرن التاسع عشر كما يشير صفوت 
كمال. وخصوصاً مع زيادة الاكتشافات المهمة لأماكن تعيش فيها مجموعات 
بشرية لم تكن معروفة من قبلء ظهر عدد من العلماء الذين أولوا اهتماماً 
قاض لدراسة الأساطين وغادات الشعوت وخضوصاً الشحوت"النداثية البشطة 
وتقاليدهاء وذلك لمعرفة مضامين الموروثات الثقافية والممارسات الطقسية 
الشائعة من حياة الشعوب بالكشف عن رموز تلك الممارسات الطقسية”". وهذا 
الاهتمام الذي برز بشكلٍ واسع بالأساطير منذ القرن التاسع عشر كان انعكاساً 
لعدد من الاكتشافات المهمة لأماكن سكنتها مجموعاتٌ بشرية لم تعرف من 
قبل. فأصبحت مادة مهمة لدراسة العلماء للكشف عن ممارسات وعادات تلك 
الشعوب وطقوسها كما عكستها دلالات رموز تلك الأساطير. 


)١(‏ صفوت كمال (الرمز والأسطورة والشعائر في المجتمعات البدائية). عالم الفكر, وزارة الإعلام: 
الكويت. 151/4, المجلد التاسع. العدد الرابع» ص .18١‏ 


الإطل النظري للأسطورة 
وهذه الدراسة محاولة للإجابة عن التساؤلات التى طرحناهاء والتى تعد 


الأمطورة شكلاً من أشكال الوعي الإنساني, تتناول الأمور الآتية: 


أ - مفهوم الأسطورة 
ليس الغرض من طرح هذا الموضوع هو استعراض جملة من التعريفات 
للأسطورة. إنما نهدف إلى انتقاء بعض من تلك التعريفات للأسطورة وخصوصاً 
تلك التي تُظهر الأسطورة بوصفها نموذجاً فكرياًء له سماته التي ميزته من 
نماذج التفكير الأخرىء ومن ثم تحليلها ومناقشتهاء وهذا أقرب إلى توجهات 
هذه الدراسة. 
تشير الموسوعة الكاملة للميثولوجيا الإغريقية إلى أن الأساطير هي 
قصص عن الآلهة» كانت على الأرجح في أصولها محاولات لتفسير ظواهر 
طبيعية وأحداث لم تكن وقتئذ قابلة للشرح والتفسيرء (كالحياة والموت وأفعال 
القدر)'". يظهر هذا التحديد انشغال الإنسان بالعالم العلوي المتمثل بالآلهة. ثم 
امتد هذا الاهتمام إلى تفسير جملة من الظواهر الغامضة التي كانت تحيط به 
في عالمه الأرضيء وربما كانت محاولة لتفسير أن ما حدث في عالمه الأرضي 
يعود إلى سبب ميتافيزيقي» أو بمعنى آخر أن العالم الأرضي مُهيمن عليه ومتحكم 
لقصة فلمع عاععيه عط غه لاعهه عط روه [مطتراة علءعيه كه منلعمماء م8 عاعامصمء عط )١(‏ 


ر«طم اع نلم ست وعتتضعام سه كلم صذ وعءعمرعغط 


.7م رهطع1 2003 »> :1100238612 كناناه 


١ 


تاؤدل الأسطورة يي كتادات أقلاطون 


فيه من قبل العالم العلوي البعيد عن مجال وعينا المباشر. مثل هذه الهيمنة 
والتحكم كانا وراء هذا الاهتمام. 

وفي تعريف آخر يُنظر إلى الأسطورة على أنها نوع من الاتصالء كما جاء 
في الموسوعة البريطانية» التي ترى أن الأسطورة هي مصطلح جمعي استخدم 
كنوع من الاتصال الرمزي. هذا المصطلح يشير إلى أحد الأشكال الرئيسة للرموز 
الدينية» التي تميزت من أنماط السلوك الرمزية الأخرى «كالعبادة. الطقس»». 
والأماكن والموضوعات الرمزية «كالمعابد والهياكل»'". تعكس الأسطورة هنا 
نوعاً من الاتصال الذي يتم التعبير عنه بأحد أنواع السلوك الإنسانيء وهو الرمز 
الديني الذي يميزه من بقية الأنماط الأخرى للسلوك الإنساني. أما رولان بارت 
فينظر إلى الأسطورة كمنظومة اتصال فيقول: «الأسطورة عبارة عن منظومة 
اتصالء إنها رسالة. من هنا نرى أن الأسطورة ليست موضوعاً ولا مفهوماً ولا 
فكرة. إنها صيغة من صيغ الدلالة» إنها شكل وفي وقت لاحق لابد من أن 
تضع لهذا الشكل حدوداً تأريخية»". هنا يتم التركيز على الشكل الذي تتخذه 
الأماطير وبه تتميز. فالشكل يأتي أولاً ثم تبدأ عملية وضع الحدود التاريخية 
له. أو بمعنى آخر يمكننا عن طريق الشكل أن نحدد انتماء النص إلى حقبة 


تع 1مطاترلة لسةه طاواة انه ,وعتمسمففتمظ ونلعم مل ءعمظ بعلم عط1 )0١(‏ 


.3 م ,12 ,آهل ,1974 ..ة.5.تآ نوعتمسصفغاءظ دتلءعمماءتإعمظ 
(0) رولان بارت اسطوريات (أساطر الحياة البومية» ترجمة قاسم المقداد, مركز الإتماء الحضاري, 


حلب. 1995 ص لاع7. 


زف 


الإطل النظري للأسطورة 


وهناك من ينظر إلى الأسطورة من خلال ما تعبر عنه. كما ذكر برنيس 
سلوت في تقديمه لكتاب الأسطورة والرمزء فهي كما يرى تشير أحياناً إلى 
قصص الأقدمينء وأحياناً إلى أشكال الإيمان المختلفة, أو أن لها وظيفة هي 
الكتابة الخلاقة, أو الكتابة الرمزية". هذا التعريف يربط الأسطورة بالماضي الذي 
يتجسد برواية القصص القديمة من جانبء. ومن جانب آخر يربط الأسطورة 
بالتعبير عن أشكال العبادات المختلفة. 

وتعزز رؤية فراس السواح إلى الأسطورة الموقف السابق فيقول : 
«الأمطورة من حيث الشكل هي قصة تحكمها مبادئ السرد القصصي من 
حبكة وعقدة وشخصياتء وما إليهاء وغالباً ما يجري صياغتها في قالب 
شعري يساعد على ترتيلها في المناسبات الطقسية وتداولها شفاهة. كما 
يزودها بسلطان على العواطف والقلوب لا يتمتع به النص النثري»". هذه 
الرؤية تؤكد أن الأسطورة كقصة يغلب عليها طابع السردء كما أن صياغتها في 
الغالب على شكل شعر يكسبها سهولة في التلاوة في المناسبات الطقسية 
وتداولها شفاهة يمنحها قدرة الهيمنة على العواطف. هذا التعريف يضم 


علاقة بين الشكل والوظيفة التي تؤديها الأسطورة في المجتمعات التي توجد 


)١(‏ مجموعة من المؤلفين, الشطورة والرمنء ترجمة حبرا إبراهيم جبراء وزارة الإعلام. الجمهورية 
العراقية. بغداد. */2191 ص 0. 
() فراس السواح. الشطورة والمعنىء دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمةء دمشق. ط ".2 


”ا ص "ال 


6 


تاؤيل الأسطورة يي كتادات أقلاطون 


فيهاء والمكانة التي تحظى بها الأسطورة, كما أن هذا التعريف يقصر دور 
الأمطورة على جانب ميز حياة الإنسانء وهو مزاولة الطقس. 

وهناك من يجمع في الأسطورة بين أهمية الشكل والمضمونء فعلى 
رأي فرانكفورت أن التصوير الشعري الذي في الأسطورة» هو ليس مجرد سرد 
لقصة رمزية. بل هو ثوب اختاره الإنسان البدائي بعناية للفكر المجرد. حيث 
إن الصور فيه لا يمكن فصلها عن الفكرء لأنها تمثل الشكل الذي أصبحت 
التجربة فيه واعية ذاتها". أي إن وعي البدائي ارتبطت فيه الصور الشعرية 
بالفكر. ومن هنا لا يمكن أن ينظر إلى التصوير الشعري في الأسطورة باعتباره 
مجرد سرد لقصة رمزية. 

وهناك من يميز الأسطورة كشكل سردي من خلال مقارنتها بالأجناس 
التعبيرية الأخرى: كما جاء في موسوعة الدين والأخلاق. فالأسطورة كما تبين 
تتخذ عادة شكل السرد بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لكن الفرق بينها وبين 
الخرافة يكمن جزتياً في حقيقة أن الأسطورة كما يُعتقد بها أنها تمثل حقيقة 
جوهرية. أقله من قبل أولئك الذين يعتقدون ذلكء وبهذا تختلف الأسطورة 


عن الحكاية الرمزية أو المجازء كما تختلف عن قصص الخيال”". صحيح أن 


() ه فرانكفورت, حاهِل الفلسفة الإنسان في مغامرته الفكربة الأؤلىء ترجمة جيرا إبراهيم 
جبراء مراجعة الدكتور محمود الأمين, نشر بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين المساهمة للطباعة 
والنشر: بغداد - القاهرة - بيروت - نيويورك. 31553١‏ ص 18. 

م ده1101115 (تإوه[مطار8) عدخ ,دعنطاظ لصة ممنتوناعه 2ه دتلعءعمماءتإعصظ 


. 118 م 12 بآ ,1971 مستفعغتمظ أوعم :لع اتسنا ططز ل0سة 


ع 


الإطل النظري للأسطورة 


الأمطورة هي شكل سردي كبقية الأجناس الأخرى التي تتخذ من السرد شكلاً 
لهاء لكنها تختلف عنها بأنها تمثل حقيقة أساسية. خصوصاً لمن يؤمنون بها. 

وهناك من يرى في الأسطورة تعبيراً عن جوانب الحياة كلهاء الطقسية 
الاجتماعية, السياسية... إلخ. فالأسطورة في مستواها العميق كما يعتقد توماس 
سنجر يمكن أن تفهم بوصفها قصة موحدة. تتوحد فيها مجموعة من الرؤى 
تكمن في بؤرتها قصة تتحدث الشعوب فيها عن أصولها من خلال مكانتها 
في أزمنة وأمكنة محددة. كما أنها تمثل التجارب والمعاناة وتمثل ديمومتها 
وإعادة الخلق فيهاء فالأسطورة هنا ترى نفسها عبر دورات التاريخ الطبيعية. 
لذلك توفر الأسطورة في هذا المستوى أساس الحياة الطقسية. الاجتماعية, 
السياسية'". يتضح من هذا أن المنظور الأسطوري لهذه الشعوب هو ذو منظور 
كليء يوفر رؤية شاملة كاملة تهيىء للشعوب إمكانية لممارسة حياتها الطقسية. 
الاجتماعية: السياسية. 
ب - المناهج والوظائف 

-١‏ مناهج دراسة الأسطورة 


على الرغم من انتماء الأساطير إلى شعوب وبيئات مختلفة., 


ورغم الهجرة المستمرة للأساطير كما يعتقد الدكتور مصطفى علي 


)0( ما مطعبروظ لصه عتازامظ ,طتركة) وصنطا صملعت 7176 جاعقطذة ققتصمط1 


.12م ,2000 ,ق0هصمقكت ممه ذ.ك.تا نعع لع نم8 (للعمسر علا 


60 


تاؤبل الأسطورة ف كتإدات أقلاطون 


الجوزو حيث يقول : «من الصعب نسبة أسطورة ما إلى شعب بعينه. بسبب 
ما يسمى بهجرة الأساطير والخرافات» وإن كان هناك نسيج أسطوري خاص بكل 
شعب متأثر بالبيئة والعقيدة التي يعتنقها»'". أي إن الأساطير تعكس تأثرها 
ببيئات الشعوب وعقائدها. 

وهناك من يؤكد وجود نظريات متعددة تتصل بأصل الأساطير واختلاف 
تصنيفها بين كونيةء وأخلاقية. ولاهوتية وغيرهاء كما تشير إلى ذلك موسوعة 
(الدين والأخلاق)» التي تؤكد أن معظم تلك النظريات إلى حد كبير أو قليل 
يمكن الاعتماد عليها لقدرتها على تقديم حلول كونية للمشكلات التي تتصل 
بالأماطير. ومن هنا يمكن أن تصنف الأساطير ليس فقط تبعاً لظواهر الأحداث. 
والعقائد التي ترتبط بهاء ولكن يمكن أن تصنف أيضاً تبعاً لأصل الأفكار التي 
تعبر عنها الأساطير”. هذا النص يشير إلى مسألة مهمة. وهي عدم وجود 
نظرية واحدة تتصل بأصل الأساطيرء وهذا نابع من تعدد الأساطير واختلافها. 

هناك بعض المناهج التي حاولت دراسة الأسطورة من أجل تقديم رؤية 
عن التفكير الأسطوري باعتباره يمثل مرحلة من مراحل تفكير الإنسان الأولي 
من جانبء ولتميزه من أشكال التفكير الأخرى التي اتخذها الإنسان عبر مراحل 
حياته من جانب آخرء وأبرز هذه المناهج هي: 


.06 مصطفى على الجوزو. من الأساطر العرسة والخرافات. دار الطليعة. بيروتء ل/ا/ل351 ص‎ )١( 
ص أك.م0 ,...قعتطا سه ممنوناعظ زه فنلعءمماءرعمظ‎ (2 


ا 


الإطار النظري للأمطورة 
أ - المنهج الوظيفي 
يؤكد بيتر مونز بأن كلاً من مالينوسكي (1942- 1884 :دو«ومناه/3) المختص 
بالأنثروبولوجيا الاجتماعية و راد كليف براونء (هده:8 عمنات 224) أعلنا الواحد 
تلو الآخر أن الأساطير شأنها شأن المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والشعائرية, 
أدت وظيفة محددة في المجتمع الذي تجري رعايتها فيه. وأن أي معنى تحمله 
يمكن استيعابه فقط من خلال تحليل وظائفها". أي إن هذا المنهج ينظر 
إلى الأسطورة من خلال الوظيفة التي تؤديها في المجتمع الذي تنتمي إليه 
فقد تقدم وظيفة طقسية أو تفسيرية أو تبريرية... الخ. لذا لا يمكن للأساطير 
التي تعالج من خلال هذا المنهج - كما يؤكد بيتر مونز - أن تكشف حقائق 
أزلية عن الإنسان والكون". بمعنى آخر إن ربط الأسطورة بالوظيفة التي 
تؤديها يفقدها معناها المستقل الخاص بها من جانبء ويصبح لها معنى نسبي 
لا يمكن من خلاله الوصول إلى رؤية كلية عن الأساطير. 
لقد حظي مالينوسكي - كما يرى ليتش - باهتمام المختصين 
الأنثروبولوجيين الاجتماعيينء سواء في بريطانيا أو في الولايات 
المتحدة ممن يؤكدون أنهم «وظيفيون» على طريقة مالينوسكيء. كما 
)١(‏ بيتر مونزه حين ,يدكسر الغصن الذهبيء بنبوية أم طبولوجية ترجمة صبار سعدون السعدون, 


مراجعة جيرا إبراهيم جبراء دار الشؤون الثقافية العامة, بغداد. 2.0985 ص 15. 


0) م.ن. ص 16. 


لاع 


تايل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


أنهم يتبعون تقاليده”". أي إن كثيراً من الأنثروبولوجيين الاجتماعيين يتبعون 
المنهج الوظيفي في تفسير الأسطورة. 

ب - المنهج البنيوي 

مؤسس هذا المنهج هو كلود ليفي شتراوسء وهو أنثروبولوجي اجتماعي 
يتبع تقاليد جيمس فريزر دون أن يتقيد بأسلوبه. ذلك أن اهتمامه قد تركز - 
كما يؤكد ليتش - على كشف حقائق تشكل «العقل البشري»» وليس الحقائق 
الخاصة بتنظيم مجتمع محدد. أو صنف من المجتمعات". ويبدو أن شتراوس 
قد انشغل خلافاً لمالينوسكي بما هو مشترك بين بني البشرء وليس بما تختلف 
فيه المجتمعات الإنسانية. 

لقد كان السير جيمس فريزر )1981-١8606(‏ يسعى إلى اكتشاف الحقائق 
الأساسية التي تتعلق بطبيعة النفس الإنسانية - وذلك كما يرى ليتش - عن 
طريق المقارنة بين عناصر الثقافة البشرية بتفاصيلها على صعيد كوني. حيث 
يهدف إلى معرفة التشابه أو ما هو مشترك بين الشعوب البدائية". إن غاية 
فريزر من دراسة الشعوب البدائية كانت معرفة الحقائق التي تتصل بالنفس 


الإنسانية. وقد تحقق له ذلك بمعرفة ما تشترك فيه تلك الشعوب. فقد اهتم -في 


)١(‏ إدموند ليتشء. كلوه ذيفى شتراوس2«(٠راسة‏ ذكرية. ترجمة ثائر ديب. منشورات وزارة الثقافة, 
دمشق» لالكل ص ع 
0( عل ص ء. 


22 مءن.ء ص ”3 


8 


الإطل النظري للاأسطورة 


كتابه الغصن الذهبي كما يشير مرحبا - بدراسة مختلف النظم البدائية 
والسياسية «خرافات أو معتقداتء. في السلطة والملكية والسحر والطلسمات... 
إلخ» ثم جمع الأشكال التي تتخذها تلك النظم في جميع الأوقات وفي مختلف 
البلدان» وعمل على مقارنتها بعضها ببعض لدى البدائيين وأنصاف البدائيين 
تلك النظم الموجودة بتمثلاتها لدى الشعوب القديمة التاريخية أو السابقة 
على التاريخ, حيث وجد أن هناك أوجهاً من الشبه عظيمة ما جعله يمتنع 
عن القول بوجود فروق بين الشعوبء وأعلن أن هذه المشابهات هي نتيجة 
لوحدة العمليات العقلية لدى جميع الناسء رغم تباينهم واختلافهم. إذ إن 
طرائق التفكيرء وبناء الفكر الإنساني وقيامه بوظائفه. هي نفسها في كل زمان 
ومكان. أي إن الأطر العامة للفكر ووظائفه واحدة لدى الجميعء في حين أن 
مضمون الفكر هو الذي يتغير". بمعنى آخر إن هناك نظاماً وشكلاً واحداً 
للفكر ثابتاً لا يتغيرء والذي يتغير فقط هو المضامين. 
لقد سار شتراوس على خطى جيمس فريزر بالسعي وراء 


اكتشاف ما هو مشترا ك بين الشعوب البدائية. وذلك من خلال دراسة 

الأساطيرء حيث رأى أن الأساطير هي نفسها في عقول البشر. وقد 

شرح بيتر مونز - الذي يعد من أكثر نقاد ليفي * شتراومن تعاظفاً معة 

- ما قصده شتراوس بقوله هذا إذ يقول : «يقصد بهذا أن الأساطير 

)١(‏ محمد عبد الرحمن مرحباء شل فل يتفلسف الإنسالء دار النشر للجامعيين, بيروت. 21508 ص 
لالم 


6 


تيل الأسطورةي كتإبات اقلاطون 


ليست قصصاً تخلق بصورة إرادية أو عشوائية. بل تفرض سيطرة تامة على 
العقل البشري. وتفصح عن نفسها في العقلء إنها بعض من الأشكال الأساسية 
التي يفكر بها العقل البشري»". أي إن الأساطير كما يرى شتراوس هي شكل 
من أشكال التفكير. 

لقد رفض شتراوس أن تسمى الشعوب السابقة بالبدائية. إذ يعتقد أن 
من الأجدر أن نسميها شعوباً «دون كتابة» ذلك أن الكتابة كما يرى شتراوس 
هي عامل التمييز الحقيقي بيننا وبينها'". لم يقتصر اهتمام شتراوس بالشعوب 
السابقة على إيجاد ما هو مناسب لتسميتها فقطء بل إنه حاول نقد المواقف 
التي تعاملت مع التفكير البدائي ورفضهاء حيث يعتقد أن الطريقة الأولى التي 
اعتبرت التفكير البدائي أكثر فظاظة, وتتمثل في الأنثروبولوجيا المعاصرة بعمل 
مالينوسكيء إذ يرى شتراوس أن المرء يحس مع مالينوسكي بأن فكر الشعوب التي 
كان يدرسهاء وفكر معظم التجمعات البشرية المفتقرة إلى الكتابة» والتي تمثل 
مَوَضوعاً للأنقروبولوحياء هو فكن حكمكة- وما ترال:حاحاث الحياة الأساسية قعنوما 
يعرف الإنسان أن شعباً ما محكوم بمحض ضرورات العيش, مثل التفتيش عن 
الغذاء. وإشباع الحاجات الأساسية وغيرهاء عندئذ يصبح بإمكانه تفسير مؤسساته 


الاجتماعية» ومعتقداته وأساطيره وغيرهاء وهذا يدخل فى إطار الوظيفية. أما 


.7"١ بيتر مونزء حين بدنكسر...» مرجع سابقء ص‎ )١( 
ص‎ ١986 كلود ليفي شتراوس,» الشطورة والمعنىء ترجمة صبحي حديدي» دار الحوار.ء سورية.‎ )0 


/اا. 


الإطار النظري لللسطورة 
التفسير الآخر فهو لا يضع فكر تلك الشعوب كما يرى شتراوس بمرتبة أدنى 
بل يعتبره فكراً مختلفاً من حيث الأساس. ويتمثل هذا الموقف بالمقاربة التي 
عرضها عمل ليفي برولء الذي رأى أن الفرق الأساسي بين فكر بدائي. وفكر 
حديث يتضح في أن الفكر البدائي محكوم بصورة كلية بعاطفة وجدانية. إن 
مفهوم مالينوسكي كما يرى شتراوس نفعيء ومفهوم برول وجداني أو عاطفيء 
وهو يختلف عن الاثنين حيث يقول: «لقد حاولت التشديد على أن فكر 
الشعوب المفتقرة للكتابة غير نفعي وهو افتراق عن مالينوسكيء كما أنه عقلي 


". أي إن شتراوس لا يرى 


فكري من جية ثانية» وهو افتراق عن ليفي برول» 
الفكر السابق للكتابة بأنه فكر نفعي أو عاطفيء فهو - كما يرى - فكر عقليء 
ي إن الفكر الأسطوري له منطقه الخاص به. 

أما شتراوس فقد حاول أن يقدم لنا رؤية مختلفة في دراسته للأسطورة حيث 
أكد في دراسته للأسطورة - كما يشير بيتر مونز - تجزئة كل أسطورة إلى مظاهرها 
التكوينية. إذ ينبغي أن تدرس تلك المظاهر الجزئية بوصفها وحدة واحدة". 
بمعنى آخر إن المنهج البنيوي يؤكد أن الوحدة والنظام يربطان الأجزاء بعد 
عملية تجزئة الأساطير, أي الحفاظ على النسق الذي ترتبط به جميع الأجزاء. فهذا 
)١(‏ كلود ليفي شتراوسء الاسطورة... مرجع سابقء ص 18-17. 


(9) بيتر مونزء حين ,ينكسر.... مرجع سابق» ص .7١‏ 


0١ 


تاؤبل الأشسطورة ف كتإدات أقلاطون 


المنهج - كما يرى بيتر مونز - يؤكد الشكل وليس المضمون. كما هو الحال 
في المنهج الوظيفي. 

بعد هذا العرض لكلا المنهجينء يمكن أن نختتم هذا الموضوع من خلال 
توضيح أهم نقاط الاختلاف بين المنهجين في رؤيتهما إلى التفكير الأسطوري, 
وفق طرح بيتر مونز. 

إن الوظيفية أو المنهج الوظيفي يسعى إلى فهم المجتمعات البدائية 
التي تكون فيها الأعراف. والمعتقدات والاقتصاد. والسياسة مترابطة وظيفياً - 
أي ربط الفكر الأسطوري بالوظيفة التي يؤديها في المجتمع البدائي - فنحن 
نفهم تلك المجتمعات باعتبارها مجتمعات مختلفة تماماً عن مجتمعاتناء وعليه 
يكون فهمنا مركزاً على إبراز تلك الفروق» هذا من جانبء ومن جانب آخر 
فإن الوظيفية لا يمكن أن تمد جسراً بين أنظمتنا الاجتماعية وأنظمة الشعوب 
البدائيةء فهي تجعلنا ندرك باستمرار الفروق الأساسية بيننا وبينهم”". بكلمة 
موجزة المنهج الوظيفي لا يقدم رؤية كونية على ما يصل المجتمعات البدائية 
بالمجتمعات الحاضرة. بل يقدم رؤية يحاول من خلالها معرفة أهم الفروق 
بين المجتمعات. 

أما البنيوية أو المنهج البنيوي. فهي عكس ذلكء إنها تهتم 
بالنظام الذي يسود المجتمعات البدائية والحاضرة. إذ يرى هذا 


المنهج أننا ننظم علاقاتنا وتقاليدنا الاجتماعية ومعتقداتنا من خلال 


0 


الإطل النظري للأسطورة 


تمييز «أ» مما هو غير «أ». فالبنيوية تسعى للتوصل إلى الفهم من خلال الربط 
بين المجتمعات البدائية والحاضرة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرىء فالبنيوية 
بعيدة كلياً عن إظهار أي شعور بالتفوقه فهي تعود إلى الماضي لتؤكد أن 
الفروق بين هنود الأمازون وسكان نيويورك الحاليين ضئيلة» وعليه يمكن القول 
إن الفهم الذي تقدمه الوظيفية - كما يؤكد بيتر مونز - يعود إلى الطريقة التي 
تحاول أن تظهر بها الفروق بيننا وبين المجتمعات البدائية. أما الفهم الذي 
تقدمه البنيوية فيتضح من خلال توكيدها حالات التشابه بيننا وبينهم'". نلاحظ 
أن هذين المنهجين مختلفان تماماً في فهم المجتمعات البدائية فالمنهج 
الوظيفي يبرز الفروق بين المجتمعات القديمة والحديثة. بينما يبرز المنهج 
البنيوي حالات التشابه بينهما. 

"ا- وظائف الأسطورة 

بعد معرفة مصطلح الأسطورة. والمحاولات التي بذلت من قبل بعض 
المفكرين لوضع مناهج خاصة بدراسة الأسطورة, ننتقل إلى معرفة الوظيفة التي 
تؤديها الأسطورة, وهذا يساهم في فهم الأسطورة. ومعرفة مدى أهميتها من خلال 
الدور الذي تؤديه» فنتساءل عن وظيفتها في الحياة الإنسانية» وهل تعد أساسية 
لحياة الإنسان؟ أو أن تلك الوظيفة كانت هامشية تقتصر على الإمتاع الذي 


تحققه القصص المروية؟. يقول مالينوسكي (واة»«مدناه31): «إن الأسطورة بالشكل 


.,78-1/ بيتر مونزء حين ينكسر... مرجع سابقء ص‎ )١( 


وك 


تاويل الأشطورة يخ كتإدات افلاطون 
الذي توجد عليه عند المجتمعات البدائية. أي في شكلها البدائي الحي» ليست 
مجرد قصة تُحكى, إنما هي حقيقة معاشة. إنها ليست من نوع القصص التي 
نقرأها في أيامنا هذه. ولكنها حقيقة حية: يعتقد أنها حدثت ذات مرة في 
العصور البدائية» واستمرت بعدئذ بالتأثير في العالم وفي مصائر الناس... إن 
هذه القصص لا تعيش بسبب الاهتمام الهامشي بهاء ليست كقصة تروى أو 
حتى حكاية حقيقية» بل إنها تمثل للبدائيين تعبيراً عن واقع أعظم وأكثر 
حميمية. تحدد من خلالها الحياة الحالية وفعاليات الجنس البشري وأقداره»". 
إن الأسطورة تعكس لنا الطقوس والشعائر والدوافع الكامنة وراءهاء وطريقة 
أداء تلك الطقوس كما مارستها المجتمعات البداتية. يبدو مما سبق أن للأسطورة 
وظيفة تؤديها للمجتمعء. ويمكن أن نشير إلى أبرز الوظائف التي ورد ذكرها 
في الموسوعة البريطانية» ومنها: 
-١‏ وظيفة التفسير والسرد. 
ا- وظيفة التبرير ومحاولة إضفاء شكل من أشكال المنطق على الأحداث 
والوقائع. 
بالإضافة إلى الإشارة إلى وظائف أخرىء منها: 
-١‏ الوظيفة الوصفية. 
'- وهناك وظائف أخرى تتمثل بالسحر والوظائف التعبيرية. 
وكل وظيفة من هذه الوظائف كان لها دور في المجتمع الذي 


)١(‏ ب. غريمالء «الإنسان والشطورة) الثقافة الأجبية ترجمة فاضل السعدونيء وزارة الثقافة 


والإعلام» دار الشؤون الثقافية العامة. العراق. 2١99١‏ ص (6. 


ع0 


الإطل النظري للاسطورة 


مثله التفكير الأسطوريء ويمكن أن نقدم لمحة بسيطة عن هذه الوظائف. 
-١‏ التفسير والسرد 

يمثل التفسير الوظيفة الأولى للأسطورة بتفسيرها للتقاليد. وسبق أن 
فسرت الحقائق الاجتماعية, والثقافية: والبايولوجية الأسطورة من خلال السرد. 
وهذا يميز التفسير الذي تقدمه الأسطورة عن التفسير العقليء فالتفسير والسرد 
كوظيفة منسجمان معاً في الأمطورةء ومن هنا أصبح للأساطير أهمية في كثير 
من أنظمة التعليم التقليدية", وقد نال التفسير الذي تقدمه الأساطير اهتماماً 
بأنظمة التعليم للمجتمعات البدائية بسبب اتخاذه شكل السرد. 
*- التبرير ومحاولة إضفاء شكل من أشكال المنطق على 

الأحداث والوقائع 

كانت الأجوبة عن عالم الأساطير ذات تنوع عظيم بما تحمله من تساؤلات 
حول الطبيعةء ومنشأ الطقسء والأعراف الدينية... هذه التساؤلات التي تظهر 
في دورة معينة يكشفها عالم الأماطيرء حيث تقدم الأمطورة فيه تفسيراً تسوغ 
فيه نفسها داخل تلك المضامين. والوصف الذي تقدمه الأسطورة لما يحدث 
يمتلك نبرة تفاؤلية. ما دامت الأسطورة تجعل الحياة محتملة ولهذا يمكن أن 


تفهم العبادة هنا على أنها احتفال بالمناسبات التي تذكرها تلك الأحداث. أي إن 


)0( 5 م ماك.م0 ,...وعتممفغء8 وتلعدممل زعمط برعم عط 


00 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 
الأساطير تسوغها الحياة نفسهاء بما يصاحبها من احتفالات طقسية". هذا 
يعني أن الأسطورة التي تعكس لنا ما يحدث في الطبيعة» وما يتصل بالطقوس 
والشعائر الدينية. وتؤكد وجودها في الوقت نفسه بما تحاول إبرازه. 

بالإضافة إلى وظيفتي السرد والتبرير هناك أيضاً الوظيفة الوصفيةء وهي 
كناية عن محاولة ربط الحقائق بمرجعياتها التي تتعالى على التعليل الاعتيادي 
والملاحظة. إذ إن بإمكان الأساطير أن تصف أصل العالم: ونهاية العالم» أو 
دولة النعيم الأبدي. وهي قادرة على وصف كيفية استخدام الإنسان عقله 
في الموضوعات التي لا يراها بنفسها. إنها تقدم الكثير من التفسيرات طالما 
كانت الوظيفة الوصفية قادرة على أن تقدم وصفاً لقيمة الأساطير التعليمية 
في المجتمعات التقليدية. وتمثل الأساطير في التقاليد البدائية الشكل الوحيد 
للتعليم في غياب أي تساؤل فلسفيء أو علمي مستقلء أي إن وظيفة الأسطورة 
الوصفية هي التعبير عن متطلبات حياة الإنسان. وهي تذكر الإنسان الحديث 
بأن الأسطورة لم تنته بنهاية ما اصطلح عليه بالمجتمعات البدائية. أو الحضارات 
القديمة'". بمعنى آخر إن الأسطورة تستطيع أن تصف الكثير من ظواهر هذا 
العالم: أصل العالم: ونهاية العالم... إلخ» وبهذا الوصف تظهر القيمة التعليمية 
)00 .95 م ,نط1 
0 .5 م ,لذط1 


01 


الإطار النظري للاسطورة 


للأماطير. حيث كانت تمثل الشكل الوحيد للتعليم في المجتمعات البدائية, 
أي إن الوصف كان مرتبطاً بوظيفة تعليمية وهذا يكشف لنا دور الأسطورة 
في عملية التعليم. 

وهناك أيضاً وظائف أخرى للأسطورة, منها وظيفة العلاج والإلهام. وهو 
يدرج ضمن وظيفة السحر والوظائف التعبيرية» إذ تمثل هذه الوظائف الدور 
الذي تؤديه الأسطورة. فعلى سبيل المثال تتم عملية الاستشفاء بترديد بعض 
العبارات السحرية التي يكون لها تأثير في المريض تساهم في تعافي المريض 
أو شفائه. وللأسطورة وظيفة مهمة هي الإلهام الشعري من خلال استذكار 
الشاعر بعض الآلهة لمنحه إلهام المقدرة الشعرية. فالشاعر القديم (نورس) 
ألهم شعره من خلال استذكار الإله (أودين)". نستنتج من ذلك أن الأسطورة 
قد فرضت هيمنتها على حياة الإنسان في المجتمعات البدائية. وخصوصاً فيما 
يتصل بالتعليم كما عكسه التفسير والوصفء. وكذلك الشفاء والفن. أي إن 
التعليم والعلاج (الطب) والفن اتخذ أهمية خاصة في التفكير الأسطوري. 

إن الفكر الأسطوري يتصف بأنه فكر خصب مبدع من جانب» 
ومرن غير متحجر من جانب آخرء فهو يواصل باستمرار - كما يرى 
السواح - عملية خلق أساطير جديدة. وهو لا يجد غضاضة عندما 
يتخلى عن الأساطير التي تفقد طاقتها الإيحاتية أو تعديلها". أي إن 
للق .95 م ,نط1 
() فراس السواح.ء ااشطورة... مرجع سابقء ص .١1١‏ 


/ا0 


تاريل الشطورة يي كتإدات اقلاطون 


الفكر الأسطوري يعكس لنا الأساطير الجديدة التي يخلقها خصبه وغناهء ويكشف 
لنا تخليه عن بعض الأساطير عندما تفقد طاقتها الإيحائية عن صميميته وعمقه. 

من خلال تعدد الوظائف التي تؤديها الأسطورة في حياة الإنسان تتحدد 
العلاقة بين العالم والأسطورة, فالعالم - كما يرى بارت - يقدم للأسطورة واقعاً 
تاريخياً محدداً بالشكل الذي أنتجه البشر أو استخدموه, في حين تقوم الأسطورة 
بإحياء تلك الصورة الطبيعية لهذا الواقع'". بمعنى آخر الأسطورة هي تعبير 
عن الواقع الذي تنتمي إليهء حيث تصور لنا بإيحاء مبدع مشهداً يعكس لنا 
وَاقعا :تاونكا هغينا. 

ثانياً: علاقة الفلسفة بالأسطورة 

لعل من المفيد أن نبدأ بحثنا هذا الذي نحاول فيه أن نحدد الصلة 
بين الفلسفة والأسطورة باقتباس تساؤلين يثيرهما الفيلسوف الفرنسي «إميل 
برهييه». حيث يقول في تساؤله الأول: «إلى أي حد وإلى أي مدى ينعم الفكر 
الفلسفي بتطورٍ مستقلٍ بذاته بما يكفي لاتخاذه موضوعاً لتاريخ متميز عن 
تاريخ سائر العلوم العقلية؟ أفليست الرابطة التي تربطه بالعلم والفن والدين 
والحياة السياسية أوثق من أن تبيح اتخاذ المذاهب الفلسفية موضوعاً لبحث 
منفصل». أما في تساؤله الثاني فيقول: «هل يجوز لنا الكلام عن مسار مطرد 


أو عن تقدم الفلسفة؟ أم أن الفكر البشري يمتلك من البداية جميع الحلول 


529 رولان بارتء اسطوريات... مرجع سابقء ص‎ )١( 


064 


الإطل النظري للأسطورة 
الممكنة للمشكلات التي يطرحهاء ولا يفعل بعد ذلك سوى أن يكرر نفسه إلى 
ما لا نهاية»'". في الاقتباس الأول يؤكد إميل برهييه حقيقة مهمة. وهي الصلة 
التي تربط الفلسفة بحقول المعرفة الأخرى. وهي صلة وثيقة يتعذر معها 
اعتبار الفكر الفلسفي موضوعاً لبحث منفصل عن بقية حقول المعرفة. أما 
في الاقتباس الثاني فيتساءل برهبيه قائلاً : هل هناك تقدم مستمر للفلسفة؟ 
أم أن هذا ليس سوى تكرار لما طرحه الفكر البشري من حلول للمشكلات 
كلها منذ البداية. أو بمعنى آخر إن الفكر الإنساني في بداياته الأولى قد طرح 
كل الحلول الممكنة للمشكلات التي يواجهها الإنسانء وما تبع البدايات الأولى 
للفكر الإنساني كان مجرد تكرار لما سبق أن طرح. 
من هذين الاقتباسين ننتقل إلى تحديد الصلة بين الفلسفة والأسطورة, 
التي اختلفت فيها أوجه النظرء فهناك من نظر إلى الفلسفة باعتبارها امتداداً 
لمرحلة الأسطورةء كما أنها نهلت من الفكر الأسطوري وبنت أنسقتها على 
دعائمه. في حين أنكر آخرون مثل هذه الصلة.ء حيث فصلوا بصورة حاسمة 
بين مرحلتين مختلفتين للفكر الإنساني, أي إن الفلسفة بدأت عندما تجاوزت 
نمط التفكير الأسطوري وهي نفسها إعلان لهذه المجاوزة» ومن هنا لا يمكن أن 
)١(‏ إميل برهييه. تلايخ الفلسفة ترجمة جورج طرابيشي. دار الطليعة, بيروت. طلاء 2941 الجزء 
الأول ص 5-لا. 


09 


تاريل اللأمطورة يخ كتابات اأفلاطون 
نتجاهل تلك المواقف لنقف عندها وقفة موضوعية نقدية تحليلية قبل أن 
نحدد طبيعة هذه الصلة بين الفلسفة والأسطورة. 

ويمكن أن نبوب المواقف المختلفة حول صلة الفلسفة بالأسطورة على 
النحو الآتي: 

أ موقف يرجع نشأة الفلسفة إلى الأسطورة. وينفي وجود الاختلاف بينهما. 
ب- موقف يرجع نشأة الفلسفة إلى نقد الأسطورة ومحاولة الانفصال عنها. 
ت- موقف يرجع نشأة الفلسفة إلى تطور الوعي الإنساني بشكل منفصل عن 

الأسطورة. 

ننتقل بعد هذا الحصر إلى المواقف المختلفة لذكر تفاصيلها. 

أ - نتوقف أولاً عند من يرون أن هناك صلة بين الفلسفة والأسطورة. فعلى 
سبيل المثال يشير محمد غلاب إلى أن الفلسفة قد تأسست على دعائم هينة من 
الأساطير والخرافات, ثم واصلت سموها وتقدمهاء الذي أتاح للعقل الفرصة ليكشف 
عن نفسه. ويعرف قيمته, وعندما وصل العقل إلى هذه الدرجة أصبح قادراً 
على النظر إليها نظرة نقد وفحصء فتقبل العقل من تلك الأساطير ما يستسيغه 


المنطق وتؤيده الحجة. ونبذ ما عداه”". هذا يعنى أن الفلسفة فى بداية 


)١(‏ محمد غلابء الفكر البوناني أو الأب الهلبنيء. نشل الفلسفة البونانية. دار الكتب الحديثة, 


القاهرة. 31901 الجزء الثانى. ص .١14١‏ 


الإطل النظري للأسطورة 


الأمر اعتمدت على الأسطورة. وبمرور الوقت تحول الفكر الفلسفي لنقد الفكر 
الأسطوري وانتقاء ما يلائمه منه. 

ويتماشى موقف زكريا إبراهيم مع ما سبقء فهو يعترض على موقف 
مؤرخي الفلسفة من الغربيين الذين أرجعوا نشأة الفلسفة إلى الطبيعيين 
الأولين (المدرسة الأيونية) وكأن التفكير الفلسفي كما يشير قد ظهر إلى عالم 
الوجود للمرة الأولى على يد طاليسء وينظر إلى هذه الرؤية مستنكراً متسائلاً 
هل يقصد بها أن الحاجة إلى الفلسفة لم تكن معروفة قبل هذا التاريخ؟ ولم 
يحدث شيء في تاريخ الفكر الإنساني قبل ظهور طاليس؟ وكيف يمكن أن تكون 
البشرية قد ظلت هذه السنين بدون فلسفة؟ ومن هنا يؤكد مسألة مهمة. 
وهي أن التفكير الفلسفي الصحيح -كما لاحظ هيغل- لم يظهر إلا بعد أن 
فرغت الإنسانية من مطالب حياتها المادية ومتطلبات الصراع الطبيعي. هذا 
من جانبء ومن جانب آخر يؤكد أن الأسطورة قد مهدت للفلسفةء حيث كان 
لكل شعب من الشعوب خرافاته الحيوية» التي أشبعت حاجة تلك الشعوب 
إلى الفهم والرغبة في المعرفة". وينكر زكريا إبراهيم أن تكون الفلسفة قد 
بدأت مع المدرسة الأيونية مشيراً إلى أن الأسطورة التي سبقتها كانت قد 
مهدت لهاء هذا من جانبء ومن جانب آخر فهو يؤكد ما ذكره هيغل. وهو 


أن التفكير الفلسفي قد ظهر إلى حيز الوجود بعد انتهاء الإنسانية من مطالب 


.55 ذكريا إبراهيم. مشكلات فلسفية 0©) مشكلة الفلسفة دار القلم, القاهرة.؟1571, ص‎ )١( 


1 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


الحياة المادية ومتطلبات الصراع الطبيعيء الذي تحقق مع الأسطورة. أي إن 
الأمطورة قد فتحت الطريق لظهور التفكير الفلسفي. 

وذهب فريق آخر إلى أن الأسطورة هي حصيلة التقدم العلميء ومنهم 
على سبيل المثال «بول تيليش» وهو لاهوتيء. وبعض الفلاسفة مثل «كارل 
ياسبرز» و«كوسدروف. س». الذين دللوا على أن البعد الأسطوري هو حصيلة 
لكل علم'". ونتساءل ما الذي يجعل البعد الأسطوري حصيلة لكل علم؟ هل 
يعود ذلك إلى الموضوعات التي تناقشها الأسطورة؟ أم يعود إلى المضمون أم 
إلى الشكل؟ من ناحية مضمون الأسطورة يرى السواح أن الموضوعات التي 
تدور حولها الأسطورة تميزت بالجدية والشموليةء ومنها على سبيل المثال : 
التكوينء والأصولء والموتء والعالم الآخرء ومعنى الحياة. وسر الوجودء وغيرها. 
هذه الموضوعات طرحتها الفلسفة بعد ذلك. ومن هنا فإن الأسطورة والفلسفة 
همهما واحد. لكن الاختلاف بينهما يكمن في طريقة الطرح والتعبير» فالفلسفة 
اعتمدت على أسلوب المحاكمة العقلية» واستخدمت المفاهيم الذهنية أدوات 
لهاء أما الأسطورة فلجأت إلى الخيال والعاطفة والترميزء واستخدمت الصور 
الحية المتحركة”". هذا يعني أن موضوع الأسطورة والفلسفة. وإن يكن واحداً. 


إلا أن لكل منهما منطقه الخاص بهء في تناول المشكلات. 


)0( 07 ص ماك.م0 ...هع تسسمكتر8 متلعدمملعترعمظ برعم عغط]" 


(؟) فراس السواح., الشطورة... مرجع سابق. ص .١1١‏ 


17 


الإطل النظري للأسطورة 
وترى الموسوعة الفلسفية أن موضوع الأسطورة لا يختلف عن موضوع 
الفلسفة, وتشير إلى أن موضوع مادة القصص الميثولوجية لا يختلف عن 
الفلسفة المتأخرة والعلم» فما يميز الأسطورة عنهما «الفلسفة والعلم»» وهو 
غير القصة أو استخدام التشخيص شكلاً. بل إن ما يميزها أكثر من ذلك هو 
أن الأسطورة تعيش أو تموت ليس حقيقة أو زيفاً فالإنسان لا يستطيع تفنيد 
الأمطورة. والسبب في ذلك أنه يعاملها على أنها قابلة للدحضء وعلى الإنسان 
ألا يحاول تفنيدها كأسطورة ولكن كفرضية أو تاريخ”". المقال يشير إلى مسألة 
مهمة. وهي أن موضوع الأسطورة لا يختلف عن موضوع الفلسفة والعلم» وما 
يميز الأسطورة عنهما ليس الشكل الذي تتخذه للتعبير عن الموضوعات التي 
تدور حولهاء بل هناك مسألة مهمة. وهي أن الأسطورة تعيش أو تموت. هي 
ليست حقيقة أو زيفاً والسبب في ذلك هو أن الإنسان يفترض أن الأسطورة 
قابلة للدحضء ويُفترض بالإنسان أن يكفٌ عن محاولة تفنيد الأسطورة كأسطورة, 
فهي لا تفند هكذا بل تفند كفرضية أو تاريخ, فعلى سبيل المثال لا يستطيع 
الإنسان أن يدحض وجود أو عدم وجود الإلياذة. ولكنه يثبت أو ينفي الأحداث 
التاريخية التي تدور حولها هذه الأسطورة. هل حدثت فعلاً أم لم تحدث. 
وهناك كثير من المرجعيات في دراسة الأسطورة تميز بين 


ع8 00 صن التسعهم عط (طتوة) غعه نرطممدمائطم عه وتلعمماءنرعمظ عط )١(‏ 


.35 ور ر5 .701 ,1967 ماهملا بوعل« :ووعوط عع عطا 


1 


تاؤيل الأشطورة يي كتادات أقلاطون 


الحقائق الواقعية وغرائبيتها التي لا يحكمها إلا انطلاق الخيال الإنساني 
إلى أقصى مداه. ف «مالينوسكي» على سبيل المثال ذكر أن الأسطورة في 
المجتمعات البدائية لم تكن مجرد قصة تروىء لكنها كانت واقعاً تعيشه فعلاً 
تلك المجتمعات, إنها ليست مجرد خرافة» ولا هي خالية من المعنى؛ أو الدلالة, 
ولكنها قوة لها أثرها الفعال". أي إن مالينوسكي قد ميز في خيال الأسطورة 
بين ما هو واقعيء الذي يمثل الحياة الفعلية البدائية. وما هو غرائبي في الخيال 
الأسطوريء والذي لا يخلو من معنى أو دلالة.ء ومن هنا امتلكت الأسطورة قوة 
كان لها أثرها الفعال في تلك المجتمعاتء وهذا الأمر نجده في الفلسفة التي 
قد تكون انعكاساً للواقع» أو تسامياً على الواقع. 
ويأتي موقف يونغ (وهدة) من الأساطير وأهميتها منسجماً مع موقف 
مالينوسكيء فيرى أن العقلية البدائية لم تخترع الأساطيرء بل هي تجربتها التي 
عاشتها فعلاً. والأماطير بزعمه يمكن أن تكون أي شيء غير كونها مجازات عن 
الوقائع الطبيعية» «أي إنها تأويل عام للوقائع الطبيعية». ففي الأساطير معانٍ حية 
لا تقدمها فقطء. بل إنها تمثل فيها الحياة العقلية للقبائل البدائية التي تلاشت» 
عندما فقدت تلك القبائل إرثها الأسطوري”. فذلك الإرث هو شكل من أشكال 
مفللتمعدا! عطا ,(امطصر؟ خصة طتاوالط) انه كععسعد املعم عط كزه عنااءمماء تعد لممم مس1 (1) 


2 الما ببع8[1 بووعرط م266 عط لمة .06 


.7 م ,9 .آم/ة 


.7 م ,0خط3(1؟) 


ع1 


الإطل النظري للأسطورة 


التفكيرء الذي حاولت به تلك المجتمعات التعبير عن تفاصيل حياتها اليومية, 
والنظر في المشكلات التي تواجههاء ومحاولة إيجاد الحلول لها وغيرهاء أي إن 
المجتمعات تنتهي إذا فقدت طرائقها في التفكير. 

وثمة فريق آخر يعتقد أن الأسطورة تتحدث عن حقائقء أي ماجرى 
بالفعل. فمثلاً يرى ميرسيا إلياد (مفدناة معمناة) أن الأسطورة هي دائماً تلاوة 
في عملية الخلقء فهي تروي لنا كيف أن شيئاً قد تم تكوينه أو وجوده, ولهذا 
السبب ترتبط الأمطورة بالوجود. فهي تتحدث عن الحقائق. أي ما حدث فعلاً 
وكما تفلن حقا :تكلا كاملا" :وهده- إغارة آخرق دوقن أن الليطورة ليف 
بعيدة عن الواقع» وأن لها ذهنيتها الخاصة التي تطرح من خلالها ما يحدث في 
العالم من حقائق» ومنها عملية الخلق التي ناقشتها فيما بعد الفلسفة. كيف 
تتم وما الشروط التي تتطلبها. 

وعندما يُنظر إلى الأسطورة على أنها أقدم مصدر لجميع 
المعارف الإنسانيةء تصبح الأسطورة من وجهة النظر هذه تمثل 
نوعاً من الفلسفة. أو التفلسف - كما يرى أحمد كمال - فهي عملية 
تأمل ينتج منها الإجابة عن مجموعة من الأسئلة الباعث الرئيسي لها 
هو الاهتمام الروحي بموضوع ما". ونستنتج من هذا أن الأسطورة 
)00( .78 م بلتط1 


() أحمد كمال زكىء. الشاطير دراسة حضارية مقاينة دار العودة. بيروت. ط". 1914 ص 66 


0 


10 


تيل الأسطور ةي كتإدات افلاطون 
مصدر لجميع حقول المعرفة. أي إنها تحمل في رحمها كل أنواع التساؤلات 
التي بذلت الإنسانية جهوداً متنوعة للإجابة عنها. 

ننتقل الآن إلى الموضوعات التي طرحتها الفلسفة - خصوصاً في مراحلها 
الأولى- ومنها على سبيل المثال نشأة الكون, التي يعد طاليس أول من دشن مناقشتها 
في تاريخ الفلسفة: إذ يرى غلاب أنه قد تأثر بالأماطير الهيلينية» التي طرحت في 
عدة قصائد سبقت عصره بزمن طويلء وعلى رأسها الإلياذة التي رأت أن الأقيانوس 
هو أبو الآلهة» إلا أن الفرق بين المقولتين واسع جداً فهوميروس وغيره من الشعراء 
يعتمدون على أخيلتهم وأحلامهم» في حين ركز طاليس في مبدأ أصل الموجودات 
«الماء أصل الأشياء» على حكم العقل, وحاول تعليله بما توافر لديه من العلل العلمية» 
ودلل على صحة هذا الرأي بالحجج المنطقية”". أي إن طاليسء, رغم محاولته الاعتماد 
على التعليل العلمي في اعتبار أن الماء أصل الأشياءء تأثر بالأساطير التي سبقته. 

وتظهر رؤية السواح الصلة بين الفلسفة والأسطورة ما سبق إذ 
يرى أن تاريخ الفلسفة يمثل صراعاً لا هوادة فيه مع الأسطورة. وقد 
تمكنت الفلسفة من الوصول إلى تحديد مهامها وصوغ مفاهيمها 
بعد أن تمكنت من الإمساك بتلابيب الأسطورة. ومع ذلك فإن 


الفلاسفة الإغريق الذين تصدوا لإقامة نظم فلسفية عقلانية على أشلاء 


,186 محمد غلابء الفكر البوناتي....» مرجع سابق» ص‎ )١( 


11 


الإطل النظري للأسطورة 


الأمطورة» لم يفلحوا في التخلص من سحر البيان الأسطوري". ويمكن القول 
إن الصراع بين الرؤى الفكرية التي يعكسها الوعي الأسطوري بالكون والحياة 
والواقع» ورؤى أخرى تمثل الوعي الواقعي المنطقيء قد أظهر شكلاً جديداً من 
أشكال الوعيء هو الوعي الفلسفي. 

ب - ويتمثل هذا الموقف بالنقد الذي وجّه إلى الأسطورة حيث تشير 
الموسوعة الفلسفية إلى أن النقد العقلي للميثولوجيا قد نشأ مع كتّاب مثل 
أكزانوفانء الذي عُرف بهجومه الشديد على التمثيل المجسم للآلهة الهوميرية 
الذي رأى أن الأساطير كقصص كانت للتعبير عن الإنسانء التي أوّلها هيراقليطس 
أيضاً فهاجم هوميروس وهزيود لاعتمادهما على الأسطورة". أي إن الفلسفة 
لدى اليونان حاولت الانفصال عن الأسطورة. وقد بدأت هذه الخطوة مع 
الفلاسفة الذين سبقوا سقراطء هذا من جانب. ومن جانب آخر إن النقد 
للأسطورة قد نشأ مع فلاسفة مرحلة ما قبل سقراط. فلقد شعر أكزانوفان بأن 
هدم الأساطير الدينية التي تمسك برقاب الناس وعقولهم - كما يرى محمود 
مراد - سوف يحقق له ما يصبو إليه من بث أفكار جديدةء لهذا كان أول 
من فجر النزاع بين الفلسفة. وبين الدين بشكل صريح. فإذا كانت الفلسفة 
الأيونية قد أحلت التفسير الطبيعي العقلي للأحداث محل تصور هوميروس 


7 فراس السواح. الاشطور... مرجع سابقء ص‎ )١( 


0( .5 م رأك.م0 ,..تبطمهوهمالتطم كه هنلءمم ل تمظع عط" 


11/ 


تلؤبل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


الأسطوري للكونء فإن ذلك قد أثار أكزانوفان فأحس أنه لكي يسود التفسير 
العقلي سيادة تامة لابد من إقصاء مجمع الأولمب المشتمل على الآلهة 
المجسمة المتكثرة. ولقد كان هجومه على هوميروس من أجل تكذيب ما قاله 
من أساطير عن الآلهة'". أي إن النقد الذي وجهه أكزانوفان ليثير الصراع بين 
الفلسفة والدين - كما عبرت عنه الأساطير- نبع من إيمانه بهيمنة الأسطورة 
على العقول. ودفعته حقيقة أخرى لهذا النقد. وهي اعتقاده أن التنوير الذي 
كان يسعى إليه لن يتحقق ما دامت الأسطورة تمسك بالرقاب حسبما رأى. 
ج - هناك من ينظر إلى الفلسفة برؤية مختلفة فالفلسفة باعتبارها 
كما يؤكد بوغومولوف (0اههمع80) نتاج التطور الثقافيء تُعد تفسيراً نهائياً أو 
أساسياً تمثل ثقافة عقلية.ء وهي كمركزية نظرية أو نواة نظرية» قد تم التعامل 
- أولاً: عوملت الفلسفة كنتاج للتطور الثقافي التام للمجتمع. 
-- وثانياً : نظر إلى الفلسفة كوحدة لتغيرات نوعية لعملية الإبداع 
التي تضمنت الإنكار أو الرفضء. وحل ذلك يقوم بعدم الانقطاع 


ع 


خلال عملية النقل من وجهات نظر أحد الأنظمة للآخر". أي 


إن الفلسفة أكدت على التواصل وليس الانفصال في مجرى 


)١(‏ محمود مرادء دراسات شي الفلسفة البونانية. دار الوفاء لدتيا الطباعة والنشرء الإسكندرية, 
”3 ص 07. 

(؟) ‏ طعاعععلصة5 عتسنقهال؟ برا هذل" ىم[ انه عءءء07 بزب[ومدملتنام اناعم زه بزرمععلط ,5 ,0 [مسرموم8 

عط صذ :ممء5ه81 ونع طكتاطنام دوع وميم 


1 م ,1985 ,وعتاطنامع8 أذتلهكه5 50316 04 رمتمنا 


1 


الإطلر النظري للاسطورة 


النشاط الفكري الإنساني» بمعنى أنها لا تقف عند وجهة نظر واحدة, 
فالفلسفة هي نتاج للتطور الثقافي, وتُعد وحدة للتغيرات النوعية لعملية 
الإبداع. ومن هنا أكدت التواصل بين الرؤى المختلفة التي صاحبت ذلك 
التطور الثقافي. ورافقت عملية الإبداع» وليس الاعتماد والوقوف على 
وجهة نظر واحدة. 


إن الارتباط بين الفلسفة والأسطورة لا يوضح لنا فقط طبيعة تلك 


الصلة ومدى أهميتهاء أو أنها قامت على الصراع والعداء بينهماء وكيف مهدت 


الأسطورة لظهور الفلسفة. ومن ثم البحث في طبيعة هذه الصلة ومدى 


استجابتها للتواصل والاستمرار في الفكر الإنساني» ولذلك تقترح الموسوعة 


الفلسفية أن تدرج هذه القضايا تحت ثلاثة عناوين» هي: 


١‏ - هناك المرحلة الأولى في الفلسفة الإغريقية. عندما حاول فيها الفلاسفة 


نبذ أساليب الفكر الميثولوجي ونقده. لكنهم عندها كانوا ما يزالون 
يُطبقون أساليب الفكر هذه. ومن هنا عادت الميثولوجيا إلى السياق 
الفلسفي. 

في الفكر الحديث وخصوصاً المرحلة من «فيكو» حتى «كومت»» دُرست 
الأسطورة بصورة جدية كمفتاح لتاريخ الفكر البداتيء وذلك في القرن 
التاسع عشرء عندما ظهر التنوع في المحاولات النظامية في دراسة 


الميثولوجيا بصورة علمية. 


15 


تاويل الأطورة يخ كتإدات افلاطون 
“- وأخيراً كان هناك دور للأسطورة في اللاعقلانيات الحديثة”. 

ما عُرض من مواقف لتحديد الصلة بين الفلسفة والأسطورة. كما جاء في 
الموسوعة الفلسفية» يبدو ذا فائدة لأن أساليب الفكر الأسطوري رغم المحاولات 
التي بذلت للتخلص منهاء ظهرت في السياق الفلسفيء وهذا دليل على أهميتها 
في السياقات الفلسفية. وكانت عوناً في العصر الحديث لفهم الفكر البدائي 
الذي قدمت الأسطورة فيه رؤية الإنسان وتطلعاته في ذلك الفكر, وأعانت فيما 
بعد على فهم ذلك الفكر. 

ثالثاً: الأمطورة في مرحلة ما قبل أفلاطون 

هذه المرحلة مهمة بالنسبة إلى تاريخ الفلسفة اليونانية لأن هناك من 
نظر إليها على أنها مرحلة نضج وانفصالٍ عن مرحلة التفكير الأسطوريء بينما نظر 
إليها آخرون بوصفها المرحلة التي مهدت لظهور الفلسفة. كما وضحنا ذلك في 
موضوع الصلة بين الفلسفة والأسطورة. حيث تم تسليط الضوء فيها على طبيعة 
هذه العلاقة» ولم نتناول وضع الأسطورة ومكانتها وأثرها في المجتمع الإغريقي 
بعد ظهور التفكير الفلسفي مع المدرسة الأيونية كما تشير بعض الآراء””. 

وكما هو معروف فإن الآراء تتعدد وتختلف باختلاف المواقف 
بين الأفراد لأسباب قد تتصل بموقف الفرد نفسه. أو لأسباب ثقافية 


)00( 4 م .أك.م0 ,..عجطمهدمائطم أه فنلءمملترعمظ عط" 


(0) انظر الفصل الأولء ثانياً (علاقة الفلسفة بالأسطورة). ص ./١٠-08‏ 


الإطل النظري للأسطورة 
أو سياسية أو اجتماعية أو فكرية أو أيديولوجية... إلخ. وهذا ينطبق على 
الموقف من الأسطورة في مرحلة ما قبل أفلاطون التي اختلفت فيها الآراء 
وخصوصاً بين الفلاسفة حول الأسطورة. فمنهم من كان مؤيداً لها. ومنهم من 
كان ناقداً أو رافضاً. 
ويختلف التفكير الأسطوري الإغريقي عما عرفه العالم القديم حسبما جاء 
في معجم تاريخ الأفكارء إذ يشير إلى أن العالم القديم عرف كماً كبيراً من 
الأماطير في كل مكان من العالم القديم (الهند. مصرء الكلدانيون» وكريت...) 
إلخ. إلا أن التفكير الميثولوجي لدى اليونان كان واحداً من أكثر الأشكال التي 
اتسمت بالتركيب المتقن والمنظم الذي اتخذته الميثولوجيا"", أي إن الأسطورة 
لم يقتصر ظهورها على مكانٍ معينٍ ولم تنتم إلى شعب بعينهء فلكل شعب من 
الشعوب أساطيره التي تظهر مزاياه عن غيره من الشعوبء هذا من ناحية. ومن 
ناحية أخرى تتمثل بانفراد التفكير الأسطوري اليوناني بسمة التركيب المتقن 
والمنظمء وربما كان هذا واحداً من الأسباب التي جعلت من الصعوبة التخلي عنه 
بسهولة» لبنيته المحكمة الدقة» التي فرضت نفسها على الفرد اليوناني من جانبء 


وعلى الفكر اليوناني من جانب آخرء وربما كانت هذه الهيمنة هي أحد أسباب 


هآآآ .1م/آ ,1973 ملعملا بلعل8 تقصمة و#عصطتى5 وعاتقط0ن ,قوعل1 غه بزم6قلتط عط غه بإمقصملنعء1ط(١1)‏ 


213 


الا 


تاويل الأسطورة يخ كتإدات اقلاطون 


التشبث بالفكر الأسطوري عند بعضهم. والدعوة إلى رفضه والتخلي عنه لدى 
بعضهم الآخر. 

وفي اليونان القديمة عند اندماج الأسطورة والدين اندماجاً يكاد يكون 
تافاء يرق توغوهولوق أنه كاذخ مخصضة فقظ الحبادات اقتضرك» علن فنة 
قليلة حيث تمثلت بالجماعات الدينية والطقوس المحليةء وهذا الدور المهم 
كان ملائماً جداً للنزعة التي دعت إليها الأورفية". بمعنى آخر إن إدماج 
الأسطورة بالدين» التي تجلت خصوصاً لدى النحل السرية» والتي كانت الأورفية 
واحدة منهاء حيث عبرت أساطيرها عن طقوس العبادة التي تمارسهاء أي إنها 
جمعت بين الأسطورة والدين. 

ويتحدث «إميل برهييه» عن التصورات التي قدمت لنشأة الكونء والتي 
انحصرت بهذه الجماعة الدينية فيقول: «... يبدو أن هذه الكوزموجونيات 
(:#ندمعهدودت)" تحصر نفسها رويداً رويداً في نطاق الجماعات الدينية الأورفية, 
وتندمج في جملة معتقدات هذه الجماعات عن أصل النفوس ومصائرها»””. وقد 


شغلت التصورات الروحية حيزاً كبيراً من تفكير الأورفية فلم يقتصر ذلك فقط على 


)00( .5م ناك.م0 ...عاهآ هاه عععء0 برازمدماتام لعتعضق زه بزورموة8 .5 ده [مسومظ 
(*) عنتصمومموه©0 مصطلح يشير إلى نشأة الكون أو نظرية فى ذلك. 
(6) إميل برهييهء تلايخ .... الجزء الأول مرجع سابقء ص 10. 


ا 


الإطل النظري للأسطورة 


طقوس العبادة والبحث عن النفس ومصيرهاء بل تعدى ذلك التأثير الروحي 
للعالم المادي من خلال رؤيتها لنشأة الكون. 

لقد حاولت الأورفية أن تبين أصل الكون المادي وأصله الروحيء الذي 
تمثل بتكون الإنسان من عنصرين - كما يشير يوسف كرم إلى ذلك - أحدهما 
مادي يمثل البدن الذي خلق من رماد الجبابرة. كما جاء في أسطورة قتل 
«ديونسيوس»». والآخر روحيء وهو الذي تكونت منه النفسء والذي تمثل يدم 
«ديونسيوس"". إن هذه الثنائية بين المادي والروحي في الإنسان عكست 


الإمو قفخ مق الخ :والعن وليذ | 'خاءت التشاؤلاة عن مقبير التفنيق نحن الموث” 

لقد تركت النحلة الأورفية تأثيراً كبيراً في فلاسفة اليونان بدءاً بالمدرسة 
الأيونية» واستمر هذا التأثير ليشمل أيضاً أفلاطون - كما سنلاحظ ذلك في 
الفصول القادمة - حيث تأثر بها بصورة غير مباشرة من خلال تأثره بالفيثاغورية, 
وسقراط بصورة خاصة بفكرة التناسخ التي عدها أفلاطون دليلاً على خلود 
النفس. 

ويمكن أن نقول إن مكانة الأسطورة في مرحلة ما قبل أفلاطون 
كانت تراوح بين التأثير والاندماج التام في الفكر الفلسفيء أو الرفض 
لها ومحاولة التخلص من أثرها. وكما لاحظنا أن الأسطورة الممزوجة 
بالدين - كما هو الحال مع الديانة الأورفية- قد تركت تأثيراً ليس 


قليلا في عدد من الفلاسفة. ومنهم أنكسيمندر وفيثاغوراس: وسقراط 


./-5 يوسف كرمء تلايخ الفلسفة البوناذية. دار القلم. بيروت. طبعة جديدة. ص‎ )١( 


07 


تاؤبل الأشطورة ف كتإدات أقلاطون 


ثم أفلاطون. أما الفكر الأسطوري الذي جاء على لسان هوميروس وهزيود فقد 
تعرض للنقد. ومن ثم الدعوة للتخلص منه والخروج عليه كما سنلاحظ ذلك 
فيما بعد. 

إن الفلسفة المبكرة التي بدأت كما يرى بعض مؤرخي الفلسفة - ومنهم 
على سبيل المثال أرسطوطاليسء ومن تبعه - مع المدرسة الأيونية وخصوصاً 
مع طاليس في القرن السادس «ق. م». لم تبتعد بصورة كلية عن الأسطورة 
وهذا ما أشار إليه نيتشه بقوله: «يبدو أن الفلسفة اليونانية تبدأ بفكرة غريبة 
الموضوعة القائلة بأن الماء هو أصل الأشياء»”". ويجدر بنا هنا أن نتطرق إلى 
محاولة نيتشه التي يوضح فيها ضرورة عدم تجاهل هذه الفكرة وأخذها على 
درجة كبيرة من الجدية. وذلك لأن هذه الفكرة أولاً تتناول بطريقة ما فكرة 
أن هناك أصلاً للأشياء. وثانياً أنها تتناول فكرة أن الماء هو أصل الأشياء بمعزل 
عن السرد الخيالي: وأخيراً يرى أن هذه الجملة «الماء أصل الأشياء» «تتضمن 
ولو بشكل جنينيء فكرة أن الكل هو واحد». ثم يسوغ نيتشه هذه الضرورات 
للأخذ بفكرة طاليس هذه. حيث يذكر أنه وفقاً للأول فإن طاليس ما يزال ينتمي 
إلى طائفة المفكرين الدينيين والخرافيين» لكنه وفقاً للسبب الثاني يخرج 
من هذه الطائفة ليظهر مفكراً في الطبيعة» أما بالنسبة إلى السبب الأخير 


فيجعل طاليس فيلسوفاً يونانياً. فطاليس كما يرى نيتشه «بهذا التمثل الوحداني 


)١(‏ فريدريك نيتشه. الفلسفة في العصر المأسوي الإغريقي, تعريبء سهيل القشء المؤسسة 


الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع, بيروت. طلا, "219/817 ص 65. 


ع7 


الإطر النظري للأسطورة 
القائم على فرضية الماء» - بوصفه أصلاً للأشياء - أنه لم يكتف بتجاوز 
المستوى البدائي لتحاليل عصره الفيزيائية, بل إنه قفز فوقه قفزة واحدة". 
هذه الرؤية التي قدمها لنا نيتشه تشير إلى مسألة مهمة وهي أن 
السؤال عن أصل الأشياء قد سبق رأي طاليس, حيث طرحه مفكرون دينيون. 
أو ممن تتسم آراؤهم بالخرافة؛ إلا أن ما يميز رأي طاليس مما سبقه من آراء 
هو طريقة طرحه التي نأى فيها عن السرد الخيالي. الذي تميز به التفكير 
الأسطوري والديني. وهذا يشير إلى أن هذه المدرسة -التي بدأها طاليس- 
رغم أنها حاولت أن تؤسس بداية جديدة للتفكير العلمي الذي اعتمد على 
الملاحظة والبرهان العقليء إلا أن آراءهم كانت مشوبةً ببعض الأفكار البدائية, 
ما يدل على أننا لم نبتعد كثيراً عما يسمى بالتفكير الأسطوريء الذي سبق 
فلاسفة ما قبل مرحلة أفلاطون. 
إن ظهور مثل هؤلاء الفلاسفة الذين حاولوا تفسير الظاهرة الطبيعية, وأصل 
الموجودات تفسيراً علمياً - وإن كان في بعض الأحيان مشوباً ببعض الأفكار الخيالية 
- إلا أنهم لم ينتقدوا ما كان سائداً من تصور أسطوريء كما تشير الموسوعة 
الفلسفية إلى ذلك بل إن هذا النقد جاء فيما بعد. إذ يلاحظ في المجتمع 


الإغريقي أن الطقوس قد استمرت في التعبير عن الحياة في ذلك المجتمع؛ ثم بعد 


8وى, 


تايل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


فترة طويلة أصبح فيها الإيمان بالآلهة موضع تساؤل'". وربما تكون بواكير 
التفكير الفلسفي كما جاءت مع المدرسة الأيونية هي أحد أسباب هذا التساؤل 
عن الإيمان بالآلهة - كما صورها هوميروس وهزيود - حيث فتحت أمام 
الإنسان الإغريقي آفاقاً جديدة للتساؤل. فبدأ نقده لتلك الطقوس والعبادات 
التي سادت بلاد الإغريق. 

هذا النقد يمثل وصفاً آخر شهدته الأسطورة في مرحلة ما قبل أفلاطون. 
حيث كان هناك من الفلاسفة الذين نقدوا بشدة التصور الأسطوري كما جاء في 
الأساطير القديمة. ومن هؤلاء الفلاسفة أكزانوفان (»مدامدم) الذي انطلق في 
نقده كما يشير إلى ذلك معجم تاريخ الأفكار إلى أبعد حدء وهو نفسه شاعر 
ملحميء لقد نقد أكزانوفان بعنف خلود الآلهة الهوميرية» أولئك الآلهة الذين 
تورطوا في الزنى والسرقة وأفعال شائنة أخرىء والتي كانت قد صورت هذه 
المخلوقات المتخيلة. لقد قدم أكزانوفان تصوراً مختلفاً للآلهة كان على درجة 
عالية من التجريد والنقاء. وأنها مبرأة تماماً من التجسيد بكل معنى الكلمة". إن 
نقد أكزانوفان قام على الهدم والبناءء ففي الوقت الذي انتقد الآلهة كما صورها 
هوميروس» طرح رؤيته الخاصة للآلهة التي اختلفت عما طرحه هوميروس إذ 
صور الآلهة على درجة عالية من الكمال الذي تختلف به عن البشر. 


والجدير بالملاحظة أن نقد أكزانوفان للآلهة - كما جاء في 


)000( .434 م رغك.م0 ...عجطمهدمالنطم أه منلعم مل توعمظ عطل” 


[فة ورا.م0 ,...مدعل1 1ه م115 عط 1ه إتهمملنءعزدط 


ف 


الإطل النظري للأسطورة 


الأفكار الأسطورية التي صورها هوميروس وهزيود - كان نقداً لاذعاً متهكماً 
كما يعتقد ريكس ورنر (0©م:88 8) فقد تهكم بمحاولاتهم التي نسبوا فيها 
إلى الآلهة جميع الأشياء المخجلة والمخزية للفانينء كما سخر منهم سخرية 
شديدة لتصويرهم الآلهة بصورة الفانين قائلاً: «إن الثيران والخيل أو الأسود إذا 
كانت تملك أيدياً تستطيع أن ترسم بها وتنتج أعمالاً فنية مثل عمل البشرء فإن 
الخيول ترسم صور الآلهة الخاصة بها على صورة الخيل والثيران تصور آلهتها 
مثل الثيران»'". هذا النقد الذي وجهه أكزانوفان إلى التفكير الأسطوري يشير 
إلى وعي عميق ومختلف عما كان سائداً في المراحل التي سبقتء وهو أيضاً 
وعي مختلف يدل في جانب منه على تطورٍ في بواكير الفكر الفلسفي, الذي 
قام في البداية على دعائم الأسطورةء ثم مزج بين الفكر الأسطوري والفلسفي» 
وهنا نلاحظ أنه يحاول التخلص من طوق الأسطورة بتساؤلات عقلية منطقية 
ليست بحاجة إلى التوضيح أو الشرحء كما حاول أكزانوفان بنقده وتهكمه أن 
يعبر عن ذلك. 

إن هذا النقد لم يقتصر على أكزانوفان فقطء فمن الجدير 
بالملاحظة أن فيثاغوراس - الذي تأثر بالأساطير الأورفيةء وخصوصاً 
بفكرة التناسخ - قد وجه نقداً إلى هوميروس وهزيود - كما جاء 
في معجم تاريخ الأفكار - وذلك ليضع أرواحهم في الجحيم عقاباً 


00( الإكةقطآ سدع تتعميق باعم عغطا روتعطممكمائطم علءء7© 1116 ع8 تعمعوتلا 


.23-24 مم ,1958 اهملا بلدا 


لاا 


تاريل الشطورة يي كتإدات اقلاطون 


لهم على ما قالوه عن الآلهة'". إن نقد فيثاغوراس ينسجم مع نقد أكزانوفان 
لهوميروس وهزيودء لتصويرهما الآلهة بأبشع الصور. 

بعد هذا الاستعراض لمكانة الأسطورة في مرحلة ما قبل أفلاطونء نتساءل 
هل الفلسفة قبل أفلاطون استطاعت حقاً أن تنحي الفكر الأسطوري جانباً لتنأى 
بالفكر الفلسفي بعيداً عن أي تأثير للفكر الأمطوري؟ 

لقد مثلت الفلسفة المبكرة امتزاجاً مميزاً خاصاً لعنصرين مختلفين جداً. 
هما الأفكار التي انحدرت من الأساطير وبواكير النزعة الواقعية. حيث انجذبت 
الفلسفة بصورة تامة إزاء تفسير العالم الذي يأخذ بالسبب الطبيعي في فهم 
العالم, فاستخدمت الأسطورة وذلك لإثارة الانتباه كمصدر مادي للتحليل: ولإعادة 
تقييم الحقيقة اللاحقة كما يرى بوغومولوف. هذا من جانب. ومن جانب آخر لقد 
استخدمت القلسقة الأسطوزة 'منهجا لاستهرار الفكر عن طريق القرف» فاللجوة 
إلى المعرفة العلمية غير التامة كان سبباً في الوقت نفسه لاتهام الفيلسوف 
باعتماده على جانب واحد وهو العلم العمليء ومن هنا كانت العودة إلى 
الأمطورة في مثل هذا النظام العملي من أجل ملء الفجوة في معرفته. وتشكيل 
صورة تامة للكون'". مثل هذا التصور يؤكد مسألة نجدها في غاية الأهمية وهي 


أن رؤية متكاملة للكون لم يكن مقدراً لها أن تظهر اعتماداً على جانب واحد يتصل 


40 ص« ماق.م0 ....كمء12 إه بردم اوفط ع1[] زه 101136147 
00 ...110116 0تته ععءء07) وأهكمائنام لتعاءاسق زه نم1115 ,5 .1017م ممعم8 
.1 ص م.م 0 


0 


الإطل النظري للأسطورة 


بالفكر الأسمطوريء أو بالنزعة الواقعية التي عرفت بعد ذلك بالنزعة العلمية, 


بل تأسست على المزج بين هاتين النزعتين. 


رابعاً: التأويل الفلسفي للأسطورة 
قبل الخوض في مفهوم التأويل نود أن نشير إلى أن غايتنا من هذا المبحث 
معرفة مدى قابلية الأسطورة للتأويل. ولسنا بصدد تأريخ التأويل بمعرفة بداياته» 
أو تتبع هذا المصطلح تاريخياً بل معرفة مدى الإمكانات التي يتيحها المصطلح 
لوعي علاقة الأسطورة بالتفكير الفلسفيء ومن ثم ما يقدمه من إضاءة للطريقة التي 
استخدم بها أفلاطون الأساطير. 
فمصطلح التأويل ليس جديداً فربما كان جزءاً من الأدبيات الفكرية في 
كل عصرء ولعل الكثير الذي كتب عنه لم يزده وضوحاً بل ساهم أحياناً في 
زيادة إبهامه. لذا سوف نعطي لمحة مختصرة عن مفهوم المصطلح بما يلائم 
الغرض من هذا الموضوع. يقول ابن منظور: «المراد بالتأويل هو نقل ظاهر 
اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ»». 
ويقول أيضاً: «التأويل تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إلا ببيان غير 
لفظه»”". أي إن الحاجة إلى دليل بالعدول عن ظاهر اللفظ إلى معنى آخر 
هي التي تدعو إلى التخلي عن المعنى الحرفي للفظء فنحن نلجأ إلى التأويل 


لما تحتمله الألفاظ والجمل من معانٍ مختلفة. 


)١(‏ ابن منظور. لساك العربء دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت. ط. 
طبعة جديدة مصححة وملونة؛ الجزء الأول ص 56". 


0 


تايل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


وفي مجرى التفكير الإنساني عبر العصور استخدم مصطاحا التفسير 
والتأويل» إذ لا غنى عنهماء وقد يكون من المفيد أن نشير ولو إشارة بسيطة 
إلى أهمية كل منهماء ونحاول التمييز بينهما. وفي هذا المجال يمكن أن نشير 
إلى ما يراه ياسر محمود الأقرع» إذ يعتقد أن من الصعب أن يتحدث المرء 
عن بدايات التفسير والتأويل» لأن هذه القضية مرتبطة ارتباطاً عميقاً بحياة 
الإنسانء واستمرار بقائه. فالإنسان لم يتخل عن نفسه بوصفه مفسراً في أي 
مرحلة من مراحل وجوده على مر العصور. ومن هنا لا بد من التمييز بين 
التفسير بوصفه مرادفاً لوجود الإنسان والهرمنيوطيقا باعتبارها مصطلحاً قديماً 
بدأ استخدامه في دوائر الدراسات اللاهوتية, ليشير إلى مجموعة من القواعد 
والمعايير التي ينبغي للمفسر أن يتبعها لفهم النص الديني «المقدس»”". ولم 
يتوقف الأمر لدى المفكرين على التمييز بين التفسير والتأويل بل تعددت 
الآراء حول تعريفهماء فعلى سبيل المثال يعرّف ابن منظور التفسيرء بقوله: 
هو «كشف المراد عن اللفظ المشكل»”". أي إن التفسير يكشف عن المعنى 
الغامض للفظء ومن هنا فالتفسير ليس خروجاً على النصء بل هو امتداد 
للنص. أما معجم «وبستر» فيشير إلى عدة معان للتأويل» فهو أولاً شرح 
أو تفسير للمبهم بصورة مباشرةء أو هو الترجمة من لغة إلى أخرىء وتتم 
)١(‏ ياسر محمود الأقرع؛ المعرفة (الخطاب اللأبي بين التفسير والتأؤيل4 وزارة الثقافة, الجمهورية 


العربية السورية, لا١٠",‏ العدد 079, ص .1١0-49‏ 


(0) ابن منظورء لسال.... الجزء العاشرء مرجع سابقء ص 76١‏ 


الإطل النظري للأسطورة 
بصورة شفوية عن طريق المترجمين. أو هو تفسير الأفعال والواقع أو الإيحاء 
بعلاقات داخلية. أو بواعث وحركات". أي إن معاني التأويل هذه تدل على 
الشرح, والتفسيرء والترجمة» والغرض منها التوضيح والفهم. وقد أشار أرسطوطاليس 
إلى التأويل فعرّفه بأنه «إقرار» أو إعلانء «فالهرمينيا» لديه تشير إلى العمل 
الذي يقوم به الذهن. حيث يضع العبارات التي تتصل بصدق شيء ما أو بكذبه. 
فالتأويل بهذا المعنى هو ما يقوم به الذهن حيث يصوغ حكماً صادقاً عن شيء 
ما". أي إن التأويل باعتباره إصدار حكم على شيء ماء هو ما يقوم به الذهن. 
والسؤال لماذا رأى أرسطوطاليس أن الحكم على شيء ما تأويل: ربما يعود ذلك 
إلى اختلاف الأحكام حول شيء معينء فكل حكم هو تأويل لذلك الشيء. وإذا 
صح ما نسب إلى أرسطوطاليس يكون رأيه هذا سابقاً لرأي بيكون» لأن الاستقراء 
في رأي بيكون هو تأويل للطبيعة» إلا أن حكم بيكون هنا أخص من حكم 
أرسطوطاليسء لأنه قصره على الاستقراء بينما ينطبق رأي أرسطوطاليس على 


الحكم بوجه عامء أو القياس استنتاجاً كان أو استقراءً. فالتأويل قد يفهم منه 


)0( طمتاوصظ عط كه بإمقدمنء1آ لقصم تم ممعغصذ ممعم لعتط ومعادماء18 
15 لعألطنا عط بمعتمصفاترظ دتلعءمماءترعمظ ,لعع110طقدنا عع قتاعتنة1 


182 م ,11 .261 ,1976 ,هوءأتعطلة 1ه 


(0) عادل مصطفىء همدخل إلى الهرمنبوطية! النهضة العربية, بيروت: ٠.0‏ ص #٠‏ إل 


83 


تاؤيل الأسطورة يي كتادات أقلاطون 


اكتشاف قوانين الطبيعة بوسائل الاستقراء كما يرى بيكون". ورأي بيكون هنا 
يعني استخراج قوانين الأشياء من الوقائع. وينسجم موقف أمبرتو إيكو مع 
موقف بيكون في الكشف عما وراء الظواهر من حقائق» فهو يرى أن تأويل 
نص ما يعني توضيح أن هذه الكلمات تحيل في ذاتها على أشياء مختلفة”, 
بمعنى أن تأويل النصوص يعني الكشف عما تخفيه كلماتها من حقائق مختلفة 
عن ظاهرها. أما بول ريكور فله رأي آخرء إذ يقول: «التأويل هو عمل الفكر 
الذي يتكون من فك المعنى المختبىء في المعنى الظاهرء ويقوم على نشر 
مستويات المعنى الذي يتضمنه المعنى الحرفي»”". فالتأويل هو العمل الذي 
يقوم به الفكر. والذي يظهر بمحاولة الكشف عن المعاني المختلفة الكامنة 
خلف المعنى الظاهر. 

إن اعتبار الهرمينوطيقا علماً لقواعد التفسير تكونت بادئ ذي 
بدء كما يرى ريكور في الموقف من النصوص الدينية. ثم انسحب ذلك 
على النصوص الدنيوية. إن تأويل النصوص هو محاولة لفهمهاء ولا 


يخفى على أحد أن النصوص الدينية هي أكثر النصوص التي تعرضت 


61 ,0م021 رععءط )١(‏ بواتوعرء طمن] عدطا غه خانم ضع تهتل 126 ,ه113 ,طمتاوصظ 0:10:10 عط" 
.415 م .كا ,11 ,آملا 
(5) أمبرتو إيكوء التاؤيل دين السيميائبات والتفكدكبة. ترجمة وتقديم» سعيد بنكراد. المركز الثقافي 
العربي» بيروت. الدار البيضاع 37٠٠١‏ ص ”7اا. 
(9) بول ريكورء صراع التلؤيلات, ترجمة منذر عياشيء مراجعة» جورج زيناتي» دار الكتاب الجديد 
المتحدة. بيروت. 23٠٠0‏ ص 66. 


١ع(‏ م.نء ص 11 


زذذ 


الإطل النظري للأسطورة 


لسوء الفهم, لذا فإن محاولة ضبط تفسير النصوص باتباع قواعد محددة لتفسيرهاء 
هي محاولة لإزالة اللبس عنهاء وتقليل سوء الفهم. 

وثمة من يرى أن محاولة تأويل النصوص تتطلب معرفة ما يمثله النصء أي 
الفهم لما هو موضوعي وما هو ذاتي - كما يعتقد شلاير ماخر - في رؤيته لتأويل 
النص باعتباره وسيطاً لغوياً ينقل فكر المؤلف إلى القارئ» ومن ثم فهو يشير 
في جانبه اللغوي إلى اللغة برمتهاء ويشير في جانبه النفسي إلى الفكر الذاتي 
لمبدعه'". بمعنى آخر إن النص في جانب منه يعبر عن اللغة. وفي جانب آخر 
يعبر عن ذات المؤلفء أو بمعنى آخر إن النص هو نتاج أفكار الأفراد ونتاج اللغة. 
وقد أكد شلاير ماخر أهمية التأويل لأنه يعصم المرء من سوء الفهم: فهو يعتقد أن 
النص كلما تقدم في الزمن صار غامضاً بالنسبة إليناء وصرنا - من ثم - أقرب إلى 
سوء الفهم لا الفهم» وعليه لا بد من قيام «علم» أو «فن» يعصمنا من سوء الفهم» 
ويجعلنا أقرب إلى الفهمء ويعتمد شلاير ماخر في وضع قواعد الفهم تلك على 
تصوره لجانبي النص اللغوي والنفسي”". إن ما يجعل عملية الفهم ممكنة هو أن 
في النص جانبين أحدهما موضوعي والآخر ذاتي - كما يرى شلاير ماخر - الجانب 
الموضوعي يتمثل باللغة. وهو المشترك الذي يجعل عملية الفهم ممكنة: أما الجانب 
الذاتي فيشير إلى فكر المؤلف, ويتجلى في استخدامه الخاص للغة. فهذان الجانبان 
)١(‏ نصر حامد أبو زيد. إشكالبات القراءة وآليات التاأويلء المركز الثقافي العربيء. بيروتء الدار 


البيضاء. طى 0555 ص 1 


9) م.ن. 


8 


تايل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


يشيران إلى تجربة المؤلفء التي يسعى القارئ إلى إعادة بنائهاء وذلك لفهم المؤلف 


". أي إن فهم النص ومؤلفه مرتبط بفهم ما هو موضوعي وما هو ذاتي. 


وتجربته 

أما غادامر فقد رفض الوظيفة الدلالية للغة كما رفض قبله هايدغر ذلك» 
فاللغة كما يرى غادامر لا تشير إلى الأشياء. بل الأشياء تفصح عن نفسها من 
خلال اللغة. وإن فهمنا لنص أدبي ليس فهماً لتجربة المؤلفء إنه فهم تجربة 
الوجود التي تفصح عن نفسها من خلال النص". ويبدو هنا أن غادامر يختلف 
عن شلايرماخر في فهم النصوص, فهو ينظر إلى النص الذي تحمله اللغةء بينما 
ينظر شلاير-ماخر إلى فهم تجربة المؤلف نفسه. 

وتختلف الهرمينوطيقا بعملها عن التأويل في فهم رموز النصوصء فعمل 
الهرمينوطيقا - كما يرى عمارة ناصر - ليس محصوراً بعمل التأويل الذي يؤكد 
مسألة البحث عن المعاني الباطنية للنصوص, بل إن مهمتها هي فك رموز 
النص لتحرير الكلام الحيء الذي هو معتم ومغمور أو مجمد داخل الكتابة2. 
فعمارة يضع حدوداً للفصل بين عمل التأويل وعمل الهرمينوطيقا في فهم 


رموز النصوص. 


.9١ نصر حامد أبو زيده إشكالبات.... مرجع سابق. ص‎ )١( 
ع( م.ن.» ص ا‎ 
عمارة ناصر, اللغة والتأويلء دار الفارابي ومنشورات الاختلاف. بيروت - الجزائر. /ا0٠27 ص‎ )*( 


لضة 


ع 


الإطار النظري للاسطورة 


إن كل نص يمتلك خصوصيته التي تميزه من غيره. ما يعني أن النصوص 
لا يمكن فهمها فهماً واحداً مهما حاولنا وضع قواعد من شأنها أن توحد تلك 
النصوص, إذ تبقى هناك فجوة تفصل بينها.إن ما يتطلبه التأويل (الهرمنوطيقا) 
بوجه عام كما يقول غادامر : «هو أن يفهم كل نص وفقاً لمقاصده المناسبة 
له. لكن الوسائل التي تعتمدها الدراسة التاريخية تحاول بالدرجة الأولى أن 
تفهم النصوص بشرائطها الخاصة ولا تقبل مضامين ما تقوله النصوص بوصفها 
حقائق بل تترك ذلك دون الجزم بمعنى نهائي للاحتفاظ للنصوص بمسافة 
تأويلية»'". إن تركيز غادامر على فهم النصوص وفقاً للغاية المخصصة لهاء 
إلا أن وسائل الدراسة التاريخية التي تفهم النصوص بشرائطها الخاصة 
لا تقبل مضامين ما تقوله تلك النصوص بوصفها حقائقء فهي لا تجزم بمعنى 
نهائي. أي قد لا يكفي معرفة الغاية وحدها لتأويل النص تأويلاً تاماً. وقد 
يتطلب ذلك الإمساك بقواعد التعبير اللغوي. وطبيعة المجاز الذي فيه 
ومعرفة السياق الذي ورد فيه... إلخ. فالتأويل كما يرى غادامر يكون ضرورياً 
حيثما لا يكون بالإمكان التوصل الى معنى مباشر للنص2» وهو ضروري 


عندما لا يكون من يواجه النص مهيأ أو معدا لاستيقان ما تقدمه الظاهرة 


)00( وزط معقتاع؟ ممتفاكصها' ,روملاء1 ننه غ1 و0667 .قصوآط مع مسد 
عتمعلدعم بعتاطفصرمماط ,لالمطوعدللة .0 للهدهئآ ممه معدساع طممعم اعملر 


.43 م ,2013 ,ش.ذئءنا نلء 151 


6 


تاؤبل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


حال حدوثها"". فضرورة التأويل إذن تظهر عندما يصبح فهم النص عسيراً بصورة 
مباشرة. 

إن محاولات تأويل النصوص لأجل توضيحها وإزالة الغموض عنهاء ليست 
للأجيال الحاضرة المطلعة عليها فقط بل للأجيال القادمة التي سوف تقف 
عليها. إذ يرى بول ريكور أن المرء لا يؤول من عدم. ولكنه يفعل ذلك لكي 
يوضح. ولكي يبرر للأجيال الحاضرة والآتية التقاليد التي نحيا فيها بما يحافظ 
على استمرار وجودها. وهكذا فإن زمن التأويل ينتمي على نحو ما إلى زمن 
التقاليد. وهكذا فإن التقاليد تحيا بفضل التأويل» وإنها لتستمر بهذا الثمن. 
أي إنها تبقى حية”". وفي هذا النص يؤكد ريكور جملة من الحقائق التي 
تعرفنا بالتأويلء ومتى يتم اللجوء إليهء والغاية منه. فنحن نلجأ إلى التأويل 
من أجل التوضيح واستمرار التقاليد التي نحيا فيهاء فالمحافظة عليها تتم من 
خلال التأويل الذي يسعى إلى توضيحهاء فالتقاليد هي كما يؤكد ريكور كنز 
نأخذ منه. ونجدده بعملية الأخذ هذه. وهذا الميراث الذي نوضحه ونأخذ منه 
يحيا بفضل التأويلء بمعنى آخر إن التأويل هو الذي يسوغ استمرار التقاليد 
وبقاءهاء والمحافظة عليها. 

وليس بعيداً عن هذا الموقف ما طرحته الفيلسوفة سوزان 
سونتاغ. المعروفة بمعارضتها للتأويلء والتي تعتقد أن التأويل قد ظهر 


للمرة الأولى في ثقافة أواخر الحقبة الكلاسيكية. عندما تحطمت سلطة 


)0( .245 م .نط1 


(0) بول ريكور.ء صراء التأؤيلات» مرجع سابق.» ص 094. 


41 


الإطل النظري للأسطورة 


الأسطورة وصدقيتها من خلال الرأي «الواقعي» عن العالم الذي جاء به التنوير 
العلمي» فعندما طرح السؤال الذي يقض مضجع الوعي ما بعد الأسطوري - 
ظاهرة الرموز الدينية - لم تعد النصوص القديمة بشكلها البدائي» مقبولة البتة, 
فاستدعي التأويل لمواءمة النصوص القديمة مع المطالب الحديثة”". وهذا 
يعني أن التأويل قد ظهر بعد القضاء على هيمنة الأسطورة, وذلك بسبب الرأي 
الواقعي الذي جاء مع حركة التنوير العلمي» فأصبحت النصوص القديمة بشكلها 
البدائي غير مقبولة: فجاء التأويل ليجعل من النصوص القديمة أكثر ملاءمة 
للمطالب الحديثة. وتواصل سونتاغ طرح رؤيتها عن التأويل فترى أن التأويل 
هو خطة جذرية للاحتفاظ بنص قديم من خلال ترقيعه. إذ يعتقد أنه مهم 
لدرجة لا يجوز معها طرحه جانباً. والمفسر لا يفعل سوى «تعديل» أو تبديل 
في النص من دون محوه أو إعادة كتابته. ولكنه يعجز عن الإقرار بذلك. فيزعم 
أنه يوضحه فقطء ويميط اللثام عن معناه الحقيقي”". فالتأويل إذاً وفقاً لهذه 
النظرة يسعى إلى توضيح المعنى الحقيقي للنصوص القديمة كما يراه المؤول 
ليجعلها مواكبة للعصر الذي يؤول فيه النص مع الاحتفاظ بتفرد النصوص بسماتها 


الخاصة بهاء فالمؤول يحاول أن يحافظ على النصوص القديمة واستمرار بقائها 


)١(‏ سوزان سونتاغ. ضد التأوبل ومقالات أخرىء ترجمةء نهلة بيضونء مراجعة. سعود المولى, 
المنظمة العربية للترجمة: بيروت, 74 ص 1 


(؟) سوزان سونتاغ. ضد التأؤيل... مرجع سابق» ص 19. 


ام 


تاويل الأشطورة يخ كتإدات افلاطون 
من خلال ذلك التأويل؛ فالنص ينتمي إلى حقبة زمنية معينة, يحاول التأويل إعادة 
الوعي به لينسجم مع حقائق وأفكار حقبة أخرى. 

ومن أجل فهم العناصر الجزئية للنصء يتطلب أولاً فهم النص في كليته 
كما يرى بعض الباحثينء ولكن فهم النص في كليته ينبغي أن ينبع من فهم 
العناصر الجزئية المكونة له. وهذا يعني - كما يرى شلاير ماخر - أننا ندور 
في دائرة لا نهاية لهاء هي ما يطلق عليه الدائرة الهرمينوطيقيةء ومفهوم الدائرة 
التأويلية يعني أن عملية فهم النص ليست أمراً سهلاً بل هي عملية معقدة 
مربكة". إن فهم النص لا يمكن أن يتم بدون فهم أجزائه. حيث ترتبط تلك 
الأجزاء بالنص كله ارتباطاً لا يمكن تجاهله في فهم النص. 

ويسري على الأسطورة ما يسري على أي نصء فهي لا تختلف في كثير 
من النواحي عن بقية النصوص التي تنتمي إلى زمن قديم فهي تجسد نوعاً من 
التقاليد التي تمثل حقبة زمنية معينة. تمثل وعياً معيناً إذ إنها كما يعتقد ريكور 
لا تستوفي التكوين الدلالي للرمز بأي حال من الأحوال» وذلك لأسباب تستدعي 
أن تكون الأسطورة ملحقة بالرمز. ولأن الأسطورة شكل من أشكال القصةء فهي 
تروي أحداثاً لها بداية ونهاية ينتظمها زمن أساسي... ومن جانب آخر فإن 
علاقة الأسطورة بالشعائر وبمجموع مؤسسات مجتمع خاص من المجتمعات 
يدخلها في النسيج الاجتماعي". إن عملية فهم رموز الأسطورة غاية في 
)١(‏ نصر حامد أبو زيده إشكالبات.... مرجع سابق, ص ”7. 
(0) بول ريكور. صراء التأؤيلات.... مرجع سابق.» ص .51-5١‏ 


م 


الإطل النظري للأسطورة 


الصعوبة, فالتأويل يسعى إلى توضيح تلك الرموز كما بينا فيما سبق 
ولكن المؤول لا يقوم بعملية حذف أو إعادة كتابة النص. 

ومهما يكن من أمر فمن الممكن أن نستخدم التأويل ليعيننا على فهم 
الأمطورة باعتبارها نصاً يمثل وعي الإنسان في مرحلة زمنية معينة» ومعرفة 
دلالات الرموز التي استخدمتها الأسطورة. وذلك لتحديد الصلة بين الفلسفة 
والأسطورة, أو كما يتساءل بول ريكورء قائلاً: «ما مكان الأسطورة في الفلسفة؟ 
إذا كانت الأسطورة تستدعي الفلسفة. أيكون صحيحاً أن الفلسفة تستدعي 
الأمطورة؟»”". هذه التساؤلات التي طرحها ريكور تكشف لنا عن عمق المسألة 
وصعوبتها في تحديد الصلة المتبادلة بين الأسطورة والفلسفة. ومعنى لجوء 
الإنسان إلى الرمز ثم محاولة تفسير الرموز التي استخدمها. وهذا ما سنقف 
عنده في الفصول التاليةء وخصوصاً عندما نعمل على تأويل رموز الأساطير التي 


استخدمها أفلاطون لمناقشة كثير من المشكلات. 


)١(‏ بول ريكور. في التفسير محاولة في فرويد. ترجمة وجيه أسعد, دار أطلس للنشر والتوزيع» 


دمشقء. 00 ص 66. 


5 


الفصل الثانى 
“2 ع 5 ع 2 
سمات الأسطورة الأفلاطونية 
أولاًء سمات الأسطورة في مرحلة الشباب 
ثانياً سمات الأسطورة في مرحلة النضج 


ثالثاً: سمات الأسطورة في مرحلة الشيخوخة 


رابعاً: السمات العامة للأسطورة الأفلاطونية 


1١ 


سمات الشطورة الاقلاطونبة 


سمات الأسطورة الأفلاطونية 


بداية نقف على الآراء المختلفة من محاورات أفلاطون. لأن معرفتها 
تعيننا على تحديد أبرز مزايا محاورات أفلاطون» ولسنا معنيين هنا بتوحيد 
الاختلافات أو حسمها حول تصنيف محاورات أفلاطونء وإنما يقتصر عملنا على 
تحديد الملامح العامة لكل مرحلة من مراحل استخدام الأسطورة في نشاط 
أفلاطون الفكريء ومعرفة ما هو مشترك - إن وجد - من الأفكار التي حظيت 
باهتمام أفلاطون أكثر من غيرهاء والتي تعبر عن هموم أفلاطون وتطلعاته 
الفلسفية والاجتماعية والسياسية. 

نبدأ البحث في سمات الأسطورة الأفلاطونية باقتباس يعرفنا بأفلاطون ويذكرنا 
بعصرهء وبمدينته أثيناه وكيف عاشت الحرب والانهزام والتفكك والفوضى؟ وكيف 
انعكست آثار ذلك الواقع المرير لأثينا على تفكير أفلاطون وتطلعاته؟ وكيف نظر 
أفلاطون إلى ذلك الواقع؟ فقدم لنا رؤيته الخاصة بنقد ذلك الواقع ومحاولة إصلاحه. 
حيث يقول عن ذلك جون لويس: «يجب أن نتذكر أن فلسفة أفلاطون تأتي بعد 


انهيار الإمبراطورية الأثينية ونشوب حرب طبقية في أثينا المنهزمة المنكسرة 


4 


تايل اللسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


النفس. وأفلاطون يكتبء لا كمصلح يرتفع فوق أزمة الدولة بل كإنسان ترك الكفاح 
فوجد في عالم العقل المثالي ذلك التناسق الذي لم يعد في مقدوره أن يحصل عليه 
على أرض الواقع. إنه وفي آن واحدء مثقف ومصلح.ء شاك ومؤمن في دولة مثالية. 
ما يظن أنه يراها في «السماء» إنه يقف أمام إخفاق التاريخ» مقترحاً أن نتعالى 
فوق العالم الزمني إلى العالم الخالد»". 

لقد اختلفت الآراء بين القدماء والمحدثين في ترتيب محاورات أفلاطون, 
فقد رتبها الأقدمون - كما يرى يوسف كرم - وفقاً لشكل الحوار أو موضوعه. 
فقسموها إلى تسعة أقسام سميت رابوعات لاحتواء كل قسم على أربعة 
مصنفات. بينما رتبها المحدثون اعتماداً على صدورها ليتمكنوا من تتبع فكر 
أفلاطون في تطورهء فقسموها اعتماداً على أسلوب «القوانين» الذي يمثل 
آخر ما كتب أفلاطون. فوضعوا في مرحلة الشيخوخة المحاورات الشبيهة 
بأسلوب القوانينء أما مرحلة الشباب فمثلتها المحاورات البعيدة عن 
أسلوب القوانين» في حين صنفوا مؤلفات الكهولة اعتماداً على جمعها 
بين خصائص الطائفتين”. وكما يبدو رتبت محاورات أفلاطون إما اعتماداً 
على موضوعهاء وإما على زمان تأليفهاء ونعتقد أن ترتيبها اعتماداً على 
موضوعها يكشف عن الانسجام في فكر أفلاطون في مراحل حياته 
)١(‏ جون لويسء مدخل إلى الفلسفة؛ ترجمة أنور عبد الملكء. الدار المصرية للكتبء القاهرة, 


/501, ص لال". 


9) يوسف كرم, تاريخ الفلسفة.... مرجع سابق. ص 10-56. 


ع1 


سمات ااشطورة اللقلاطونية 


المختلفة, بينما تصنيفها اعتماداً على تاريخ تأليفها يباعد بين المراحل المختلفة 
لتفكير أفلاطون. فيجعل لكل منها سمات تفصلها عن الأخرى. 

بينما ترى أميرة حلمي مطر بأن شراح أفلاطون وجدوا أنفسهم أمام 
مشكلة ترتيب المحاوراتء. وكان أحسن ترتيب للعالم الاسكتلندي لويس 
كامبل (1 .للءطاصسدت) عام 2,1481715 حيث استخدم منهجاً اشتقه من محاورات 
أفلاطون نفسها في فترات مختلفة من كتابة محاوراته. فقد لاحظ أن أسلوب 
أفلاطون في الكتابة قد تطور على مدى الخمسين عاماً التي ظل يدون فيهاء 
وعندما أيقن أن محاورة القوانين هي آخر ما كتب أفلاطون. تمكن من ترتيب 
المحاورات بالقياس على قربها أو بعدها من القوانين» وعليه فقد انتهى إلى 
تقسيم المحاورات إلى ثلاث مجموعات: المجموعة السقراطية. و مجموعة 
الكهولة. و مجموعة الشيخوخة”". ويبدو أن كامبل ركز على أسلوب أفلاطون 
في الكتابة متخذاً القوانين نموذجاً لمعرفة ما طرأ على أسلوب أفلاطون من 


0. 


لخيير. 


ويكشف لنا غثرى (عنعطدتد©) عن أهمية أبحاث «كاميل» 
و«لوتوسلافسكى» (1281وه11) فيما يتعلق بتصنيف محاورات 


أفلاطونء فيشير إلى أن أبحاثهما قد أقنعت معظم الدارسين بشأن 


.١179 أميرة حلمي مطرء الفلسفة عند البوذل. دار النهضة العربية. القاهرة. 1514 ص‎ )١( 


10 


تاريل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


النظام العام للمحاورات. رغم وجود صعوبات معينة «مثل وضع طيماوس 
وكراتيلوس الذي ما يزال باقياً». عموماً فإن طريقة كامبل ولوتوسلافسكي في 
تصنيف محاورات أفلاطون تنسجم مع تقسيم المحاورات إلى ثلاث مجموعات 
متتالية". ولقد استطاعت أبحاث كامبل ولوتوسلافسكي أن تحدث إقناعاً لدى 
الدارسين لأفلاطون بشأن ترتيب محاورات أفلاطون رغم وجود بعض الصعوبات 
حول مؤلفاته. ويؤكد غثري وجود بعض الاختلافات بين المحاورات.وهي توحي 
بمرور الزمن أو ربما بمرور الزمن على حدث يملك تأثيراً في أسلوب الكاتب. 
ورغم اختلاف الآراء حول تصنيف محاورات معينة إلا أن ذلك يوحي أن تلك 
الاختلافات لم تكن كبيرة. فبعض الدارسين مثلاً وضعوا محاورتي طيماوس 
وثيتاتيوس في مجموعة الوسطء وآخرون وضعوها في المجموعة الأخيرة. وكان 
هناك شاك أو متردد في مضامينها. ورغم ذلك الجدل الشائك حول ترتيب 
محاورات أفلاطون ومضمون محاورة طيماوسء ووضع كراتيلوس المشكوك فيه. 
فإن غثري يرى أن تصنيف كورنفورد (4كممت) يمكن أن يؤخذ به بوصفه 
نموذجاً لنتائج مقبولة على العموم. حيث صنفها إلى: 


)00( صقم عط مغماط ,نوإممدماة(2 عأءء0©7 زه بروم]دة8 ىه ,نا .1 .117 عتعطنن 
ممتهغختر8 أوعدن) نووععط بطتويع عتمتا عع#10طتصدت ,وعناوهلةتل قتط لصة 


.0 ,49 مم 11 ,املا ,1980 


13 


و 


0 


سمات الشطورة اللقلاطونية 


خارميدس,ء أوطيفرونء. هيبياس الأصغرء وهيبياس الأكبرء بروتاجوراس» 
جورجياسء وأيون. 

المحاورات الوسطى: مينونء فيدونء الجمهورية» المأدبة. فيدروس, 
مينكسوسء كراتيلوس. 

المحاورات الأخيرة: بارمنيدس, ثيتاتيوسء السفسطائيء السياسي. طيماوس. 
كريتسء فيلبوس القوانين'". لقد رد غثري سبب اختلاف المحاورات إلى 
مرور الزمنء ودعا إلى الأخذ بتصنيف كورنفوردء بينما ذهب بعض مؤرخي 
الفلسفة اليونانية إلى اعتماد موضوع المحاورات ومنهم شارل فرنر الذي 
قسّم مؤلفات أفلاطون إلى أربع مجموعات» هي: 

أولاً: المجموعة الأولى» وهي المحاورات التي تسبق مؤلفات أفلاطون 
التي يعرض فيها نظرية المثلء. ومنها دفاع سقراطء بروتاغوراسء مينون» 
أقراطيلس. 

ثانياً: المجموعة الثانية التي يعرض فيها أفلاطون نظرية المثل في صورتها 
الأولىء وتضم: المأدبة. فيدونء الجمهورية» فيدروس. 

ثالثاً: المجموعة الثالثةء مجموعة المؤلفات التي يمكن أن ندعوها 
«نقدية»» ومنها: تيتاتوس» برمنيدسء السفسطائيء السياسي. 


رابعاً: المجموعة الرابيعة» المؤلفات التي تعرض الصورة 


.0 م ,.لنط1 


41 


تؤيل الأسطورة كتادات افلاطون 


الأخيرة التي وصل إليها المذهب. وهي: فيلييسء. طيماوس ومعه 
اقريطياس دون إنجازهء والنواميس”". أما إميل برهييه فقد راعى كما 
يلاحظ في تصنيفه لها تسلسلها الزمني من جانب. وموضوعها من جانب 
آخرء وان كان يرى أن بالإمكان ترتيبها زمنياً على النحو الآتي: 
المحاورات التي سبقت أو أعقبت مباشرة موت سقراط: بروتاغوراسء 
أيون» دفاع سقراطء أقريطونء أوطيفرونء خارميدسء لاخسيسء ليسيس. 
الجمهورية الكتاب الأول» هيبيباس الأكبرء القبيادس الأول. 

محاورة سابقة لإنشاءالأكاديمية: جورجياس. 

محاورات منهاجية تالية مباشرة لإنشاء الأكاديمية: مينون» ميناكسانس» 
أوثيديموس, الجمهورية الكتاب الثاني إلى العاشر. 

محاورات ترسم صورة مثالية لسقراط: فيدونء المأدبة» فيدروس. 
محاورات تدعو إلى تصور جديد للعلم والجدل: أقراطيلوسء ثياتيتوس. 
بارمنيدسء السفسطائيء السياسي. 

المحاورتان الأخيرتان: تيماوسء أقريطياس «غير مكتملة». 
وكان من المفروض أن تعقبهما محاورات هرموقراطس 


والقوانينء «محاورات ناقصة نشرت بعد وفاة أفلاطون»» وأخيراً 


.37 شارل فرنرء الفلسفة البونازبة ترجمة تيسير شيخ الأرضء دار الأنواره بيروت. 0958, ص‎ )١( 


14 


سمات الاسطورة اللقلاطونبة 


بينوميس"". يعكس هذا التصنيف كما يبدو ما طرأ على حياة أفلاطون 

وعلى تفكيره من تغيير. 

إن غرضنا من عرض تصنيف محاورات أفلاطون من قبل عدد من المعنيين 
بالفلسفة بصورة عامة: وفلسفة أفلاطون بصورة خاصة. هو معرفة الحقبة التي 
تنتمي إليها المحاورات التي سوف نتناولها في بحثناء والتي تتضمن أسطورة أو 
أكثر من أسطورة مثل الجمهورية وفيدروس. 

أولاً: سمات الأسطورة في مرحلة الشباب 

أشار تسانوف 80ممه:1) إلى أنه في عصر الإرهاصات السياسية الاجتماعية 
والإنجاز الفنيء كان هنالك هدفان يتجاذبان فكر أفلاطون الشاب إلى أن 
التقى سقراطء وهذان الهدفان هما اللذان حددا توجهه الفكريء فاختار الحياة 
الفلسفية, إلا أن ذهنه لم يتخلّ عن الإبداع الشعري وفن إدارة شؤون الدولة. 
فأفلاطون كتب الشعر وربما ألف التراجيدياء لكنه بعد أن شاهد تفاعل الأفكار 
الدرامي في مناقشات سقراطهء قال إنه أحرق قصائده. إلا أن محاوراته تُظهر 
أن الفيلسوف لم يحجب تماماً الكاتب المسرحي”". إن ما شغل ذهن أفلاطون 
منذ البدايةء كان الجانب الفني والسياسيء إلى أن التقى سقراط الذي أثر في 
تغيير حياته. 
)١(‏ إميل برهييه: تلاي< الفلسفة.... الجزء الأولء مرجع سابق» ص 1717-19 
م0 18011 14ت توم عولط روتعت[زمده|[ة[5 ه072 1116 رخ كقاقه1320 /أمصدك] 


.44 م ,1964 ,0ع ,250 ,صهلهمءةآ 0نة صمأمصوط8 عادملآ معاد 


ل 


تاويل الشطورة يي كتإدات اقلاطون 


في محاورات أفلاطون الأولى (محاورات الشباب) يبدو سقراط من البداية 
حتى النهاية هو البطلء وهو الشخصية المركزية» وتبدو الأفكار كأنها تنبثق منه. 
ما أثار السؤال التقليدي. هل الآراء التي ذكرت في المحاورات هي لسقراط 
فعلاً أم لأفلاطون”"؟ هذا التساؤل يؤكد صعوبة الفصل في الآراء التي جاءت 
في محاورات أفلاطون هل هي لسقراط أم لأفلاطون؟ 

وعندما نبدأ مع ما اصطلح عليه بالمحاورات السقراطية التي تمثل أعمال 
أفلاطون الشابء تُطبع مباشرة في الذهن - كما يشير تسانوف - شخصية 
الأمتاذ. كلماته. مآثره. فهذه المحاورات المبكرة كانت تتجه إلى إيجاد تعبير 
درامي» لشرح أجزاء محاورات أفلاطون المبكرة". وهذا يعني أن هذه المرحلة 
لا يظهر فيها سقراط بوصفه بطلاً للمحاورات فقطء بل يظهر بوصفه يمارس 
تأثير الأستاذ في التلميذء وهذه تمثل سمة من سماتها. 

إن المحاورات الأولى وفقاً لرؤية وولتر ستيس تتميز بقصرها وبساطتهاء 
إضافة إلى أنها كانت ما تزال تحت تأثير سقراطء خاصة من حيث الأفكار. فلم يكن 
أفلاطون قد طور بعد فلسفة خاصة به ولهذا كان يعرض بالشرح لفلسفة سقراطء 


وهذا لا يعني أنه كان منتحلاً طوال تلك المحاورات, فهناك شواهد على جدته وأصالته. 


)0( وتعطاه82 مذتجحمنا ب8 بمعاوعل/1 14:ه تعاموظ بر[زموه1ةطط زه بممغكةل1 
1580" ,[70ا 1953 ,مملصمآ لصة وصفاه18 :لع سانا 


ف .6 « اك.م0 ...و [ومدملقطط غوء7© 1122 ,عه تتهاده1830 .1أمصدة]" 


0 


سمات الاسطورة اللقلاطونبة 


يعبر عنها الشكل الأدبي» وليس المحتوى الفلسفي. وبصورة عامة فإن المحتوى 
الفلسفي لكتابات أفلاطون المبكرة ضئيل وبسيطء ففيها اهتمام كبير بتفاصيل 
حياة سقراطء وتطغى النزعة الفنية فيها على المحتوى الفلسفيء. ومن هنا فإنها 
من الناحية الأدبية تعد من أكثر محاورات أفلاطون سحراً"". وربما تكون نزعة 
أفلاطون الفنية هذه سبباً في أن عدداً من الدارسين - كما يرى غثري - حاولوا 
وضع المحاورات في نظام يعكس تقدم موهبة أفلاطون الأدبية. على سبيل 
المثال:يذكر قيلور أن #تحاورة تروتاغوراتن ل ومكن أن تكون: عقلا مبكرا سيت 
كونها أثراً من آثار الأدب المتقن المشبع تألقاً ونبضاً حيويا وعلى النقيض من 
ذلك فإن آدم (سههه) يعد التوهج الدرامي في المحاورة يشير إلى أن هذه 
المحاورة هي من محاورات المرحلة المبكرة نسبياً من حياته”. ومن النقاش 
الذي دار بين الباحثين حول التطور الذي لحق بأسلوب أفلاطون يمكن أن 
يساعدنا على وضع أيدينا على السمات المشتركة لمراحل كتابات أفلاطون التي 
سوف نختم بها هذا الفصل. 

من المعروف أن سقراط كان أبرز شخصية في محاورات 
أفلاطون. فحوله - كما يشير برهييه - يلتئم شمل جمع غفير 


من السفسطائيينء والخطباءء. والشراح» والشعراءء. والمتنبئينء ليضع 


)١(‏ وولتر ستيسء تلايخ الفلسفة اليونانية. ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد. دار الثقافة للنشر 


والتوزيع: القاهرة. 19486 ص 165. 
[فرة 2 م 11 ,آلا رأك.م0 ,...ن ك1 لا عتتطامهن 


6١١ 


تاريل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


سقراط حكمتهم على محك الامتحان. ويحاكي أفلاطون في المحاورات 
شخصياتهم محاكاة ساخرة لا تخلو من قسوة أحياناً". وبهذا المعنى كانت 
المحاورات مصدراً ثراً لمعرفتنا بالحياة الفكرية اليونانية وبعدد من المفكرين 
ومستوى طروحاتهم. 

وهناك من يعتقد - كما تشير الموسوعة العالمية للعلوم الاجتماعية - 
أن معظم عمل أفلاطون الأدبي قد تضمنته المحاورات السقراطية. ويبدو أن 
ضور متفراظ وتلاعذقة فى الحياة الفكرية البوتائية 'جهل عدذا مق المؤلفين 
مثل أكزانوفان يكتب عنهاء رغم أن المحاورات التي كتبها أفلاطون كانت الأبرز 
إبداعاًء وهي تصور سقراط الإنسان والمعلم, والمحب للحقيقة, ولم يذكر فيها 
ما يناقض الديمقراطية وقيمها", أي إن أفلاطون في هذه المحاورات يعرفنا 
بسقراط ومن حوله من شخصيات أخرىء ويطلعنا على منهج سقراطء ومنهج 

ويزيد من أهمية المحاورات السقراطية أنها لا تقطع يحلول 
حاسمة بل تنتهي المناقشة في نهاية الأمر بالإقرار بالجهل. إذ يكشف 
لنا سقراط بأسئلته الماكرة. وما في جدله من لهجة عنيفة ضعف حجج 


مجادله وخطأ آراتهء كما يرى «كواريه». وعندما يُسأل سقراط عن 
رأيه في الموضوع المطروح للنقاشء» ويجيب أن مهمته هي أن يختبر 
)١(‏ إميل برهييه. تلريج الفلسطة.... الجزء الأولء مرجع سابق» ص 171. 


2 ,(0ه[2) غمة روعمعمعك5 لم50 عط آله وتلءممالع ترعمظ لهصمتغهمسمعغص1آ 


ص ,12 .701 ,1972 مولعملا بعل8 :موعوظ غ56 لصه من مقللتمدى هلة عط 


سمات ااشطورة اللقلاطونية 


الآخرين» أما هو فإنه يقدم نفسه بأنه لا يعرف إلا شيئاً واحداً. وهو أنه 
لايعرف شيئاً”'بكلمة أخرى إن دور سقراط في هذه المرحلة المبكرة هو 
فحص المفاهيم وتحليلهاء ومناقشة تلك المفاهيم التي يعتقد الآخرون أنهم 
يفهمونها بوضوح تماماً كما يفهمون ذواتهم. 

بعد هذا التقديم للسمات العامة للمحاورات السقراطيةء نعود إلى 
توضيح سمات الأساطير التي تنتمي إلى هذه المرحلةء والتي ذكرها أفلاطون 
في محاورت جورجياس وبروتاغوراسء والتي كما لاحظنا أن المحدثين في 
ترتيبهم لمحاورات أفلاطون قد وضعوها ضمن المحاورات السقراطية - كما 
ذكر يوسف كرم - وكذلك كورنفورد - وشارل فرنر - إضافة إلى ما ذكرته 
الموسوعة الفلسفية. بينما يرى وولتر ستيس أن جورجياس هي أقدم محاورات 
هذه المجموعة. ومحاورة بروتاغوراس تشكل معبراً للمجموعة الثانية» بينما 
يضع إميل برهييه بروتاغوراس ضمن تصنيف المحاورات السابقة لموت سقراطء 
وجورجياس سابقة لإنشاء الأكاديمية. ربما لأن هاتين المحاورتين تمثلان المنهج 
السقراطي الذي تأثر به أفلاطون. وحاول أن يطرحه. حيث لم يتشكل بعد 
57 خَامَاً به. 


عرفنا لمحاورة حجورحجياس ترحمتين. إحداهما «لأديب نصور»الذىي 
يشير في مقدمة هذا الحوار لأفلاطون أطلق عليه اسم «جورجياس» 
)١(‏ ألكسندر كواريه. مدخل لقراءة افلاطون. ترجمة عبد المجيد أبو النجاء مراجعة أحمد فؤاد 


الأهواني: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر, الدار المصرية للتأليف والترجمة, 


مصر 1935 ص .١7‏ 


الا 


تاؤويل الأسطورة يخ كتدبات افلاطون 


معلم الخطابة الأول في أثينا. واهتمام أفلاطون بالخطابة يرجع إلى أمرين على 
ما جاء في الحوارء فهو معني أولاً بفن الخطابة بوصفها طريقة من طرائق التربية 
والتعليم. وهو معني ثانياً بممارسة الخطابة بوصفها وسيلة للوصول إلى الحكم 
والسلطان. فمن الخطابة يتدرج أفلاطون إلى السياسة» ومن السياسة يتقدم إلى بحث 
5 الوجود كله. فالحوار كما يرى أديب نصور يتجاوز حدود عنوانه» ويتجاوز فن 
الخطابة ليتناول السياسة ويحتضن الحياة بأسرها”". ويكشف نصور هنا عن أسباب 
اهتمام أفلاطون بالخطابةء وموضوع جورجياس الذي يتجاوز الخطابة والسياسة 
والوجود ليشمل شؤون الحياة كلها. 

أما الترجمة الأخرى فتعود إلى محمد حسن ظاظاء الذي بيّن 
في مقدمته موضوع المحاورة. فذكر أن بول لامير #منمصء1 8) في 
مقدمة ترجمته للمحاورة وضح أن موضوع المحاورة فن البيان الذي يرى فيه أفلاطون 
فن الإقناع بالحق والعدلء لا بالباطل والظلم: بينما يرى الأستاذ رينوفييه (2:<هم8) 
أن الظلم أفدح الشرورء وارتكابه أفدح من احتماله. وذلك هو الموضوع الذي 
يدعمه سقراط ويدافع عنه'". وبكلمة موجزة إن هذه المحاورة تجمع بين الأخلاق 
والسياسة.ء وهي وسيلة لإقناع الناس بالحق والعدل. وهي أيضاً وسيلة 


)١(‏ أفلاطونء. الخطبء نقله إلى العربية أديب نصورء دار صادرء دار بيروت» بيروت» 21933 ص 


0 


(9) أفلاطون» جورجياسء ترجمة محمد حسن ظاظاء راجعها علي سامي النشارء الهيئة المصرية 
العامة للتأليف والنشرء مصرء 0917١‏ ص لا. 


١ع‎ 


سمات الاشمطورة القلاطونبة 


توصل الخطيب إلى الحكم عن طريق الإقناع. إذن الأخلاق والسياسة كانتا من 
الموضوعات التي شغلت ذهن أفلاطون منذ البداية. 

ينطلق سقراط «الأفلاطوني» في جورجياس معارضاً نزعة السفسطائيين 
النفعية المجردة من المبادئ الخلقية - كما يشير «تسانوف» - فجورجياس 
أستاذ فن البلاغة. والمحاورة هي نقد لتعاليم السفسطائيين ممثلة بجورجياس 
أستاذ البيان. الذي يجره سقراط في هذا الحوار إلى محاولة كشف زيف 
الإقناع الذي يستخدمه السفسطائيون في المحاكم والمجالس العامة في قضايا 
العدل والظلم.”" 

على الرغم من النقد الذي وجهه أفلاطون إلى رجال عصره من سفسطائيين 
وغيرهم إلا أنه في «جورجياس» - كما يرى زيلر (1ء2) - يبدو متأنياً في 
معارضته للدولة الواقعية. فالدولة كما يرى يجب أن لا تؤسس على الشهوة. أو 
التوق إلى القوة. أو لطبقة خاصةء لأن هدفها يجب أن يكون تعليم المواطنين» 
والسمو بهم إلى ما هو خير'". وربما يكون موقف أفلاطون المتأني هذا بسبب 
رغبته في هذه المحاورة بإقناع الناس بالعدل والحقء والسمو بهم لما هو خير. 


وتنتهي محاورة جورجياس بأسطورة تحدث فيها أفلاطون 


)00( .48 و ماك.م0 ...نع ممدماتطط غوء7 © 1116 رخ تتقاوه120 ,]]ممد5]" 
2( ةنلعم طم ,نواممكما ةر[ زه بررماوفط عا إه كد01 ,لعقنكظ8 نعلاع2 


.58 م ,1955 ن1نمل"ا بعلا عاموظ 


تاؤويل الأسطورة يخ كتدات افلاطون 


عما تلقاه النفوس الظالمة الشريرة من عذاب الجحيمء بعد محاكمة عادلة. 
هذه الأسطورة تنسجم مع موضوع المحاورة لمعالجتها قضية الخير والعدلء 
وتتصف بكونها أسطورة أخلاقية ذكر فيها أفلاطون ما تناله النفوس الخيرة من 
ثواب. وما تلقاه النفوس الشريرة من عقاب. وهذا يلتقي مع رؤيته بخلود 
النفس وحسابها بعد الموت من جانب. ويكشف عن رغبة أفلاطون في تحقيق 
العدل بحصول النفوس على ما تستحق. 

بعد محاورة جورجياس ننتقل إلى محاورة بروتاغوراس التي يطرح فيها 
أفلاطون أيضاً أسطورة «بروميثيوس» فيصور فيها ولادة المخلوقات الفانية. وتُعد 
غذة المحاوزة أظؤل :المطادراك: السقراظية, وأكذرها تعقيدا وتطورا مق الداعية 
الفكرية. وربما هي آخر محاورات المجموعة. ومن وجهة نظر وولتر ستيس 
يرى أنها تشكل معبراً للمجموعة الثانية". فإذا صح هذا الرأيء فهي تتوسط 
المجموعة الأولى والثانية. كما أنها تفصل بين المجموعتين. 

موضوع محاورة بروتاغوراس هو السفسطائيء. من هو؟ وما الفائدة من 
تعليم السفسطائي؟ وهل يمكن تعليم السياسة والفضيلة؟ إن الفضيلة التي 
تحاول هذه المحاورة مناقشتها هي الفضيلة السياسية» فالسياسة في أثينا في 
عهد الديمقراطية قد أصبحت عرضة لسخرية أفلاطون ونقده. وذلك لأن السياسة 


أصبحت تمارس من قبل أشخاص غير ملمين بها وباختصاصهاء يقول أفلاطون على 


.169 وولتر ستيس. تاريخ الفلسفة... مرجع سابق. ص‎ )١( 


١1 


سمات الشطورة اللقلاطونية 


لسان سقراط مخاطباً بروتاغوراس: «... حينما يكون الموضوع عن شأن من 
شؤون الدولة فكل فرد حر في أن يقول رأيه سواء في ذلك النجار أو السمكري 
أو الحذاء أو عابر السبيلء وسواء في ذلك الغني والفقيرء الرفيع والوضيعء بل 
إن أي فرد يحب الادلاء برأي فلا أحد يلومه»”". فالفضيلة السياسية كما يرى 
السفسطاتيون هي القدرة على المشاركة في الأمور العامة في حين يرى 
أفلاطون أن الفضيلة السياسية هي رأس الفضائل وهذا ما يحاول أن يوضحه من 
خلال أسطورة بروميثيوسء فلولا وجود هذه الفضيلة لكان فناء الإنسانية» فالحياة 
الاجتماعية مستحيلة بدونها. ولهذا يرسل زوس هرمس لتوزيع عاطفتي التقوى 
والعدالة على الجميع؛ فبدونهما لن توجد المدنء إذ تصور هذه الأسطورة عجز 
الإنسان عن الحفاظ على نفسه. أولاً لعجزه عن مواجهة الحيوانات الأخرى: 
وثانياً بسبب غياب هذه الخاصية أساء البشر معاملة بعضهم بعضاً فتعذر وجود 
حياة اجتماعية تحافظ على وجود الإنسان. 

إن هذه الأسطورة تنسجم مع موضوع المحاورة, إذ تصور الصراع بين 
الموجودات وعجز الإنسان عن التصدي لتلك الصراعات بسبب غياب العدالة 
والدولةء وهنا تتدخل الآلهة لنصرة الإنسان من خلال إعطاء الإنسان فضيلتي 
التقوى والعدالة. إذ بدونها لا يمكن الحفاظ على حياة الإنسان. 


)00( أفلاطون. بدروتاجوراسء ترجمة محمد كمال الدين علي يوسفء. راجعها محمد صقر خفاجة. دار 


الكاتب العربيء القاهرة. 2.1951 ص 06. 


6١و‎ / 


تايل اللأسطورة يخ كتدات أقلاطون 


نخلص من هذا إلى أن السمة العامة التي تميز الأسطورة في محاورات 
أفلاطون (المحاورات السقراطية) هي أنها ذات طابع أخلاقي سياسيء فأفلاطون 
بدأ أساطيره بأسطورة ذات منحى أخلاقي, فصور بها كيفية محاكمة النفوس في 
الآخرة» ثم تبعها بأسطورة تتسم بطابع أخلاقي سياسيء وهي بروميثيوسء وهذا 
يؤكد انشغال أفلاطون بموضوع الأخلاق والسياسة في هذه المرحلة. فجاءت 
أساطيره التي استعان بها للكشف عن أهمية الأخلاق والسياسة منسجمة مع 
محاورات هذه المرحلة. إنه يبدأ هنا بالسياسة وينتهي بالفن» وهذه هي إحدى 
السمات التي تميز بها فكر أفلاطون في مرحلته المبكرةء حيث فتنته السياسة 


والفن إلى حد أنه لم يفصل بينهما. 


ثانياً. سمات الأسطورة في مرحلة النضج 

بعد الكشف عن سمات الأسطورة في المرحلة الأولى ننتقل إلى تحديد 
سماتها في المرحلة الثانية من مراحل مؤلفات أفلاطون. ويبدو أن هذه 
المرحلة حافلة بالموضوعات المختلفة, فأفلاطون يتنقل هنا بين القيم الخلقية 
والجمالية والسياسية في نضج وإبداعء» وفي الوقت نفسه يدشن أطروحته 
الفلسفية الخاصة به التي تمثلت بنظرية المثل أو الصور. تمثل هذه المرحلة 
مرحلة البناء والتأسيس للنسق الفلسفيء والانتماء الحقيقي إلى القيم التي 
آمن بها أفلاطونء فهو لم يكن كما في مرحلته الأولى محايداً فلم يعارض في 


محاوراته تلك الديمقراطية ولا القيم الفردية» بينما نجده في هذه المرحلة 


يعلن رأيه صراحة من خلال نقده للمجتمع الذي أصبح واقعاً تحت تأثير 


8 


سمات الشطورة اللقلاطونية 


القيم والأفكار الجديدة التي روجها السفسطائيون. المجموعة الثانية أيضاً هي 
الأغزر والأكثر تنوعاً من ناحية وجود الأساطير فيها قياساً بالمرحلة الأولى 
والثالثة. 

لقد ارتبطت المجموعة الثانية من محاورات أفلاطون برحلاتهء حيث كتبها 
بعد عودته من سفرته الأولى إلى إيطاليا الجنوبية وتأسيسه للأكاديمية. لذا 
يظهر تأثره بالأفكار الفيثاغورية واضحاً فيها. ويقسمها يوسف كرم إلى قسمين 
يضم القسم الأول المحاورات الآتية: 

-١‏ منكسينوس 7 - مينون ” - أوتيدبيوس © - قراطيلوس © - المأدبة 

١‏ - فيدون. 

القسم الثاني يشتمل على: 

- الجزء المتبقي من الجمهورية «من الكتاب الثاني حتى نهايتها». ؟‎ -١ 
فيدروس " - بارمنيدس ع - تيتانوس.""‎ 

تمتاز محاورات المرحلة الوسطى - وكما يسميها بعض مؤرخي الفلسفة 
اليونانية بمرحلة النضج أو الكهولة - بالتنوع في المشكلات التي ناقشتها كخلود 
النفسء, ومشكلة الفضيلة؛: وفن البيان» والحب الفلسفيء. ومشكلة العلم وتميزه 
من الظنء. ومشكلات الدولة التي حاول أفلاطون أن يجد البديل عنها بدولته 
المثالية. 

كان أفلاطون في هذه المرحلة غزير الإنتاج الفلسفي المبدع, 


فهو لم يطرح أفكاره ونقده لما كان سائداً في المجتمع فقطء بل كان 


.35 يوسف كرم.ء تاريخ الفلسفة .... مرجع سابقء ص‎ )١( 


6. 


تاؤيل الشطورة ف كتادات أفلاطون 


يحاول إيجاد تصور جديد لإصلاح المجتمع الذي رأى فيه الفساد. وقد تمثلت 
محاولة. صلاحه بطرح البديل للدولة الواقعية. فكانت الجمهورية مشروعاً 
أعده أفلاطون بدقة وصرامة بدءاً من اختياره لأفرادهاء ووضع برنامج خاص 
للتربية والتعليم لتنشئتهم. فبرز في هذه المرحلة أفلاطون الفنان والسياسي 
والفيلسوف. وخصوصاً في محاورتي الجمهورية وفايدروس. 

وتتميز مؤلفات أفلاطون في مرحلة النضج خلافاً للمرحلة المبكرة 
بظهور تأثير الإيليين بالإضافة إلى تأثير سقراطء. وهو تأثير طبيعي ارتبط 
بإقامة أفلاطون فترة في ميجارا. كذلك يبدو أن أفلاطون في هذه المرحلة 
كان بصدد تطوير أطروحته الفلسفية الخاصة. حيث يبرز المبداً المحوري 
والسائد في فلسفته وهو نظرية «المثل»» التي هيمنت على كل أفكاره. 
ومن وجهة نظر وولتر ستيس تأسست في هذه المرحلة نظرية المثل 
ونمتء. وناقش فيها أفلاطون المسائل المتعلقة بفكرة الثبات لدى الإيليين» 
وفيها يظهر أكبر عرض لأفكار أفلاطون الأصيلة: وأنه كان معنياً بالمشكلات 
الفلسفية الكبرىء فلم يعد يعبأ إلا قليلاً بزخارف الأسلوب. وعليه فقد 
تراجعت المزايا الأدبية التي ميزت المرحلة الأولى من مؤلفاته. ولم يعد 
هناك فكاهة. فلا وجود في هذه المرحلة إلا للاستدلال الدقيق» والجدل 
الشاق المبدع”". لقد برز اتجاه أفلاطون في محاورات النضج - ومنها 


على سبيل المثال المأدبة وفيدون - لحياة التأمل والانصراف إلى التفكير 


.16١ وولتر ستيسء تاريخ الفلسفة... مرجع سابق» ص‎ )١( 


1١٠١ 


سمات الشسطورة اللقلاطونية 
الميتافيزيقي كما ذكرت د. أميرة مطرء إذ صور في مرحلة النضج أستاذه سقراط 
في صورة الفيلسوف المنصرف إلى التأملء فهو في المأدبة يمضي الليل والنهار 
عازفاً عن الطعام والشراب منصرفاً إلى تأملاتهه وفي فيدون هو الفيلسوف الذي 
يقهر الجسد من أجل أن تتلقى النفس الحقيقة'". وهذه المرحلة تعكس ميل 
أفلاطون إلى حياة التأمل والابتعاد عن الشهوات التي تبعد الإنسان عن السمو. 
وتمتاز بالإبداع الفلسفي وبلورة الأفكار والنظريات الفلسفية الأساسية. 
نبدأ بتحديد سمات الأسطورة للمرحلة الثانية مع محاورة مينون 
والأسطورة الخاصة بخلود النفس وفقاً للعقيدة الأورفية. إن موضوع محاورة 
مينون يتعلق بالفضيلة.ء وحديث مينون عنها هو من الموضوعات التي كانت 
شائعة بين المفكرين في ذلك العصرء حيث تتساءل المحاورة عن الفضيلة, 
هل يمكن تعلمها؟ أم هي هبة طبيعية؟ تهبها الطبيعة لمن تشاء". إن الفضيلة 
المقصودة في هذا الحوار هي الفضيلة السياسية والمراد بها ححسن الأداء في 
الميدان السياسيء وقد كان السياسيون - كما يشير قرني - يفتقرون إليها في 
)١(‏ أميرة حلمي مطرء دراسات في الفلسفة اليونانبة (التأمل» الزمانء الوعي الجمالي)» دار الثقافة 
للطباعة والنشرء القاهرة. 2.398٠‏ ص 5". 
(9) أفلاطونء مينون. ترجمها عن النص اليوناني وقدم لها وعلق عليها: عزت قرنيء» مكتبة سعيد 
رأفت. جامعة عين شمس., القاهرة. 219417 ص 186. 


١1١ 


تايل الأسطورة ف كتإدات أقلاطون 


عصر أفلاطون”",. ربما أراد أفلاطون هنا توجيه نقده للسياسيين في عصره. الذين 
يفتقرون إلى الفضيلة السياسية. 

يبدو أن الأسطورة التي استعان بها أفلاطون من الأورفية لإثبات خلود 
النفسء وامتلاكها للمعرفة منسجمة مع موضوع المحاورة الذي يتعلق بالفضيلة 
وكيفية الحصول عليهاء وهنا يُشير أفلاطون إلى أنها تقوم على التذكر أي 
يمكن تذكرها وليس تعلمهاء لأن العلم الذي يحتاج إلى جهد يبذله الإنسان 
إنما يتم عن طريق استعادة ما عرفته النفس سابقاً. ونلاحظ أن أفلاطون يبدأ 
بالأسطورة لاثبات ذلك ثم يأتي بالفروضء أي يبدأ بالمجرد ثم ينتقل إلى العيني 
المحسوس. 

أما في محاورة المأدبة التي طرح بها أفلاطونء «أسطورة أيروسء أو 
ولادة الحب». فقد ضمت موضوعات شتى كما يشير هاملتون (118.دهنلنصدتة) 
لذلك في ترجمته لها إلى الإنكليزيةء حيث يقول: «المأدبة هي المحاورة 
الأفلاطونية التي تشتمل على أفانين شتى من الفن والأدب والفلسفة, 
وهي - مع ذلك - أقل المحاورات صعوبة من الناحية الفلسفية. فأفلاطون 
الفيلسوف لم يتغلب فيها على أفلاطون الشاعر.ه وموضوعها موضوع 
هام وضع في إطار أخاذ من الحياة الاجتماعية لأثيناه مع تصوير رائع 
لشخصية سقراط وشخصيات من شاركوه في الحوارء ومنهم أسماء بارزة 


في عالم الشعر والأدب كأرستوفان وأجاثونء» وفي عالم السياسة كالقبيادس, 


.89 أفلاطون. مينون.... مرجع سابق» ص‎ )١( 


1١1 


سمات الشطورة اللقلاطونية 
وقد مزجت هذه العناصر مزجاً فنياً رائعاً»'".تظهر لنا هذه المحاورة أفلاطون 
الفيلسوف والشاعر وأبرز شخصيات المجتمع الأثيني. 
ويتناول أفلاطون في هذه المحاورة موضوع الحب الذي ساد أثيناء 
وهو حب الغلمانء وقد عبر عن موضوع الحب هذا عدد من الشخصيات التي 
كانت تمثل أسماءً لامعة في أثيناء جمع أفلاطون فيها بين من يمثل الشعر 
والأدب» مثل أرستوفان وأجاثونء ومن يمثل السياسة مثل القبيادسء ومن يمثل 
الفلسفة مثل سقراط. إن جميع أنواع الحب التي تحدث بها الموجودون في 
مأدبة تكريم أجاثون عبرت عن الحب الفاني بين جسدينء الذي يحافظ على 
بقاء الجنس واستمرار وجوده: أما الحب الذي يخلد فهو الحب المطلقء الذي 
يدرك الجمال الجزئي. ويتدرج منه ليصل إلى الجمال المطلق أي إلى معرفة 
القكل وخصوصا مثال الجمال بالذات: كما ذكر ذلك سقراظ أنة قن سمعه غن 
طريق ديوتيما التي قصت عليه كيف ولدالحبء وما الغاية منهء وما أنواعه 
وكيف يعمل الحب على إيصال المحب إلى الجمال المطلق'". ويبدو أن حديث 
أفلاطون عن الحب على لسان هذا العدد من الشخصيات المختلفة. كان لكشف 
نقص الحب الفاني مقارنة بالحب الخالد. 


إن الحب الذي روته ديوتيماء وأعاده سقراط ما هو إلا استكمال 


.5 ص‎ 219٠ أفلاطون, الملادة. المقدمة, ترجمة وليم الميري؛ دار المعارفء مصن‎ )١( 


2 م.ن.» ص ٠١‏ وما بعدها. 


1١17 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


للحوار الذي أقترح من قبل «أريكسماخوس» باستبدال عزف العازفة بالحديث 
عن الحب. حيث روى سقراط ما سمعه عن ديوتيما عندما جاء دوره في 
الحديث عن الحبء ليميز بين الحب الفاني والحب الخالدء بعد أن واجه حديث 
أجاثون عن الحب بالحجج ليثبت سطحيته بالرغم من صنعته البلاغية وإلقائه 
الشاعري. وقد قصد أفلاطون بحديث سقراط التقابل بين البلاغة والفلسفة, 
فالبلاغة تستميل الإنسان عن طريق الأذن» وتجعل الموضوع أساساً تقيم عليه 
بناءَ مصطنعاً من الألفاظ والموسيقى» في حين تعمل الفلسفة للوصول إلى 
الحقيقة دون الاحتفال بلفظ أو موسيقى".وعلى العموم أفلاطون هنا ينتقد 
البلاغة التي تُعنى بزخرف الألفاظء وبما هو سطحي لا بما هو عميق وحقيقي. 

أما الأسطورة الثالثة التي تنتمي إلى المرحلة الثانية من مؤلفات أفلاطون, 
فهي الأسطورة الجغرافية عن مصير النفوس, التي تتحدث عن الأرض العلوية التي 
تكون تحت السماءء وقد ذكرها أفلاطون في محاورة فيدونء التي تُعد مأساة 
نثرية سطرها أفلاطون - كما يرى زكي نجيب محمود - ليصور بها نهاية سقراطء 
لذا فهي مملوءة بسمات شخصية سقراط حيث يُرى تحمسه وحديثه الفكري 


وهدوؤه وتجرده عن الهوى في بحثه عن الحقيقة". وتأتي أهمية محاورة 


.16 أفلاطون, الملادة... مرجع سابق» ص‎ )١( 
عن مقدمة زكي نجيب محمود لمحاورات أفلاطونء عربها عن الإنكليزية زكي نجيب محمود.‎ )0( 
.0 مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشرء القاهرة. 1977 ص‎ 


1١1 


سمات الشطورة اللقلاطونية 


فيدون من وجوه كثيرة» فهي تسعى لوصف اللحظات الأخيرة من حياة سقراط 
حتى يغيب عن الوعي. وبحسب رسل هي صورة الرجل الأمثل كما رآها 
أفلاطونء الرجل الذي يتجلى بالحكمة والخير معا في أعلى ذروتيهماء كما يبرأ 


'". إن هذه المحاورة تطرح موضوع الحكمة التي هي صورة 


من خوف الموت 
للرجل المثالي التي حاول أفلاطون أن يبرزها من خلال شخصية سقراط في 
تصوير اليوم الأخير من حياته. 

تبدأ محاورة فيدون بحدث دينيء وهو تكليل مؤخرة السفينة التي يبعثها 
الأثينيون إلى دلفي. حيث كللت في اليوم السابق لمحاكمة سقراطء ما أدى إلى 
بقائه في السجن فترة طويلة, فلم ينفذ فيه حكم الإعدام إلى حين عودتها". 
وربما أراد أفلاطون بهذه البداية لمحاورته» التمهيد لموضوع المحاورة وهو 
خلود النفسء وربما أراد تأكيد احترام الطقوس الدينية. يرى غادامر أن 
محاورة فيدون ليست بحثا بل هي عمل أدبي راق يتضمن صوراً حقيقية 
للحياة يندمج فيها اندماجاً تاماً الحجاج النظري بالحدث الدرامي وهكذا 
فإن أقوى الحجج التي ساقها لإثبات خلود الروح لا تجري في الواقع مجرى 


الدليل المنطقي2. بل هي عرض لقناعات سقراط التي تشبث بها حتى 


)١(‏ برتراند رسلء تلريج الفلسفة الغريية ترجمة زكي نجيب محمودء مطبعة لجنة التأليف والترجمة 
والنشرء القاهرة. /19571., الكتاب الأولء ص 16لا 


(0) أفلاطون. محاودرات اقلاطون, عربها عن الإنكليزية زكي نجيب محمود. ص .116-1١1‏ 


110 


تاؤبل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


النهاية”". أي إن خلود النفس هو الموضوع الذي حاولت المحاورة أن تعرض 
له من خلال حديث سقراط عن الخلود. ومن خلال تنفيذ سقراط للحكم الذي 
صدر بحقه بدون خوف أو ضجر. وتعكس لنا محاورة فيدون اقتناع أفلاطون 
بخلود النفسء ويُعد أفلاطون - وفقاً لزيلر - واحداً من الشخصيات البارزة في 
إيمانه الراسخ بخلود الروح» فخلودها كان حتمياً في نظره ومن الصعب تجنب 
الاعتقاد به, لأن الخير في الحياة باهت قبل تمجيد الأبدية'". وخلود الروح هو 
الذي يعكس قيمة الخير في الحياة. 
ويختم أفلاطون المحاورة بأسطورة تصف الأرض والعالم الآخرء 
وكيف يحاكم الإنسان بعد الموت2. حيث يلاقي الأشرار عذابهمء والأبرار 
ثوابهم. فبعد أن وصف سقراط العالم الآخر وما فيه من أنهارء أتى على 
وصف مكان الموتى حيث يصل كل منهم إلى المكان الذي يُقاد إليه 
بمفرده. اعتماداً على صلاح أعمالهم في الحياة أو العكس. ثم يصنفهم وفقاً 
لأعمالهم إلى ثلاث حالات: الأولى من كانت حياتهم ذات مستوى متوسط 
يذهبون إلى «الأشيرون» حيث يقيمون ويتطهرونء فيتخلصون من الظلم عن 
طريق العقاب الذي ينالونه جزاءً على ما اقترفوه. كما يحصلون في مقابل 
أعمالهم الحسنة على الجزاء المناسب. أما الحالة الثانية فتمثل أولئك الذين 
 )١(‏ ,800 نآ" حز(ممدمافنام زه ومتسسنوءط ع1 6015© ,قصدكآ معصته20 0 
.7 م ,1998 عاتملا م#لاع]2 :12لالتصطتاممء رمقمخامء 


[فة .56 م وتطاهدملتطم ؤه بإضمئوقا عط غه عستل)ن0 ,لتدسلظ نعلاءعكه 


1١1 


سمات الشطورة اللقلاطونية 


حالتهم ميؤوس منها بسبب فظاعة ما اقترفوه من ذنوب» مثل تدنيس المقدسات» 
وقتل الناس دون مبرر وعدالة» وغيرها من الذنوب. حيث يقذف بهم في جهنم. 
أما الحالة الثالثة فتتعلق بأولئك الذين تقرر أن حياتهم ذات قداسة متناهية, 
فهؤلاء يتحررون فوراً من أعماق الأرض... ويطلق سراحهم كالطيور التي تحلق 
في الفضاءء. ومن يصل منهم إلى عليين فإنه يستقر فوق سطح الأرضء والذين 
يكونون - من بين هؤلاء أنفسهم - قد تطهروا بفضل الفلسفة» يحيون دون 
جسد على الإطلاق طوال العمر. حيث يصلون إلى مساكن أكثر جمالاً وبهاءً 
من سابقاتها'". هذه الأسطورة تتماهى بتفاصيلها الممتعة مع موضوع المحاورة, 
إذ يعرض فيها أفلاطون لخلود النفسء» ويصف فيها الحكمة والخير التي تمثل 
الحياة المثالية للفيلسوف التي جسدها في شخصية سقراط. 

أما عندما ننتقل إلى محاورة الجمهورية. فإننا نواجه بالمواقف المختلفة 
لهذه المحاورة التي تضمنت معظم آراء أفلاطون الفلسفية إن لم تكن كلهاء 
حيث تعرض فيها للقيم الخلقية والجمالية والسياسية. وقدم نظريته في المعرفة 
والميتافيزيقا بأسلوب متقن بالغ الجمال. فمن جانب وحدة المحاورة على سبيل 
المثال يرى بيرنت (»مدة) - وهو من شُرَّاح أفلاطون - أن الجزء التعليمي 
في الكتاب بين السادس والسابع هو الأساس الذي بنيت عليه المحاورة, 


بينما بقية المحاورة سقراطية لا تمثل آراء أفلاطون الحقيقية. أما نتلشب 


.111/-115 أفلاطونء ضِدون.... مرجع سابق» ص‎ )١( 


1١1١ / 


تاويل السطورة يي كتإدات أقلاطون 


(منطهء:»1ة) فيرى أن هذا الجزء بالذات «الكتاب السادس والسابع» مقحم 
على المحاورة. ومن الممكن الانتقال من الكتاب الرابع إلى الكتاب الثامن من 
دون أن تشعر بالانقطاع. ورغم هذه الاختلافات فإن هناك اتفاقاً عاماً بخصوص 
الموضوعات الرئيسية التي عالجتها الجمهورية. وهي: 
-١‏ الكتاب الأول: مقدمة في الآراء الشائعة عن العدالة. 
“- الكتاب الثاني والثالث والرابع: العدالة في الدولة والفرد. 
“- الكتاب الخامس والسادس والسابع: نظم الدولة المُثلى. 
ع- الكتاب الثامن والتاسع: تدهور المجتمع والفرد. 
0- الكتاب العاشر: يناقش في البداية الصراع بين الفلسفة والشعرء ويختم 
الكتاب بموضوع مصير الإنسان وخلود النفس.”"ويبدو أن الخلاف قد تركز 
على الكتاب السادس والسابع: ففي حين يعدهما بيرنت أساس المحاورة, 
يرى نتلشب أنهما مقحمان في المحاورة. 
وهناك أيضاً اختلاف في الآراء حول الموضوع الرئيسي للمحاورة. ف(تيلور) 
يعتقد أن الجمهورية هي محاورة أخلاقية أو تربوية» فهي مبنية على الأخلاق وليس 
على السياسة. مشيراً بأن السؤال الأول الذي يُثار فيها ويجاب عنه في ختامها. 
هو سؤال أخلاقي بالمعنى الدقيق» وأعني به: ما هي قاعدة الخير التي يتعين 


)١(‏ فؤاد زكرياء دراسة لجمهورية أقلاطونء دار الكاتب العربي للطباعة والنشرء القاهرة. 219517 ص 


.0١ « 


118 


سمات الاسطورة القلاطونبة 


على الإنسان أن ينظم حياته وفقاً لها؟ بينما يتخذ نتلشب موقفاً مشابهاً بتوكيده 
أن أفلاطون يحلل النفس البشرية بطريق غير مباشرء فهو يبدأ بالمجتمع 
البشري ومنه ينتقل إلى الفرد. بينما يرى أرنست باركر أن موضوع الجمهورية 
الرئيسي هو السياسة. حيث أشار إلى أن الجمهورية مبنية على ظروف فعلية 
والمراد منها أن تشكل الحياة الفعلية: أو أقله تُؤثر فيهاء فهي ليست مجرد 
استنباط من مبادئ أولىء وإنما هي استقراء من وقائع الحياة اليونانية". هذه 
المواقف المتناقضة وغيرها لا يمكن تجنبها وخصوصاً فيما يتعلق بموضوع 
المحاورة الذي من خلاله سوف نحدد مكان الأسطورة منهاء هل هو منسجم 
معهاء أم هو دخيل لاا يمت بصلة إليها. 

نعتقد أن ما عرضه أفلاطون من أساطير في محاورة الجمهورية تبدو 
أنها أساطير ذات توجه أخلاقي لتهذيب النفسء فإذا صلحت النفس صلح 
المجتمعء فالأولوية هنا للأخلاق وليس للسياسة. هذا ما تعكسه الأساطير التي 
بدأها أفلاطون بأسطورة خاتم جيجسء حيث يصور فيها أحد رُعاة ملك ليدياء 
وقد عثر في يوم من الأيام على خاتم بينما كان يرعى المواشي» وبسبب 
هطل الأمطار الغزير تصدعت الأرضء وحدثت هؤة عميقة: فنزل الراعي إلى 
أسفلهاء ليجد غرائب كثيرة ومن ضمنها حصان من النحاس فيه فتحة جانبية, 
فأطل منها ليجد جثة إنسانء فلم يأخذ منها سوى خاتم كان في إحدى 


الأصابع. وأثناء حضوره الاجتماع مع بقية الرعاة لإطلاع الملك على ما حدث. 


.17 08 .0,/ فؤاد زكرياء دراسة لجمهورية... مرجع سابق.ء ص‎ )١( 


1 


تاريل الأسطورة ف كتإدات أقلاطون 


حرك الخاتم وهو يلعبٌ به فعندما صار إلى باطن يده اختفى عن الأنظار. ثم 
حركه ليعيده إلى موضعه فظهرء فكرر هذا العملء وعندما تحقق من ميزة 
الخاتم هذه قرر الذهاب مع الوفد الذي حمل تقريراً إلى الملكء فتآمر على 
الملك مع الملكة فاغتاله وانتزع عرشه'". يصور أفلاطون في هذه الأسطورة 
نزعة الاعتداء أو العدوان من قبل الإنسان» فحيثما أتبحت له فرصة للاعتداء أو 
ظلم الآخرين لن يتردد منقاداً لميوله. 

أما الأسطورة الثانية فهي «أسطورة أبناء الأرض» وقد أخذها أفلاطون عن 
قصة فينيقية ليصور التمايز بين البشرء بعد أن قسم المجتمع إلى ثلاث طبقات, 
ليؤكد لهم أن هذا التمايز بينهم اعتماداً على المعدن الذي صُنعت منه طينتهم 
من قبل الإله. حيث يذكر على لسان سقراط أنه سوف يُقنع بهذه الأسطورة أولاً 
الحكام ثم الجنود معهم: وبعد ذلك يقنع سائر الشعب. ويأتي اسم الأسطورة 
عن مجموعة من البشر هُذبوا وثُقفوا في جوف الأرض وكمل تهذيبهم» وعندها 
ولدتهم أمهم الحقيقية الأرض. إذ قذفت بهم إلى سطحها. فالإله كما تذكر 
الأسطورة هو الذي أوجد هذا التمايزء حيث يقول سقراط: «سنخبر شعبنا بلغة 
ميثولوجية: كلكم إخوان في الوطنية. ولكن الإله الذي جبلكم, وضع في طينة 


بعضكم ذهباً ليمكنهم أن يكونوا حكاماً. فهؤلاء هم الأكثر احتراما ووضع في جبلة 


)١(‏ أفلاطونء الجمهورية. ترجمة حنا خباز. المطبعة المصرية: مصرء طلا, 1964 ص لاا 


1 


سمات الشطورة اللقلاطونية 
المساعدين فضة. وفي العتيدين أن يكونوا زراعاً وعمالاً وضع نحاساً وحديدا»”". 
ذكر أفلاطون هذه الأسطورة ليقنع طبقات المجتمع أن هذا التقسيم من عمل 
الإله هذا من جانب ومن جانب آخر يسعى لتعزيز فكرة بقاء نظام مغلق من 
الطبقات وعدم إمكان الانتقال منها إلى طبقة أخرى. 
أما الأسطورة الثالثة في محاورة الجمهورية فهي أسطورة الكهف أو 
تشبيه الكهف. يبين فيها أفلاطون ما للتعليم الحقيقي من شأن خطير في 
النفس لإدراك صورة الخير الجوهريةء تلك الصورة التي يذكر أفلاطون أننا 
متى ما أدركناها لا يمكننا إلا أن نستنتج أنها في كل حالء أصل كل ماهو 
جميل وباه". وبعد حديث أفلاطون عن التعليم بأسطورة الكهف يختم 
محاورة الجمهورية بأسطورة «آر» ابن أرمينيوس. حيث يصور فيها عقاب 
النفوس وثوابها كما يقدم وصفاً للعالم الذي ترحل إليه النفوسء فهناك 
توجد فتحتان متصلة إحداهما بالأخرىء تقابلهما فتحتان في السماءء فيذهب 
الأخيار إلى طريق اليمين حيث تصعد نفوسهم إلى السماءء. أما الأشرار 
فيسلكون الطريق إلى اليسار ليهبط بهم لنيل العقاب”. ويبدو أفلاطون 


في هذه الأسطورة مهتماً بفكرة خلود النفس وانفصالها عن الجسد بعد 


)0( أفلاطون, الجميوردة.... مرجع سابق» ص 4 
0) م.ن. ص عل1١.‏ 


5) م.ن. ص لاما" 


١7 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدبات افلاطون 


الموت. حيث يُحاسب البشر على أفعالهم, ليُثاب الفاضل على أعماله: وينال 
الضال عقابه. 

ننهي بحثنا لمحاورات الفترة الثانية بمحاورة «فايدروس» المحاورة التي 
دار حولها جدل بين من رأى أنها تنتمي إلى الفترة المبكرة لما تتصف به 
من حماسة وحيويةء تدل على روح الشبابء وبين من رأى انتماءها إلى فترة 
النضج لما حوته من آراء عميقة وناضجة. وقد أشرنا إلى بعض تلك الآراء 
المتباينة.ونشير هنا إلى رأي «روبان» في مقدمة ترجمته لهذه المحاورة, 
ولارتباط ما ذكره بما تناولناه من أساطير ورد ذكرها في المحاورات السابقة, 
وخصوصاً المأدبة والجمهورية, إذ يؤكد أن «فايدروس» محاورة متأخرة نظراً إلى 
ما تضمنته من نظريات وآراء فلسفية. حيث يقول: «فهي على الأقل متأخرة 
عن محاورة المأدبة. إذ لو جاز العكس فلن نفهم جيداً لماذا أغفل أفلاطون 
في المحاورة التي يكرسها للحب كل التطورات التي تضمنتها النظرية في 
«فايدروس» والتي تكسبها كل قوتها»”". كما يرى أن هذه المحاورة متأخرة عن 
محاورة الجمهوريةء فلو لم يسبق لأفلاطون أن قسّم النفس إلى ثلاثة أجزاء 
كما جاء في الجمهورية» لما استطاع أن يصورها في فايدروس بأسطورة المركبة 
المجنحة التي تعبر عن أجزاء النفس العاقلة, والغضبية» والشهوانية. 

يبدأ أفلاطون المحاورة بحديث فايدروس عن الحب كما 


رواه لسقراطء قلا يعجب سقراطء. فينكره ويذمه وهنا يأتيه صوت 


.19 أفلاطون ذاندروس, ترجمة أميرة حلمي مطرء دار المعارف: مصر. 2975 ص‎ )١( 


1١ 


سمات الاسطورة القلاطونبة 


يلومه على إنكاره. لأن الحب إله من الآلهة فهو ابن أفروديت. فيستدرك سقراط 
ويلوم فايدروس, ثم يحاول أن يوضح له سمات الحب الحقيقيء فيبدأ بمدح 
الحب. ويتحدث عن أنواع الهوس, فأعظم النعم تأتي إلينا عن طريق الهوسء 
فالآلهة حين وهبته لنا إذ وهبت لنا أغلى النعم. ثم يقترح سقراط الحديث عن 
النفس لمعرفة طبيعتهاء سواء منها الإلهية أو الإنسانية لتكوين أفكار صحيحة 
عن حالات انفعالها وأفعالها. ثم ينتقل إلى الموضوع الرئيسي وهو فن الخطابة, 
فينتقد الخطباء غير الموهوبين من السياسيينء ويضع الشروط اللازمة للخطابة 
الجيدة. ويختم محاورته بتوضيح أهمية كل من الحوار والكتابة» فينتهي ذلك 
بأسطورة اختراع الكتابة'". وتعبر محاورة فايدروس عن تنوع الأفكار التي طرحها 
أفلاطون فيهاء كالحبء ومعرفة النفس وطبيعتهاء وفن الخطابة وشروطه؛ وغيرها 
من الموضوعات. وهذه الموضوعات تبدو مترابطة منسجمة بعضها مع بعض 
رغم اختلافها وتنوعها. 

ثم يأتي دور الأساطير التي ذكرها أفلاطون في محاورة فايدروس 
ومنها أسطورة المركبة المجنحة. التي تتماشى مع حديثه عن الهوس 
وأنواعه. فمن الصعب إدراكه إلا بمعرفة أجزاء النفس لتحديد الجزء 
الأسمى الذي سيدرك ذلك النوع من الهوس. الذي يوصلنا إلى 


معرفة المُثل. فيهيمنة العنصر الأفضل بالنفس تتحقق الحياة المتزنة 


)١(‏ أفلاطون, فإبدروس.... مرجع سابق,» ص 55 وما بعدها. 


117 


تاؤيل الأسطورة يي كتادات أفلاطون 


المحبة للحكمة على الأرضء لتصبح حياة من يعرفه عامرة بالسعادة. بإبعاد 
نفوسهم عن الرذيلة وإطلاق العنان لما يحقق الفضيلة, فعندما يصلون إلى 
نهاية حياتهم يستعيدون أجنحتهم ويحلقون بها'". وينسجم حديث أفلاطون 
عن أسطورة المركبة المجنحة مع حديثه عن الهوس. 

ويأخذنا أفلاطون بعد حديثه العميق المفصل عن النفسء إلى جو من 
المرح والبساطة والمتعة بأسطورة «الصراصير»"" التي عاد بها من جديد ليؤكد 
الموهبة التي تمن بها الآلهة على البشرء كما حدث مع ربات الشعر التي 
خلّدت أولئك الرجال بمنح الصراصير موهبة الغناء'".في هذه الأسطورة يحيط 
أفلاطون آراءه الفلسفية بما يضفي عليها جواً من المرح» ويشيع البشاشة في 
النفوون: 


بعد هاتين الأسطورتين يقدم لنا أسطورة ثالثة يحاول فيها أن 


)١(‏ أفلاطونء فابدروس.... مرجع سابقء ص87. 

(*) هذه الأسطورة تسميها أميرة حلمي مطر بالصراصير الليلية ويسميها عزت قرني بأسطورة 
الضفادع حيث يشير أن في فايدروس أسطورتين هما إلى هدف المتعة أقرب حيث تمثل 
أولاهما أسطورة الضفادع. عن عزت قرنيء الفلسفة البونانية حتى أقلاطون؛ مجلس النشر 
العلميء لجنة التأليف والتعريب والنشر: الكويت, طلا 2700# ص 589. أما بنيامين جويت 
في ترجمته لمحاورة فايدروس فيسميها بأسطورة الجراد «5مءممهطووه6» انظر ذلك في: 


05 تالومع لصتا عط ,اأع018[ صتلصصة زمع8 لإ .1 ,مغهام 6ه دعناع101310 عطا صا كدملعقط2 ,مغه[ط- 


ص« ,1987 رث.5.لآ ,لم22 :مودعتططان 


() أفلاطونء ذإبدروس.... مرجع سابق. ص 578. 


ع1 


سمات الاسطورة اللتلاطونبة 


يوضح أهمية الحوار الذي يُعين الإنسان على استعادة معارفه السابقة من 
خلال التذكر. في حين تعمل الكتابة على محو الذاكرة وإشاعة النسيان فلا 
يستطيع الإنسان من خلالها أن يستعيد عالمه الأولء فالحوار يُعين الإنسان 
على التذكر إذ يُعيده إلى ذاته الحقيقية؛ أما الكتابة فهي خلاف ذلك".ومن 
الممكن القول إن هذه الأسطورة لا تشذ عما سبقها من الأسطورتين السابقتين» 
بتأكيدها ما يسمو بالنفسء ويطبع فيها ما هو خير ونبيل. 

اتسمت أساطير هذه المرحلة بالتنوع, كما أن الموضوع الذي شغل حيزاً 
كبيراً منها هو موضوع النفسء إذ ناقش فيها أفلاطون خلود النفسء معرفتها, 
ثوابها وعقابهاء ومكانها في العالم الآخر. وهي موضوعات ميتافيزيقية. وهذا 
يعني أن أفلاطون استعان بالأسطورة لمناقشة مثل هذه الموضوعات المجردة 
التي يناسبها الجو الأسطوري. واتسمت أساطير هذه المرحلة بمناقشة كيفية 
معرفة المثلء حيث يتم ذلك كما يشرحه أفلاطون بالحب في أسطورة ولادة 


الحب» أو إيروس. 
ثالثا: سمات الأسطورة فى مرحلة الشيخوخة 
لا يقل التباين في الآراء حول مؤلفات الشيخوخة عن مؤلفاته 
السابقة. سواء حول أسلوب كتابتها أو شخصياتهاء ويمكن القول على 


العموم إن السمات العامة لا يمكن أن تنطبق على جميع المحاورات 


.176-19* أفلاطون. ذابدروس.... مرجع سابق, ص‎ )١( 


10 


تيل الأسطورةي كتإدات افلاطون 
التي تنتمي إلى مرحلة من المراحل التي صُنفت وفقاً لها كتابات أفلاطون. 
ولا تشذ محاورات الشيخوخة عن هذه القاعدة, بل أكثر من هذا فإن الإلمام 
بالسمات لا يتم بدون معرفة مفصّلة لما تناقشه محاورات أفلاطون من مشكلات 

تمتاز محاورات المجموعة الثالثة من نتاج أفلاطون الفكري بالنضج. حيث 
تمكن فيها أفلاطون من السيطرة بصورة تامة على فكره؛ ووجّهه بيُسر في 
أي اتجاه يشاءء وعليه فقد عاد أسلوب أفلاطون - كما يرى وولتر ستيس - 
إلى جماله ونقائه مثلماكان في المرحلة الأولى'". تتميز مؤلفات الشيخوخة 
باستقلال أفلاطون الفكري عن أستاذه سقراط. 

ويمكن أن يلاحظ أن محاورات الفترة الثالثة من كتابات أفلاطون «خصوصاً 
في القوانين» لم يظهر فيها سقراط طويلاً بوصفه متحدثاً رئيسيا حيث يبدو أنه 
اختار أن يتحرك بعيداً عن تعليم سقراطء ويبحث عن درجة كبيرة من الاستقلالء 
ففي مجال السياسة طور أفلاطون المُثل السياسية التي طرحها في محاوراته 


الوسطى بصورة أكثر خاصة في طيماوس ورجل الدولة”. وتُظهر مؤلفات 


.١0١ وولتر ستيس. تلردج الفلسظة..., مرجع سابقء ص‎ )١( 
11 فرق ماق.م0) ...دع سعد لملعمد ع1[ا [ه هأهءمماءس دخا أهنم هام‎ 


6 م ,12 بآ7ا 


١71 


سمات الشطورة اللقلاطونية 


الشيخوخة استقلال أفلاطون ونجد ذلك واضحاً في محاورتي رجل الدولة 
وطيماوس. 

وتصف الموسوعة الفلسفية سمات محاورات أفلاطون فالميزة الأولى لها 
في الفترة الثالثة تعاملها مع القضايا بتكلف وصنعة ظاهرين للمتلقين الذين 
كتب لهم أفلاطونء فقد كتبها أفلاطون لزملاء الأكاديمية والطلبة الذين كانوا 
دائماً يُناقشون المسائل الدلالية مناقشة منطقية منهجية". لقد تغير إذن 
الجمهور الذي كان أفلاطون يوجه إليه حديثه. وهم أولئك الذين كانوا ينتمون 
إلى الأكاديمية. وهذا أحدّ أسباب اتصافها بالتكلف والحرفية. 

ومن وجهة نظر برهييه فإن محاورات الشيخوخة لا تتميز فقط بابتعادها 
عن تأثير سقراطء بل تظهر فيها ميزة أخرى. وهي ظهور شخصيات خيالية 
لا تدبُ في عروقها حياة حارة. مثل شخصية الغريب التي تظهر في السفسطائي 
والقوانين".وقد أضاف شخصية أخرى إلى المحاورين الذين كانوا يمثلون 
شخصيات بارزة ومعروفة من المجتمع الإغريقي. فشخصية الغريب المجهولة 
طرحها أفلاطون في السياسي والسفسطائي مشيراً إلى عدد من المشكلات. 
وقد أثارت هذه الشخصية عدة تساؤلات منهاء أهي شخصية معروفة حقاً 
لها وجود حقيقي؟ أم غير معروفة كما يظهرها أفلاطون؟ هل هي ثُمثل 
)0 .320 جر كله ,أه7 ر.كق.م0 ....برتاممكماقتاط إه مناءمماءن 8 1116 
() إميل برهييه؛ تلزي< الفلسفة.... الجزء الأولء مرجع سابقء ص 71(. 


1١37/ 


تايل الأسطورة ف كتإدات أقلاطون 


أفلاطون نفسه؟ والسؤال الأهم هو لماذا استبدل أفلاطون المعروف والواضح 
بالمجهول والغامض؟ قد يكون أفلاطون أراد بشخصية الغريب أن يتفادى 
ما حدث لسقراطء ويشير بهذا الأسلوب إلى خطورة العصر الذي كان ينتمي 
إليه. 

ومما لا ريب فيه أن الكشف عن سمات محاورات الشيخوخة يفيدنا 
لمعرفة سمات الأساطير التي تنتمي إلى هذه المرحلة» ونبدأها بمحاورة السياسي 
أو رجل الدولة. هذا الحوار - كما يذكر أديب نصور - من حيث الحقبة الزمنية 
يقع بين «الجمهورية» التي كتبت قبله بعشر سنينء وكتاب القوانين الذي كتب 
بعده بعشر سنينء فهو حلقة وسطى في مؤلفات أفلاطون السياسيةء وفيه جزء 
هام من تفكيره السياسي. فالبحث يجري على افتراض أن هناك فناً للسياسة 
يمارسه رجل الدولة. ومهمة المتحاورين تكمن في تعريف ذلك الفن'". الحوار 
يدور حول تحديد المقصود بفن السياسة الذي يمارسه رجل الدولةء وغاية 
أفلاطون من ذلك تميزه من سائر الوظائف. إضافة إلى مشكلة الحكم يثير 
أفلاطون فيه جملة من المشكلات الأخرىء فهو - كما يذكر نصور - مملوء 
بالنظريات والآراء والإرشادات البعيدة ومنها تلك الأسطورة القديمة التي أشار 
إليها أفلاطون في القسم الأول من الحوار. إذ أراد بها أن يقرر أن هناك صلة 


بين الإله من جهة» وبين الكون والإنسان والسياسة من جهة ثانية. فحياة البشر 


)0( أفلاطون, دجل الدولة. نقله إلى العربية أديب نصورء دار بيروتء. دار صادرء بيروت» 23509 


1٠١-95 ص‎ 


1 


سمات ااشطورة اللقلاطونية 


تتأثر بحركات الكون كما تتأثر بالتوجيه الإلهي. وربما أراد بها أن يُفرق بين 
العالم الذي كانت تديره الآلهة وبين عالمنا الواقعي الذي تخلت عنه الآلهة, 
فأصبح الأمر بيد البشرء وبهذا أسدل الستار على العصر الذهبي الغابر". 
تشكل الأسطورة جزءاً مهماً من حوار رجل الدولةء حيث حاول أفلاطون بها 
الكشف عن الصلة التي تربط بين الإله ومخلوقات هذا الكونء «أي إنها تتأثر 
بالقوانين الطبيعية وبالعناية الإلهية معا». فالخصام بين «أتريوس» و«ثيستيس» 
- كما ورد في الأسطورة - يركز فيه أفلاطون على الحق في الحكم»مل هو 
ل «أتريوس» أم ل «ثيستيس»». وهو كما يبدو ل «أتريوس» الذي ناصرته 
الآلهة بتدخل هرمس رسولهاء ثم تدخل «زفس» بعد تآمر «ثيستيس» عليه. 
فهذه القصة وغيرها كما يشير أفلاطون على لسان الغريب نبعت من حادث 
واحد في تاريخ الكونء وهو الحدث العظيم الذي كان مصدراً لجميع تلك 
القصصء وهذا الحدث هو أن الإله يُسيّر في زمن من الأزمان الكون كله 
ويديره بنفسه. ثم يرسله الإله ليجري بنفسه في الاتجاه المعاكس". وينتقد 
أفلاطون في هذا الحوار ما كان سائداً من فنون اختلطت بفن السياسة. فيشير 
بهذه الأسطورة إلى أن الاستيلاء على الحكم من قبل من لا يستحقونه عمل 
خطيرء تترتب عليه عواقب خطرة: كما تدلل الأسطورة على فكرة التغير التي 
)١(‏ أفلاطونء رجل... مرجع سابق» ص .١1‏ 


,017-07 م.ن.. ص‎ (١ 


3 


تاؤيل اللسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


أدت إلى الابتعاد عن عصر كرونوس, الذي كانت فيه الآلهة تُدير شؤون البشرء 
التي يمثل حكمها الحكم المثالي. 

وبالانتقال إلى محاورة طيماوس نجد موضوعاً مختلفاً عما عرفناه عن 
أفلاطون من محاوراته المختلفة. إذ ناقش مشكلات تتصل بالنفسء والسياسة, 
والفنء والأخلاق» والمعرفة» بيد أنه في طيماوس توجه للبحث عن الكون كله. 
«فالتيئمس» يُبسط لنا تاريخ نشأة البشرية كما يصف لنا الطبيعة البشرية". 
يبدو أن اهتمام أفلاطون في هذه المحاورة انصب على الكونء. فبحث في 
طبيعته ونظامه وموجوداته وخصوصاً ما يتصل بالإنسان. 

ويمكن القول إن أهمية محاورة طيماوس تأتي من كونها تعرض لنا 
تفسير أفلاطون الشخصي للكون وفي الوقت نفسه. تطلعنا على ما كان موجوداً 
من نظريات معاصرة لأفلاطون أو سابقة عليه. وخصوصاً فلسفة الفيثاغوريين. 
فمن وجهة نظر كوبلستون إن تأثر أفلاطون بأفكارهم واعترافه بفضلهم عليه 
جعله يأتي بالتيئمس متحدثاً رئيسياً في الحوار. وهو رجل فيثاغوري. لكن 
رغم أن أفلاطون استعار أفكاراً من فلاسفة آخرين - وخصوصاً من الفيثاغوريين 


- إلا أن نظريات طيماوسء هي نظريات أفلاطون نفسه".هذه المحاورة 


)١(‏ انظر تعليق فؤاد جرجي بربارة في أفلاطونء الطيماوس وأكريتبس, ترجمة فؤاد جرجي بربارة, 
تحقيق وتقديم البير ريفوء منشورات وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي» دمشق» 2309748 
ص 160. 

(؟) فردريك كوبلستونء تلريخ الفلسفة (اليونان وروما). ترجمة إمام عبد الفتاح إمام» المجلس 
الأعلى للثقافة, القاهرة. ٠٠٠١٠‏ المجلد الأول ص /81". 


1 


سمات الاشمطورة القلاطونبة 


تعكس النظريات التي قبلها أفلاطون سواء كانت لغيره أو من إبداعه الخاص. 

أشار شارل فرنر إلى أن أفلاطون في الزمن الذي كتب حوار طيماوس. 
كان قد تخلى عن استخفافه بالعالم المحسوسء كما أن أفلاطون في رحلته 
الأخيرة إلى صقلية وجد أن علاقته بالفيثاغوريين تتوطد من جديدء وأنه أخذ 
يألف نظرياتهم الفلكية: التي كانت تبرهن على النظام في العالم". فهل هذا 
يعني أن أفلاطون يكشف في هذه المحاورة عن تخليه عن أفكاره التي انتقص 
فيها من العالم المحسوس والمعرفة الحسية؟ 

وفي طيماوس تبرز آراء المدرسة الفيثاغورية ويظهر تأثيرهم في وجهة 
النظر التي اعثمدت في طيماوس حسب رسل”". غير أن الأمر الواضح الذي 
لا غبار عليه أن في هذه المحاورة تتميز آراء الفيثاغوريين كما أشار إلى ذلك 
برتراند رسل. 

تبدأ المحاورة أولاً بتلخيص الكتب الخمسة الأولى من 
الجمهورية. ثم يأخذ أفلاطون بسرد أسطورة أطلنطسء ويأتي دور 
طيماوس ليسرد رواية تاريخ العالم من بدايته حتى خلق الإنسان'". 
وباختصار فإن هذه الأسطورة تربط بين موضوع سياسي أخلاقي سبق 


لأفلاطون أن طرحه في الجمهورية»ء وبين موضوع يتصل بالكون كله. 


.١17١ شارل فرنرء الفلسفة.... مرجع سابق» ص‎ )١( 
.576 برتراند رسلء تلايج.... الكتاب الأول» مرجع سابق» ص‎ )( 


(9) م.ن..ء ص ع"790-717, 


1١ 


تؤيل الأسطورةي كتادات افلاطون 


والأمطورة التي يرويها أكريتيس للمتحاورين زاعماً أنه سمعها عن جده 
أكريتيس الأكبرء الذي سمعها عن صولونء الذي سمعها عن كاهن مصريء 
وهي أسطورة ترسم مآثر أثينا العظيمة. التي تصدت فيها ببسالة نادرة لملوك 
جزيرة الأطلنطس. ونعتقد أن أفلاطون هنا يوجّه الأسطورة نحو الماضي الذي 
يحاول فيه أن يُمجد أثيناء ذات المآثر العظيمة التي ازدهرت قديماًء والتي 
تُمثل لأفلاطون الدولة المثالية الواقعية. وفقاً لرواية أكريتيس لسقراط التي 
تحدث فيها عن الدولة المثالية» التي تمنى أن يرى لها مثيلاً في الواقع. إن 
اختيار هذه الأسطورة ينسجم تماماً مع حلم أفلاطون الذي أعاد التذكير به 
في بداية المحاورة. 
ويواصل أفلاطون في محاورة أكريتيس رسم مشهد جديد يصور فيه 
المثل الأعلى الذي يجب أن تتوجه نحوه المجتمعات الإنسانية» متخذاً 
من نمط الحياة في أثينا القديمة نموذجاً وقدوة. وسبق لأفلاطون أن ذكر 
أثينا الغابرة في محاورة طيماوسء أما في محاورة أكريتيسء فإن أفلاطون 
يورد كثيراً من التفاصيل عن المدينتين أثينا وأطلنطس. وربما لهذا السبب 
يعتقد فؤاد جرجي بربارة أنه من المستحيل الفصل بين المحاورتين, 


ويعد محاورة أكريتيس هي تتمة لمحاورة طيماوس”". تبدو هذه المحاورة 


كأنها كلها أسطورة. يصف فيها أفلاطون شعب أثينا والأطلنطسء ويُشير 


إلى أنسابهم الأسطورية, ويتحدث عن الشعائر والشروط التي تقوم 


895 أفلاطونء الطبماوس وأكريتيس.... مرجع سابق» ص‎ )١( 


1١ 


سمات ااسطورة اللقلاطونية 


عليها الذبيحة. والقسم لدى شعب الأطلنطس. لقد أخذنا أفلاطون في هذه 
المحاورة من جو علمي يصف الكون كله إلى جو كله أسطوريء فرض هيمنته 
على المحاورة كلهاء ففي هذه الأسطورة يساير ما جاء ذكره فيها محاورة 
طيماوس» حيث تتعرض المحاورة لوصف المدن ومواقعها وأصول سكانهاء 
وطقوسهم وخصوصاً لدولة الأطلنطس, فكما امتزجت حقائق العلم بالخيالء 
امتزج هنا التاريخ بالخيال الذي يبدو فيه أفلاطون منحازاً إلى شعب أثينا التي 
كانت مزدهرة. 

ويبدو أن السمة الأسطورية لهذه المرحلة كانت تستند إلى ظلال من 
التاريخ, فهي تصف ماضي أثينا المزدهرة الغابرة. فتمجد آثارها وتذكر بانتصارها 
على جيوش الأطلنطيين. أما في أسطورة أكريتيس فيبدو أنها قد ركزت على 
ذكر حقائق الماضي لمدينتي أثينا وأطلنطسء فهي تصف شعبيهماء وتشير إلى 
أنسابهماء وتذكر بشعائر طقوسهماء بمعنى آخر اتسم موضوعها بطابع تاريخي. 

رابعاً: السمات العامة للأسطورة الأفلاطونية 

نبدأ هذا الموضوع باقتباس يكشف لنا عن أفلاطون الفيلسوف 
والأديب. حيث يقول ألكسندر كواريه: «إن الكمال الصوري لمؤلفات 
أفلاطون موضع اتفاق. فالعالم كله يعلم أن أفلاطون لم يكن فيلسوفاً 
وفيلسوفاً كبيراً فحسبء وإنما كان كذلك «وقد يقول البعض أو كان 


على الأخص» كاتباً وكاتباً عظيماً. فكل نقاده وكل مؤرخيه يجمعون 


١ 


تاريل الأسطورة ف كتإدات أقلاطون 


الرأي على الإشادة بموهبته الأدبية التي لا تقارن وبثروته اللغوية وجزالة أسلوبه 
وجمال وصفه»"". كان عرض أفلاطون للأساطير التي استعان بها دليلاً ناصعاً 
على موهبته الأدبية. وجمال أسلوبه. وعمقه الفلسفي. 

بعد التعرف إلى محاورات أفلاطون كما صنفها المهتمون بدراسة 
فلسفته. وما تضمنته من أساطيرء نذهب في هذا الجزء إلى ذكر المزايا 
العامة للأسطورة الأفلاطونية. وقبل ذلك نحدد السمات العامة للمحاورات 
في المراحل الثلاث لفكر أفلاطونء فذلك قد يساهم بفهم السمات العامة 
للأسطورة كما قدمها أفلاطون. بعد البحث المفصل لكل أسطورة وما حوته 
من أفكار نتساءل. هل هناك مزايا عامة للأسطورة لدى أفلاطون؟ لا شك أن 
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب أولاً معرفة أبرز السمات لمحاورات أفلاطون 
مق خلال مراخلها الفلاث: لقد كان مجان عمل أفلاطون. الخاض هائلاً ثماما: 
وتلك حقيقة تجعل من المستحيل أن نقدم له وصفاً موجزاً وافياً كما 
يشير وورنرء وقد يكون من الحق أن نذكر أنه لا يوجد هناك بين محاوراته 
المتعددة أي نظام واحد ينتظمها أو مجموعة معتقدات توحدها.ويمكن أن 
تقدم بوصفها تشخيصاً نهائياً لها. فأفلاطون نفسه يوجهنا نحو القول بأن 


كتاباته المنشورة لا تُجسد كل المعتقدات التي كانت تعلم في الأكاديمية, ولا 


.١7 ألكسندر كواريه. مدخل لقراءة... مرجع سابق.» ص‎ )١( 


ع1 


سمات الشطورة اللقلاطونية 
حتى معظمها".نستنتج من هذا أن كتابات أفلاطون نفسها ليست 
انعكاساً (أو تجسيداً) لأشكال الكتابة التي كانت شائعة في الأكاديمية. 
وكثيراً ما يُنظر لحوار أفلاطون إلى ما يمتلكه من تشويقء وإلى كونه 
مصدراً لإلهام الفكر بالخ الإثارة. لكنه في النهاية غير تام. فنتائج المحاورات 
غالباً ما تكون سلبية وغير تامة. حتى عندما يكون لكل واحدة منها وحدة خاصة 
بها مع أن من الصعب إيجاد وحدة تامة في عدد كبير من المحاورات التي تم 
تأليفها خلال فترة ممتدة من السنوات”2. وقد ينظر إلى سمات محاورات أفلاطون 
وفقاً لكل مرحلة - كما يرى وولتر ستيس - بما يميزها من المراحل الأخرى. 
فهو يعتقد أن المرحلة الأولى تتميز أساساً بالموهبة الأدبية» والثانية تمتاز 
بعمق الفكرء أما المرحلة الثالثة فتتصف بأنها تجمع بين الميزتين مع فالمادة 
الكاملة قد انصبت معها في الشكل الكامل”". وبكلمة موجزة فإن محاورات 
المرحلة الأولى امتازت بالاستقلال بعضها عن بعضء في حين أن المرحلة الثالثة 
جمعت بين سمات المرحلتين. وتختلف الرؤية لمؤلفات أفلاطون لدى من 


ينظرون إليها من ناحية الموضوع - ومنهم غثري - إذ يرون أن المجموعة الأولى 


)0( 7« معاق.م0 ,...واممعماغراط عأوء07 116 ع8 عتعصعوتلا 


[فرة مامتا نظ بممعاعهلا! مضه اتتعاعوظ برطومده]قبطط كزه بزرمغ1115[ 


.53 م ,100 ,آمل ,1935 ,صهلصم.آ لصة وصنام18 :لعغتساآ ستعطامعءظ 


() وولتر ستيسء ثلايخ الفلسفة.... مرجع سابقء ص ,1017-10١‏ 


110 


تاويل الأشطورة يخ كتإدات افلاطون 
تركز على القضية الأخلاقية» والبحث عن تعاريف مميزة لسقراط التاريخيء أما 
المجموعة الثانية فهناك اهتمام ميتافيزيقي مسيطرء بينما المحاورات الأربع 
الأولى «بارمنيدسء ثيتتيوسء. السفسطائي, السياسي» التي ذكرت في المجموعة 
الثالثة تقدم لنا أحد أبرز أشكال النقد في مجالي الأنطولوجيا والإيستمولوجيا”". 
فالمحاورات الأولى إذن اهتمت بموضوع الأخلاقء والثانية بالميتافيزيقاء والثالثة 
كانت نقداً للمجالين الوجودي والمعرفي. وهذه تُمثل الخصائص الغالبة على 
كل مرحلة. ولكن هذا لا يعني على سبيل المثال خلو مؤلفات المرحلة الثانية 
من البحث الأخلاقي والنقد وهكذا في المراحل الأخرىء بل أكثر من هذا فقد 
أثارت بعض من مؤلفات أفلاطون جدلاً كبيراً حول موضوعها الرئيسي كما هو 
الحال في محاورة الجمهورية وفايدروس وطيماوس. ما يدعو إلى الاعتقاد بتعدد 
موضوعاتها وتنوعها. 

بعد معرفة أهم السمات العامة لمحاورات أفلاطونء نتنتقل إلى تناول 
المزايا العامة للأسطورة الأفلاطونية: التي كما ذكرنا أن من غير الممكن فصلها 
عن سمات المحاورات التي ألفها أفلاطونء فالأسطورة كما رأينا عبر سمات كل 
المراحل كانت جزءاً من موضوع الحوارء ولهذا لم تشذ عنه - كما يذكر غادامر 


- إن أفلاطون يحاول في ملاحظة تحذيرية الإشارة إلى أننا مع الأساطير لا نتعامل 


للق 49 مرراك.مه ,1116.0 عتعطعن 


الرنا 


سمات الاسطورة اللقلاطونبة 


مع مجرد قصصء دون أن نعي أنه يدخل في ثنايا نسيجها تصورات وتأملات. 
من أجل ذلك فهو لا ينظر إليها بوصفها إمعاناً في التوسع بالحجج في اتجاه 
أو مناسبة يبدو من الصعب فيها الوصول إلى تصورات وأدلة منطقية". فمع 
الأساطير لا نتوقف عندها كقصص فقطء بل ننظر إلى ما تحويه تلك القصص 
من تأملات فلسفية عميقة يعجز حيالها الدليل المنطقي عن أن يكون بديلاً 
غنها' وغليه يمكن أن نبيق: بعضاً من السمات العامة 'للأسطورة: الأفلاطونية: كنا 

أظهرتها لنا التفاصيل التي أشرنا إليهاء ومنها: 

١‏ - تتصف الأسطورة كما قدمها أفلاطون بطابع أخلاقيء وهذا يبدو واضحاً 
بالأساطير التي حاول فيها أفلاطون أن يناقش مشكلات أخلاقية. على 
سبيل المثال محاكمة النفوس في الآخرة التي ناقشتها محاورة جورجياس. 
وكذلك ما روته لنا محاورة فيدون حيث وصفت لنا الأسطورة التي ذكرها 
أفلاطون عن العالم الآخرء وحددت مكان كل نفس فيه فالنفوس الخيرة 
لها مكان يناسبها لنيل ثوابها الذي تستحقه. وللنفوس الشريرة مكان 
يناسبها لنيل جزائها على ما اقترفت من آثام. 

“'- تميزت الأسطورة الأفلاطونية بالتنوع في المشكلات التي 
ناقشتها بين النفس والمعرفة والأخلاق والحب والسياسة 


وغيرهاء فقد تحدث أفلاطون مثلاً فى المفضن. فين كدر اهن 


)0( م مكل.م0 ...سن [ممدمائطم ]0 وانتصدنأوء6 1116 ,ج0601 ,كصهآظ1 ماعسمله0 


1١ / 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


موضعء ففي جورجياس يُظهر كيف تُحاسب النفوس ومن يُحاسبها. وفي 
الجمهورية يعرض كيف ثكافاأ النفوس وتُعاقبء وما هو تكوين العالم 
الذي تذهب إليه. أما في فيدون فيصف المكان المهيأ للأخيارء والمكان 
المهيأ للفجار. أما الحب فقد رسم لنا أفلاطون صورة له في محاورة 
المأدبة مبيناً كيف ؤلده وما أهميته؛ مميزاً بين الحب الفاني» والحب 
الخالد. 

يمكن أن نقول بأن الأسطورة كما قدمها أفلاطون تتصف بأن فيها سبراً 
عميقاً لأغوار النفس الإنسانية بما تشتمل عليه من مكنونات خفية. وهو 
يلفت انتباهنا إلى أهمية التعليم لرّقي النفس الإنسانية وتطهيرها من 
النقائنصء. وهذا يتضح بصورة خاصة في أسطورة «خاتم جيجس» والصراع 
بين «أتريوس» و«ثيستيس». 

تميزت الأسطورة الأفلاطونية على العموم بأنها كونية حيث طرح عبرها 
أفلاطون مشكلات تتصل بالإنسان بوجه عامء ومكانه في الكون. فهو لم 
يهتم بإنسان معينء بمعنى آخر إن أفلاطون يبدو من خلال انتقائه للأساطير 
التي ذكرها في مؤلفاته قد نحى من تصوراته ما هو جزثئيء باستثناء 
ما تبدو عليه أسطورة أطلنطس التي تصف الأمة الأثينية والأمة الأطلنطية. 
ولا يمكن أن ندرج أسطورة ولادة الحب الذي ولد في أثينا - كما تشير 


ديوتيما - التي روته لسقراطء وصادف مولده مع مولد أفروديت. وكذلك 


18 


-0 


3 


ا 


سمات ااسطورة اللقلاطونبة 


الحال مع راعي ملك ليدياء لأن أسطورة ولادة الحب يشرح فيها أفلاطون 
الحب المطلق»: وأسطورة خاتم جيجس التي تصور لنا راعي ملك ليدياء 
إنما هو نموذج للإنسان الذي تدفعه شروره للتعدي. 

اتسمت الأسطورة كما طرحها أفلاطون بأنها ناقشت الموضوعات 
الميتافيزيقية» ولم يكتفٍ أفلاطون بمناقشتها نقاشاً قائماً على الحجج 
والبراهين المنطقية. فعلى سبيل المثال إدراك المُثلء وتصوير العالم 
الآخرء وما تلاقي النفوس: وكيف تُحاسبء والصلة بين الإنسان والآلهة, 
وأثر ما يحدث في الكون في الإنسان. ومنها على سبيل المثال دورات 
الكون في عصر كرونوسء وأثرها في الإنسان. 

اتسمت الأسطورة الأفلاطونية بالشمول في موضوعاتها وطرائق تناولهاء 
حيث اهتم أفلاطون بالكون بوصفه كلا واحداً ولم تغفل مؤلفاته عبر 
مراحلها الثلاث مشكلة إلا ناقشتهاء وجاءت أساطيره لتناقش كل ما يتعلق 
بحياة الإنسان والطبيعة. 

من خصاتص الأسطورة لدى أفلاطون أنها تملك إمكانية النقد حيث 
حاول من خلالها أن ينتقد ما كان موجوداً في عصره. وخصوصاً نقده 
للسفسطائيين وما يُروجونه من أفكار وقيمء ومنها على سبيل المثال 
أسطورة «بروميثيوس» التي تنتقد السياسة التي أصبحت تمارس من قبل 
أشخاص غير مُلمين بها. 


1 


تايل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


4- ما يُميز الأسطورة كما طرحها أفلاطون أيضاً أنها تسعى إلى تحقيق جو 
من المتعة والاسترخاء رغم عمقها وجدتهاء وهذا ما تعكسه أسطورة 
الصراصير الليلية» التي يمكن أن يقال عنها إنها توفر جواً من المتعة كما 


أراده لها أفلاطون. 


الفصل الثالث 


أبعاد الأسطورة الأفلاطونية 


* أولاً: البُعد الميتافيزيقي 
* ثانياً: البُعد القيمي 


* ثالثا: البعد الكوسمولوجى 


* رابعاً: البُعد المجازي 


1١١ 


اعلا الشطورة الأقلاطونبة 


أبعاد الأسطورة الأفلاطونية 


أولاً: البُعد الميتافيزيقي 

اتخذت الأساطير في أعمال أفلاطون أبعاداً مختلفة. تجاوزت فيها كونها 
مجرد قصة تُروى للتسلية» أو الاعتبار من تجارب الماضي. وقد جاءت تلك 
الأبعاد متسقة اتساقاً تاماً كاتساق كل جوانب فلسفة أفلاطون بعضها مع 
بعضء لتكون كلاً واحداً. هذا التكامل والانسجام في فلسفة أفلاطون سنحاول 
إبرازه من خلال تسليط الضوء على أبعاد الأسطورة المتنوعة والمختلفة لدى 
أفلاطونء حيث نتناول في البدء البعد الميتافيزيقي» ثم نعرض البعد القيمي» 
فالبعد الكوسمولوجيء ونختم تلك الأبعاد بالبعد المجازي. 

شغل البعد الميتافيزيقي حيزاً كبيراً من تفكير أفلاطون» حيث ناقش 
موضوع أجزاء النفس وخلودهاء وحسابها ومعارفهاء ومكانتها في العالم الآخرء 
كما حاول أن يشدد على ما طرحه بتكرار ذلك الموضوع في موضع آخر وأسلوب 
مختلف ليس من دون قصد منه. بل لأنه آمن بأهميته. لذلك نرى مناقشته للنفس 


تأخذ أبعاداً مختلفة. حيث يبدأ أساطيره بالحديث عما تناله النفوس الظالمة من 


١ 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات افلاطون 


عذاب الجحيمء بعد محاكمتها في العالم الآخر كما يتصور ذلك في «أسطورة 
الآخرة» في محاورة جورجياس التي يرويها سقراط إلى كالكليس طالباً منه 
الاستماع إليه. حيث يُشير إلى أن «هناك قصة جميلة. وريما تعدها يا كالكليس 
خرافة: وأنا أعدها قصة حقيقية. فما أحدثك عنها هي أشياء صحيحة: فقد 
اقتسم كما ذكر هوميروسء كل من زيوس وبوسيدون وبلوتون أمبراطورية أبيهم 
بعد تسلمها. وقد كان في عهد كرونوس قانون يذيعه الآلهة إزاء الناسء مازال 
قائماً إلى اليوم وهو أن من يمت بعد حياة عادلة طاهرة كاملة, فإنه بعد 
موته يذهب إلى جزيرة السعداء. فيقيم بمأمن من جميع الشرورء وهو في 
سعادة كاملة. أما النفوس الظالمة الكافرة فتذهب إلى مكان التكفير والعذاب 
وهو ما يُعرف بالترتار»'". حدد أفلاطون في هذه الأسطورة مكانة النفس 
الإنسانية في الآخرة» حيث يضع النفس في مكانين مختلفينء. أحدهما يمثل 
النعيم والآخر يمثل الجحيم, وذلك اعتماداً على حياة الإنسان السابقة للموت. 
فيما إذا كانت عادلة طاهرة: أم ظالمة شريرة. 

يعدها يبدأ أفلاطون على لسان سقراط بوصف سير محاكمة 
النفوس في عصر كرونوس وبداية عصر زوس. حيث يتولى قضاة 
من الأحياء ليُحاكموا أحياء أيضاً فيصدرون الحكم عليهم في اليوم 
(*) الترتار: كما يعرفه هوميروس أنه سجن الآلهة (ق 8 ب .)١1١‏ أنظر: أفلاطون. جورجماسء ترجمة 


محمد حسن ظاظاء ص /ا6١.‏ 


)0( م.ن.ء ص 160 


1١عع‎ 


إلعاد السطورة ااقلاطونة 
الذي لابد أن يموتوا فيه. فكانت الأحكام التي تصدر سيئة: لأن هذه المحاكمة 
تتم لأشخاص ما يزالون على قيد الحياة. وكثير من الرجال من ذوي النفوس 
الشريرة تكسوهم أجسام جميلة. ويظهر عليهم النبل والثروة. فيشهد الشهود 
على أنهم عاشوا وفقاً للعدالة. لذلك قام بلوتون ومراقبو جر السعداء بنقل 
ما يرون إلى زوسء. حيث إنهم كانوا يرون من الجانبين رجالاً يتزاحمون مع أنهم 
لا يستحقون أن يكونوا بهذه الجزر. فحاول زوس - كما أخبرهم - وقف هذا 
الشر. عن طريق منع معرفة الناس ساعة موتهمء وهذا ما أمر به «بروميت»». 
ثم أمر زوس أن يحاكم الناس وهم مجردون من كل ذلك. ولهذا سيُحاكمون 
بعد الموت» وبما أن القاضي أيضاً عار وميتء فإن نفسه ترى مباشرة نفس كل 
ميت حالما يموتء دون أن يقف إلى جانبه والداه أو تكون له مظاهر العظمة 
التي يتركها على الأرضء وإلا فلن يكون ثمة عدل كامل”". تُظهر هذه الأسطورة 
أن تحقيق العدل التام كان شغل أفلاطون الشاغلء الذي لم يتحقق كما تشير 
الأمطورة في عصر كرونوس وبداية عصر زوسء وذلك لأن المحاكمة كانت تتم 
في الحياة. حيث يستميل أصحاب الجمال والنبل والثروة الحكام الذين يتأثرون 
بما يرونء أو بمعنى آخر إن النفوس الشريرة تلجأ إلى الخداع لإخفاء شرها 
بطرائق شتىء لذا منع زوس أن تتم محاكمة النفوس في الحياة تحقيقاً للعدل. 


أما في محاورة مينون فيطرح أفلاطون موضوعا آخر يتصل 
)000( أقلاطون. جورجاس.... مصدر سابقء ص /اع١-188.‏ 


16 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات اقلاطون 


بموضوع النفسء وهو خلود النفس واطلاعها على جميع المعارف لينتهي بذلك 
إلى القول بتذكر المعرفة» أو أن المعرفة تذكر.ء حيث يخاطب سقراط مينون 
قائلا: 
«- سقراط: سأقول لك لقد سمعت رجالاً ونساءً حكماء متبحرين في 
الأمور الإلهية. 
- مينون: ماذا كانوا يقولون. 
- سقراط: إنهم فئة من الكهنة والكاهنات”' الذين بذلوا الجهد من أجل 
أن يكونوا قادرين على تقديم البرهان فيما يتناولون من أمور»”". يؤكد 
أفلاطون على لسان سقراط أن فئة الكهنة والكاهنات - والمقصود بهم 
الأورفيون - قد بذلوا جهوداً من أجل البرهان عما آمنوا به والمقصود 
هنا خلود النفسء والقول بأن المعرفة تذكر. 
وينتقل أفلاطون بعد ذلك إلى ما تؤمن به تلك الفئة» حيث 
يواصل سقراط حديثه مع مينون ذاكراً له ما كانوا يقولونه» فهم يرون 
بأن نفس الإنسان خالدة.ء وهي تصل في وقت ما إلى نهاية. وهذا 


ما يسمى بالموتء ثم تعود النفس إلى الظهور من جديد في وقت 


(*) يقول عزت قرني: هناك اتفاق عام بين الباحثين على أن المقصود بهؤلاء أعضاء الجماعة 
الأورفية» وقد تداخلوا في حلقات الفيثاغوريين. عن أفلاطون: مينون» ترجمها عن النص اليوناني 
وقدم لها وعلق عليها عزت قرنيء. مكتبة سعيد رأفتء جامعة عين شمس. القاهرة. 219417 ص 
00 


.1١0-1١6 أفلاطونء مينونء ترجمها عن النص اليوناني وقدم لها وعلق عليها عزت قرني. ص‎ )١( 


1١١ 


أنعاد الأسطورة الاقلاطونة 
آخرء إلا أنها لا تفنى أبداً"". تأتي هذه الحقيقة الميتافيزيقية وهي فكرة 
خلود النفس التي تصل إلى نهايتها بالموتء. ثم تعود مرة أخرى عن طريق 
التناسخ لتؤكد بقاءهاء وذلك ليثبت أفلاطون هنا مسألة مهمة, وهي إطلاع 
النفس على كل شيء. بمعنى أنه لا يوجد شيء لم تعرفه النفس. فأفلاطون 
يرى بما أن النفس خالدة, وأنها تولدت مرات عديدة. ورأت كل شيء سواء 
هنا أو في هاديسء فهذا يعني أنه ليس هناك أمرٌ لم تتعلمه. لذا فليس 
مدعاة للدهشة, سواء بخصوص الفضيلة أو أي أمر آخر أن يكون بإمكانها أن 
تذكر نفسها بما سبق وعرفت بالفعل". إن المشكلة التي هي مدار الحوار 
في محاورة مينون تكمن في التساؤل عن المزايا الخلقية أو الفضائل التي 
يمكن تعليمها وتعلمها. ويعلن سقراط وهو بصدد الإجابة عن السؤال أن من 
الواجب علينا أولاً الوصول إلى تعريف دقيق للفضيلة, وأن نتحقق مما يميز 
كل فضيلة: إلا أن محاولة التحقق من ماهية الفضيلة قد فشلت في الوصول 
إلى نتيجة حاسمة. ولكن الحماسة للمناقشة قادت المتحاورين إلى أن يفترضوا 
معياراً معيناً لماهية الفضيلة» وينظروا فيما إذا كانت قابلة للتعلم وفقاً لهذا 
المعيار المفترض. ومن هنا يرى روبنسون أن الإخفاق المتكرر في السعي إلى 
اكتشاف جوهر معينء هو الذي زاد من لهفة أفلاطون وثقته بأن الأنفس كانت 


هناك. وهكذا فقد أتى ليقدم عنصراً غير موجود في محاوراته السالفة وهو 


.٠١0١ص أفلاطونء هينون.... مرجع سابق‎ )١( 


[فة م.ن.ء ص 3١1‏ 


١ /ا6‎ 


تاؤيل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


فكرة النفس”". لقد طرح أفلاطون فكرة خلود النفس واطلاعها على الماهيات 
الحقيقية في محاورة مينون. وذلك بعد إخفاق مينون في الإجابة عن أسئلة 
سقراط بتحديد ماهية الفضيلة. 

يحاول أفلاطون في هذه الأسطورة أن يثبت ثلاث مسائل ميتافيزيقية, 
وهي: أولها خلود النفسء وثانيها وجود الماهيات الحقيقية التي اطلعت عليها 
النفسء وثالثها مرتبط بالمقدمتين الأولى والثانية فبما أن النفس كانت في 
العالم العلوي مع الآلهة واطلعت على جميع المعارف. فهي إذن عرفت كل 
شيء. وبهذا يأتي أفلاطون على فكرة كون المعرفة تذكرء فلا يمكن للإنسان 
اكتسابها من عالمه الخارجيء بل عن طريق استعادتها مرةّ أخرى بعملية التذكر. 

ويواصل أفلاطون مناقشاته الميتافيزيقية لقضايا النفس. فيتحدث عن 
مكانها في العالم الآخر بشكل مفصل في محاورة «فيدون», حيث يقدم وصفاً 
للأرض فيقسمها إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول في الأعلى» وهو الفردوس, والقسم 
الثاني يكون في الوسطء ويمثل سطح الأرض الذي نسكنه. والقسم الثالث 
يستقر بباطن الأرضء حيث البحيرات والأنهار العظيمة. وفي هذه الأسطورة 
يتحدث عن عالمين مختلفينء عالم غاية في الجمال والنقاءء والاتساق والثبات» 
وعالم يتسم بتعدد أجزائه وتناسقها في علاقتها بالمجموع» ويتصف بالاضطراب 


بين الماء والنار والوحلء وهو عالم الألم والمعاناة حيث يتم التطهر فيه. 


)00( عطآ,.0»ء لممطة نقاءءاواط «عتاجوظط 5 منواط ,لتقطء1ظ مممصتطه1 


.53 م ,1953 ,01080 :ووع: تإطاتورء علمتآ 


١8 


نعلا الاشطورة اللفلاطونية 


ويسوق أفلاطون لنا في حديثه عن عالمي الفردوس والجحيم صورة شاعرية 
ومشهداً ميتافيزيقياًء فالأرض الطاهرة (الفردوس) كانت على هيئة كرة تميل 
ألوانها إلى ألوان أرضناء لكنها أزهى وأصفى من ألوان أرضناء وما فيها من 
أشجار وأحجار وجبال هي أجملء وسبب ذلك كما يقول: «إن الحجارة فيها 
تتصف بأنها نقية لم تتآكل ولم تفسد كحجارتنا بالتحلل والملوحة الناجمة 
عن الأخلاط. [ويضيف]: إن الأحجار الكريمة التي تزدان بها الأرض الحقيقية, 
كالذهب والفضة والبقية تتكشف للأبصار جد وفيرة. جد هائلة. جد منتشرة 
على الأرض لكأنها منظر يجعل الراشدين سعداء. ومافيها من حيوانات عددها 
أكبر مما هو على أرضناء ويتسم جوها بالاعتدالء حتى إن الذين ينعمون به 
خالون من الأمراضء ويعمرون أطول من الرجال هنا»'". في هذا المشهد الذي 
رسمه للفردوسء حاول أفلاطون أن يظهر جماله وصفاءه واتساقه وثباته... إلخ, 
من خلال مقارنته المستمرة بالعالم الذي نسكنه. وقد يكون أراد بهذا أن ينتقص 
من العالم الحسيء عالم التبدل والتغيرء أو أراد أن يؤكد للذين أعدموا سقراط 
أنه قد رحل إلى عالم كل ما فيه أكمل وأجمل من عالمهم الذي يعيشون فيه. 

يقابل هذا المشهد الخيالي للأرض الطاهرة «الفردوس» مشهد 
المناطق الداخلية للأرض (سجن الآلهة). وفيه يقدم أفلاطون تفاصيل 


جغرافية للأنهار ومنابعهاء والممرات التي تتصل بعضها ببعض 


.1117-11١ أفلاطونء ضِدون.... مرجع سابق,» ص‎ )١( 


1١8 


تاؤبل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


وسماتهاء فمنها أنهار كبيرة تحمل لوجه الأرض ماءً ساخناً وبارداً لا ينقطع أبداً 
وهناك أنهار عظيمة من نار وأخرى من طين سائل. ثم ينتقل إلى تصنيف 
تلك الأنهار فيصنفها إلى أربعة أنواع» ورغم أنه توجد في العالم السفلي 
مجارٍ للمياه لا يمكن أن تُحصى عدداً ولا نوعاًء منها: أوقيانوس وهو أطولهاء 
ويقابله نهر الأشيرونء وهو نهر يعبر مجراه مناطق قاحلة. وينساب تحت الأرض 
ليصل إلى بحيرة «أشيروزياس» حيث تلتقي نفوس الدهماء من الموتى. ومابين 
نهر أوقيانوس والأشيرون هناك نهر بيرفيلجتون» حيث يعود قرب النقطة التي 
تفجر منهاء ليصب في مسطح شاسعء وهناك تلتهب فيه نار حاميةء وهناك 
بحيرة تضطرم كلها بالماء والوحلء ومجراه الدائري عند خروجه من البحيرة 
مضطربٌ محملٌ بالأوحال. وينتهي به المطاف ليصب في مكان أكثر انخفاضاً 
من الترتار. بعد ذلك يأتي النهر الرابع «كوسيت» إزاء النهر الثالث» ويبرز في 
بداية الأمر وسط بلاد موحشة إلى أقصى مدى كما يقولون ويكسو تلك البلاد 
برمتها لون يميل إلى الزرقة القاتمة'". يعكس لنا هذا المشهد رؤية أفلاطون 
إلى العالم الآخرء عالم الجحيم مكان النفوس الآثمة, فهو عالم كما نراه يتسم 
بالفوضى والتغيرء فالصورة التي رسمها أفلاطون للأنهار ومياهها تبدو مخيفة, 
فهي مضطربة بالسخونة ومملوءة بالوحلء أي إنها ليست أنهاراً لمياه نقية. 


وينتقل أفلاطون بعد تصنيف الأنهار إلى الحديث عن أماكن 


.110-117 أفلاطونء ضِدون.... مرجع سابق, ص‎ )١( 


16. 


إنعلا السطورة القلاطونة 


الموتى في ذلك العالم, وما يلاقيه كلّ حسب عمله. حيث يتوجه الموتى كل 
حسب عمله إلى المكان الذي يلائمه» فأما الذين تقرر أن حياتهم كانت ذات 
مستوى متوسط للطريق الذي يؤدي إلى نهر الأشيرونء فيتم نقلهم بالقوارب 
التي خصصت لهم ليصلوا إلى بحيرة «أشيروزياس». ليقيموا هناك» فيتم تطهرهم 
ويتخلصون من الظلم الذي ارتكبوه من خلال ما يدفعونه من آلام.ء ويحصلون 
أيضاً في مقابل أعمالهم الحسنة على جزاء يتناسب وأحقية كل منهم. فمن 
كانث خالته مقؤوسا متها سنت مشاعة ما ارفكيه مق ذتوب #السيرقات المشكزرة 
وتدنيس المقدساتء. وقتل الناس مرات متكررة بدون مسوغ وبدون عدالة, أو 
غير ذلك فيقذف به في الترتار إلى غير رجعة. أما من تقرر أن أخطاءهم 
رغم بشاعتها يمكن علاجهاء كالذنوب التي ترتكب تحت سورة الغضبء وما 
يرتكبه الإنسان ضد والده وأمه. ثم يندم عليه فيكفر عنه بقية حياته» فهؤلاء 
يقذف بهم في الترتا. وبعد قضاء مدة فيه يقذف بهم في المجرى الصاعد 
إلى الأعلى» فيتجه القتلة إلى نهر «كوسيت». ويتجه من رفع يده على أبيه 
أو أمه إلى نهر «البرفيلجتون». ومن تقرر أن حياتهم ذات قداسة متناهية, 
فهم كالطيور التي تحلق في الفضاءء فيتحررون مباشرةً فيُطلق سراحهم» وعند 
وصولهم إلى عليينء يستقرون فوق سطح الأرض. ومن بين هؤلاء من تطهروا 


بفضل الفلسفة. فيحيا هؤلاء دون جسد على الاطلاق طوال العمر'". يبدو 


.1119/-115 أفلاطون. ضدون.... مرجع سابق» ص‎ )١( 


10١ 


تاويل الأشطورة يخ كتإدات افلاطون 
أن هذه الأمطورة تحمل بعداً ميتافيزيقياً باتجاهين لحياتين مختلفتين» وأن 
كليهما رسم بما فيه من أفكار وصور متنوعة بغاية الدقة والاتساق والجمال 
والوضوح, رغم أن الحديث فيه يعد حديثاً عن المجهولء إلا أن أفلاطون يبدو في 
هذه الأسطورة التي ذكرهاء وكأنه قد اطلع على ذلك العالم وألف جميع تفاصيله. 

ويواصل أفلاطون تصوراته عن العالم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب. 
ليعرض فكرته عن العالم باستخدام أسطورة أخرى تجري على لسان شخص 
ذهبت نفسه إلى ذلك العالم» ورأت ما يحدث فيه. إذ يبدأ سقراط مخاطباً 
غلوكون بقوله: 

«-سقراط: سأخبرك قصة... هي رواية حدثت فعلاً لرجل شجاع هو «آر» 
بن أرمينيوس البمفلي, الذي تقول القصة إنه قُتل في إحدى المعارك. فلما 
رفعت الجثث عن الأرض في اليوم العاشر لإجراء مراسم الدفن, وقد دب فيها 
الفساد. كانت جثة «آر» لا تزال طرية. فحملوها إلى البيت لدفنهاء وفي اليوم 
الثاني عشر وضعوها على دكة الجنازة. فانتعشتء وفتح الميت عينيه. وجعل 
يقص على السامعين ما رآه في العالم الآخر»'". تأتي هذه الأسطورة لتكشف 
ما يحدث للأبرار والأشرار في العالم الآخر. 

ما رآه «آر» من تفاصيل للعالم الآخر جاءت على لسان سقراط 


الذي روى تلك القصة بتفاصيلها قائلاً: «لما برحت نفسه جسده. 


(1) أفلاطونء الجمهورية.... مرجع سابق. ص 7ا5. 


10 


نعلا الاشطورة اللقلاطونية 


رافقت كثيرات من أمثالهاء فانتهت إلى موضع سريء فيه فجوتان في الأرض 
تقابلهما طاقتان في السماء»'". وعند هذا الموضع يرى «آر» النفوس وهي 
تنصرف إلى إحدى الفجوتين «إما يميناً وإما يساراً»» فتأتي النفوس إلى ميدان 
القضاءء إما بالنواح» وتلك هي القادمة من تحت الأرضء وإما بالسرور والبهاء 
وهي القادمة من السماء. فتسير النفوس المسرورة إلى المرج» وتمكث هناك. 
فيتم تبادل التحيات بين المعارفء ويتبادل القادمون من السماء الحديث مع 
القادمين من الأرض فيتساءلون عما يجري في السماء وما يجري في الأرضء 
فيروي القادمون من الأرض حكايتهم بالأنين والدموع بسبب تذكرهم الحوادث 
المرعبة التي رأوها وعانوها في سفرهم بالسرداب السفلي. ويصف القادمون 
من السماء مناظر الجمال المدهش". يكشف أفلاطون بهذا المشهد وضع 
النفوس التي تحاكم من قبل القضاة. حيث يعرض ما يناله الأبرار وما يناله 
الأشرا. فلكل منهما طريقه الخاص الذي يسلكه. 

ويعرض أفلاطون تفاصيل العقاب والثواب مبيناً أن كل نفس 
عُوقبت بما جنت أو أساءت إلى الآخرين عشرة أضعاف. ومن فعلوا 
الصالحات وكانوا بررة نالوا جزاءهم على القياس نفسه. أما من ماتوا 
وهم أطفال فقلما روي عنهم شيء يستحق الذكر. كما وصف عقاب 


معصية الوالدينء وعدم التقوىء واغتيال الأقارب بأنه عقاب صارم. 


.17 أفلاطونء الجمهورية.... مرجع سابق» ص‎ )١( 


0 من ص 51-5119 


1١07 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


لا يوصف. وأن جزاء التقوى والطاعة كان عظيماً جداً". وحسب إفادة «آر» 
نستطيع أن نستنتج جملة من المسائل التي كشف عنها أفلاطون. وهي: 
-١‏ أنها ميزت بين عقاب الأشرار وجزاء الأبرار. 
"- تطرقت إفادة «آر» إلى ذكر من ماتوا أطفالاً. 
“- القصاص الصارم كان لعقوق الوالدين وعدم التقوىء واغتيال الأقارب, 
والثواب العظيم كان للتقوى والطاعة. 
يبدأ أفلاطون مشهد القصاص ب «أردياوس»”" فيروي «آر» ماحل به 
مشيراً إلى أنه قبل صعودهم رأوا «أردياوس» فجأة أمامهم. فشاهدوا ما حل 
به ومن معه من الطغاة ممن عرفوا بارتكابهم الآثام, حيث ظنوا أن الوقت قد 
حان لصعودهم إلا أنهم ردوا من قبل أقوام أشداء جهنميين في صورة البشر 
كانوا هناك. فقبضوا على متون الخطاة وأبعدوهمء فكبلوا بالأصفاد «أردياوس» 
ورفاقه يداً ورجلاً وعنقاً وطرحوهم أرضاً وسلخوهم بالمقارع. ودحرجوهم إلى 
جانب الطريقء فنشروا هناكء فكانوا يقصون على المارة سبب آلامهم. لقد 
عدوا للمسير إلى جهنم, كما يذكر «آر»". ربما أراد أفلاطون بهذا المشهد أن 


يصور بشاعة العقاب للنفوس الشريرة. فيحذر الإنسان من عواقبها. 


)١(‏ أفلاطونء الجمهورية.... مرجع سابق» ص 9ا9". 
(*) اردياوس ملك مدينة بمفيليه. أعدم والده وأخاه الأكبر واقترف كثيراً من الشرور, انظر: أفلاطون, 
الجمهورية ص 377 


زفرة أفلاطون, الجحمهجوردة.... مرجع سابقء ص 715. 


1١0ع‎ 


إنعلا اللسطورة القلاطوية 


وينتقل أفلاطون بعد مشهد عقاب الأشرار إلى مشهد ثواب الأبراره فيقول: 

«بعد وصول الأرواح «الصالحة» إلى المرجء بسبعة أيام, أمرت بإخلائه. 
وفي اليوم الثامن سارت مسيرة ثلاثة أيام. وفي اليوم الرابع بلغت مكاناً أطلت 
منه على عمود النور العظيم الذي يخترق السموات والأرض. وهو أشبه الأشياء 
بقوس قزح, إلا أنه أصفى وأبهىء فوصلته النفوس بعد مسيرة يوم آخر. ولما 
بلغت مركز النور رأت طرفيه مثبتين في السماء بسلاسل. فإن ذلك النور 
يمنطق الجو كما تمنطق الحبال السفينة. فيضم الكون الدوار بأجمعه»”". 
إن عرض أفلاطون لمشهد الثواب للنفوس الصالحة أراد منه أن يتدرج بعرض 
جمال الفردوس بمسيرة النفوس وانتقالها من موضع إلى آخر أجمل من سابقه. 
ليكشف ما تحظى به النفوس الصالحة جزاءً على أفعالها. 

ويأتي أفلاطون إلى موضع «مغزل الضرورة» فيصوره بتناسق 
محكم يجمع فيه بين الهندسة والجمال والفن. فيصف قبضة المغزل 
وصنارته بأنهما مصنوعان من الصلب. وإطاره مزيج من الصلب 
ومواد أخرىء. فهو كالدائرة العادية.ء ويذكر سقراط أن وصف «آر» 
يمكننا من تصوره في شكل دائرة كبيرة مجوفة. في جوفها دائرة 
مثلها شكلاً وأصغر منها حجماً. ورُكزت ضمنها بمهارة تامة كالصناديق 


التي توضع بعضها داخل بعض. ثم تأتي دائرة ثالثة موضوعة في 


.516 أفلاطون, الجمهورية.... مرجع سابق» ص‎ )١( 


100 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


الثانية. والرابعة موضوعة في الثالثة وهكذا إلى أربع دوائر أخر. فمجموع 
الدوائر ثمان الواحدة في جوف الأخرىء جميعها تؤلف إطاراً كبيراً يحيط بمقبض 
المغزل الذي يخترق مركز الدوائر الثماني. ثم يصف كل دائرة ليمايز بينها فهو 
ينتقل من العام إلى الخاصء فالدائرة الأولى الخارجية هي أعرض حاشية: تأتي 
بعدها السادسة. فالرابعة» فالثامنة ثم السابعة» فالخامسة. والثالثة, والثانية هما 
أضيق الكل حاشية. ثم يصف جمالها فهي تشع ألواناً منوعة فالسابعة أبهاها 
سطوعاء :والثامنة -كشمة نوزها: من اتفكاس" أنوان: السابطة: والعانية :والخاضمة 
بالقدر نفسه من السطوع., لكنها أضعف نوراً من بقية الدوائر. والثالثة أشد 
الدوائر صفرةً وشحوباً والرابعة أميلها إلى الحمرة. والسادسة شاحبة كالثالثة". 
ويتدرج أفلاطون بعرض مغزل الضرورة فهو يبدأ أولاً بوصف قبضته وإطاره. فهو 
كدائرة في جوفها دوائر أخرىء ويأتي ثانياً ليصف حركة الدوائر مميزاً الواحدة 
من الأخرىء وينتقل ثالثاً ليصف جمالها وهو يتدرج فيه. في هذا المشهد ينتقل 
أفلاطون في وصفه من العام إلى الخاص. 

ثم يأتي على وصف حركة مغزل الضرورة على لسان «آر» مشيراً 


أنه يدور بمجموعه دوراناً منتظماً. وفي أثناء ذلك تدور الدوائر السبع 
الداخلية فتسير سيراً بطيئاء عكس جهة الكلء فتكون الثامنة أسرع 
الذؤاكر .خركة» فالسشاكة:والتادسة: والشامية "يدوران” معاء والرائعة 


تدور أبطأ منهما ثم الثالثة فالثانية. والمغزل يدور وتكمن عند كل 


)0( أفلاطون, الجحمهوردة.... مرجع سابق» ص .7١6‏ 


1١01 


نعلا الاشطورة اللقلاطونية 


دائرة إحدى عرائس الجن الفاتنات. فتصحب الدائرة في كل دوراتهاء لتخرج 
صوتاً واحداً وفقاً لعلامة موسيقية واحدة: فينتج من أصوات العرائس الثماني 
لحن موسيقي واحد. فتصدح على ذلك اللحن بنات الضرورة اللاتي هن ثلاث 
بنات تجلس كل منهن على عرشء وهن «لاخسيس» و«كلوثو» و«أتروبوس». 
فتصدح «لاخسيس» بحوادث الماضيء وتغني «كلوثو» بحوادث الحاضر, أما 
«أتروبوس» فتصدح بحوادث المستقبل". حركة الدوائر كما يرسمها أفلاطون 
تصحبها الموسيقى التي تصدرها عرائس الجن السبع. وهي إشارة إلى ربات 
الفنون. ورغم أن هذه العرائس تصاحب حركة كل دائرة على حدة إلا أنها 
تُصدر جميعها لحناً موسيقياً واحداً وهذه إشارة من أفلاطون إلى أن تنوع تلك 
الحركات لا يلغي ما بينها من انسجام تام. 

ثم ينتقل أفلاطون ليصور ما ستناله النفوس عند بنات الضرورة حيث 
دعيت إلى حضرة لاخسيس فرتبها الترجمانء وأخذ من حضن لاخسيس قدراً 
من سهام القّرعة وطرائق الحياة وتبوأ المنبر العالي» ونطق بما نصه: «هكذا 
تقول العذراء لاخسيس.ء ابنة الضرورة. أيتها النفوس القصيرة الأجل. أنت بدء 
خلق جديد يبدأ دورته هنا. ووجوده زائل. لا تُطرح حظوظكن عليكنٌ لزاماًء بل 
تخترنها أنتن لأنفسكن. فمن أصاب السهم الأول يختر أولاً حظ الحياة. الذي 


هو نصيبه الثابت. الفضيلة لا تّساء. فمن أكرمها أكثر نال منها أكثر ومن ازدراها 


.510-756 أفلاطونء الجمهورية.... مرجع سابقء ص‎ )١( 


1١ 061/ 


تايل االسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


نال أقل. فالذي يختار هو المسؤول. وليست السماء بملومة»". وهنا يؤكد 
أفلاطون الاختيار الذي هو أساس المسؤولية. 

ثم يسرد سقراط مشهد اختيار السهام كما رواه «آر»». فيذكر أن الترجمان 
قال: «هناك حياة مذخورة غير رديةء حتى لآخر قادم, إذا لزم القانون وأحسن 
الاختيار. فيكون راضياً بها فلا يستهترنٌ من سبقء ولا يقنطنّ من تأخر»". هذا 
التذكير لإشاعة الطمأنينة في النفوسء وليؤكد أفلاطون ضرورة حُسن الاختيار 
وعدم التسرع قبل البدء باختيار الأسهم. 

ثم ينتقل أفلاطون ليصف مشهد النفوس - كما يروي «آر» - وهي 
تختار حياتها بأنه من أغرب المشاهد. فهو مشهد مضحك مبكء فهناك من 
اختار حياة إوزة.ء وهي نفس «أورفيوس». واختارت نفس «ثاميراس» حياة 
بلبلء وطلبت إوزة تغيير طبيعتها فاختارت حياة إنسان. وكذلك كثير من 
الطيور. واختارت نفس «أجاكس بن كلامون» حياة أسد. ونفس «أغممنون» 
اختارت حياة نسرء واختارت نفس «أغلانتا» الحياة الرياضيةء واختارت نفس 
«ابيوس بن بنوبيوس» طبيعة امرأة حاذقة في عملهاء وتقمصت نفس المهرج 
«ثرسيس» جسد قرد بشريء وكانت «أولسيس» آخر من اقترع - كما ذكر 


«آر» - فاختارت حياة رجل عادي". يشير هذا المشهد إلى فكرة التناسخ 


(1) أفلاطون. الجمهورية.... مرجع سابق. ص 710. 
0( م.نء ص 711. 


2 .ل ص 11-711١‏ 


1١104 


نعلا السطورة القلاطونة 


كما طرحتها الأورفية ثم الفيثاغورية فيما بعد والتي يتم فيها التطهر. فلم تقصر 
هذه الأسطورة عملية التطهر على الإنسان فقطء بل شملت جميع المخلوقات, 
حيث تتدرج النفوس بالحلول اعتماداً على عملها في الحياة الدنيا. 

يختم أفلاطون هذه الأسطورة بمشهد يصور فيه حال النفوس بعد عملية 
الاختيار حيث تذهب بالترتيب إلى «لاخسيس» لتمنح كل نفس حظها وتصحبها 
به ليكون خفير حياتهاء ومتمم اختيارهاء فيقودها هذا إلى «كلوثو» لتمر بين 
يديهاء وتحت دوران مغزلهاء فتصادق على النصيب الذي اختارته كل نفس 
بالترتيب المذكور آنفاً. فتذهب إلى «أتروبوس» لتبرم حكم «كلوثو». بعدها 
تتقدم النفوس مباشرة إلى عرش «الضرورة» لتمر من تحته. ومعهم «آر» يسير 
الجميع إلى سهل ليْثْ «النسيان». وعند حلول الظلام نزلوا وراء نهر ماليت 
«عدم الاكتراث». فكان على جميع النفوس أن تشرب منه قدراً معيناً فمن 
فاتتهم الفطنة فشربوا أكثر من القدر المتاح نسوا كل شيء, وفي أثناء نومهم 
في منتصف الليل حدث رعد قاصف وزلزلة فحملت النفوس في مختلف 
الجهات كالنيازك في عرض الفضاء لتدرك مولدها. ومنع «آر» من رشف الماء 
من ذلك النهر. إلا أنه يجهل كيف عادت نفسه إلى جسده ومتى وأين» 
وبغتة فتح عينيه. فإذا هو على دكة الجنازة'". بهذا تنتهي الأسطورة التي 


قدمها أفلاطون بتفاصيل تبدو دقيقة وأحياناً مسهبة. حيث صور لنا مشهداً 


.5117 أفلاطون, الجمهورية.... مرجع سابقء ص‎ )١( 


10 


اويل الأسطورة يخ كتابات أفلاطون 
رائعاً متناسقاً تناغمت فيه أفكاره في الهندسة والجمال والفنء لتقدم لنا هذه 
الأسطورة عن خلود النفس. 

ونختم دراستنا لهذا البعد بأسطورة المركبة المجنحة أو «العربة 
المجنحة». وما فيها من إبداع يصور أفلاطون فيها قصة عربة يجرها جوادان 
يقودهما سائق. يرسم سقراط «الأفلاطوني» فيها موضوعات وصوراً بأسلوب 
شعري مثيرء وحدث درامي وفن تصويريء فالمخاطب في هذا الحديث هو 
فايدروس. محب الحديث الذي يستجيب للمتحدثين. فيرد عليهم بحماسة. 
حيث استخدم أفلاطون في هذا الحوار لغة مشحونة بالانفعالء فالأسطورة التي 
جرت على لسان سقراطء فيها مظهر انفعالي لأنها تروي قصة عن شخصنة 
أجزاء النفسء والصراع بينهاء وذلك ليضفي عليها أهمية درامية'". يعكس نا 
مشهد العربة والجوادين والسائق أجزاء النفس والصراع الدائر بينها من جانب» 
وأسلوب أفلاطون الشعري الحافل بالانفعال والصور الشعرية من جانب آخر. 

يبدأ أفلاطون هذه الأسطورة بتشبيه طبيعة النفس بمركبة مكونة من جوادين 
مجنحين وسائق يقودهماء ثم ينتقل إلى نفوس الآلهة حيث تكون جيادها وسائقها 
جميعهم أخياراً. ومن سلالة جيدة وأصيلة. أما بالنسبة إلى الإنسان فالعربة غير 
متجانسة الأحؤاك لأن بنائقها يقوذ زوجاً من الغياة: أعدهما عميل أصيلوالاغر عن 


)0( القع انمتا ,كسمكامم2 مصطهر[ عط رووه1ملتطط 4ه لامصعنه[ ممعتمعسمة 


.4 صم ,127 ,2006 :ووعرط 


1١6 


نعلا الاشطورة اللفلاطونية 


العكس من ذلك سواء في طبيعته أو في سلالته, لذا كانت مهمة السائق شاقة 
مُضنية. فالنفس عندما تكون مزودة بالأجنحة تحلق في الأعالي وتسيطر على 
العالم بأجمعه. أما النفس التي تفقد أجنحتها فتظلٌ تزحف حتى تصطدم بشيء 
صلب فتقيم فيه. وتتخذ جسماً أرضياً يبدو كأنه علة حركتهاء بينما تكون هي 
في الواقع مصدر قوته. وما نسميه كاثناً حياً فهو المُركب من النفس والجسم. 
وهو الكائن الذي نصفه بأنه فان”". يعكس حديث أفلاطون عدم تجانس أجزاء 
النفس البشرية قياساً بنفوس الآلهةء فنفوس الآلهة تبدو واحدة. أما نفس الكائن 
الحي فيصور أفلاطون له نفسينء نفساً مزودة بالأجنحة, ونفساً فاقدة للأجنحة 
حلت في جسد لتؤلف مع الجسم الذي هبطت فيه كاثناً فانياً 

ويبدأ كلام أفلاطون عن النفس في العالم العلوي بتصويره لموكب الآلهة 
فيفتتح حديثه عن الجناح الذي تمكنه طبيعته من التحليق. وتجعله قادراً 
على رفع ما هو ثقيل والارتفاع به إلى حيث تسكن الآلهة, لذا يُعد الجناح 
أكثر الأشياء الجسمانية مشاركة في الطبيعة الإلهية. وهي الجمال والحكمة 
والخيرء وكل ماهو من هذا القبيل. فيها تتغذى أجنحة النفس وتقوى, 
بينما تجعل الصفات المقابلة لها كالدناءة والشر الأجنحة تضمر وتتلاشى”". 


أي إن النفوس تقوى بالجمال والحكمة والخيرء وتضمر وتختفي بالدناءة 


)0( أفلاطون, فاددرو س...» مرجع سابق» ص الا. 


(١‏ م.ن.. ص "الا 


١1 


تاؤويل الأسطورة يخ كتادات أقلاطون 


والشر. وهي دائماً تتطلع إلى مثلها الأعلى المتمثل بالآلهة الذي يكلفها الاقتراب 

ثم يذهب أفلاطون ليصف مشهد موكب السماء الذي يقوده الإله زوس 
(«ده2). متقدماً الجميع بمركبته ذات الأجنحة ليوجه سير جميع الأشياء ويرعاهاء 
ويتبعه جيش من الآلهة والجنء منتظمة في إحدى عشرة فرقة» وتبقى «هستيا» 
«الأرض» في منزل الآلهة» والآلهة الأخرى كل منها يتولى جيشاً خاصاً به". يشير 
أفلاطون في حديثه عن موكب الآلهة إلى زوس قائد هذا الموكب ومن يتبعه 
من الآلهة والجنء التي تؤلف إحدى عشرة فرقة. وأفلاطون هنا لا يبين لنا من 
هم هؤلاء. لأن تركيزه انصب هنا على القيادة المتمثلة بزوس, والنظام المتمثل 
بالفرق التي تتبع زوس. ويصور مشاهد السعادة في السماء حيث تطوف بها 
الآلهة فيصف حال الآلهة وما يقومون به. فهم كثيراً ما يذهبون ليتناولوا 
الطعام مشاركين في الولائم. متسلقين المرتفعات الوعرة التي تؤدي بهم إلى 
قبة السماء حيث تجتازها مركبات الآلهة بسهولة ويسر بسبب حسن تكوينها 
من جانبء. وطاعة جيادها للسائق من جانب آخر. وخلافاً للمركبات الأخرى. 
فالأمر بالنسبة إليها عسير لوجود الجواد الجامح الذي يتلكأ ويشد عربته نحو 
الأرضء فيثقل على يد السائق الذي لا يطيق قيادته. وعندما تصل النفوس الخالدة 


إلى القمة تتجه إلى الخارج لتقف على ظهر القبة السماوية, فترفعها حركتها 
ع ٠.‏ ع 6 ٠.‏ هو 


)0( أفلاطون, فابدروس... مرجع سابق. ص "لا. 


1١1 


أنعاد الأسطورة الاقلاطوة 
الدائرية لتدرك الحقائق التي توجد خارج السماء”". يقارن أفلاطون في هذا 
المشهد بين نفوس الآلهة ونفوس البشرء حيث تكون نفوس الآلهة أكثر انسجاماً 
واطمئناناً. كما أنها تجتاز قبة السماء بيسر وذلك لأصالة جيادها وطاعتها للسائق» 
بينما تكون نفوس البشر مضطربة لأنها تواجه مصاعب كثيرة بمحاولتها الوصول 
إلى قبة السماءء. وذلك لعدم أصالة جيادها وعدم طاعتها للسائق. 
ثم يواصل أفلاطون عرضه ليصف لنا مشهد نفوس البشرء وهي 
تسعى بجهد دؤوب لتتبع الآلهة. فتصاب بالاضطراب والتخبط يسبب 
ما تسببه لها الجياد. فهي إما ترفع رأسها نحو المكان الذي يكون خارج 
السماء. فيندفع الجواد في حركة دائرية يصعب على النفس معها أن 
تتوجه نحو الحقائق بسبب الاضطراب الذي تحدثه الجياد. وإما ترفع رأسها مرة 
وتحنيه أخرىء وبما أنها لا تستطيع السيطرة على الجياد لذا فلن تتمكن إلا من 
رؤية بعض الحقائق: وعدم رؤية بعضها الآخرء فرغم أنها ترغب في الصعود 
ولكن بلا جدوىء فتتخبط في الزحام فتعثرء ولعدم سيطرة الحوذي تفقد النفوس 
ريشهاء وبعد أن ينال منها التعب تبتعد دون الوصول إلى تأمل الحقائق: لذلك 
فهي لا تتغذى إلا بالظن”". أي إن لدى النفوس توقاً إلى السمو على واقعها. لكن 
إمكاناتها تعيقها عن ذلك. فلا تعرف من الحقائق الثابتة إلا النزر اليسير. 


وينتقل أفلاطون بعد ذلك ليصف حكم ربة القصاص «أدراستيا» 


)١(‏ أفلاطونء ذإبدروس.... مرجع سابق» ص 77-لا. 


(١‏ م.ن..ء ص علا. 


1١1 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


على النفوسء. فكل نفس تكون في معية إله. فإذا توصلت إلى رؤية بعض 
الحقائق الصحيحة. تظل سالمة من الشرور للدورة التالية. وإذا استطاعت 
الاحتفاظ بتلك الرؤية فإنها ستظل دائماً بمنأى عن أي أذى. وإذا عجزت 
عن اتباع الآلهة وضلت الرؤية كما لو كانت قد امتلأت بالنسيان والفساد. 
فتثقل وعندها تفقد ريشهاء فتسقط على الأرض. فالنفس ذات الرؤية الشاملة 
تستقر في رجل تهيأ ليكون فيلسوفاً محباً للحكمة» أو محباً للجمال. أو في 
رجل تزود بالثقافة وصقله الحب. والدرجة الثانية للنفوس تستقر في ملك 
يحكم بالقانونء أو محارب ماهر في القيادة, والثالثة تحيا في سياسي أو رجل 
أعمال ومالء والرابعة تكون لرجل محب للتمرينات الرياضية» أو معني بإصلاح 
الجسمء والخامسة تكون لحياة عراف. أو رجل عكف على طقوس العبادة 
والسادسة لشاعر أو فنانء والسابعة تلائم صانعاً أو مزارعاًء والثامنة تكون 
لمحترفي السفسطة أو فن خداع الجمهورء والتاسعة للطاغية”". يبدو من خلال 
هذا التصنيف للنفوس التسع أنها قد رتبت بحيث تكون ثلاث منها في البداية 
وهي الأهم, إذ تشير إلى نفوس من يتولون الحكم, وثلاث في الوسط تشير إلى 
المعارف التي وضعت للتربية والتعليم كما جاء ذلك في الجمهورية» والثالثة 
أقلها أهمية وتشير إلى أنواع الحرف. 

يكشف لنا البعد الميتافيزيقي في فلسفة أفلاطون كما عكسته 


لنا مجموعة من الأساطير التي استعان بها موضوعاً معيناًء وهو كما 


)00( أفلاطون, فاددروس...» مرجع سابق. ص 0/. 


1١ 


اعلا الشطورة الأقلاطونبة 


نعتقد يتصل بموضوع النفس بتفاصيلها المختلفة. وقد بدأها أفلاطون أولاً 
بأسطورة الآخرة في محاورة جورجياسء, حيث تناول فيها موضع النفس في 
الآخرة وكيف تُحاكم النفوس. بينما في الأسطورة الثانية التي وردت في مينون, 
فيكشف فيها عن مسألتي خلود النفسء والمعرفة تذكرء ثم يقدم لنا وصفاً 
بأسطورة أخرى لعالمي الفردوس والجحيم كما جاء ذلك في فيدونء أما في 
أسطورة «آر» التي ذكرها في الجمهورية فنعتقد أنها جاءت لتأكيد ما طرحه 
أفلاطون بأولى أساطيره في جورجياس بحديثه عن كيفية عقاب النفوس من 
جانب, وتأكيداً لما ورد في أسطورة فيدون من وصف لعالم الفردوس والجحيم 
من جانب آخرء إضافة إلى ذلك إشارتها إلى فكرة تناسخ النفوس, التي ذكرها 
أفلاطون في مينون. ويختم أفلاطون البعد الميتافيزيقي المتعلق بالنفس 
بأسطورة شملت جميع ما تناوله عن النفس: طبيعتهاء معرفتهاء مكانها في 
العالم الآخرء وما تحظى به من ثواب وعقابء وكذلك تفاصيل تناسخ النفوس 
كما ورد ذكره في الجمهورية. إلا أنه طرحه في أسطورة المركبة المجنحة 
بتفاصيل أكثر. أي إن البعد الميتافيزيقي انحصر بموضوع النفسء» وهو من 
الموضوعات المجردة التي يصعب الحديث عنها بيقين تام وباستخدام البراهين 
والأدلة العقلية. لقد ترك أفلاطون للأسطورة أن تصور في سردها الذي ينساب 
كنهر متدفق مواقفه الفلسفية في مسائل لم يكن العرض المنطقي وحده قادراً 
على تحقيق أي درجة من الوضوح فيه, أو هكذا خُيْل إلى أفلاطون. 


1١60 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 
ثانياً: البُعد القيمي 

نعالج بعداً آخر من أبعاد الأسطورة. وهو البعد القيميء ويتمثل في 
الأخلاق والجمال. فمن المعروف أن أفلاطون قد تأثر بسقراط في موضوع 
الأخلاقء وأخذ عنه فكرة أن الفضيلة هي معرفة؛ ومن الممكن تعلمهاء فالإرادة 
تكون مستقيمة عندما تكون مستنيرة هذا من جانبء كما أن الخير يحقق 
الانسجام بين المرء ونفسهء وبينه وبين الآخر من ناحية أخرى". وقد ربط 
أفلاطون بين الإرادة والخيرء فالإرادة تكون خيرة عندما تكون على معرفة 
بالخيرء ولكي نمارس فعلاً خيراً. علينا أن نعرف ماذا نمارسء وكيف نمارس. 

ويرى بعض الباحثين أن أفلاطون حاول في عدد من محاوراته مناقشة 
الصلة التي تربط الأخلاق بما بعد الطبيعة» ومنهم توفيق الطويل إذ يشير 
إلى أن أفلاطون في عدد من محاوراته كفيدروسء فيدونء والجمهورية. سعى 
إلى إيجاد صلة وثيقة بين الأخلاق وما بعد الطبيعة. لأن التباين بين العالم 
المحسوس والعالم المعقول قد تحول عنده إلى تقابل في القيم: أي إن المادة 
التي تمثل الجسم قد أصبحت لديه هي مبدأ كل شر والعقل هو أساس كل 
خيرء لذلك أضحت حياة الإنسان كما يرى سقراط هي على نحو ما ممارسة 
للموتء ومن هنا وجب عليه العمل على التخلص من الشهوات والرغبات. وتحرير 


2191٠ فرنسوا غريغوار, المذاهب اللخلاشّة الكرىء ترجمة قتيبة المعروفي. عويدات» بيروت,‎ )١( 


.١8 ص‎ 


1١1 


نعلا الاأطورة اللفلاطونية 


نفسه من قيود الجسم" وهذا الأمر يشير إلى مسألتين: الأولى هي فكرة 
الثنائية» والثانية اعتبار الجسد هو مبدأ لكل شر. 

ويرى أفلاطون أن ممارسة الفضيلة هي التي توصل الإنسان إلى مثال 
الخير كما يرى «ديفيد» في كتابه «نظرية المثل لأفلاطون». حيث تمت الإشارة 
إلى ذلك في عدد من محاوراته مثل محاورة «لاخيس»». ومحاورة «هبياس 
الأكبر» حيث يرى أن الخير هو الذي يجعلنا نسعى إلى ما هو أفضلء لأنه 
جدير بأن نسعى إليه". إن اهتمام أفلاطون بالفضيلة لكونها توصل الإنسان 
إلى الخيرء وهذا يفسر لنا دواعي اهتمام أفلاطون بالفضيلة, ولجوءه إلى بعض 
الأساطير ليصور القيم الخُلقية وموقف الإنسان منها. 

ولا ينكر أفلاطون استعداد الإنسان لممارسة الظلم والاحتيال من أجل 
مصالحه الأنانية. وقد رسم لنا مشهداً يبين لنا فيه مثل هذا الاستعداد. والقدرة 
على فعل الشر متى وجد الفرصة المناسبة. نبداً أولاً بأسطورة خاتم جيجس 
(«#©) التي ورد ذكرها في محاورة الجمهورية» المحاورة التي اختلفت الآراء 
حول موضوعهاء فمنهم من رأى أن موضوعها أخلاقي تربويء مثل «تيلور». ورأى 
آخرون أن موضوعها الرئيسي هو السياسة. ومن هؤلاء «أرنست باركر». ومن 
)١(‏ توفيق الطويلء فلسفة الأخلاق نشاها وتطوره! دار النهضة العربية, القاهرة. ط, 21915 ص 

09 


2( 05101 :دوء2 لإأاتوة حلملا ,كمء124 زه «ز 7م16 5“ 6غهول2 ,ووه 102110 


.42 م ,1951 


1١ 1/ 


تاويل الأشطورة يخ كتإدات افلاطون 
رأينا أن الأولوية في الجمهورية هي للمسألة الأخلاقية, اعتماداً على الأماطير 
التي عرضناها فهي كما تبدو أساطير أخلاقية, الغاية منها تهذيب النفس”". 
قد تكون الأخلاق والتربية والسياسة عند أفلاطون تمثل شبكة من العلاقات 
المتبادلة, فالتربية تعد السياسيين الذين يتولون إدارة المدينة, ومنها تنتظم 
الفضائل الإنسانية لأن أساس الفضائل معرفة يمكن تعلمها. 

جاء ذكر هذه الأسطورة على لسان غلوكون”,. وهذا الكتاب هو 
استمرار للبحث في موضوع العدالة الذي طرح في الكتاب الأول حيث يرى 
غلوكون أن ما طرح من شرح في معنى العدالة والاعتداء غير كافء لذلك 
فهو يرى من الضروري الوقوف على ماهية كل منهماء وما لهما من نفوذ 
في النفسء فيخاطب سقراطء معلناً أنه سوف يبدأ البحث مستأنفاً حديث 
ثراسيماخسء حيث يبين لسقراط رأي الناس في طبيعة العدالة وأصلهاء وأن 
الناس لم يرغبوا في العدالة لذاتهاء بل إنهم قد قبلوها مرغمين بوصفها 
حاجة لا غنى لهم عنهاء فيقول: «يقولون إن التعدي مأثور لذاته. ولكن 
عاقبته ردية. لأن الشر الناشئ عن وقعه يَرْبى كثيراً على الخير الناجم 


عن اقترافه. ولذا بعد ما ظلم الناس بعضهم بعضاً زمناً طويلاً وتحملوا 


.17١-1١١8 أنظر الفصل الثاني ص‎ )١( 
غلوكون هو أخو أفلاطون. عن عبد الرحمن بدويء أقلاطون,. وكالة المطبوعات, دار القلم,‎ )*( 
الكويت. بيروت. 1914, ص 19. وكذلك أنظر هامش حنا خباز لترجمة أفلاطون. الجمهورية‎ 


.١ ص‎ 


11 


نعلا الاشطورة اللفلاطونية 


ثقل وطأته على النفوس,ء واختبروا العدالة والتعدي كليهماء رأوا أن الأفضل 
للذين لا يقدرون أن ينبذوا أحدهما ويختاروا الآخرء أن يتفقوا أن لا يَظلموا 
ولا يُظلموا»”". 

يحاول غلوكون هنا أن يوضح لسقراط أن الإنسان ترك الاعتداء على 
الآخرينء» لما يجره عليه من متاعبء وقبوله بالعدل ليس لاقتناعه به لذاته. بل 
لأنه رأى فيه دفعاً للاعتداء عليه. 

ثم يسعى غلوكون ليثبت لسقراط أن العادل والمعتدي كلهما سواء في 
الانقياد لملاذهم والقوانين هي التي ردعتهم.ء حيث يقول: «لو أطلقنا أيدي 
العادلين والمعتدين سواءء وأبحنا لكل منهم أن يعمل ما تهوى نفسه. وتتبعنا 
آثارهما الترق: إلى ماذا :قادث كلا :متهما غئوله لوجدنا العادل متحدرا. بكليقة 
في تيار التعدي كعديم العدالة تماماًء راغباً في إحراز ما تجوع إليه نفسه من 
الملاذ وتنشده كل خليقة كالخير المراد بالذات. ولكن الشرائع هي التي ردعته 
عن مطاوعة الشهوات»”". أي لافرق بين الإنسان العادل وغير العادل في انقياد 
النفوس للرغبات. 

بعد ذلك ينتقل غلوكون لتعزيز وجهة نظره على ما سبق ذكره. 
فيروي أسطورة خاتم جيجسء ليثبت وقوع الظلم والاعتداء عندما 
يتمتع الناس بالحرية التامةء حيث يصور أفلاطون على لسان غلوكون 


رغبة إنسان بسيط واستعداده لفعل الشرء حيث تقوده الصدفة إلى 


(1) أفلاطونء الجمهورية.... مرجع سابق» ص ."١‏ 


9) م.ن. ص ١8ل‏ 


1١18 


تاؤيل الأسطورة يي كتادات أقلاطون 


تحقيق رغباته الشريرة. فينقاد لها بسهولة. وبعد أن يكتشف إمكانية ذلك 
الخاتم. يخطط لإيذاء الملك والاستيلاء على مملكته. فهو يعرب عن رغبته 
في الذهاب مع الوفد لمقابلة الملك واطلاعه على ما حدث لقطعانه. بسبب 
العاصفة القوية والزلزال الذي حدث”". لقد أراد جيجس الذهاب مع الوفد 
لتحقيق غاية أبعد من مجرد إعلام الملك بما حدثء وهذا ما تحقق فعلاً حيث 
أغوى الملكة أولاً. ثم تآمر معها على قتل الملكء والاستيلاء في نهاية الأمر 
على مملكته. فالفضيلة كما يرى سقراط معرفة. والرذيلة جهلء وأفلاطون تأثر 
بالأخلاق التي نادى بها أستاذه سقراط. ويبدو من هذه الأسطورة أن أفلاطون 
أراد أن يكشف لنا كيف يكون الجهل سبباً لارتكاب الآثام. فهذا الراعي البسيط 
الذي خطط للتآمر على الملك والاستيلاء على مملكته كان بسبب جهله الفضيلة. 

ثم يأتي أفلاطون بأسطورة أخرى تكشف لنا ميل الإنسان إلى الاعتداءء 
ولجوته إلى الحيلة لتحقيق رغبته في التآمر على الآخرينء ولو كان ذلك أقربهم 
صلة به. وهذا ما تشير إليه أسطورة الصراع بين الأخوين أتريوس (:-ه:4) وثيستيس 
(5©:هعر1). التي يرويها أفلاطون في محاورة رجل الدولة على لسان الغريب 


مخاطباً سقراط الصغير. فبسبب هذا النزاع بين الأخوين تحدث علامة غريبة. وهي 


)00 صتصيدزمء8 بإ نآ" ,متهاط كزه كعناعه!ه 21[ 1711 ل ن 1اطلامعظ ,مغهاط 


-311 مم ,1978 ,2250 رك.شق.نا :مومعنطن آه نو تلصتا عط" باععوده[ 


- انظر أيضاً: أفلاطون, الجمهورية.... ترجمة حنا خباز مرجع سابق» ص «". 


10 


نعلا الاشطورة اللفلاطونية 


ولادة الحمل الذهبي. وملخص هذا النزاع أنه كان بسبب التنافس في عرش 
«ميسينا» بين «أتريوس» و«ثيستيس». فيتدخل هرمس رسول الآلهة لمصلحة 


ع 


أتريوسء إشارة منه إلى تأكيد حق أتريوس في الحكم. إلا أن ثيستيس راود 
امرأة أتريوس فأقنعها بإعطائه الحمل الذهبيء للاستيلاء على الحكمء وعندها 
تدخل زوس فأمر الشمس و«النجوم أن تغير اتجاه سيرهاء وذلك شهادة منه 
لحق أتريوس في الحكم". إن سرد الأحداث التي جرت في هذه الأسطورة 
بين الغريب وسقراط الصغير للإشارة إلى أن الإنسان ينقاد لرغباته, ولا يمنعه 
ما يحدث في الكون من غرائب بفعل سلوكه. فيتوقف عن الاستمرار تلبية 
رغباته ومطاوعتهاء بل يواصل خططه في الاعتداء على الآخرين وإيقاع الأذى 
بهمء فلم تمنع «ثيستيس» رؤية حمل ذي صوف ذهبي بين قطعان أخيه 
«أتريوس» للتآمر عليه. والحصول على العرش رَعَما عنه. ونرى أن هذه الأسطورة 
تنسجم مع الأسطورة السابقة «خاتم جيجس» في إشارة أفلاطون إلى أن جهل 
الإنسان للفضيلة وانقياده لرغبته في تحقيق ما يريدء هما أساس الشرور. 

وننتقل إلى جانب آخر من جوانب البعد القيمي وهو البعد 
الجمالي» الذي رسم فيه أفلاطون مشهداً يعبر فيه عن مفهوم الحب 
السائد. والمفهوم الفلسفي للحب المطلقء الذي أراده أفلاطون في 
)0( .86م .للط1 
وأنظر أفلاطون. رجل الدولة.... مرجع سابق, ص 07. 


١ا/ا‎ 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 
حديثه عن الحبء. كما طرحه في محاورة المأدبة. إن فهمنا لكلام «ديوتيما» 
في المأدبة وتنوع النظريات التي قدمها أفلاطون عن الحب والمعرفة. كما 
تشير «نانسي إيفانس» كلاهما قد أغنانا كما لو أننا نفسر الخلفية المدنية 
والدينية» لسقراطء وأفلاطون ومعاصريهم من الأثينيين". لقد ناقش أفلاطون 
في محاورة المأدبة موضوع الحب على لسان عدد من الشخصيات المختلفة 
في الشعر والأدب والسياسة والفلسفة. وهي أحاديث عبرت عن الحب الفاني 
بين جسدين للمحافظة على استمرار النوع البشريء أما الحب الخالد فهو الذي 
يبقى ولا يزول. 

إن الحوادث التي دارت في المأدبة, بما فيها من رؤى مختلفة ومتناقضة 
عن الحب ودوره في حياة الفرد كما نظر لها بأنها كانت تعكس الطقس 
القرباني والطقس العامر بالأسرار في أثينا الكلاسيكية”". بمعنى آخر إن المأدبة 
لا تقدم لنا فقط مشهداً متنوعاً يصور فيه أفلاطون الآراء المختلفة عن الحبء 
بل إنها تقدم لنا أيضاً صورة عن الحياة الأثينية في العصور السابقة. 

ويأتي حديث أفلاطون عن البعد الجمالي الذي يحمله الحب 
على لسان سقراط كما صوره في أسطورة ولادة الحبء التي سمعها 
)0( .3 م ,21 ,آهلآ ,2006 ,2 .مه مهوتتهمررطط ,فصوظ تعصدلح 
00 .0 م نط1 


1١ا/‎ 


نعلا الاشطورة اللفلاطونية 


فق ذروفيها وذلك: عدم سال متقراظ نذيوثيما “عق الفي» قاثلا: من أبوة 
ومن أمه؟ فأجابته: إن توضيح ذلك يقتضي رواية قصة تستغرق وقتاً طويلاً 
ولكنها مع ذلك سوف تقوم بروايتهاء فشرعت في سرد تلك القصة على مسامع 
سقراط مشيرة أنه في يوم ولادة أفروديت ©ندمطمم). أقامت الآلهة مأدبة 
احتفال بتلك المناسبة. وقد كان من بين الضيوف الذين حضروها إله الغنى 
بوروس (:50:0). كما حضرت بنيا (دن2) الفقوحيث تقف على الأبواب في مثل 
هذه المناسبات لتستعطيء علها تنال شيئاً من تلك الوليمة» وعندما سكر إله 
الغنى جراء الخمرة الإلهية ذهب إلى حديقة زوس فغلبه النعاس. وهنا تأملت 
«بنيا»ه بضيق أحوالها ولأجل تخفيف ما تعانيه» دبرت مكيدة لتحظى بطفل 
منه. فاستلقت إلى جانبه وحملت بالحب". هذه الولادة للحب كما يصورها 
أفلاطون على لسان ديوتيما التي ترويها لسقراط تشير إلى مسألتين: أولاهما 
أن الحب ولد من أبوين مختلفينء هما الغنى والفقرء أحدهما إله والآخر ليس 
إلهاًء وثانيهما أن الحب ولد بوعي ورغبة أحد الطرفين» وهو الفقرء وذلك لفقد 


الغنى وعيه بسبب السكر. 


(*) ديوتيما (داعمنههل3 ؛ه دسسنهذ2) امرأة حكيمة من مانتنياه عرفت بحكمتها في الحب وأنواع 

عدة من المعرفة, وقد عرفت فيما مضى من الأيام» عندما كان الأثينيون يقدمون القرابين 
للآلهة لدرء خطر الطاعون أنها قد حمتهم منه طوال عشر سنينء انظر: 

.163 « ,متهاط تزه كعناعه !ه101 111 111 ,اقلاأدمطة زد ,21360 

)0 .163-64 ورم ,لذط1 


1١ 


تايل الأسطورة ف كتإدات أقلاطون 


تفصل ديوتيما لسقراط كيف أن الحب ورث خصللاً من أبويه. فهو من 
ناحية فقير لا تتوافر فيه الرقة والجمالء خشن المظهرء لا مأوى له. يرقد في 
العراءء على الأرض الصلبةء وعلى عتبات الدور وفي الطرقاتء وهذا ما ورثه 
من أمه. وهو يسعى جاهداً للخير والجمال لطلب الحكمةء وهي شيء جميل 
والحب هو حب الجميلء فالحب هو حب الحكمة. هذا ما ورثه من أبيه. 
فالحب نتاج الحكمة والجهل”". يعكس هذا النص سمات الحب التي ورثها 
من أبويه. وهي كما يبدو تشير إلى عدم انسجامه, فهو مضطرب غير مستقر 
على حال. 

ويواصل سقراط بعد الإشارة إلى سمات الحب من قبل ديوتيما أسئلته 
لها فيسألها عما يؤديه الحب للناس؟ فتجيبه مشيرةً إلى أن الحب هو حب 
الجمال وذلك تبعاً لمولده» وغاية محب الجمال الحصول على الأشياء الجميلة, 
فغاية الحب هي السعادة. ثم تتدرج في حديثها عن الكيفية التي يفصح 
بها الناس عن رغبتهم في الحبء فتخبر سقراط أنها سوف تعلمه كل شيء 
جميل يحصل بفعل الولادة» فالولادة كما ترى إما بالجسد وإما بالروح: فالناس 
يحملون إما بالجسد وإما بالروح» وعند وصولهم إلى زمن النضج يشعرون 
برغبة طبيعية في الولادة فهناك شيء إلهي كما ترى ديوتيما في ذلك. ففي 


الحمل والولادة يُصيب الإنسان الفاني حظاً من الخلود. فالجمال هو الإله 


.1١ أفلاطون. الملادة.... مرجع سابق. ص‎ )١( 


17 


نعلا الاشطورة اللقلاطونية 


الذي يرعى الولادة. لذا فالمرء في المخاض ينجذب إلى الجمال فهو يعينه 
على تحمل آلام المخاض. فالحب هو حب الخلود كما هو حب الخير”". 
ويبدو من حديث ديوتيما أن غاية الحب الأولى هي الخلود. وتتحقق هذه 
الغاية بالولادة وبها تحافظ الموجودات المختلفة على نسلها وامتداد جنسها. 
فهي تمثل الخلود بالجسد. إذ تخلد الموجودات بتعويض ما يفقده الجنس من 
أفراد بولادة أفراد جدد. 

وينتقل بنا أفلاطون إلى مشهد آخر وهو الحديث عمن يحملون 
بالروح على لسان ديوتيما كما ترويه لسقراطء فهؤلاء يخلقون ذرية روحية, 
هي الحكمة والفضيلة عموماًء وهنا تبدأ بتفسير التدرج في الجمال إذ ترى 
أن أعظم وأشرف فرع من فروع الحكمة الذي يتناول تنظيم الدولة والأسرة 
هو الاعتدال والعدل. فالشخص عندما يجد نفسه حاملاً تلك الصفات ولديه 
رغبة في الولادة» يبحث لنفسه عن بيئة جميلة لأطفاله إذ لا يمكنه أن 
يرضى بالولادة في بيئة قبيحة, فهو يفرح بالجمال المادي. إذا وجده بجسم 
جميل وروح نبيلة» فيبتهج لهذا المزيجء فيقبل عليه يلقنه تعاليم الفضيلة 
ويُحبب إليه الخصال التي تزين الرجل الفاضلء فيوفق في إنجاب الأطفال. 
الذين يعمل منذ زمن على إنجابهمء وبعد الإنجاب يشترك الصديقان 


في العناية بهم. فهذه العلاقة أقوى والمشاركة فيها أتم مما تكون بين 


.50-56 أفلاطون. الملادة.... مرجع سابق. ص‎ )١( 


17/6 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات افلاطون 


أبوين عاديين: فهؤلاء الأطفال يمتازون عن سائر أطفال البشر أنهم خالدون 
يفوقونهم جمالاً فالناس يفضلونهم على الأطفال الذين هم من دم ولحم. وهنا 
يتساءل أفلاطون على لسان ديوتيما مشيراً: من لا يغبط هوميروس وهزيود 
وغيرهما من الشعراء على ما خلفوه من أطفال”". ويرسم أفلاطون لنا مشاهد 
مختلفة يكشف فيها عن حب الأرواح» فيتدرج بتلك المشاهد مبتدثاً بنتاج 
الشعراء. فالشاعر عندما يجد ضالته بالجمال المادي يعبر عنه حيث يبدع 
قصيدةً تُخلد ذلك الجمالء وإبداعه هذا هو بمثابة الولادة التي تتم بفعل 
الاتصال بين جسدينء لكن هذا المولود فانء بينما أولاد الشعراء خالدونء كما 
أن نتاج الشعراء يحقق لهم المجد والخلود. فمآثر هؤلاء تخلدهم. 

بعدها يأخذنا أفلاطون إلى مشهد آخر هو مشهد الجمال بالذات كما 
يشير إلى ذلك على لسان ديوتيماء حيث يبين أن من يطلب الجمال بالذات 
عليه أن يأخذ نفسه منذ الصغر بتأمل الجمال الإنساني وصولاً إلى الجمال 
المطلقء مبتدثاً بالجمال المادي لشخص ماء فيدرك أن الجمال الذي يتجلى في 
جميع الأجسام. هو جمال واحدء وعندها يحب الجمال المادي بصورة عامة. ثم 
ينتقل إلى مرحلة سمو جمال الروح على جمال الجسد. فيبدأ بتأمل الجمال 
الذي يظهر في الأعمال والنظم المختلفةء فيعي ترابط الجمال فيها بعضه 


ببعضء فيكتشف ضآلة الجمال المادي مقارنةً بالجمال الروحي. ويواصل أفلاطون 


.37 أفلاطون, الملادة... مرجع سابق» ص‎ )١( 


١ا/كآ‎ 


نعلا الاشطورة اللفلاطونية 


الحديث عن جمال الحب على لسان ديوتيما بحديثها مع سقراط إذ تخبره بأن 
المرء الذي قطع هذا الشوط في أسرار الحب متجهاً بفكره إلى نماذج الجمال 
وفقاً للترتيب الذي ذكرناه. سوف ينكشف له في آخر الطريق جمال فذ في 
طبيعتهء هو غاية كل المراحل السابقة. جمال خالد لا يجري عليه كون أو فساد. 
ولا يجوز عليه نمو أو ذبولء إنه ليس جميلاً من ناحية وقبيحاً من ناحية أخرى. 
وليس جميلاً في آن وقبيحاً في آن آخرء ليس جميلاً في مكان وقبيحاً في مكان 
آخرء ليس له شبه في جمال وجه أو يدين أو جسم. أو بجمال فكرة أو علم. 
فهو جمال مطلق لا يوجد إلا بذاته وكل شيء جميل يشارك فيه". يفسر أفلاطون 
هنا غاية الحب وهي الوصول إلى الجمال المطلق من جانبء ومن جانب آخر 
يؤكد تلك الغاية التي لا تتحقق للإنسان دون التدرج بالانتقال من الجمال المادي 
المتمثل بجسد معين إلى الجمال المادي لجميع الأجسام, ثم الانتقال إلى الجمال 
الخلقي المتمثل بالقوانين» فجمال العلوم المختلفة. وصولاً إلى الجمال المطلق, 
حيث يعرف في نهاية هذه المراحل ماهية الجمال المطلق. فالحب في المأدبة 
ينقلنا من جمال العالم المادي إلى جمال العالم المعقول. من عالم الفناء إلى 
عالم الخلود. من عالم التغير إلى عالم الثبات. 

ويعود أفلاطون فيناقش موضوع الحب في أسطورة أخرى 


مبيناً لنا كيف يعمل الحب على إبعادنا عن العالم الحسيء فيصور 


.19-58 أفلاطون. الملادة.... مرجع سابق. ص‎ )١( 


يفنا 


تؤيل الأسطورةي كتادات أقلاطون 


بأسطورة المركبة المجنحة طبيعة النفس كما يرى فيلر (#الد). وهي مركبة 
مؤلفة من جوادين مجنحين وسائق يقودهماء فأحد الجوادين أصيل وديع» 
وهو متلهف لحمل الروح إلى الأعلى: والآخر سيىء وعنيدٌ. فمبدأ الحب كما 
يرى يكون بتدريب الجواد العنيد على العدو بانسجام مع رفيقه الوديع: وعند 
نجاحه في هذا فإنه يحمل المحب والمحبوب بعيداً عن عالم الحسء إلى 
عالم البهجة المطلقة". أي إن مهمة الحوذي تكمن في خلق الانسجام في 
شرك الجواديق: معاء التفبجا "مكقاتين مدا لأدامرف تفستى أشر اق :ميمة العقل 
هي تحقيق الانسجام بين القوة الغضبية؛ والقوة الشهوانية بخضوعهما لأوامره. 

يحاول أفلاطون في هذه الأسطورة «المركبة المجنحة» أن يبدع مشهداً 
آخر - كما يشير «فرديناند ألكييه» - يصور فيه الحب الذي نستعيده من ذكرى 
سابقة. حيث يشرح كيف أن النفوس البشرية التي كانت قديماً تتبع موكب 
الآلهةء وكيف سقطت على الأرضء فعندما تكون على الأرضء وترى صورة تذكرها 
بما رأته في السموات التي عاشت فيها سابقاً تصاب بالهذيان وتنتابها رغبة 
في الطيران إلى العالم العلوي. وهذا كله يتم بفعل الحبء فالحب في هذه 
الحياة هو تلك الرعشة التي تأتينا من ذكرى حياة سابقة» فتغرينا بالأمل في 


الحياة الحقيقية.ء وهي وحدها التي تهب معنى لوجودناا". ويمكن أن نقرأ في 


)0( :00 4صة غأهآآ بإسمعآآ1 ,بوطممدماقاط ره بماك 4 رفظ معللبظ 


.136-77 مم ,1952 عاتملا بوك8 ممخغنلظ لعستع]1 
() فرديناند ألكييه» معنى الفلسفة. ترجمة حافظ الجمالى. منشورات اتحاد الكتاب العرب. دمشق» 


8 ص لالا. 


1,4 


اعلا الشطورة الأقلاطونبة 


هذا النص أن موقف أفلاطون الأخلاقي يتصل بنظرية المعرفة عنده. بل هو 
مستمدٌ منهاء فالأخلاق أو الفضيلة, تستلزم المعرفة وهو مبدأ سقراطي. لكن 
المعرفة عند أفلاطون هي تذكرء فالنفس تتذكر عالمها السابق» وتستعيد تجاربها 
التي مرت بهاء والتي اكتنفها النسيان حين هبطت إلى العالم الأرضيء والتذكر 
قوامه الحبء لأننا بالحب نستعيد عالمنا المنسيء بأن نستجيب لأشواقنا إلى عالم 
عرفنا به الماهيات الحقيقية, واقتربنا فيه من الجمال المطلقء واستعادة النفس 
عالمها السابق يعكس مدى حبها إياه وتعلقها به. إن الربط بين المثال الذي 
هو شكل المعرفة الكاملة, والأخلاق التي هي معيار السلوك الكامل» والحب 
الذي يمثل شوق الإنسان إلى معاودة العيش في ظل كماله. يجعل من نظرية 
أفلاطون الأخلاقية خلاصة كل مواقفه الفلسفية 


ثالثاً: البُعد الكوسمولوجي 

نقصد بهذا المبحث رؤية أفلاطون إلى نشأة الكون التي حاول فيها 
أن يتلمس لها تفسيراً في الأساطيرء ينسجم مع نظرته التي فسر بها نشأة 
المخلوقات في هذا الكونء وما يجري فيه من تغيرات. بيد أن اختلاف المواقف 
من تفسير أفلاطون للطبيعة وحصر تلك الآراء وخصوصاً في محاورة طيماوس, 
قادنا لعرض ذلك الموقف قبل الولوج في عرض رؤيته الكونية كما صورها في 
الأسطورة. 

قدم أفلاطون تفسيره للطبيعة في عدد من مؤلفاته: كالقوانين, 
وطيماوسء وفيليبوسء وفايدروسء وبروتاغوراسء. وقد اختلفت الآراء 


حول تفسير أفلاطون للعالم الطبيعيء. فهناك من رأى أن دراسة 


1١/6 


تايل السطورة يخ كتإدات أقلاطون 


أفلاطون للعالم الطبيعي قد اتخذت اتجاهاً غائيا ومنهم أميرة مطرء فأفلاطون 
لم يهتم بمعرفة العالم وتفسير حقيقته كما يهتم العلم اليوم للسيطرة على 
الطبيعة أو التكيف معهاء بل لتوضيح الحقيقة المثالية العلياء حيث يتم للنفس 
الإنسانية تحقيق السعادة والطهارة بالاقتراب منها'". وغاية أفلاطون من دراسة 
العالم الطبيعي هي الكشف للنفس الإنسانية حقيقة المثلء فتتم للنفس 
السعادة باقترابها منها. 

وهناك مواقف أخرى تتصل بموقف أفلاطون من العالم الطبيعيء 
فكوبلستون يعتقد أن فلسفة أفلاطون الكوسمولوجية تكمن في محاورة 
طيماوسء فهي المحاورة الوحيدة التي موضوعها العلم؛ والتي تروي قصة تكون 
العالم المادي ومولد الإنسان والحيوان”. أي إن كوبلستون يرى بأن جميع آراء 
أفلاطون في العلم حُصرت في هذه المحاورة. 

ونجد موقفاً آخر يُظهر لنا الارتباط بين العلم الطبيعي والسياسة 
والأخلاق. فهذه المحاورة رغم أنها - كما تشير مطر - تعد دائرة 
معارف للعلم الطبيعي لدى أفلاطون إلا أن لها أهمية كبرى تتصل 
بأفكاره السياسية والأخلاقية. إذ قصد من وراء كتابتها تقديم تصوره 


عن مدى الارتباط الوثيق بين طبيعة الكون وطبيعة الإنسان”. أي إن 


.7١١ أميرة حلمي مطرء الفلسفة عند اليونان.... مرجع سابق» ص‎ )١( 
فردريك كوبلستونء تلريخ الفلسفة المجلد الأول ص 80 وانظر أيضاً برتراند رسلء تاريخ‎ )0( 
الفلسفة الغريبة. الكتاب الأول ص ع"*7.‎ 


(7) أميرة حلمي مطرء الفلسفة عند اليونال.... مرجع سابق» ص .7١/‏ 


14 


أنعاد الأسطورة الاقلاطونة 


هذه المحاورة لم تقدم فقط عرضاً وافياً لنشأة الكون. بل إن أفلاطون قد زج 
فيها بعض أفكاره السياسية والأخلاقية. 


تبدأ المحاورة بتلخيص سقراط للكتب الخمسة الأولى من الجمهورية. عن 
الدولة المُثلى» وخير الرجال فيها هم الذين يمثلون الحكومة الفُضلى, كما يرد 
ذكر الطبقات, وواجبات كل طبقة, والتربية الملائمة لهاء وكيف يتحقق الانسجام 
بين الطبقاتء وأشار إلى الزواج والإنجاب والتربية'". وربما أراد أفلاطون بهذا 
أن يبين الصلة بين العلم الطبيعي والسياسة من طرفء. ومن طرف آخر ريما 
أراد أن يُذكر بتطلعاته السياسية. وخصوصاً أنه يبدأ بعد ذلك بسرد أسطورة 
أطلنطس. 

وينتقل أفلاطون بعد ذلك لسرد تفاصيل أسطورة أطلنطسء ويرى بربارة 
أن بينها وبين بقية المحاورة صلة. «فغرابة تلك الرواية قد أضفت على كل 
ماجاء بعدها جواً سرياً خياليا»» فبفضلها غمر الشعر بنوره أكثر الأجزاء دقة 
علمية وتجريداً فزادها رونقاً وبهاة", أي إن هذه الأسطورة جعلت من موضوع 
المكاورة الحاف الصعن موفيوعا سليا. 

يروي أكريتيس (655اءن) تلك الأسطورة لسقراط مؤكداً أنها قد 


رُويت من قبل سولون (2ه10ه2)5» وهو قد سمعها من أحد الكهنة 


المصريينء وسمعها كريتيس من جده عندما كان في العاشرة من عمره 


.146-187 أفلاطونء الطيماوس وأكريتيس... مرجع سابقء ص‎ )١( 


[فة م.ن.ء ص كث. 


18١ 


اويل الأسطورة يي كتإبات أفلاطون 

بمناسبة عيد الأباتوريا (دنسهدمم).» حيث أنشدت عدة قصائد لعدد من الشعراء فأشار 
أميناندر (»4معهرسة) أخو كريتيس لجده بأن سولون هو أحكم الحكماء. وهو أجود 
الشعراءء فعلق الشيخ على ذلك بأن سولون لو لم يتوجه إلى الشعر للتسلية: ولو أنه 
لم يضطر إلى إهماله بسبب الاضطرابات. لما فاقه أحد من الشعراءء لا هوميروس» 
ولا هزيود. ولا غيرهم. ثم أخذ بسرد ما سمعه عن سولون, ذاكراً أنه قد تحدث عن 
أجل مأثرة جرت في أثيناه وقد سمع سولون بها من أحد الكهنة المصريين الذي 
ذكر مآثر أثيناء التي كانت مزدهرة في العصور الماضية, قبل أعظم فيضان انتاب 
البشرء إلا أن أعظم مآثرها كانت تصدي أثينا لجيوش أطلنطس وقهرهم”". ويبدو 
أن أفلاطون أراد بهذه الأسطورة التي استهل بها محاورته العلمية أن يربط فيها بين 
الدولة المثالية التي طرحها في الجمهورية» والعودة للتذكير بها على لسان سقراط 
كما جاء بدعوته لاستعادة حديث البارحة مع بقية المتحاورينء وهي الدولة التي 
وضع لها أفلاطون شروطاً لازمة لتحقيقهاء كما أنه أراد برواية هذه الأسطورة أن 
يشير إلى مسألة أن دولته المثالية التي تطلع إلى تحقيقها كان لها نموذج واقعي 
تمثل بأثينا الغابرة التي روى سولون مآثرها عبر الأسطورة التي سمعها من أحد 
الكهنة المصريينء وأراد أفلاطون بسرد هذه الأسطورة نقد أثينا الحاضرة التي 


فقدت كل مآثر مجدها التليد. إن ما عرضه أفلاطون على لسان سقراط باستعادة 


)00 6 -444 مم مأقك.م0 ....متواط ره دعناوه!!0[ :11 111 ,كلاء ©1171 ,مأقاط 


وانظر أيضاً أفلاطون: الطيماوس وأكريتيس.... مرجع سابقء ص 198-188. 


18 


نعلا اللسطورة القلاطونة 


ما جاء ذكره في الجمهورية وما ذكره أكريتيس عن أسطورة أطلنطس. ما هو إلا 
تمهيد لموضوع الحوارء وهذا يشير إلى أن أفلاطون لم يكتف بالتذكير في أية 
مناسبة كانت بأحلامه السياسية بالدولة المثالية, والتعبير عن المشكلات التي 
يناقشها بغض النظر عن طبيعتها. سواء أكانت سياسية أم جمالية أم علمية...إلخ» 
بأسلوب أدبي يمتاز بالشفافية والجمالء يعكس التناغم بين الشعر والفلسفة. 

يأخذ «طيماوس» رواية تاريخ العالم, فيبدأ أولاً بالتمييز بين ما هو كائن 
ولا حدوث له. والمحدث دوماً وغير الموجود أبداً فالأول يدرك بالفكر والثاني 
يعرف بالظن. ثم تساءل لأية علة أوجد صانع العالم الصيرورة والكون كله؟ 
إن العلة وراء ذلك هي أنه كان صالحاً والصالح لا يشوبه حسد من أي شيء. 
ولما كان كذلك أراد أن تكون الأشياء قدر المستطاع شبيهة به". يبدأ أفلاطون 
الحديث عن نشأة العالم على لسان طيماوس بالتمييز أولاً بين الكائن الكامل 
والكائن المحدث, أي الناقص المتغيرء ثم يبحث وراء العلة التي من أجلها وجد 
الكون من قبل الصانع. 

وينتقل أفلاطون بعد حديثه عن الموجود الكامل والموجود 
الناقص. وأسباب نشأة العالم إلى الحديث عن الكيفية التي نشأ 
بها العالم» فالعالم كما يرى تولد بالانتقال من الفوضى إلى النظام 


بتدخل الإله الذي أراد أن تكون جميع الأشياء جيدة. ولا يكون بينها 


)١(‏ أفلاطونء الطبماوس واكريتيس...ء مرجع سابق» ص ع:7. 


18 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 
شيء خبيث, فأراد الإله النظام لأنه حالة أفضل من حالة الفوضى"". فالبداية 
إذن كانت دخول النظام في العالم. 

ويستمر أفلاطون في عرضه لكيفية تكون مخلوقات هذا العالم» فيشير 
على لسان طيماوس بأن المُحدث هو جسم مرئي كوّنه الإله من العناصر 
الأربعة» الماء والهواء والنار والتراب» ثم نظم الإله العالم فجعله متكاملاً من 
جميع العناصر, فهو لا يهرم ولا يمرضء وقد أعطاه شكلاً مناسباً له إذ منحه 
شكلاً كروياًء هو أكمل الأشكال. ووهب له حركة دائرية» فهو يدور على نفسه. 
ثم مَنْ الإله على العالم بالنفس فجعلها الإله وسط جسم العالم حيث تتخلله؛ 
وتحيط بجميع أجزائه". يظهر هذا النص متطلبات نشأة العالم كما يراها 
أفلاطونء والتي تتمثل بالمادة الأولى» وهي العناصر الأربعة» والشكلء والحركة, 
والنفسء كناية عن الحياة. 

ثم يواصل أفلاطون على لسان طيماوس سرده لنشأة العالم الذي جعله الإله حياً 
بالنفسء وبعدها شرع الإله في إيجاد الكائنات حيث صورها على طبيعة مثال العالم, إذ 
أراد الإله أن يكون هذا العالم متضمناًكائنات شبيهة للمثلء وهي المثال الأول وهو جنس 


الآلهة السماويء والثاني هو جنس الطيور الطائرة في الهواءء والمثال الثالث هو الصنف 


.ا١١ أفلاطونء الطماوس واكريتيس, مرجع سابقء ص‎ )١( 


(؟) م.ن.. ص 5١5‏ وما بعدها. 


ع1 


نعلا الاشطورة اللفلاطونية 


المائي, أما الرابع فهو الجنس الذي يمشي على الأقدام والبري”". والتدرج من الأعلى 
هو الأنسب عند عرض مسألة نشأة العالم. 

وبعد حديث أفلاطون عن نشأة العالم وكيف نظمه الإله الصانع» وأوجد 
مخلوقاته ومن عليها بالنفس مبدأ الحياة والحركة. فهي تعد الجزء الخالد في 
الكائن الحيء ثم أوعز الإله الصانع إلى بقية الآلهة أن توجد الجزء الفاني 
من الكائن الحي. يقول: «وبعد زرع الأرواح كلف الآلهة الجدد أن يصوروا 
الأجساد المائتة»". إن الإله «الصانع» أوجد للمخلوقات الحية الجزء الخالد 
الذي لا يزول» بينما أوجدت بقية الآلهة الجزء الفاني الذي لا يدوم. 

إن النفس تبدو حادثة في محاورة طيماوسء بينما قدم أفلاطون تصوراً 
آخر للنفس - كما ترى مطر - أكد فيه ما جاء في محاورة فيدون وفايدروس 
أن النفس كانت منذ الأزل تعيش مع الآلهة في العالم العلوي فكانت تشاهد 
المثل الخالدة'". صحيح أن هناك موقفين مختلفين عن كون النفس قديمة 
تعيش مع الآلهة. وأنها مخلوقة. إلا أننا نعتقد أن أفلاطون وخصوصاً في 
فايدروس يبرر كيف هبطت النفس من العالم العلوي وحلت بالجسد. بسبب 
عدم قدرتها على متابعة الآلهة. فثقلت أجنحتها وسقطتء أما في طيماوس 


فنرى أن أفلاطون وبعد أن أنشأ الصانع الكائن الحي. زرع فيه النفس 


)0( « ماكق.م0 ...1116 1:1 ,كلاء 11714 ,مغه1ط 
() أفلاطونء الطماوس واكريتيس... مرجع سابق» ص 767. 


(9) أميرة حلمي مطرء الفلسفة عند البونال.... مرجع سابقء ص .7١١‏ 


16 


تؤيل الأسطورة كتادات افلاطون 


لتكون مبدأ الحياة والحركة. ويبدو أن أفلاطون كان مضطراً لمثل هذا القول 
فلولا وجود النفس لم تكن هناك حياة ولا حركة. هذا يعني أنها سقطت في 
فايدروسء. وحلت بالجسد لخطأ صدر عنهاء أما في طيماوس فالصانع هو الذي 
أوجدها في الجسد المادي. ولكنها في الموقفين جعلها أفلاطون خالدة. 

أما الثنائية التي ناقشها أفلاطون في طيماوس بفصله بين النفس والجسد 
فقد طرحها أيضاً في محاورة السفسطائي. حيث يشير على لسان الغريب إلى 
حديثه عن المثل بأننا نشترك في الصيرورة» وذلك عن طريق الجسد بوساطة 
الإحساس, ونشترك في الوجود الواقعي عن طريق الروح, فالوجود يبقى أبداً 
على حال واحدة: أما الصيرورة فتعني عدم التوقف عن التحول من حال إلى 
حال'". ذلك أن الروح ثابتة والثبات يشير إلى الكمالء أما الجسد فهو في حالة 
تغير دائمء وهذا يؤكد نقصه. 

ونتوقف في طيماوس أيضاً لمعرفة الصلة بين الصانع الذي أبدع 
العالم» وبين مثال الخير الذي يعد مصدر جميع الموجودات - كما 
طرح أفلاطون ذلك في الجمهورية- وفي هذا الشأن يقول لفجوي: 
«ذهب عدد من المفسرين إلى أن الخالق الذي يتجلى في طيماوس 
إنما هو تجسيد شعري لتلك الفكرة. أو كما فسرها الأفلاطونيون 
)١(‏ أفلاطونء السفسطائيء تحقيق وتقديم أوغست دييسء ترجمة الأب فؤاد جرجي بربارة, 

منشورات وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي: دمشقء 2,0559 ص .101-10١‏ 


181 


نعلا الاشطورة اللقلاطونية 


المحدثون. انبثاق عنه أو إله ثان يمارس الواحد المطلق الكامل من خلاله 
عملية خلق العالم»'". ويعتقد لفجوي أن أفلاطون عمل على تجسيد فكرة 
الخير بطرحه فكرة الصانع أو الخالق كما وردت في طيماوس. هذا يعني أن 
الصانع هو إله ثانٍ يمارس من خلاله الخير المطلق عملية إيجاد العالم. وريما 
يكون أفلاطون بهذا أراد أن يظهر الفرق بين العالم العقلي والعالم الحسيء 
بين عالم الكمال وعالم النقص,ء لذا لا يمكن أن يتدخل الخير المطلق في 
إيجاد العالم المادي بصورة مباشرةء بل يتم ذلك بصورة غير مباشرة عن طريق 
الصانع الذي هو إله ثان. 

وقد شغلت فكرة العناية الإلهية أفلاطون. فهي كما يرى تحيط العالم بكل 
تفاصيله. ونظراً إلى أهميتها فقد أكدها في عدد من محاوراته. فطرحها في 
مخاورة فلوس غتدما سال سقراط زروكاركوس (فسعفرهءة) عم تدغوة كونا 
هل ترك ليوجه من قبل اللامعقول والصدفة والاتفاق» أم أنه على العكس من 
ذلك كما يذكر أجداذنا بأن-عقلاً وحكمة رائعة تنظعه وتسوسه". هذا تأكيد 
من أفلاطون على العناية الإلهية للعالم. 


ويواصل أفلاطون تأكيده على فكرة العناية الإلهية عندما عاد 


)١(‏ آرثر لفجوي: سلسلة الوجوه الشّرىء ترجمة ماجد فخريء دار الكاتب العربي نشر بالاشتراك 
مع مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشرء بيروت-نيويورك. 1556 ص 61-/ا1. 


[فة .618 « ماك.م0 ....©111 101 ,كلاء 1172 ,51960 


/ا14 


تايل الأسطورة يخ كتادات أقلاطون 


إلى طرحها في طيماوس وفي القوانين على لسان الأثيني الذي يشير بإصرار إلى 
وجود الآلهة. وأنهم يعنون بشؤون البشرء فهم مهتمون بالبشرء وهم لا يحيدون 
عن الحق'". وبذلك يعكس أفلاطون إيمانه بوجود الآلهة من جانبء وإيمانه 
بأن العالم منظم كل ما فيه من قبل الآلهة. 

إن ما طرحه أفلاطون في محاورة طيماوس حول نشأة الكون الذي 
هو موضوع علمي كان مجرد افتراضات. وربما كان هذا السبب الذي دعا 
الفيلسوف برتراند رسل للاعتقاد بأن من العسير أن نميز في محاورة طيماوس 
بين ما يستحق أن يؤخذ مأخذ الجد. وما هو محض خيالء ويرى بأن ما ذكره 
أفلاطون عن الخلق حيث أخرج النظام من الفوضىء ينبغي أن يؤخذ على 
محمل الجدء. وكذلك ما ذكره عن نسب العناصر الأربعة وعلاقتها بالأجسام”". 
وهذا يعني أن رسل يقر بصعوبة الفصل في طيماوس بين ما هو جاد وما هو 
خيالء بيد أنه يعتقد أن فكرة نقل العالم من الفوضى إلى النظام» وتكونه من 
العناصر بنسب محددة تستحق أن تؤخذ مأخذ الجد. 

إن رؤية أفلاطون إلى نشأة العالم تعود إلى مراحل حياته الأولى 
فيما نرىء وليس كما ذكر لفجوي بأن أفلاطون عاد إلى البحث في 
العالم الأدنى «العالم الحسي». الذي ارتفع عنه في مراحل تفكيره الأولى 
)١(‏ أفلاطون. القوانينء نقله إلى العربية: محمد حسن ظاظاء مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب: 


.6١ 68٠ القاهرة. 2.31947 ص‎ 


م برتراند رسلء تلاريج الفلسفة الغرية.... مرجع سابق» ص ”567, 


188 


نعلا الاشطورة اللفلاطونية 


لانشغاله بالوجود المطلق". وهذا يعني أن أفلاطون ترك البحث بالعالم الحسي 
في أطوار تفكيره الأولى» بينما نرى أن أفلاطون قد انشغل بالعالم مبكراً وهذا 
الرأي تؤيده أسطورة بروميثيوس (وسدهط:ءمهمم) التي وردت في محاورة بروتاغوراسء 
حيث يقدم لنا أفلاطون فيها مشهداً يصور فيه. بصورة أكثر تفصيلاً مما ورد في 
طيماوسء كيف تكونت المخلوقات من قبل الآلهة» حيث يبدأ بسرد تفاصيل ذلك 
على لسان بروتاغوراس مشيراً إلى أنه في الزمن القديم كانت توجد آلهة فقطء 
وعندما جاء أوان إيجاد المخلوقات الفانية شكلتها الآلهة من التراب والنارء وأخلاط 
متنوعة من كلا العنصرينء وقد تمت تلك العملية في باطن الأرض”". أي إن الآلهة 
كانت تحيا في الكون وحدهاء وإنها قد أوجدت المخلوقات الفانية فيما بعد من 
المادة التي كانت موجودة في العالم «وهي العناصر الأربعة»» ويبدو أنها العناصر 
نفسها التي أوجد الصانع منها المخلوقات كما جاء في طيماوسء أي إن ما ذكره 
في طيماوسء هو تكرار لما جاء في هذه الأسطورة. 

بعد إيجاد المخلوقات. جاء وقت إخراجها إلى ضوء 
النهار.ء فأمرت الآلهة بروميثيوس وأبيمثيوس (نتءطاعصنمت)ء 


أن ففؤزيها: :وووزعوا" عليه" قنفاتها" الخاضة نوهاة. .فظلب:”«أسيمفيوس» 


.56 آرثر لفجوي. سلسلة الوجوة الكجبرى... مرجع سابق.» ص‎ )١( 
زفرة .4 « ماتك.م0 ...1116 111 ,كلاء 111114 ,0غة21‎ 


وانظر: أفلاطون» دروتاجوراسء ترجمة ودراسة محمد كمال الدين. علي يوسف. ص 00. 


169 


تاؤويل الأسطورة يخ كتدات افلاطون 


من «بروميثيوس» أن يتولى عملية التوزيع» ويقوم بروميثيوس بالمراقبة. وهنا 
بدأ أبيمثيوس عملية التوزيع فأعطى بعض المخلوقات القوة دون السرعةء وزود 
الضعيف بالسرعة» كما سلّح بعضهاء وترك الأخرى عزلاءء حيث ابتكر لها وسائل 
أخرى للمحافظة على بقائهاء فصنع بعضها ضخماً تحميها ضخامتهاء وبعض 
المخلوقات جعلها ضئيلة تتيح لها ضآلتها أن تطير أو تتخذ من الأرض جحوراً 
تكون وسيلة لها في الهرب. بهذا التوزيع مُنع أي جنس من الانقراض من جانب. 
ومُنع تدمير بعضهم من قبل بعض من جانب آخر. ثم عمل على حمايتهم من 
تقلبات الطبيعة» فكساهم بشعر كثيف وجلد غليظ يحميهم من برد الشتاء وحر 
الصيف. ويكوّن لهم من ذاتهم فراشاً طبيعياً حينما يطلبون الراحة. وهيأ لكل 
صنف الطعام المناسبء فوفر لبعضهم حشائش الأرضء وللآخر ثمار الأشجار» 
وبعضهم جعل غذاءهم جذور الأشجارء وجعل بعض الحيوانات طعاماً لغيرهاء 
وهيأ بعض المخلوقات لإنجاب عدد قليل من الذرية. وأخرى جعلها كثيرة 
الإنجاب. إلا أن أبيمئيوس نسي أن يزود الإنسان بما يمكنه من المحافظة على 
وجوده. فجاء بروميثيوس ليراقب عملية التوزيع» فوجد أن الحيوانات الأخرى 
قد زودت بما يناسبهاء بينما ترك الإنسان عاري الجسم والقدمينء ولا يملك 
مأوى ولا أسلحة للدفاع عن نفسه. ففكر بروميثيوس في وسيلة لحماية الإنسان» 


فسرق الفنون من هيفايستوس (كدطدىعقطمع11) وأثينا (عصعطئة)ء وسرق كذلك 


1 


نعلا الاشطورة اللقلاطونية 


النار. فزوّد الإنسان بهما ليساعداه على الحياة”". قدم أفلاطون في هذه الأسطورة 
تفاصيل أكثر مما جاء في طيماوس عن مخلوقات العالم التي أحاطتها الآلهة 
بالرعاية منذ البداية» فتولت الآلهة عملية إيجادهم» والمحافظة على استمرار 
وجودهم: ويظهر أفلاطون أيضاً في هذه الأسطورة أنه قد أولى التصنيف أهمية 
خاصة. وهذا الأمر أعانه على التدرج في إيجاد المخلوقات وتميزها بعضها من 
بعضء وكذلك توفير الغذاء المناسب لكل منهاء فأشار إلى وجود الحشائش 
والثمار.ء وكذلك كون الحيوان نفسه غذاء لبعض الحيوانات. 

ويرى «قرني» أن طابع هذه الأسطورة سياسي". فمن يتأمل هذه 
الأمطورة تأملاً جيداً يجد أن عملية تكون المخلوقات من قبل الآلهة ورعايتها 
لا تتضمن أي مضمون سياسيء والجزء الذي يمكن أن نعده سياسياً فقطء هو 
ذلك الذي يتصل بصراع الإنسان مع الإنسان. 

إن الصراع الذي نشأ بين بني الإنسان يصوره لنا أفلاطون في هذه الأسطورة 
بأنه يعود إلى حرمان الإنسان من الحكمة السياسية التي كانت في حوزة زوس, 
ولخوفه من انقراض البشر أرسل هرمس (مصمع]8) ليوزع عليهم المهابة والعدل. 
لتكون المبادئ التي تتبعها المدنء وقد أمر هرمس أن يوزعها على الجميع فيأخذ 
كل نصيبه, إذ لا يمكن أن توجد المدن إذا نال عدد قليل فقط من البشر نصيباً من 
)0( .4 م ماق.م0 ...1116 11 ,كلاء11719 ,مقاط 
() عزت القرنيء الفلسفة البونانية .... مرجع سابق» ص 7*9 


153١ 


تاؤويل الأسطورة يخ كتدبات افلاطون 


الفضائل - كما هو الحال في الفنون -'" أي إن الإنسان كان مهدداً من قبل 
الحيوانات التي كان أضعف منهاء كما أن الفنون التي زودهم بها بروميثيوس 
لم تعنهم على شن الحرب على الحيوانات المفترسة. وتعرضوا للتدمير بسبب 
الصراع الذي نشب فيما بينهم بسبب سوء معاملة بعضهم بعضاًء ولهذا خاف 
زوس عليهم من الانقراضء فأمدهم بالمهابة والعدالة. 

يكشف لنا البعد الكوسمولوجي كما تجلى في طيماوس وأسطورة 
بروميثيوس عمق رؤية أفلاطون إلى الكون مبيناً عملية إيجاد المخلوقات, 
وكيفية حدوثها ومحدداً سمات الموجودات في هذا العالم, كما أنه لم يغفل 
أمر المحافظة عليها واستمرارهاء وذلك من خلال تزويدها بوسائل الحماية, 
كالشعر والحوافر والجلودء وغيرها وكذلك من خلال الغذاء والتكاثر. وهذا لجميع 
الكائنات» أما الإنسان فقد أمده بالحكمة التي ميزته من بقية الموجودات, 
وكانت إحدى وسائل استمراره في البقاء إضافة إلى الغذاء والتكاثر. 

ونتوقف قليلاً في هذا البعد لتوضيح بعض المسائلء ومنها: 
-١‏ قدم أفلاطون رؤيته الكوسمولوجية في الأطوار المبكرة من تفكيره. كما 

ورد ذلك في أسطورة بروميثيوسء ثم عاد إلى البحث في هذا الموضوع 


في المراحل المتأخرة من حياته. إذ بحثه في طيماوس. 


0 44-45 م اق.م0 ...ع1 111 ركناء ©1171 ,مغقاط 


153 


نعلا اللمطورة اللقلاطونة 


"- تتفق رؤيته في المحاورتين حول أصل الموجودات» وهو العناصر الأربعة. 

“- أكد في أسطورة بروميثيوس أن الآلهة سبقت في وجودها بقية المخلوقات, 
ثم شكلت الآلهة المخلوقات من التراب والنار وأخلاط أخرى. 

ع- رؤية أفلاطون إلى نشأة المخلوقات في طيماوس تختلف عنها في 
بروتاغوراس كما وردت في أسطورة بروميثيوسء إذ إنه في بداية محاورة 
طيماوس يذكر أن المخلوقات نشأت من العناصر الأربعة, لكنه في نهاية 
المحاورة يقدم رؤية مختلفة لنشأة المخلوقات عن طريق التناسخ. 

0- قدم أفلاطون رؤيته إلى نشأة العالم مستعيناً بالملاحظة والتصنيف. وهما 
لا غنى للعلم عنهما. 

رابعاً: البُعد المجازي 
ليس خافياً على المهتمين بالكتابة الفلسفية, أن المجاز قد يكون إحدى 
الأدوات التي يستخدمها الفلاسفة. لتوضيح آرائهم وربما لإحداث نوع من 
التأثير الذي يرافق الدليل المنطقي أو الحجة الفلسفية. فقد عرفت الكتابة 
الفلسفية مجازات يمكن أن توصف بأنها مجازات فلسفية مثل الأصنام التي 

استخدمها فرنسيس بيكونء أو التطور الخلاق» أو النزوة الحية عند بيرغسون, 

أو ينبوع الضمير لوليم جيمس. ويبدو أن أفلاطون كانت له الريادة في هذا 


المجالء ويعنينا مجاز أفلاطون في هذه الدراسة لاستخدامه الغريب وغير 


137 


تاؤيل الأسطورة يي كتادات أقلاطون 


المألوف ليحدث لدينا نوعاً من الصدمة باستخدام الأسطورة التي يعرض فيها 
لنا رأياً مخالفاً لتصوراتنا المألوفة» ويريد به أفلاطون زيادة معرفتنا بذواتنا 
وما حولنا. وتنتمي دراسة المجاز إلى الدراسة اللغوية» والدراسة الأدبية على 
السواء. وقد تنتمي إلى حقلٍ يريد لنفسه أن يكون مستقلاً يدعى بالأسلوبية, 
أو علم الأساليب. 

حظي المجاز باهتمام اللغويين ونال اهتمام الأدباء والفلاسفة, فحاولوا 
تعريفه وبيان مزاياه الفكرية والجمالية. فالجرجاني عرّف المجاز بأنه كل 
كلمة أريد بها غير ما وضعت له في وضع واضعها لملاحظة علاقة بين 
الثاني والأول» ويقصد بالملاحظة هنا أنها تستند في الجملة إلى غير هذا 
الذي يُراد بها الآن”". أي إن المجاز هو كلمة أو عبارة أريد بها شيء آخرء 
غير ما وضعت له بالأساس. وتذهب الموسوعة الفلسفية إلى أن المجاز 
هو ظاهرة لغوية لها فائدة وأهمية في الفلسفة. إنها تستعمل في ميادين 
متنوعة'".هذا يعني أن التعامل مع المجاز هو تعامل مع اللغة» وهذا سبب 
استخدامه المتنوع» فحقول المعرفة المختلفة لا تستغني عن اللغة في 
التعبير عن كل ما تريد أن تطرحه من مشكلات وحلولء كما أن استخدام 


المجاز يُظهر الإمكانية المحدودة لطبيعة اللغة ووعينا العالم من حولناء ومن 


)١(‏ عبد القادر الجرجاني» سر( البلاغة علق حواشيه أحمد مصطفى المراغي بك. مطبعة الاستقامة, 
القاهرة. .١5/‏ ص 54". 
,»2 متللتمعههم عط (ع«مطصذغعك8) ععة ررطممدوملئنطط كه متلعءمماءوعمظ عط" 


34 م ربعا ,آه7١ا‏ عاتملا بومعل8 :ووعدط عع2 عط لسة .م» 


ع5 


نعلا الاشطورة اللفلاطونية 


ثم قصورهما في التعبير عما يهمنا التعبير عنه. ويذكر أيضاً أن المجاز هو اسم 
لقصة أو مثل أو أسطورة - كما يشير جميل صليبا بقوله: «هو اسم لقصة أو 
مثل أو أسطورة تستعمل فيها المجازات بحيث تجيء رموزها مطابقة في نظام 
واحد من الأشياء المعبر عنهاء فالمجاز إذن هو التعبير عن الأفكار المجردة 
بالصورة المشخصة والرموز الحسية والأفعال الجزئية»'". أي إن التعبير عن 
المجاز هو التعبير عن المجرد بالمشخصء أي بما هو مادي ملموسء ويتم 
ذلك بالقصةء أو المثلء أو الأسطورة. 

ولا يمكن لبعض التعبيرات أن تؤدي الغرض منها في التعبير عن المعاني 
المألوفة. لأنها تعبيرات مجازيةء ومنها - كما يرى وليم كري - بأن الاستعارة 
والتشبيه والتورية التي هي تعابير مجازية, لا يمكن أن تكون تعبيراً عن 
المعاني المألوفة. بل هي طريقة عامة لتكوين معنى جديد". بكلمة أخرى 
إن التعبير المجازي لا يعني عملية إبدال كلمة بكلمة أخرىء أو معنى بمعنى 
آخرء بل هو عملية خلق معنى جديد يختلف عن المعنى المألوف. 

لقد حظي المجاز كما أشرنا باهتمام اللغويين والمفكرين 


والفلاسفة. فقد تحدث أرسطوطاليس فى كتابه «فن الشعر» عن 


)0( جميل صليباء المعجم الفلسفي» دار الكتاب اللبناني» بيروث» الجزء الثاني» ص إرخانة 
(0) وليم كريء (الاستعازة والمعنى). الثقافة الأجنبية. ترجمة صفاء عيسىء دار الشؤون الثقافية 


العامة. بغداد. 77٠١5‏ العدد الرابعء ص ”6. 


110 


تاؤيل الأشسطورة يي كتإدات أقلاطون 


المجاز مُشيراً إلى أهميته. إذ يرى «أنه لشيء عظيم حقاً استعمال الأشكال 
الشعرية. وكذلك التوفيق أيضاً في استعمال الكلمات المركبة والغريبة لكن 
الشيء الأعظم من ذلك هو الإجادة في استعمال المجازء فهو الشيء الوحيد 
الذي لا يستطيع المرء أن يتعلمه من الآخرين كما أنه سمة للعبقرية نظراً إلى 
كون المجاز المتقن يقتضي بصيرة لها قدرة على الإحساس بالتماثل بين أشياء 
لا تماثل بينها»". يبدو أن أرسطوطاليس لا يُشير فقط إلى أهمية استعمال 
المجاز بل يؤكد كذلك أنه دليل على العبقرية لارتباطه بالبداهة والذكاء. التي 
يدرك .مق أخلالها الم أوعة-الشية يق أفناء لا صلة نيديا وهده: 'القدرة 
لا يتمتع بها إلا قلة من الناس. 

وانسجاماً مع موقف أرسطوطاليس يؤكد كولورج ما ذكره أرسطوطاليس عن 
أهمية المجاز فيقول: «الشعر من غير المجاز يصبح كتلة جامدةء ذلك لأن الصور 
المجازية جزء ضروري من الطاقة التي تمد الشعر بالحياة»'". أي إن كولورج يجد 
من الصعب أن يكون هناك تفكير يخلو من الصور والتشبيهات المجازية» فهي الطاقة 


التي تحيا بها النصوص. ويأتي موقف نيتشه من الاستعارة التي هي أحد التعبيرات 


)0( عطاغه 14مكل<ه ,اعوط زه أجف ك'ء[أم]وتجق ,ع «مغلنسدط للا 


.62. م ,1967,متمختر8 لمعم :ووععط مملمعمهات 
(0) إاليزابيث دروء. الشعر كّف نفهمه ونتذوقه. ترحجمة,» محمد إبراهيم الشوشء. نشر بالاشتراك مع 


مؤسسة فرانكلين المساهمة للطباعة والنشرء بيروت-نيويوركه 20971 ص 04. 


1531 


نعلا الاشطورة اللقلاطونية 


المجازية منسجماً مع الموقفين السابقين, إذ يرى بأنها تؤدي دوراً أساسياً في 
عملية الإدراك الإنسانيء لذا فإن أي تفسير مقنع للغة ينبغي أن يثمن أهميتها”". 
يبدو أن نيتشه يؤكد دور الاستعارة» فهي تمارس دوراً مهماً في عملية الكشف عن 
الوعي الإنساني. 

ونورد هنا موقفاً - على سبيل المثال - يتناقض مع الرؤى التي أكدت 
أهمية المجاز. حيث يعتبر الفيلسوف «هوبز» وأتباعه التجريبيون أن الاستعارة 
هي تزويقٌ لفظيء وإن كانت تعيننا على التعبير عن أنفسنا بقوة ووضوح مثيرء 
إلا أنها عبارة عن زخرف مملوء بالمخاطر”. مثل هذا الموقف الذي يقفه 
التجريبيون من المجاز لا يحتاج إلى عناء توضيحه. فهو ينسجم مع موقفهم 
الفلسفي الذي يرى أن المحك الرئيسي لخبرتنا يكمن في تحققه في الواقع 
مباشرة. 

بعد هذا العرض للمجاز نأتي لبيان موقف أفلاطون الذي أخرنا تناوله عمن 
سبق ذكرهء وذلك ليكون موقفه من المجاز معيناً لنا على فهم البعد المجازي في 
الأسطورة من جانبء ولتحقيق الانسجام في ذلك. 

لقد حاول أفلاطون أيضاً أن يبين خطورة الإسراف في استخدام 
المجاز. ذلك أن معظم اعتراضات أفلاطون العميقة - كما يشير 
معجم تاريخ الأفكار - كانت لحماية تصورات الدين التقليدي 


بالتعامل معه كأنه تصوير مجازيء لأن هذا التصور نفسه إذا سمح 


.6١ وليم كريء الاستعلاة... مرجع سابق.ء ص‎ )١( 


م وليم كري. الاستعلزة..» مرجع سابق. ص .6٠‏ 


/ا15 


تايل الأسطورة يخ كتإبات أقلاطون 
له بأن يؤخذ بجدية. دون نقده تكون له القوة المدمرة لإفساد الحقيقة 
والأخلاق". يبدو أفلاطون هنا رافضاً لتصورات الدين التي كانت سائدة. وذلك 
حرصاً منه على المحافظة على الدين. 

نتلمس موقف أفلاطون الناقد هذا على لسان سقراط كما طرحه في 
الجمهورية حيث يتحدث فيه عن الشعراء.ء ورفضه لجميع القصص التي يروونها 
عن الآلهة. فالشاعر الذي يمثل صفات الآلهة والأبطال تمثيلاً مشوهاً هو 
كالمصور الذي لا يشبه رسمه صورة من الأشياء. ويرفض الأقوال التي تصور 
الحرب بين الآلهة الذين يكيد بعضهم لبعض”. يتضح من هذا أن أفلاطون 
رفض كل أشكال التعبير التي تسيءٌ إلى الآلهة سواء كانت حقيقية أو مجازية. 

ومن الواضح أيضاً أن أفلاطون لم ينكر - كما يشير معجم تاريخ الأفكار 
- كل استعمال للاستعارة. أو لرسم صورة. أو كل خطاب مجازي. فهو نفسه 
استعمل مثل هذه الأساليب اللغوية لإحداث تأثير فعال في عدد من المناسبات 
في الأوقات التي يقتضي لها المقام. على سبيل المثال في محاورتي فيدون 
وفايدروسء كان على وعي بقوة مثل هذا الخطابء الذي نال تقديره أيضاًء 
وذلك على سبيل الدقة. لأن مثل هذا التقدير لأهميته جاء محاولة لإبقائه 


تحت سيطرة محكمة للمعنى الحرفي”". وهذا يشير إلى أن أفلاطون كان واعياً 


)00( 117 ,قلوة 5 “تأعططتك5 5ع امهطن) ,كمعك1 إه ماعطلا عرلا ك0 «نه 101101 


4 م« ,111 ,[/آ ,1973 ن1هملا 


() أفلاطون. الجمهورية.... مرجع سابقء ص 68 وما بعدها. 


فيه 4 م ,لتط1 


1538 


نعلا الاشطورة اللقلاطونية 


أهمية المجاز ونفوذه الذي يصعب التخلي عنه. لذا أراد التحكم فيه لضمان 
استخدامه بصورة صحيحة. وكما تقول إليزابيث درو: «إن الإحساس بحيوية 
الرمز وقوته سيبقى دائماًء فالصورة المجازية لا تقتصر على الحس وحده. ولكنها 
تولد أفكاراً وأحاسيس تتجاوزه أيضا»”". أي إن ما يتركه الرمز من تأثير لا يرتبط 
بالإحساس به فقط. أي في لحظة معينة بل إنه يمتد إلى أبعد من ذلك. 

ما يعنينا من المجاز في هذه الدراسة هو الأسطورة, فقد أصبح بالإمكان 
- كما تشير الموسوعة الفلسفية - وصفها على وجه التقريب بأنها مجاز موسع. 
يلازم المحسنات اللفظية في العبارة الطقسية أو الدرامية". يبدو أن اعتبار 
الأْمطوزة هجازا موسع] كان سيت اتعلاتها بالمخهنات اللفظية, 

نأتي بعد هذا العرض للمجاز ومحاولات تعريفه. وبيان أهميته. لتلمسه 
في الأساطير التي استخدمها أفلاطونء ونعتقد أن البعد المجازي يمكن رؤيته 
بصورة واضحة في أسطورة «خاتم جيجس» وأسطورة أو تشبيه الكهف والمركبة 
المجنحة. هذه الأساطير الثلاث التي استخدمها أفلاطون أراد بها أشياء مخالفة 
لحقائقها الواقعية. وبالولوج إلى تفاصيل ذلك الرمز الذي استخدمه أفلاطون 
تنجلي لنا الصورة التي حاول أفلاطون أن يرسمها بهذا التعبير المجازي. 

ونبداً بأسطورة خاتم جيجس.ء فالخاتم له دلالات كثيرة منها 


.٠١ اليزابيث دروء الشعر جف نفهمه.... مرجع سابق:» ص‎ )١( 
1116 81 [فة .8 م وعتلظ ,101 .كقك.«م0 ,...[امودملة[ط كره منلوءمماءب‎ 


15 


تؤيل الأسطورةي كتادات افلاطون 


دلالته على الزينة. والزينة هي زخرف. كما أنه يدل على القوة. فهو يُلبس 
في إصبع اليدء واليد على نحو ما أريد بها - كما يشير الجرجاني - فقد تكون 
للنعمة وكذلك الحكم إذا أريد بها القوة والقدرة. ذلك لأن القدرة أكثر ما يظهر 
سلطانها في اليدء فبها يكون البطشء والأخذ والدفعء والمنعء والجذب والضرب» 
وغير ذلك من الأفاعيل". هذا النص يعطي دلالتين للخاتم» هما النعمة أي 
الثراء أو الغنى وثانيهما القوة. كما يدل الخاتم أيضاً على التحكم في الأمور, 
وفي هذه الأسطورة يصور أفلاطون تحكم جيجس وسيطرته على مجريات الأمور 
بعد اكتشافه مزايا الخاتم» فكل شيء بدا واضحاً له منذ البداية فهو يسيرٌ وفقاً 
لما يريد حيث يبدأ ذلك بتطوعه للذهاب مع الوفد لمقابلة الملك ثم إغواء 
الملكة والتآمر معها على قتل الملك والاستيلاء على عرشه”". هذا النص يكشف 
عن دلالة الخاتم وهو التحكم والسيطرة على الأمورء بدأ من ذهاب جيجس مع 
الوفد كما خطط لذلك ثم مقابلة الملك؛ وإغواء الملكة» والتآمر على قتل الملك 
ثم الاستيلاء على عرشه. يبدو أن أفلاطون, أراد بهذه الأسطورة, أن يقدم لنا مشهداً 
عن الجور الذي يتمكن من صاحبه فيدفعه لما هو أعظم وهو القتلء فجيجس 
لم يقتل شخصاً بسيطاً عاديا بل إنه قتل ملكاً له أعوانه وحاشيته. والسؤال 
هو كيف تمكن من ذلك؟ ومن الواضح أن أفلاطون أراد بتصوير هذا المشهد 


.679 عبد القاهر الجرجانيء أسرلا.... مرجع سابقء ص‎ )١( 
انظر: أفلاطون. الجمهوردة.... مرجع سابق» ص ؟77,‎ 2» 


أنعاد الأسطورة الاقلاطونة 


أن يؤكد أن الشر إذا هيمن على الإنسان لاشيء يقف أمامه هذا من جانبء 
ومن جانب آخر أراد تصوير بشاعة الظلم والعدوان. 

ويقدم لنا أفلاطون تعبيراً مجازياً آخر في أسطورة الكهفء أو تشبيه 
الكهف. فالتشبيه هو أيضاً تعبيرٌ مجازي مهم وله صلة وثيقة بالاستعارة. فهو 
كما يرى وليم كري يساهم في فهم الاستعارة'". وهذه إشارة إلى تعدد الآراء 
حول الكهف بين الأسطورة والتشبيه من جانبء ومن جانب آخر يتطلب الأمر 
فهم ما يعنيه الكهف. فكما يذكر فؤاد زكريا عن الكهف بوصفه تكويناً مادياً 
يملك قدرة نادرة على إثارة خيال الإنسان. تتجلى بصورة متكررة في أنواع 
مختلفة من أساطير الإنسان وفنونه وآدابه. فهو مكان ملائم للوحي والرؤيا 
«كغار حراء»» وهو أيضاً رمز إلى حاجة الإنسان إلى المأوى والأمن وشعوره 
بالاطمئنان من مخاطر وتهديدات العالم الخارجي له. إضافة إلى ذلك فالكهف 
فيه من الغموض الذي يثير الخيال الشيء الكثيرء لذلك يُعد مصدراً للإلهام". 
أي إن رؤية الإنسان للكهف قد تعددت, فالكهف كذلك يشير إلى العزلة التي 
يلجأ إليها الإنسان طلباً للسكينة والتأملء في أمور يحتاج الإنسان للتفكير فيها 
إلى الهدوء والابتعاد عن الآخرين. ويرمز الكهف إلى السجن والظلام وغيرها. 

لقد اختلفت المواقف من أسطورة الكهف التي استخدمها 


أفلاطون. فيرى برتراند رسل أن أفلاطون من أجل أن يعيننا على 


)3( وليم كريء الاستعالاة..ء مرجع سابق» ص 67 


0) فوؤاد زكرياء هراسة لجمهورية .. مرجع سابقء ص .10٠‏ 


5 


تاؤبل الأسطورة ف كتإدات أقلاطون 


فهم نظرية المُثلء يقدم لنا «تشبيه الكهف». فأولئك الذين لا يعرفون الفلسفة 
هم أشبه بسجناء في كهف”". بمعنى أن تشبيه الكهف الذي ذكره أفلاطون 
أراد به إعطاء صورة تصبح بموجبها نظرية المُثل مفهومة. ويؤكد رسل أن 
أفلاطون قد استعان في الجمهورية بصورة تفسيرية هي صورة الكهفء ليتصور 
القارئ طبيعة الرؤية التي أرادها أفلاطونء إلا أنه مهد لهذه الصورة بمناقشات 
متعددة أراد بها تهيئة القارئ للاتفاق معه على ضرورة وجود عالم المُثل". 
نستخلص من هذين الرأيين لرسل أن أفلاطون أراد بصورة الكهف أن يعين 
على فهم نظرية المثل من جانبء ونقر بوجود عالم المُثل من جانب آخر. 
كما أن تشبيه الكهف يرتبط بالذات والموضوع معاً - كما يرى فؤاد زكريا - 
لأنه يتحدث عن حالات العارف في انتقاله من الجهل إلى العلمء كما يعبر 
عن درجات الوجود نفسه. أي عملية التدرج في الانتقال من اللاوجود المتمثل 
بالظلال إلى الوجود الحقيقي الذي ترمز إليه الشمس". بكلمة أخرى إنه يعبر 
بصورة مجازية عن المعرفة الحقيقية» وعن الوجود الحقيقي للمُثل كما يرمز 
إليه نور الشمس في الواقع. 

وهناك من ينظر إلى صورة الكهف على أنها تعبير عن رأي 


أفلاطون في التربية - كما يذكر ذلك عبد الغفار مكاوي - إذ يصور 


)١(‏ برتراند رسلء حكمة الغربء ترجمة فوؤاد زكرياء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآدابء 
الكويت. 1987 الجزء الأول ص .١١‏ 
() برترائد رسلء تلادخ الفلسفة.... مرجع سابق» ص .5١٠0‏ 


6 فؤاد زكرياء دراسة لجمهوردة.... مرجع سابق» ص 368 155. 


7 


نعلا الاشطورة اللقلاطونية 


مراحل انتقال النفس من الظلام إلى النورء من حالة نسيان الوجود إلى لقائه. 
من المعرفة التي مصدرها الحس «الظن» إلى معرفة مصدرها العقل. فالتربية 
تغير الإنسان وذلك بنقله مما تعوده إلى مجال مختلف عنه". هذا الرأي 
ينسجم مع الرأي السابق وهو أن الكهف تعبير مجازي أراد به أفلاطون أن 
يقدم مشهداً عن المعرفة الزائفة والمعرفة الحقيقية. ونعتقد أن أفلاطون أراد 
برمز الكهف أن يقدم لنا مشهداً عن المعرفة كما ينظر إليها السفسطائيون, 
فهي معرفة لا تمتاز بالثبات. أي إنها ليست معرفة حقيقية. وقد حاول أفلاطون 
من خلال ما يراه أولئك السجناء في الكهف - مما يعرض أمامهم من صور 
على الجدار المقابل لهم بفعل وجود النار خلفهم التي تعكس صور تلك 
الأشياء المختلفة - أن يشير إلى أن ما يحصل عليه أولئك الأشخاص هو مجرد 
ظل لا وجوه حقيقياً لهد كما أرات أن يؤكد ما كان يدغية السفسطائيونة: وهو 
معرفتهم بكل شيء. فما يراه السجناء من خيالات تلك الأشخاص هي صور 
من المعرفة السفسطائية. وما يدعون من معرفة هو مجرد ظن لا حقيقة له. 
والمعرفة الحقيقية لا تبدأ من داخل الكهف بل بالخروج منهء أي إنها ليست 
المعرفة الحسية الظنية, بل المعرفة العقلية اليقينية. 

وننتقل مع أفلاطون إلى يُعد مجازي آخر حاول فيه أن يقدم 


53 


0 


تؤريل الأسطورة يخ كتإدات افلاطون 
الإنسانية بأسطورة المركبة المجنحة. فهي كما يصورها بمركبة يجرها جوادان 
مجنحان. وسائق يقود الجوادين”". ربما أراد أفلاطون بهذه الأسطورة أن يجعل 
موضوع النفس المجرد يبدو وكأنه شيء مألوفء فالرموز التي استعان بها تبدو 
مألوفة لنا. 

هذه الصورة التي رسمها أفلاطون اختلفت حولها المواقف. فتشير أميرة 
مطر إلى أن الطبيعة المزدوجة غير المنسجمة للنفس الإنسانية هي سبب 
الصراع بين قوى النفس التي يرمز فيها السائق إلى النفس العاقلة. والجواد 
المطيع للنفس الحماسية أو الغضبية. أما الجواد الجامح فيرمز إلى النفس 
الشهوانية'". بمعنى آخر إن هذه الطبيعة الممزوجة للنفس الإنسانية هي 
سبب الاضطراب والصراع بين قوى النفس وعدم استقرارها على حالة واحدة. 
ولهذا يواجه سائق المركبة صعوبة في إيجاد الانسجام بين الجوادين فهو القائد 
لهماء وهو رمز للنفس العاقلة. 

إن هذا الفصل بين أجزاء النفس يقودنا إلى الصلة بين النفس 
والبدن» فهي كما يعتقد تيلور تمثل على نحو ما فكرة السيد والعبد. 
فالنفس تمثل ما هو سماويء فهي الآمر والقانون المطاع: أما البدن 


فيمثل الجزء الفاني والخادم المطيع للأوامر”. أي إن الصلة بين 


)00( م ماك.م0 ,...كتاملعقط2 ,مغو[ط 
وانظر أيضاً: أفلاطون, فجدروس.. مرجع سابقء ص .7١‏ 

0) أميرة حلمي مطرء الفلسفة عند.... مرجع سابق. ص ١17-981١؟.‏ 

6 رط0200.[ :سعتتطاعال! أرما كنط 4:14 72271 عنا1 منواط رظا.ه .رماتره1" 


.190 م ,1963 


را 


نعلا الاشطورة اللقلاطونية 


قوى النفس - كما صورها أفلاطون - ليست منسجمة وحميمة: فهناك فرق بين 
من يفرض الأوامر ومن ينفذها. إن تمييز أفلاطون بين الإمكانيات الثلاث للنفس 
بوصفها مزيجاً من الخير والشر, ينظر إليه بأنه يوحي أن أسطورة العربة قد 
أسست على رؤية أكثر قداسة للنفسء أكثر مما هو الحال في محاورة فيدون 
على سبيل المثال". يبدو من هذا أنه قد نظر إلى الامتزاج بين أجزاء النفس 
على أنه مزيج بين الخير والشرء فهي ليست خيراً مطلقاً ولا شراً مطلقاً. 

نرى أن عبارة المركبة المجنحة يمكن أن تكون إشارة إلى الجسد وهو ذو 
طبيعة مركبة تختلف حاجاته وفقاً لتلك الطبيعة, والنفس كما صورها أفلاطون 
بالمركبة المجنحة قد سقطت بالجسم بعد هبوطها من العالم السماوي. ومن 
هنا فوظائف النفس متعددة بتعدد حاجات الحجسد. فمنها العقلية. والغضبية, 
والشهوانية. 

بعد التعرف إلى مواقف أفلاطون المختلفة في محاولته إيجاد رؤية في 
الأماطير تعبر عما هو ميتافيزيقي. وقيمي» وكوسمولوجيء ومجازي. فإن ما هو 
ميتافيزيقي. وقيمي, وكوسمولوجيء يمثل مواقف فلسفية واضحة:. أما المجاز فيدخل 
في الإطار العام للشكل الذي اختاره أفلاطون لفرض فلسفته. أو جوانب معينة منها. 


فالأماطير التي استعملها أفلاطون - كما يرى وليم رايتر - تستخدم نوعا من التفسير 


)0( .190 7 ,نرهماماتام كزه لعاعيام[ اتمع عق 


تاؤبل الأشسطورة ف كتادات أقلاطون 


المجازي الموسع الذي يعد جزءاً متمماً للنقاش العام". إن اعتبار التفسير 
المجازي جزءاً متمماً للنقاش يعني أن هناك صلة بين المجاز وموضوع الحوار, 
بمعنى آخر المجاز ينسجم مع موضوع الحوار. 

كما أن الميتافيزيقي والقيمي والكوسمولوجيء يمثل ما يراه أفلاطون 
حقائق موضوعية, أما المجاز فيتصل بأسلوب العرض الذي هو ذاتي أو فيه 
الكثير من ذاتيته بطبيعته. وهو يمثل أفلاطون الأديب أو الفنان. إضافة إلى 
ذلك فإن في الأبعاد الميتافيزيقية والقيمية والكوسمولوجية. يحضر أفلاطون 
المفكر الفيلسوف بتركيز عالء أما في المجاز فيحضر أفلاطون الفنان بقدر 
لايقل عن حضور أفلاطون المفكر إن لم يزد عليه. ويبدو أفلاطون أنه كان 
موفقاً في التماس ما هو ميتافيزيقي وقيمي وكوسمولوجي ومجازي من الأساطير 
المتنوعة, والإشارة إليها في مؤلفاته المختلفة, وهذا يقودنا إلى التساؤل هل 
هذه الرؤى للأسطورة في أبعادها المختلفة كان لأداء وظيفة معينة؟ هذا 


ما سيوضحه لنا الفصل القادم. 


)١(‏ وليم رايترء الاشطورة واللأبء ترجمة صبار سعدون السعدونء مراجعة سلمان داود الواسطي. 


وزارة الثقافة والإعلام-دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد. :'23099 ص .7١‏ 


7 


الفصل الرابع 
وظائف الأسطورة الأفلاطونية 
* أولاً: الوظيفة النقدية 
* ثانياً: الوظيفة الاجتماعية 


* ثالثاً: الوظيفة السياسية 


* رابعاً: الوظيفة التفسيرية (الفلسفية) 


نا 


وظائف الاشطورة الاقلاطونة 


وظائف الأسطورة الأفلاطونية 


نحاول في هذا الفصل الكشف عن الوظيفة التي أدتها الأسطورة, كما 
استخدمها أفلاطون في فلسفته. والطريقة التي استطاع بها أن يطوعها من 
أجل الوفاء بما كان يبتغيه من أغراضء جاعلاً منها عنصراً من عناصر بنية 
الإقناع إضافة إلى استعانته بالحجج والبراهين العقلية المنطقية في طرح زرُوَاه 
الفلسفية» التي نأمل أن نزيل الحجب عنها بتحديد أغراض أفلاطون وتطلعاته 
التي سعى إلى إبرازهاء فحاول بثها وترويجها بمختلف طرائق التعبيرء ومنها 
اللجوء إلى الأسطورة وظائفها المختلفة التي حققتها في نظام الإقناع لديه 
وسوف نتناول هذا الموضوع بعرض المسائل الآتية. 
أولاً: الوظيفة النقدية 
نقد أفلاطون الكثير مما كان سائداً في المجتمع الإغريقي من أفكارٍ وآراء 
وممارساتء سواء كان لخطباء يبشرون بعقيدة معينة. أو سياسيينء أو شعراءء أو 
فلاسفة. وليس من أهداف هذا البحث إجراء مسح شامل لآراء أفلاطون النقدية, 
لأن ذلك يعني أن نتناول كل فلسفة أفلاطونء ولكن ما نسعى إليه هنا يقتصر 


على الموضوعات النقدية التي عرض لها أفلاطون مستخدماً ما يناسبها من أساطيرء 


8 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


وذلك من أجل أن تكشف عن مواقفه النقدية إزاء ما كان شائعاً في المجتمع 
الإغريقي من آراء أو عادات أو ممارساتء ومن ذلك موقفه النقدي الذي أوضحه 
في تناوله لأسطورة الكهف التي ذكرها في الكتاب السابع من الجمهورية, 
حيث حاول فيها التمييز بين المعرفة الحقيقية المرتبطة بعالم المثلء والمعرفة 
الزائفة المرتبطة بالعالم المحسوس.ء عالم الأشباح والظلال. في هذا الشأن يرى 
غثري أن نقد أفلاطون للمعرفة كما بشر بها السوفسطائيون جاء في أكثر من 
موضع من محاورات أفلاطونء ومنها محاورة بروتاغوراسء ومحاورة جورجياس. 
والسفسطائي, إذ انصب نقده على موقفهم من المعرفة ومصادرهاء وإعلائهم 
من شأن عنصر الإدراك الحسيء وقولهم بنسبية المعرفة, فالسفسطائي ليس لديه 
أية معرفة حقيقية, والمعرفة التي يدعي إدراكهاء ويدعي أن باستطاعته أن يهبها 
لمن شاء هي مجرد مهارات لغوية سواء كان ذلك في مجال الإدارة أو السياسة 
وغيرهما”". هذا يكشف لنا زيف ادعاءاتهم فهم في الواقع لا يعرفون شيئاً لأنهم 
لا يمتلكون أي شكل من أشكال المعرفة في أي مستوى من مستوياتهم: وإنما 
الذي يمتلكه السوفسطائيون مهارات لغوية لفظية يوجهونها من أجل مماحكات 
جدلية لا تكون لدى سامعيها قناعة حقيقية. 

يأتي أفلاطون بأسطورة الكهف أو تشبيه الكهف كما يسميه 


2 


بعضهم, ومنهم الفيلسوف المعروف «برتراند رسل» ناقدا أولئك الذين 


)0( إأذقةء كذمنا ,نزاممدما ةط عاءء7© كزه ب«مادقط 4 ,.ن) .1 .13 ,عتتطاني 


م ,111 ,أولا ,1969 مسمتفاتر8 أوعمدت تعمل تنطاصيةن ,ؤوءوط 


566 


وظائف الاشطورة اللقلاطونية 


يظنون أنهم على شيء من المعرفة» غير أنهم لا يعرفون شيئاً سوى الظلال التي 
تعكس على الجدار الذي أمامهم, أما المعرفة الحقيقيةء المرتبطة بالمثل فهم 
لا يحصلون على شيئ منها. يقول رسل: «ولكي يساعدنا أفلاطون على فهم 
نظرية المثل يعرض علينا تشبيه الكهف المشهورء فأولئك الذين لا يعرفون 
الفلسفة أشبه بسجناء في كهف مقيدين بسلاسل لا يستطيعون معها أن يتلفتوا 
حولهم»”". وبهذا المعنى فإن الأسطورة أو التشبيه هنا يقوم بدور الشرح 
والتوضيح لديه» فالمُثل تمثل لدى أفلاطون الماهيات الحقيقية. ومن يعرف 
الفلسفة إنما يعرف تلك الماهيات. وهذا ما يؤكدةُ بعض المعنيين بفلسفة 
أفلاطونء ومنهم كورنفورد (6:2دممن). الذي يرى بأن الجدل عند أفلاطون 
لا يقصد به بحث في المنطق الصوري «الشكلي». بل هو بحث في علم الوجود. 
حيث يُعنى بدراسة المثل أو الحقائق التي تتميز بالوجود الموضوعي التام'". 
فأفلاطون يريد بالجدل سبيل الوصول إلى معرفة الماهية الحقيقية, مميزاً لها 
من المعرفة الزائفة التي ينتقدها مشبهاً أصحابها بالسجناء المقيدين. حيث 
تقيدهم معرفتهم تلكء فلا يستطيعون الفكاك منهاء أي إنهم أصبحوا سجناء 


تلك المعارف الزائفة التي اكتسبوها بالطرائق التي أرادها لهم السوفسطائيون. 


)١(‏ برتراند رسلء حكمة .... مرجع سابقء ص 22١7‏ وانظر أيضا: 
»2 .8 ع« ,منعاط زه ععنو ملعا[ 16 ا وتاطيامء8 1116 ,متقاط 
لصة عملع كنظ ,عول»ع71مص]1 5ه بمعط 05غه2[1 ,رفظ .لتمكتصءومن 


.6 م ,1974 - 1968 عمهلممآ نلتدهط صدوع1 


51 


تؤيل الأسطورةي كتادات اقلاطون 


إن الكهف الذي رسم مشهده أفلاطون يغطي جوانب فلسفته كلهاء 
فهو مشهد أودعه أفلاطون تفاصيل فلسفته كلهاء ولم يقتصر فيه على نقد 
السفسطائيين. ونتفق مع فؤاد زكريا الذي أشار إلى أن أفلاطون في محاورة 
الجمهورية يعرض علينا تشبيهاً مشهوراً يمكن أن نعده قمة للمحاورة بأسرهاء 
بل لمذهب أفلاطون بوجه عام وربما يمثل تلخيصاً لتراث فلسفي كامل”". 
ملخص القول إن تشبيه الكهف لا يمثل الذروة في محاورة الجمهورية فقط., 
بل إنه مشهد يلخص تراث أفلاطون الفلسفي. لذا سوف نعود إليه مرة أخرى 
عند تناولنا للوظيفة التفسيرية. وذلك للكشف عن هذه الوظيفة التي أودعها 
أفلاطون استعارته هذا الكهف. 

كذلك ينتقد أفلاطون في عرضه لأسطورة اختطاف أوريثيا (مترطنءه) 
من قبل بورياس (5©:ه8) عند أنهر إليسوس (ددهدنلة)ء حيث يبدأ أفلاطون 
نقده اللاذع للسفسطائيين في مشهد يدور الحوار فيه بين سقراط وفايدروس» 
لكشف النقاب عن ادعاءاتهم الزائفة. إذ يسأل فايدروس سقراط قائلاً: 
«أتوسل إليك يا سقراط أن تخبرني هل تؤمن بهذه الأسطورة؟». فيجيبه 
سقراط ساخراً من السفسطائيين مشيراً إلى أنه ربما يملك تفسيراً عقلانياً 
لهذه الأسطورة. وهو أن «أوريثيا» عندما كانت تلعب مع فارمسيا (مءمسعدمم) 
دفعتها ريح الشمال بورياس من فوق الصخور المجاورة للشاطئء ومن 


طريقة موتها هذه قيل إن بورياس خطفها بعيدا. ويواصل سقراط مؤكدا 


.١67 فؤاد زكرياء دراسة لجمهورية .... مرجع سابقء ص‎ )١( 


لض 


وظائف الاشطورة اللقلاطونية 


أنه لو سلم بصورة تامة بأن هذه التشبيهات دقيقة, فإنه لا يحسد من يخترعهاء 
لأنه بحاجة إلى جهود كبيرة لتفسير أساطير أخرى'". بمعنى آخر إن من يقبل 
هذه التفسيرات يكون بحاجة إلى بذل جهود أكبر لتفسير أساطير أخرى على 
شاكلتها. إنه على وعي تام بأن الأساطير بوصفها بنية خاصة. لها منطقها الخاص 
الذي يكشف عنه التأويل. 

ويستمر أفلاطون في تهكمه بطريقة السفسطائيين في تعاملهم مع 
الحقائق» فيخبر سقراط فايدروس أنه لا يضيع وقته في تفسيرات كهذه. لأنه 
كناتيزق :يع :عليه .أولا أن يعرف “نفسة كما .تقول الحكمة المتفوشة عان 
معبد دلف (ههدنطماء0). وهنا تبدو سخرية أفلاطون واضحة حيث يؤكد على 
لسان سقراط أنه لأمر مثير للضحكء حينما يدعي من يجهل نفسه أن يبحث في 
أشياء غريبة» أو فيما هو غريب عنه'". خلاصة القول أن أفلاطون يرفض متهكماً 
محاولة السفسطائيين تفسير الأمطورة تفسيراً عقليا عندما ادعوا أن ريح الشمال 
دفعت أوريثيا في النهرء ومن موتها نشأت أسطورة اختطافها على يد بورياس. 
فسخرية أفلاطون منهم ونقده لهم واضح وذلك لسببين, الأول: محاولتهم إضفاء 
تفسير عقلاني على شيء يجهلونه تماماً وهو طبيعة الأمطورة. فعندما تصبح 
الأسطورة عقلانية تفقد طبيعتها فلا تعود أسطورة. هذا من جانبء ومن جانب 


آخر فإن أفلاطون يسخر منهم لأنهم لا يعرفون أنفسهم. فكيف لمن يجهل 


)0غ( .16 م ,علاموء12(© ,مقاط 


00 .16 م ,كذط1 


5 


تاويل الأسطورة يخ كتإدات اقلاطون 


تقبيه آن يعرف ما هواغريب عت فالمعرفة تدأ أولاً كما يرئ سقراط. بمغرفة 
النفس «اعرف نفسك». 

لم يقتصر توظيف أفلاطون للأسطورة على نقد المعرفة الزائفة فقطهء ولا 
حتى عن كشف ادعاءات السفسطائيين بإحاطتهم بحقول المعرفة المختلفة, 
بل انتقد أفلاطون كذلك الوضع السياسيء موظفاً الأسطورة لتعرية ذلك الوضع 
بكل مفاصله وجزئياته. فنراه في «أسطورة كرونوس» يعرض لنا مشهداً يميز فيه 
بين عصرين مختلفين أحدهما يتصف بالكمال والآخر خلافه تماماً. ميز أفلاطون 
ب«أسطورة كرونوس» - التي ذكرها في محاورة رجل الدولة وكتاب القوانين - بين 
مرحلتين مرت بهما البشرية الأولى تمثلت بعصر «كرونوس» الذي كان الناس فيه 
يعيشون تحت حكم الآلهة, كما تعيش الأسرة الواحدة. تمدهم الأرض بخيراتهاء 
ويرقدون تحت السماء. أما المرحلة الثانية فهي تلك المرحلة التي ابتعد فيها 
الإله عنهم”». فعانى الناس فيها العجز والشقاء. إذ أصبحوا عرضة للوحوش إلى 
أن أشفق الإله عليهم فيما بعد. فأعطاهم الإله «بروميثيوس» النار ومنحهم الإله 


«هيفيستوس» والإلهة «أثينا» الفنونء كما منحوا البذور والنباتات من آلهة أخرى» فبدأ 


(*) يشرح أفلاطون لماذا حدث هذا التغير وابتعد الإله عنهم بقوله على لسان الغريب: (الثبات 
المطلق على حال واحدة وعدم التغير هو من خصائص الأمور الإلهية المقدسة وحدها وليس 
الجسد منها في شيء. وأن ما ندعوه كوناً وسماءً قد أعطاه خالقه مزايا كثيرة ولكن له طبيعة 
الجسد. ولذلك لابد من أن يطرأ عليه التغير والتبديل). أفلاطون. رجل الدولة. ترجمة أديب 


نصورء ص 07. 


1 


وظائف ااشطورة اللقلاطونية 


الناس يحملون أعباء الحياة وبدأوا التخطيط لحياتهم". لعل أفلاطون يسلط نقده 
هنا على الوضع السياسي لأثينا التي عاصرها وما تعانيه من مشكلات مقارنة بأثينا 
الغابرة وما عرفته من أمجاد. حيث يمثل عصر كرونوس عصر الطمأنينة والسلام, 
فليس هناك صراع بين البشر بعضهم مع بعضء ولا بينهم وبين بقية المخلوقات, 
وذلك لعدم وجود مبرر لهذا الصراع فكل ما هو موجود مشاع للجميع: كما لا يوجد 
نقص في الخيرات التي يحتاجون إليها. بيد أن عصر كرونوس هذا لم يدم. فكل 
شيء قد تغير بتغير الكونء فأخذ الصراع يدب بين المخلوقات: فتهددت حياة 
بعضها ومنها حياة البشرء لضعفها أمام المخلوقات المتوحشة. 

ويمكن القول إن أفلاطون قد وظف هذه الأسطورة لنقد ما يحدث 
في المجتمع من تغيرات. موضحاً أثرها فيه وخطورتها على حياة البشر, إذ 
يبتعد المجتمع فيها عن كماله الأول. فأفلاطون - كما يشير كارل بوبر - يرى 
كل تغير في الأشياء يجعلها تسير باتجاه فقدان كمالها الأول بالدرجة نفسها 
التي تتغير فيهاء وبمقدار ما ينقص تماثلها مع أصلها". فأفلاطون يرفض 
التغيير والتبديل: لأنه يبعد الأشياء عن كمالاتها التي هي أصولها الأولى. 
فلا تعود مماثلة لأصلهاء فكل تغير هو تراجع وابتعاد عن الأصل أي عن 
المثال. فكأن المجتمعات الإنسانية نشأت كاملة ثم بدأت تتراجع عن الأشكال 
)١(‏ أنظر: أفلاطون. رجل الدولة ص 11-0#. وأنظر كذلك أفلاطون القوانين» ص .59١-7«٠‏ 
05 4ه «عأكلاقا ,كع 1 ءارق[ كاز 4اته نزاءاء50 تعمه 1116 ,1.18 .تعممهم 


.5 م ,7012 ,1966 ,»© لكل ,يسمت غ8 غوء م0 جرع 11 


50 


تايل االسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


الأولى للكمال كلما تعرضت للتغيرء وكأن التاريخ في نظره يمثل خط تراجع 
الأفراد والمجتمعات الإنسانية. أو خط تراجع الإنسان لا مسار نموه وتقدمه 
أو تطوره. المستقبل مظلم والحاضر أشكال ناقصة معيبة» وكل أمجاد الإنسان 


ثانياً: الوظيفة الاجتماعية 

هناك من الشواهد ما يجعلنا نعتقد أن الجانبين الاجتماعي والسياسي 
يتداخلان في فلسفة أفلاطونء إذ إن رؤيته للمجتمع والتغيرات التي يمر بهاء 
أو التي تطرأ عليه لا تنفك عن رؤيته السياسية التي سعى أفلاطون فيها إلى 
«شفاء المجتمع» من الأمراض التي يعانيهاء وذلك بإصلاح الحاكم الذي يسوس 
ذلك المجتمع. كما نرى بأن موقف أفلاطون الاجتماعي والسياسي الذي حدد 
فيه الأواصر التي تربط بين أبناء المجتمع» ومسؤولية كل فرد فيه والنظام 
الذي به يقود الأفراد لتحقيق الدولة المثالية التي أراد لها أن تكون نموذجاً 
يحتذى, إنما جاء انعكاساً لما شهده المجتمع من فساد وتراجع, مُنيت به 
الدولة. فيقول: «انتهيت أخيراً إلى الاقتناع بأن حالة الدولة الحاضرة كلها 
سيئة» وأنها تحكم حكماً يدعو إلى الرثاءء وأن دساتيرها المريضة لا يمكن أن 
يشفيها إلا إصلاح يتم بمعجزة ويؤيدها حسن الحظ. وهكذا وجدتني مدفوعاً 
إلى الاعتراف بقيمة الفلسفة الحقة والتحقق من أنها هي وحدها التي تمكن 
الإنسان من معرفة العدل والصواب الذي تصلح به الدولة والحياة الخاصة, 


وأن الجنس البشري لن يتخلص من البؤس حتى يصل الفلاسفة الحقيقيون 


"11 


وظائف الاشطورة اللقلاطونية 


الأصلاء إلى السلطة, أو يصبح حكام المدن بفضل معجزة إلهية فلاسفة أصلاء»". 
إن اقتناع أفلاطون بتردي أمور الدولة ونظام الحكم فيها على الخصوصء إضافة 
إلى دستورهاء جعله يفكر في حل جذري أسماه ب«المعجزة» لأن الأمور باتت 
من السوء بحيث لا يمكن لأي حلول إصلاحية ترقيعية أن تنجزه. وهذا الحل 
الجذري هو الثورة أو المعجزة التي لا تحدث إلا بالفلسفة. فهي وحدها القادرة 
على مد يد العون للإنسان. لمعرفة العدل الذي تصلح به الدولة. وتصلح الحياة, 
فما تعانيه الدولة من بؤس لن يتم الخلاص منه. إلا عندما يتولى الفلاسفة شؤون 
الحكم أو يصبح الحكام بمعجزة ما فلاسفة. 

يبدو لنا ومن خلال موقف أفلاطون هذا أن حالة التراجع والانحطاطء 
التي كان مجتمعه يعانيها قد شغلت تفكيره. فحاول التفكير في الوسيلة الكفيلة 
بتخليص المجتمع من الأمراض التي أصبح يعانيها. فلم يجد غير المعجزة التي 
توفرها الفلسفة وحدهاء فالفلسفة هنا في رأي أفلاطون لا تكفي أن تكون 
وسيلة للتعبير والوعي بل لتحقيق التغير المنشود. وهذا يعني أن الطوبى هي 
الفكرة المركزية في كل فلسفته. 

لقن عاضو "افلاطوق أصعين» مرخلة موت نيل أكينا اقتضاد يا 
واجتماعياً وسياسياً. وذلك بسبيب حروب البلوبونيز التي دارت بين أثينا 


وأسبارطة. فكانت لها آثار سلبية على المجتمع الأثيني» وقد انتهت 


.178 أفلاطونء الرسالة السإدعة. ترجمة عبد الغفار مكاويء دار الهلال. مصر. 201981 ص‎ )١( 


1 


تاؤيل الأسطورة يي كتادات أقلاطون 


بهزيمة أثيناء كما تشير المصادر التي توفر تفاصيل تلك الحرب وآثارها على المجتمع 
الأثيني» فرغم أن أثينا قد تصدت لأعدائها البلوبونيزيين مدة عشر سنوات. إلا إنها 
قد هزمت عام 206-605 ق.م على يد القائد الأسبارطي ليساندر (:عفسههبجة)» الذي 
تمكن من تدمير أسطول الأثينيين في موقعة «إيجوسيتاني»”". هذه الهزيمة كانت 
بداية فترة سيئة عاشتها أثيناء اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. فمن الناحية الاقتصادية 
يذكر «سارتون» أن المزارع في «أتيكا» قد أصابها الضرر الذي أثر في الفلاحين, 
فكانوا أول من نزل بهم أذى هذا الانهيار”. وخلاصة القول أن أثينا عانت الفاقة 
والفقر بسبب تردي ظروف المزارع آنذاك. 

كما عانت أثينا اجتماعياً وسياسياً حالة التراجع والفساد الذي حل بالمجتمع 
الإغريقي. فعلى الصعيد الاجتماعي يُذكر أن التحلل الاجتماعي والأخلاقي قد 
انتشرء ما أدى إلى غياب احترام الآلهة والتمسك بالعادات التقليدية القديمة. 
كما أن الوضع السياسي غير المستقر للدويلات التابعة لأثيناء والتي كانت تتحين 


الفرصة لإعلان استقلالها عن أثيناء أدى في نهاية الأمر إلى تشتت القوة الأثينية”. 


)١(‏ حسين الشيخ. «راسات في تاريخ حضاة البونان والرومانء دار المعرفة الجامعية, الأسكندرية, 
/41,. ص .1١11-1١5‏ وينظر: أميرة حلمي مطرء الفلسفة عند البونل. مرجع سابق» ص 170. 

(؟) جورج سارتونء تلادج العلم. ترجمة توفيق الطويلء دار المعارف بالإشتراك مع مؤسسة فرانكلين, 
القاهرة-نيويورك, 2197١‏ الجزء الثالث. ص 6. 


() حسين الشيخ: دراسات في تلايخ حضارة البونان والرومان. مرجع سابقء ص 118-117. 


لضن 


وظائف الاشطورة اللقلاطونية 


ومن الواضح أن الوضع الذي كانت تعيشه أثينا كان حافلاً بالمشكلات المختلفة 
التي عاصرها أفلاطون وانعكست آثارها السلبية على طبيعة تطلعاته إلى إيجاد 
دولته المثالية. لتصبح بديلاً عن الدولة الواقعية التي يحيا بها رغم ما يثقلها 
من مشكلات. 

ولا شك أن هذه الأحداث التي مر بها المجتمع الأثيني ساهمت في تشكيل 
وعي أفلاطون وصوغ رُؤاه أيضاً إلى طبيعة المشكلات الاجتماعية والسياسية 
معاً وأسبابها والتماس الحلول الملائمة لها. لقد تركزت محاولة أفلاطون لإصلاح 
المجتمع على ثلاث مسائل شملت: نظام التعليم. ونظام طبقات المجتمع. 
والعدالة وجميعها مرتبطة معاً. وهنا نلاحظ أن أفلاطون يسعى إلى تحقيق 
أغراضه في جملة خطوات مستعيناً بالأسطورة التي وظفها لخدمة مسعاه في 
برنامجه الذي أراد به شفاء المجتمع من أمراضه. لقد قسم أفلاطون كما نرى 
منهجه في الإصلاح إلى قسمينء منهج سلبيء وآخر إيجابيء يتضمن منهجه السلبي 
نقد نظم التعليم التي كانت سائدة في أثيناء فنراه ينكر تلك الأساطير والأشعار 
التي تسيء إلى الآلهة. فتصورها بأبشع الصورء وكذلك ما يذكر من أفعال يسيء بها 
الأبناء إلى الآباء. وما يذكره الشعراء من أهوال الموتء فهذه كما يذكرها أفلاطون 
على لسان سقراط الذي يروي تلك الأساطير - التي أشاعها هوميروس وهزيود 
وغيرهما من الشعراء - إلى أديمنتس. حيث يروي له سقراط كيفية تهذيب 


الحكام منذ نعومة أظفارهم”". فيتساءل سقراط متهكماً بقوله: «أفنأذن لأولادنا 


)١(‏ انظر: أقلاطون. الجمهورية.... مرجع سابق, ص 67. وما بعدها. 


56 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات اقلاطون 


أن يسمعوا كل أنواع الأساطير من أي شاعر كان بلا استثناء؟ وأن يقبلوا في قلوبهم 
آراء تتنافى مع ما يجب أن يراعوه متى بلغوا رشدهم؟»”". هنا نلاحظ أن أفلاطون 
يؤكد على اختيار ما يسمعه الأطفال. حيث يشترط أن يكون ثابتا فلا يطلب من 
الأطفال عندما ينضجون خلاف ما تعلموه. وهذا يعني اختيار ما هو خير ونبيل 
لتعليمهم من البداية. وقد أكد أفلاطون ذلك على لسان سقراط بقوله: «أول 
واجب علينا هو السيطرة على ملفقي الخرافاتء واختيار أجملها ونبذ ما سواه. 
ثم نوعز إلى الأمهات المرضعات أن يقصصن ما اخترناه من تلك الخرافات على 
الأطفال»”". ولما كان أفلاطون قد أراد إدخال الأسطورة في برامجه التعليمية 
يؤكد أنها لم تكن أمراً طارئاً من اهتماماته. بل إنه كان على وعي تام بوظائفها. 
لذا أراد أن تتولى الدولة التعليم. فيرى «جورج سباين» أن مشروع التعليم الذي 
تتولاه الدولة كان أعظم تجديد اقترح أفلاطون إدخاله على نظم التعليم التي 
كانت مألوفة في أثينا. ويُعتقد أن إصرار أفلاطون على ذلك في الجمهورية ما هو 
إلا نقد عنيف للتقليد الديمقراطي الذي كان يبيح لكل شخص الحرية ليشتري 
لأبناته نوع التعليم الذي يعجبه أو يناسبه حيث ازدهر الاتجاه السوفسطائيء 


أو الذي يجده متوافراً في السوق”. إن نظام التعليم الذي أراد أفلاطون 


)١(‏ انظر: أفلاطون. الجمجورية.... مرجع سابقء ص 68 وما بعدها. 

(0) المرجع نفسه. 

() جورج سباينء تطور الفكر السياسيء ترجمة حسن جلال العروسيء تصدير عبد الرزاق أحمد 
السنهوريء مراجعة وتقديمء عثمان خليل عثمانء. دار المعارف بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين,» 


ط". القاهرة-نيويورك. 39517 ص 2ل/ا. 


9 


وظائف الشطورة الاقلاطونبة 


أن تتولاه الدولة يعكس اعتقاده أن سبيل الإصلاح الأوحد هو طريقة التعليم 
وصحة مضامينه وتوجهاته. 

ويمكن القول إن أفلاطون الذي استعان بالأساطير لمناقشة الكثير من المشكلات 
في الفلسفة نراه هنا يوجه نقده الشديد إلى أنواع معينة من الأساطير وخصوصاً تلك 
التي بثها هوميروس وهزيود عن الآلهة. حينما نسبا إليها كل ما هو شائن وقبيح. وهذا 
يكشف لنا مسألة مهمة اتخذ منها بعض المعنيين بفلسفة أفلاطون ذريعة لنقده, 
باعتبار أن موقفه من الأساطير فيه تناقضء فهو الذي استعان بالأماطير. وشن هجوماً 
عنيفاً عليها. ولسنا نجد في موقف أفلاطون من الأساطيرء وتوظيفها لإضاءة جوانب 
من فلسفته أي تناقضء إذ إن نقده لم يكن موجهاً إلى مطلق الأسطورة التي يمكن أن 
نجد فيها من الأحداث والمواقف ما يعزز المثل الفكرية, أي إن نقده كان موجهاً إلى 
نوع محدد من الأماطير. وخصوصاً تلك التي تسيء إلى الآلهة. وتبث المخاوف من 
الموت وغيره. وموقف أفلاطون هنا من الآلهة» هو موقف سقراط نفسه فهو يرفض 
الإساءة إليهاء ويحررها من الأفكار والممارسات المختلفة التي وجد عليها كثيرٌ من 
الناس. 

ويعود أفلاطون بعد نظام التعليم إلى تقسيم المجتمع إلى 
طبقات. كما أوضح ذلك في محاورة الجمهورية. حيث قسم المجتمع 
إلى ثلاث طبقات. هي طبقة الصناع. وطبقة المحاربين» ثم طبقة 
الحكام. وقد ربط تقسيمه المجتمع إلى طبقات بقوى النفس وأجزائها 


وطبيعة فاعليتهاء حيث تقابل أجزاء النفس الثلاثة في الإنسان: الشهوانية, 


م7 


تأويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


والغضبية. والناطقة. مركز النفس الشهوانية في أسفل البطنء والنفس الغضبية 
ومركزها الصدر أو القلبء أما النفس العاقلة فمركزها الرأس". هذا التقسيم 
عنده ليس أمراً طارئاً قابلاً للتغيين بل ثابت بثبات الطبيعة الإنسانية. فالصناع 
لا هم لهم سوى المأكل والمشرب والتكاثرء ما يعني انشغالهم بتوفير ذلك لسد 
حاجاتهم. أما المحاربون فمركزهم الصدر أي قربهم من مصدر الطاقة. وهذا 
يشير إلى أنهم في حالة انفعال وحيوية دائمة تمكنهم من الدفاع عن الدولة 
متى تطلب الأمر ذلك ويبدو مركز الحكام في العقلء ويشير ذلك إلى التدبير 
والتفكير والحكمة. التي يسعى أفلاطون إلى توفيرها للفيلسوف أو الحاكم 
الفيلسوفء الذي يهتم أفلاطون بإعداده. 

أما جورج سارتون فيقترح تقسيماً مخالفاً للتقسيم السابق للمواطنين 
في جمهورية أفلاطونء فيذكر أنهم يقسمون إلى قسمين أو طبقتينء هما 
طبقة الحكام ومساعديهم وطبقة المحكومينء فالفرق بين الحكام ومساعديهم 
كما يرى ليس كبيراً ومن السهل كما يعتقد تجاوزه. فالمساعدون كلما تقدموا 
في العمر تقل صلاحيتهم العسكريةء وتزداد صلاحيتهم للتأمل العقلي. أما 
الفجوة التي تفصل بين الحكام وعامة الشعب فهي هوة كبيرة من الصعب 
اجتيازها فالفرق ليس من ناحية الطبقة أو المهنة. بل هناك فرق دائم 


تعلق بالجنس الذى انحدر منه". إن تقسيم سارتون هذا وإن أشارت إليه 
ل 0 3 إل تفسيم لو 1 إل 


.07 محمد علي عبد المعطيء الفكر السياسي الغربيء دار المعارف. مصر. 1910 ص‎ )١( 


2( جورج سارتون» تلريج ... مرجع سابق. ص /3. 


7 


وظائف ااشطورة اللقلاطونية 


برامج التربية التي اعتمدها أفلاطون بالانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرىء إلا 
أن ربط أفلاطون لها بأجزاء النفس التي هي خالدة: يشير إلى الدرجة العالية 
من الثبات والحكم. 

ليس هناك شك في أن العلاقة التي تربط بين الحكام ومساعديهم 
متينة ومتبادلة» فالعسكري كما يرى جود (0:48) ينبغي أن يكون وراء أمر 
الفيلسوف وتوجيهه. فمنه يعرف ما هو جيد ويعرف النهايات المسوغة لعرض 
فضائل الجندية. فالرجل العسكري يمثل عند أفلاطون الحرس للفيلسوف. حيث 
يمده بالطاقة لكي يُخضع الذين يكمن فيهم الجزء الثالث من الروح «النفس 
الشهوانية». فيديروا شؤونهم. فلو شبهنا الفيلسوف بسائق المركبة الذي يعرف 
إلى أين يسوق عربة المجتمعء فإن الرجل الفعال المفعم نشاطاً «الحرس» 
يمثل البخار الذي يجعل المركبة تتحرك'". هذه الرؤية تكشف الآصرة التي 
تربط بين طبقة الحكام وطبقة الحرسء والتي لا يمكن لأي منهما الاستغناء 
عن الأخرىء فالحرس يفتقرون إلى المعرفة» والحكام يفتقرون إلى القوة التي 
يستطيعون بها تطبيق ما يُريدون عمله. ونلاحظ هنا أن أفلاطون بدأ بوضع 
اللبنات الأولى لتشييد مدينته المثاليةء وذلك بإصلاح النظام الاجتماعي الذي 
وجده ممهداً لإصلاح النظام السياسيء بمعنى آخر إن وراء الإصلاح الاجتماعي 
غاية سياسية. فبدأ بإصلاح النظم الاجتماعية والتربوية المتمثلة بنظم التعليم 
وإصلاح طبقات المجتمع التي تمثل البنية التي أرادها أفلاطون لتركيب 
المجتمع, ثم الأواصر التي تربط بين تلك البنى وشروط تحققهاء مُتخذاً من 


100, 0.8.341, م ,1950 ,صملصمآ :لونء كتمنا بامتاعصظ ,و(ممده1ز2‎ 63. )١( 


ارذرضا 


تاؤويل الأسطورة يخ كتادات أقلاطون 


المنهج النقدي أداة لتحقيق غايته. فبدأ بالتعليم» - وكما بينا - فقد بدأ 
بنقد الأماطير التي كانت شائعة في المجتمع الإغريقيء فأنكر ما كان رائجاً 
ليؤسس منهجاً جديداً للتعليم. كما لاحظنا ذلك وهذا يمثل الجانب الإيجابي 
في منهجه. حيث وضع فيه شروطاً للتعليم, كما أن أفلاطون واصل مشروعه 
بتقسيم المجتمع إلى طبقات لكل طبقة نظام خاص بتعليمها مستمد من طبيعة 
وجودها وما تمثله من النفس الإنسانية. وقد كان هدفه الأول من كل ذلك 
إعداد الفيلسوف الحاكم أو الحاكم الفيلسوف. بيد أن أفلاطون لم يكتف بهذا 
بل أراد أن يحافظ على النظام الذي أوجده. فلا يسمح لأحد بتجاوزه. وهذا 
لن يتحقق إلا بتعريف الناس بالعدالة» وإقناعهم بها وهنا يأخذنا أفلاطون إلى 
الأمطورة التي يُوظفها لتحقيق مسعاه مستعيناً بأسطورة «أبناء الأرض» مشيراً 
على لسان سقراط الذي يتحاور مع غلوكونء إلى أن هذه الأسطورة الفينيقية 
قد تداولتها ألسنة الشعراءء والناس موقنون بصحتهاء إلا أنها لم تحدث كما 
يذكر في عصرناء ولا علم لي بأنها حدثت في غيره من العصور. مؤكداً 


بوسعنا التعامل معها بوصفها خبراً من الأخبار الموثوق بصحتها'". هذا يعني 


أن 


أن هذه الأسطورة كانت معروفة رغم أنها لم تحدث في أي عصر. ثم يطلب 


سقراط من غلوكون سماع بقية القصة. قائلاً: «سنخبر شعبنا بلغة ميثولوجية 
كلكم إخوان في الوطنية» ولكن الإله الذي جبلكم وضع في طينة بعضكم 


ذهباً ليمكنهم أن يكونوا حكاماً فهؤلاء هم الأكثر احترامة ووضع في جبلة 


.87 أفلاطونء الجمهورية مرجع سابقء ص‎ )١( 


ع 


وظائف الاسطورة اللقلاطونبة 


المساعدين فضة. وفي «العتيدين»”" أن يكونوا زراعاً وعمالاً وضع نحاساً 
وحديداً»”". يطلعنا أفلاطون على حقيقة هذه الأسطورة وما فيها من دلالات 
فالأسطورة كما يذكر هي قصة فينيقية تداولتها ألسّن الشعراءء أي إنها كانت 
معروفة, رغم أنها لم تحدث في عصره. ولا يعلم أنها حدثت في أي عصرء إلا 
أنه يُؤكد أنه قادر على جعلها موثوقاً بصحتها عن طريق الاستعانة بالحيلة. وهذا 
يعني أن الأساطير التي تصلح لتأويل الفلسفة. لا يهم فيها أن تكون حوادث يعتقد 
بها الناس في مجتمعاتهم المختلفة: بل المهم فيها دلالاتها الفكرية والإنسانية. 
وقد أراد أفلاطون من تلك الأسطورة أن يطلع أولئك البشر على حقيقة أنهم 
لم يكونوا من طينة واحدة: أو من معدن واحد. وأن التباين بينهم هو تباين 
بالنوع, وهو إلى حد كبير ثابت ودائم» وقد تضمن استخدام هذه المبادئ 
لتمثيل طبقات المجتمع بها لا مجرد الاختلاف بالطبقة» بل التمايز بالقيمة أيضاً. 
وتعليقاً على موقف أفلاطون هذا يقول جون لويس: «إن أفلاطون صريح كل 
الصراحة. يجب أن يلقن الناس أن العدالة معناها اللامساواة. يبدو أن العدالة 
معناها أن ينصرف كل إلى أموره... على كل إنسان في هذه المدينة أن يباشر 
ذلك العمل الذي تؤهله إليه طبيعته بالفطرة. على أن يقوم كل فرد بعمل واحد 


فقط»'". خلاصة القول أن العدالة لدى أفلاطون لا تعني المساواة بين البشرء 


(*) العتيد: الحاضر المهيأ. عن محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي» مختار الصحاحء دار الرسالة» 
الكويت. 0987, ص .6٠١‏ 
)١(‏ أفلاطون الجمهوربة مرجع سابقء ص 87. 


(0) جون لويسء مدخل إلى الفلسفة مرجع سابقء ص .9١‏ 


0 


تايل االأسطورة يخ كتدات أقلاطون 


بل تعني قيام كل فرد من أفراد المجتمع بما تُؤهله له طبيعته التي هي على 
درجة مطلقة من الثبات. إن ما أراده أفلاطون بإصلاح التعليم وتقسيم المجتمع 
إلى طبقاتء أي محاولة إصلاح البُنى الاجتماعية للمجتمع. هو من أجل غاية 


سياسية. وبذلك تقترب نظرته الفلسفية من الأيديولوجيا حتى تكاد تتماهى معها. 


ثالثاً: الوظيفة السياسية 

ذكرنا سابقاً أن هناك تداخلاً بين الاجتماعي والسياسي في فلسفة 
أفلاطون. فمحاولة أفلاطون شفاء المجتمع وإصلاحه من الفساد الذي أشرنا 
إليه اقتصادياً واجتماعياًء وبينا أسبابه كان من أجل إيجاد البيئة الملائمة 
لإعداد الملك الفيلسوف أو الفيلسوف الملك الذي به تنتظم حياة المجتمع 
ويبلغ كماله. وكان أفلاطون يعول على من سيتولون إدارة شؤون الدولة, 
بتغيير المجتمع نحو الكمال. من هنا نلاحظ أن المثل الأعلى الذي أراده 
أفلاطون لإدارة الدولة. أو سياسة الدولة. قد شغل حيزاً كبيراً من تفكيره ونال 
عناية خاصة منه واهتماماً يمكن أن يُعثر عليه في أماكن كثيرة من فلسفته 
واهتمامه العميقء حيث أشبع ذلك بحثاً وتفصيلاً في أهم مؤلفاته وأعظمهاء 
وهي محاورة الجمهورية», ومحاورة رجل الدولة أو السياسي. وكتاب القوانين. 
فهذه المؤلفات تمثل أهم كتاباته السياسية التي قدم بها رؤى مختلفة لإصلاح 
المجتمع بتحديد الطبيعة النوعية للرجل المناسب لتلك المهمة. فالمثل الأعلى 
في الجمهورية كما يرى كثير من الباحثين ومنهم أديب نصورء هو حكم الملك 


الفيلسوف أو الفيلسوف الملك. وفي رجل الدولة الحاكم العالم أو رجل الدولة 


771 


وظائف الاسطورة القلاطونبة 


الحقيقي هو الهدف الأساسء. وفي القوانين ينحسر حكم الأشخاص ليهيمن 
حكم القانون". 
ونعتقد من خلال ما طرحه أفلاطون في المؤلفات المذكورة لنوع الحكم 
إصرار أفلاطون على حكم الفرد وليس حكم الجماعة. حيث طرح في بداية 
الأمر فكرة حكم الملك الفيلسوف أو الفيلسوف الملكء. ثم عزز ذلك بمحاولة 
ل 010 5 
تحقيق رؤيته تلك بإيجاد الحاكم الفيلسوف في تجربته مع ديونسيوسء ثم 
إخفاقه أيضاً مع ديون. جاءت فكرة حكم القانون. خلاصة قولنا هي أن الحكم 
كما ابتغاه أفلاطون إما أن يكون للفرد وإما للقانون. وهذا ما يؤكده «أرنست 
باركر» بقوله: «كان هدف أفلاطون أن يدرب الحاكم الفيلسوف الذي يجب 
أن يمارس الحكم بذكاء المتمرس لا بحرفية القانون» أما إذا كان هذا الهدف 
مستحيل التحققء فإنه يدرب المشرع الفيلسوف الذي يجب أن يضفي حتى 
على حرفية القانون روح الحكمة والمعرفة»”". أي إن أفلاطون كان يريد أن 
يتولى إدارة شؤون الدولة من يملكون الحكمة, لأنهم يتمتعون ببصيرة نيرة, 
تُعينهم على حسن إدارة الدولة. وتجنبها الكثير من المآسي. 
وكان أفلاطون على وعي تام بالأزمة السياسية التي تمر بها أثيناء 


لأنه كان معاصراً لها وشاهداً على الممارسات السياسية الخاطئة. وقد 


تحدث عن هذه المرحلة من حياته مشيراً إلى أن حكومة الثلاثين التى 


.١١ انظر: أديب نصورء في مقدمة ترجمته لمحاورة رجل الدولة مرجع سابق» ص‎ )١( 


) أرنست ياركر, النظرية .... مرجع سابق» ص 199. 


77 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدات افلاطون 


تولت زمام السلطة. فيهم من يمت إليه بصلة القرابة» وبعضهم كان من معارفه. 
ودعوه للتعاون معهم, وقد توقع منهم أن يحكموا المدينة حكماً عادلا إلا أنه 
سرعان ما اكتشف أن هؤلاء تمكنوا في أقصر وقت من جعل الحكم السابق 
عليهم يبدو في صورة عصر ذهبيء لذا لم يمض وقت طويل حتى انهار ما يسمى 
حكم الثلاثين”". يعكس لنا هذا الحديث حقيقة تطلعاته إلى تحقيق العدل من 
جانبء وخيبة آماله في عدم تحقيق ذلك. وفي رسالته السابعة يواصل الحديث 
عن آماله المتطلعة إلى واقع أفضل تسوده القيم النبيلة» فرغم ما رآه من 
سوء إدارة حكم الثلاثين للبلاد لم يفقد الأمل في مجيء من هم أفضل منهم, 
إلا أن آماله قد خابت مرة أخرى كما أشار إلى ذلكء فبعد انهيار حكم الثلاثين 
عاوده الشوق مرة أخرى إلى المشاركة في الحياة السياسية. لولا حدوث 
أشياء لا يملك الإنسان نفسه من السخط عليهاء حيث قام بعض من تولوا 
إدارة الدولةء الذين خلفوا حكم الثلاثين بتقديم سقراط للمحاكمة. بتهمة 
التجديف بحق الآلهة". أي إن من جاء بعد حكم الثلاثين الحزب الديمقراطي 
الذي تولى إدارة الدولة. لم يكن أفضل حالاً ممن سبقه. حيث ارتكب جرائم 
ليست من الحق في شيء, وأبرز ما فعله وأثر في نفس أفلاطون تأثيراً سيئاً إعدام 

سقراطء. الذي يتحدث عنه فيقول: «لا أتردد عن وصفه بأنه 


كان أعدل الناس في ذلك الزمان»”". ربما يكون إعدام سقراطء 


.175-1170 أفلاطون. الرسالة .... مرجع سابق, ص‎ )١( 
.١ا/ل-(1 م.ن.ء ص‎ )0( 


لو م.نء ص 1131 


1 


وظائف الاسطورة اللتلاطونبة 


الذي يمثل له نموذجه في العدلء وراء اهتمامه بشؤون الحكم 
ومحاولاته إعداد الحاكم الفيلسوف. الذي يسوس البلاد وفقاً لمبادئ 
عادلة. 

لا شك أن أفلاطون قد آلمه ما آلت إليه الأمور السياسية من انحطاط 
وتراجع؛ إلا أنه ورغم معاناته وخاصة من إعدام نموذجه في العدل «سقراط»». 
لم يتخل عن مسؤوليته السياسية, بإصلاح المجتمع: فالإغريق ومن بينهم أفلاطون 
كانوا كما يؤكد «جون لويس» يدركون مسؤولياتهم السياسية. ويعتقدون أن من 
غير اللائق ترك الشؤون العامة للقضاء والقدر. ويرون أن السياسة من صنع الناس 
ومشاكلهم يمكن أن تحل بإعمال العقل الإنساني فيها بصورة واسعة منظمة”". 
خلاصة القول أن اهتمام أفلاطون بالسياسة ليس بالأمر الغريب. وخاصة في 
عصره وأنها قد شغلت أذهان اليونانيين» فرأوا أن بإمكانهم حل مشكلاتهم 
بالاستعانة بالعقل, أي أن يُعمل الإنسان فكره بتحليل تلك المشكلات. وتقصي 
أسبابها لوضع الحلول المناسبة لها. 

ولا تتأتى أهمية تفكير أفلاطون السياسي من إلمامه بوقائع 
مختلفة. ومعاصرته لهاء وكشفها عبر مؤلفاته المختلفة. بل إن تلك 
الأهمية تأتي كما يؤكد «أرنست كاسيرر» من كون أفلاطون هو أول 
من عرض «نظرية» في الدولة. بدت في صورة نسق فكري متماسك. 
وكانت المشكلات السياسية في القرن الخامس (ق.م). هي المحور 


الذي تركز عليه الاهتمام الفكريء فاعتبر السفسطائيون مذاهبهم 


,576 جون لويس» مدخل إلى .-. مرجع سابق. ص‎ )١( 


7" 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


أفضل المذاهب الموجودة: بل رأوا أنها تعد مدخلاً لا يمكن الاستغناء عنه في الحياة 
السياسية”". هذا يلخص ننا ما ذكرناه في عرضنا للمشكلات التي عاناها المجتمع 
الأثيني من جانبء ومن جانب آخر فإن نظريته في الدولة قد جاءت انعكاساً لتلك 
المشكلات. 

لقد تنوعت الوظيفة السياسية التي أراد أفلاطون تحقيقها من خلال 
اعتماده على الأسطورة بين نقد الممارسات التي وقعت في المجتمع, وانتقاله 
من حالة إلى أخرىء وبين كشف الآثار الخطيرة حينما يتولى المسؤولية من هم 
ليسوا مهيئين لإدارة الدولة. أي الحكم. فمن ناحية النقد الذي وجهه إلى التغير 
الذي طرأ على المجتمع: أبانه بصورة وافية في عرضه بأسطورة «كرونوس» التي 
أوردها في محاورة رجل الدولة وكتاب القوانين» موجهاً نقده لما تعانيه أثينا من 
مشكلات, فهو ينتقد الوضع السياسي لأثينا الحاضرة التي يعيش فيها مقارنة بأثينا 
الغابرة» وهذا يُظهر موقفه الأيديولوجي من الثبات وعدم التغير. أما في أسطورة 
«خاتم جيجس» فيصور فيها فساد الحكم حينما يتولى إدارة شؤون الدولة من هم 
غير مؤهلينء فتتميز هذه الأسطورة عن أسطورة كرونوس, بأن قصر الصراع فيها 
بين البشر بعضهم مع بعضء وهو صراع من أجل السلطة» فالأماني التي راودت 
الراعي. وتخطيطه للاستيلاء على ملك ليديا وقتله. تقول إن السياسة تسيرها 


المصالح والأنانيات الفردية. فالراعي لم يفكر كيف يستفيد بقية الرعاة من الخاتم 


.٠٠١ أرنست كاسيرر. الدولة .... مرجع سابق» ص‎ )١( 


7 


وظائف الاشطورة الاقلاطونبة 


الذي وجده. لتغيير حياتهم: بل احتفظ بذلك السر لمنفعته الشخصية. فأراد 
أفلاطون بهذه الأمطورة أن يبين ما يحدث عندما تخرج أي طبقة من الطبقات 
عن طبقتها. فالراعي يمثل طبقة العامة. وهي غير مؤهلة لإدارة شؤون الدولة, 
وغير قادرة حتى على إدارة شؤونها الخاصة. أما الملك الذي تم التآمر عليه 
فيمثل الطبقة الحاكمة. التي يرى أفلاطون أنها متى ما صلحت صلح بصلاحها 
المجتمع. لقد وظف أفلاطون هذه الأسطورة ليبين السمات التي يتحلى بها 
الفيلسوف حيث يتصف الفلاسفة بالعدلء وكره المال. ولا يحق لهم امتلاك ثروة 
أو أسرة. وهذه أمور لم يكن الراعي يملك شيئاً منها. إلا أن ميوله الشهوانية 
قادته منذ عثوره على الخاتمء ومعرفته لميزته. إلى الاعتداء والظلم بطريقة 
تخالف مبادئ العدل التي أمل أفلاطون أن تسود المجتمعء في دولته المثالية 


التي يديرها الفلاسفة. 


رابعاً: الوظيفة التفسيرية المنهجية (الفلسفة) 
يمكن القول إن استعانة أفلاطون بالأسطورة لتوظيفها في عملية التفسير 
وربما التأويل أكثر ما يكون عند معالجة الموضوعات التي لم يكن الاعتماد فيها 
على البراهين المنطقية كافياً وحده لتحقيق قدر كبير من الإقناع. فأفلاطون 
وظف الأسطورة لمعالجة مثل هذه الموضوعات في محورين: يتمثل المحور 
الأول بالمعرفة, والمحور الثاني تمثل بحديثه عن النفس, ثوابها وعقابها خلودهاء 
ومكانها في العالم الآخر وأجزائها. خلاصة القول إن أفلاطون لم يشأ أن يستخدم 


العقل وبراهينه المنطقية فقط في هذين المحورين اللذين أشرنا إليهماء 


تذرضنا 


تؤيل الأسطورةي كتادات افلاطون 


بل إنه وظف الأسطورة بوصفها شكلاً من أشكال العرضء الذي يوفر نوعاً من 
الإقناع عند تناوله موضوعات معينة فيما يحاول تفسيره. 

لقد أراد أفلاطون بالمحور الأول المتعلق بالمعرفة أن يقدم توضيحاً لما 
تعنيه الفلسفة. فهي لديه تمثل معرفة الماهيات الحقيقية. أي معرفة المُثل. 


وهذه ليست بالمهمة اليسيرة. كما لا يحظى بنيلها الجميع. إن موقف أفلاطون 
هذا الذي حاول فيه أن يبين أهمية الفلسفة طرحه في عدد من محاوراته, فقد 
أوضح كما ترى «مطر» أنواع المعرفة المختلفة, وحاول ترتيبها في درجات وفقاً 
لقيمتها في الكشف عن الحقيقة. فاهتم بتعريف العلم الفلسفي اليقينيء وميزه 
من أنواع المعرفة الأخرى. واهتم في محاورتي مينون وفيدون بشرح نظرية 
التذكر. وفي محاورة الجمهورية قدم تصنيفاً لأنواع المعرفة, وللمنهج الجدلي» 
في حين أوضح في محاورة ثياتيتوس وجهة نظره النقدية للمعرفة الحسية» وفي 
محاورة السفسطائي عرض لتفسير الأحكام الصحيحة منها والخاطئة» وتظهر في 
محاورة فايدروس إشارات إلى تفسير طبيعة النظر الفلسفي”'". 

يبدو من خلال هذا التنوع في موضوعات المعرفة أنها كانت تشغل حيزاً 
كبيراً من أفكاره. فحدد درجات المعرفة وميزها من المعرفة الزائفة ووضع 
خطة لتحصيل المعرفة تمثلت بالمنهج الجدليء فأرسى قواعد أساسية لاكتساب 
المعرفة. ويرى «غثري» أنه أصبح من الواضح لدى أفلاطون أن الاعتقاد بالمُثل 


الخالدة والمتعالية التي كانت مقبولةَ لديه مع حماسة دينية جزئية. تستدعي 


.68 أميرة حلمي مطرء الفلسفة .... مرجع سابقء ص‎ )١( 


ان 


وظائف ااشطورة اللقلاطونية 


صعوبات فكرية جدية: فبالنسبة إلى نظرية المعرفة فإنها تحتاج إلى مزيد 
من التحقيقء لا بالنسبة إلى العلاقات بين المُثل ومفردات العالم» بل أيضاً بين 
المُثل بعضها ببعض التي يمكن أن تستسلم لشرح عقلي صرف". بمعنى آخر 
إن العلاقة بين المثل ومفردات العالم التي تحاكيها وبين المثل بعضها ببعض. 
ليس من السهل تقديم شرح مبسط لها. 

لقد أثارت المثل التي تعد جوهر فلسفة أفلاطون جملة من المشكلات 
منها ما يتصل بنظرية المعرفة» فنظرية المعرفة كما يرى «كوبلستون» لا يمكن 
أن نجد التعبير عنها لدى أفلاطون بطريقة منسقة متقنة,» ومكتملة في أي 
محاورة من محاوراته. على الرغم من أن محاورة ثياتيتوس قد خصصت 
لدراسة مشكلات المعرفةء وإن لم تنته إلى تعريف محدد لها". أي رغم 
ما أراده أفلاطون من محاورة «ثياتيتوس». وهو نقد النظريات الزائفة عن 
المعرفة. إلا أنه في ختام المحاورة لم يبين لنا ما المعرفة الحقة التي 
أرادها أن تقف في مواجهة ما كان شائعاً من رؤى للمعرفة. حيث اكتفى 
في هذه المحاورة بطرح تصورات مختلفة للمعرفة. وذلك من خلال إعطاء 
ثلاثة تحديدات لها على لسان ثيئتتسء بقوله : «... على ما يتهيأ لي الآن 


ليس العلم سوى الإحساس», هنا ربط ثيئتتس المعرفة بالإحساس وهو أول 


)0( 1 م اك.م0 ...1110 .عتعطاته 
»2 فردريك كوبلستون. تلايج... مرجع سابق» ص إستفيرة 
6 أفلاطون, الشتتتسن» ترجمة الأب فؤاد جرجىن بريارة. منشورات وزارة الثقافة, دمشق» الالال 


ص 18. 


ارذرفنا 


تاؤويل الأسطورة يخ كتدات افلاطون 


درجات المعرفة لدى أفلاطونء والمعرفة الحسية في نظره. معرفة ناقصة. 
كما يقدم ثي ثيئتتس تعريفاً آخر لسقراط مشيراً إلى أن العلم هو الرأيء والرأي 
قد يكون صادقاً أو كاذباً إلا أن الرأي الصادق يكاد يكون هو العلم". أي إن 
التحديد الثاني الذي اقترحه ثيئتتس للعلم يمثل المعرفة الظنيةء ومن سمات 
الظن أنه قد يكون صادقاً أو كاذباًء والعلم كما يطرحه هنا هو الظن الصادق. 


ثم يضع أفلاطون على لسان ثيئتتس تعريفه الثالث للعلم. فيذكر أن العلم 
هو الرأي الصحيح الذي يؤيده البرهانء وأن الرأي غير المعلل الذي لا يؤيده 
البرهان هو خارج نطاق العلم. والقضايا التي لا برهان ولا تعليل لها ليست 
علما في حين إن القضايا المشفوعة بالبرهان والتعليل علمية”. من خلال 
ما قدمه أفلاطون على لسان ثيئتتس من تعريفات للعلم أراد كشف المعرفة 
التي يدعيها السفسطائيون: اعتماداً على الحواس. فهذا الانتقال من تعريف إلى 
آخر وعدم الثبات على موقف واحد يشير إلى أن أفلاطون أراد أن يؤكد أننا 
إذا اتبعنا بروتاغوراس بالاعتماد على الإحساس في الحصول على المعرفة. فهذا 
يعني أن تصورنا لما نعرف متغير أيضاًء أي إننا لا نعرف شيئاً محدداً فكيف 
نستطيع أن نضع له تعريفاً دقيقاً ثابتاً 
ولا يسعنا إلا أن نلاحظ المواجهة العنيفة المنتشرة في 
فلسفة أفلاطون للسفسطاتيين التي لم تكن كلها بريئة من مواقفه 
الأيديولوجية, لأنهم جعلوا الوصول إلى المعرفة أمراً مشاعاً لكل 


.197 أفلاطون., الشئتتس.... مرجع سابقء ص‎ )١( 


0( م.ن.ء ص 31١‏ 


ع7 


وظائف الاشطورة اللقلاطونية 


قادر على أن يدفع للمعلمينء دون الاعتقاد بحدود فاصلة بين أي إنسان وآخر. 

إن المعرفة التي يريدها أفلاطون هي المعرفة العقلية. وليس المعرفة 
الحسية. وهذا يعني أن نتسامى بنفوسنا فوق عالم الحس. فنظرية التذكر كما 
يشير «كواريه» تفسر لنا بصورة تامة حالة البحث عما نجهله كل الجهل - وهي 
حالة مستحيلة في الواقع - لا يمكن أن تتحقق أبداً. فالإنسان في الحقيقة 
يبحث باستمرار عما سبق له معرفته. فهو يسعى لجعل المعرفة غير الواعية 
معرفة واعية» وذلك عندما يتذكر المعرفة المنسية". هذا يعني أن الإنسان 
ليس جاهلاً بصورة مطلقة. ومن جانب آخر يؤكد أفلاطون أن عملية الحصول 
على المعرفة ما هي إلا عملية استعادة لما يمتلكه الإنسان من معارف سابقة 
قد نسيها. والعالم الحسي لا يمكن أن نحصل فيه على المعرفة. فهو مجرد 
عون لنا يذكرنا ما فيه من موجودات مختلفة وصور متنوعة بمعارفنا السابقة 
التي سبق لنا معرفتها ثم نسيناها. إن المعرفة التي تزودنا بها الفلسفة هي 
معرفة الماهيات الحقيقية. فالفلسفة في رأي أفلاطون. كما يقول رسل: «هي 
ضرب من الرؤية. «رؤية الحقيقة» فهي ليست بالعقلية الخالصة. وليست هي 
مجرد الحكمة. لكنها حب الحكمة»”". خلاصة القول إن هناك ارتباطا وثيقاً 
في الفلسفة بين العقل والعاطفة. فالفلسفة لا تكون بالاعتماد على العقل 


وحده أو على العاطفة وحدهاء فالعاطفة ترغب أو تحبب إلينا الحقائق 


.75 ألكسندر كواريه. مدخل لقراءة .... مرجع سابق» ص‎ )١( 


(0) برتراند رسلء تلري<...» مرجع سابقء ص ,5١7‏ 


يق 


تاؤبل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


المجردة» فتعيننا على استيعابها والإقرار بوجودها ومن ثم قبولها. هذه الرؤية 
التي طرحها أفلاطون في الجمهورية ممهداً لها في عدد من محاوراته كمينون 
وفيدون. وجدت طريقها في الشرح والتفسير في صورة الكهف. 

ونعتقد أن أسطورة الكهف تختلف عن بقية الأساطير التي استعان بها 
أفلاطون لطرح رؤاه الفلسفية في النفس وأصلها وخلودها وثوابها وعقابهاء وفي 
السياسة. والمعرفة وحقيقتهاء حيث تمتاز بالدقة والضبط المنطقيء فأفلاطون 
كما يؤكد روبنسون (دمهمنمه80) لم يفصل الجدل عن الفلسفة. فالجدل لم يكن 
لديه دراسة تمهيدية للفلسفة: فهو لم يكن الآلة التي نختارها أو لا نختارها في 
التفلسفء بل إن المنطق لديه هو الفلسفة نفسهاء أو كما يقال الخطاب الكوني 
للفلسفة'". بكلمة أخرى إن الفلسفة يقيدها المنطق. وهو السور الذي يطوق 
عقولناء فيحكم بدقة ما نريد مناقشته. وقد تجلى هذا في أسطورة الكهف. 

وتمتاز هذه الأسطورة بالبساطة والوضوح في استخدام أفلاطون 
للرموز التي أراد بها الإشارة إلى حقيقة ماء فربما كان السبب في ذلك 
أن أفلاطون قد استخدم رموزاً مألوفة لدى الإنسانء كالكهفء والنارء 
والجدارء والسجينء. وغيرها مما ورد من رموز في هذه الأسطورة. لأنه 
أراد أن يفسر بأسلوب بسيط ما تعنيه الفلسفة. فهي شغله الشاغل الذي 
أراد أن يكون كل ما في المجتمع مطبوعاً بهاء فالمعرفة والسياسة الحقة 


كما يرى تنبعان من الفلسفة وغيرهاء ولهذا فقد أولى المجتمع اهتماماً 


)0( مماق.مه ...عتاءءامولط «عتاجوظ امنواط ,لتقطعت8 «ممصتطمظط 


الرذرا 


وظائف ااشطورة اللقلاطونية 


خاصاً ليصبح قادته فلاسفة. والتغيير الذي أمل أن يتحقق في المجتمع ليغيره 
إلى ما هو أفضل أراده أن يتم على أيدي الفلاسفة. بل أكثر من هذا إذ يرى 
أنه لن يحدث إلا إذا تولى إدارة شؤون الدولة الفلاسفة. وقد وضحت أسطورة 
الكهف هذا الطرح. حيث صوّر أفلاطون حال من لا يعرفون الفلسفة بمشهد 
يروي فيه سقراط ل «غلوكون» وضع مجموعة من البشر وهم يعيشون في كهف 
تحت الأرضء فيقدم لنا وصفاً لذلك الكهف. ويصف لنا وضع أولئك المساجين 
فيه. وما يرونه من ظلال تمثل الحقائق اليقينية لديهم. فهم لا يستطيعون رؤية 
بعضهم بعضاً إذ ليس بإمكانهم أن يديروا رؤوسهم يميناً أو يساراً فرقابهم 
وأرجلهم مقيدة بسلاسل تحول دون ذلكء ولا يعرفون إلا ما يعرض أمامهم من 
الظلال التي تُعكس على الجدار الذي أمامهم بفعل النار المشتعلة خلفهم. 
ويفصل بين النار وبينهم طريق مبني من الجانب الذي يمر فيه السالكون, 
حيث يغطي البناء جسمهم كله ماعدا رؤوسهم التي يرى أولئك المساجين 
صورتها المنعكسة وما يحملون عليها على الجدران”". هؤلاء المساجين لا يرون 
سوى الظلال التي تُعكس أمامهم على الجدران فيعتقدون أنها الحقائق اليقينية, 
بينما هي في الواقع تعكس المعرفة الزائفة التي يمتلكها الجاهلونء الذين 
لا يفقهون شيئاً من المعرفة الحقيقية كما زعم أفلاطون. 

ولم يتوقف أفلاطون في أسطورة الكهف عند هذا المشهد بل 
)00 .8 « ,مئهاط تزه دعلاوماه11 عطا هذ كتأطلامء! 116 ,مهام 

وانظر أيضاً: أفلاطون, الجمهوربة مرجع سابقء ص 177 وما بعدها. 


ا 


تايل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


نراه يُغرق في تفسير ما يريده بأسلوب منطقي. يتدرج فيه بعرض الحقائق» 
ففي بداية الأمر يحاول أن يوضح الجهل بالمعرفة, والادعاء بامتلاكها. ثم يواصل 
تفسيره على لسان سقراطء وهو يواصل حواره مع «غلوكون». الذي يخبره بأن 
ما سمعه منه هو صورة غريبة عن مساجين غرباء. فيواصل سقراط روايته 
فيشير لو أن أحد السحناء أعتق أو تحررء فإنه في بداية الأمر عندما يجبر 
بصورة مفاجئة على وضع ما أو إذا أدار رقبته ومشى ونظر باتجاه الضوء. 
فإنه سوف يعاني ألما حاداً. فالوهج يؤلمه فلا يستطيع رؤية الحقائق. حيث 
اعتاد رؤية الظلال التي ألفها في وضعه السابق» ثم تصور أن شخصاً يخبره 
بأن مارآه من قبل كان وهماً. لكنه الآن بعد أن استدارت عيناه إزاء أكثر 
الموجودات حقيقة. فهو يملك رؤية واضحة"". التركيز هنا على المعاناة في 
الحصول على المعرفة فهي ليست بالمهمة اليسيرة. بعدها يواصل سقراط 
حديثه مبيناً أنه في حال أجبره شخص على الصعود إلى الأعلى ورؤية الشمس 
نفسهاء فإنه سوف يستاء. وعندما يقترب من الضوء فإن عينيه سوف تبهرانء 
فلا يتمكن من رؤية أي شيء من الأشياء التي تُدعى حقائق. ثم في نهاية 
الأمر يتمكن من رؤية الشمس نفسها والتفكير فيهاء لا في صورتها المعكوسة 
على سطح الماءء أو ممثلة بأشباح بل يراها نفسها". إن مشهد رؤية السجين 
للشمس «الصعوبة التي يواجهها في بداية الأمر حتى يتمكن من رؤية 
الشمس نفسهاء يفسر عملية التحول التي تتم بالانتقال من الظلام إلى النور, 


للق .288 م ,نط1 


00 .288 م ,نط1 


رضنا 


وظائف الاشطورة اللقلاطونية 


أي إن الانتقال يتم من الجهل إلى المعرفة. حيث تتم عملية الانتقال من 
حالة التغير المستمرة إلى حالة الثبات. فالالتفات نحو المعرفة لا يمكن أن 
يتحقق إلا إذا كان هناك انسجام بين النفس والجسم. فيتم الانتقال من حالة 
التغيرء أي حالة النقصء إلى حالة الثبات. ممثلة بوعي النفس للمثل. ويحاول 
أفلاطون أن يطلعنا في رسالته السابعة على أن المعرفة التي تتحقق بها رؤية 
الحقيقة «المثل» هي أشبه بالنور الذي يظهر بصورة مفاجئة للنفس لينمو 
نمواً مطرداً؟". ذلك أن رؤية الحقيقة التي يحظى بها الفيلسوفء لا تتم بالحس 
أو بالعقل. بل عن طريق الحدس.ء لذا فهي غير ميسرة للجميعء. بل حكر 
على الفلاسفة. حسبما ورد في رسالته السابعة. مشيراً إلى أنه لو كان من 
الواجب عليه أن يبلغ المعرفة بالفلسفة للرأي العام, سواء تم ذلك بصورة 
شفاهية أو مكتوبة. فلا يوجد ماهو أروع من ذلك العملء ولا يوجد ما هو 
أجمل من أن يقدم للبشرية مذهباً يصف لهم طريقة الخلاصء ويظهر حقيقة 
الأشياء ليراها الجميع. إنه يعتقد أن محاولة وضع هذه الأمور في كلمات 
لا تنفع إلا فتئة قليلة من الناس. ليس من الصعب عليها أن تجد الحقيقة 
بنفسها مع شيء قليل من التوجيه والإرشاد'". إن نيل الفلاسفة للفلسفة 
يتم مع بعض التوجيه والإرشاد. وهذا يتحقق بالتعليم وفقاً لبرنامج الإعداد 


الذي وضعه أفلاطون. هذه الرؤية الفلسفية لأفلاطون العقلاني كشفت عن 


.109 أفلاطونء الرسالة .... مرجع سابق» ص‎ )١( 


9) م.ن. ص 150-1609. 


رار 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


تووم التذى غير - كما يرى «جون لويس» - يمكن أن يوضع في طريقين: 
أولهما 5 لة 8 ل الرئيس «الفيلسوف» فيجب عليه أن يتعلم ليعي المبادئ 


والأفكار العامة. المطلقة والمعايير الثابتة. فلا بد من ارتقاء عقله عن طريق 
التعليم من المظهر للحقيقة. من الأشياء الخاصة إلى القوانين العامة. أما 
ثانيهما فيتعلق بمهمة العقل الرئيسية وهي السعي من أجل الأفكار والمبادئ 
العامة التي تعطينا الوحدة والوضوح والحقيقة, وعندئذ نتمكن من استخدام 
شامل لشرح الأكثر خصوصية". الخلاصة هي أن أفلاطون في رؤيته للفلسفة 
بجعلها حكراً على الفلاسفة ترتب عليها شرطانء الأول هو ارتقاء عقل الفيلسوف 
بالتعليم» وثانيهما على ذلك العقل السعي والمثابرة لأجل الوصول إلى الأفكار 
والمبادئ العامة, وذلك بغية تحقيق الوحدة والوضوح التام. 

أما عندما ننتقل إلى المحور الثاني المتعلق بالحديث عن النفس, فنلاحظ 
أن هذا الموضوع نال اهتماماً خاصاً من قبل أفلاطون, فلو قارنا موضوع النفس 
ببقية الموضوعات التي ناقشها أفلاطون مستعيناً بالأمطورة, فإن موضوع النفس 
كان هو الأوفر حظاً بينهاء حيث انساب موضوع النفس بتشعباته المختلفة 


كما أراد له أفلاطون في عدد من المحاورات المهمة, مناقشاً فيها موضوع 


)00( عطا!' ,نو[ممدماقتاط كره بوماكقط لأءدتنامبر ب[عهع1 116 ,رصطه[ كتوعء.آ 


.44 م .1962 مستقاترظ غدء02 :0غآ ووعءط دعنازووع لصتا لامتاعصظ 


36 


وظائف الاشطورة اللقلاطونية 


الثواب والجزاء الذي تستحقه النفوس العادلة والنفوس الظالمة. كما ناقش 
خلود النفس وأثر هذا الخلود في الاطلاع على المعارف المختلفة. وتطرق 
أيضاً إلى مكان النفس في العالم الآخرء وأنهى مناقشاته عن النفس بأجزائها". 
لقد استعان أفلاطون بالأسطورة عند مناقشته مسألة النفس لتؤدي وظيفة 
منهجية تفسيرية. وخصوصاً أنه يُعد من الموضوعات التي يكون من الصعب 
الحديث عنها باستخدام البراهين والأدلة العقلية المنطقية, فنراه ينتقل بنا 
خطوة تلو الأخرى انتقالاً منهجياً تنسجم فيه النتائج مع المقدمات انسجاماً 
تاماً. ففي موضوع الثواب والعقاب الذي تحظى به النفوس العادلة والنفوس 
الظالمة - كما جاء ذلك في «أسطورة الآخرة» التي ورد ذكرها في محاورة 
جورجياس - نرى أفلاطون في بداية الأمر يقرر مسألة بديهية. وهي أن 
الإنسان عندما يموت بعد حياة تتسم بالعدل والطهر يذهب إلى جزيرة 
السعداء. بينما تذهب نفس الإنسان التي عرفت بالظلم والدنس إلى الترتار 
«الجحيم». حيث تتم هناك عملية تطهرها وتخليصها من العذاب”". بمعنى 
آخر إن أفلاطون مؤمن بالثواب والعقاب الذي يناله الإنسان بعد موته. إلا أن 
ما يشغل أفلاطون هو كيف تتم محاسبة الإنسان. وعند هذه النقطة يتوقف 
أفلاطون ليروي لنا كيف كانت تجرى المحاكمة في عصر كرونوس وعصر زوسء 
)١(‏ حول هذه الموضوعات. انظر الفصل الثالث. ص .150-١6‏ 

(7) أفلاطونء جورجياس.... مرجع سابقء ص 17. 


ع١‎ 


تاؤويل الأسطورة يخ كتإدبات افلاطون 


مشيراً إلى أن القضاة في عصر كرونوس كانوا يصدرون الحكم على الناس 
في اليوم الذي يموتون فيه. ثم تغير ذلك الوضع عندما أمر «زوس» أن تقوم 
محاكمة البشر بعد الموت”". يبدو المنطق العقلي واضحاً في تفسير أفلاطون 
لمحاكمة النفوس في هذه الأسطورة فهو: 
- أولاً: يؤكد أن إصدار حكم عادل على أفعال الناس لا يتحقق في الحياة. 
إذ يرى بأن القضاء يجب أن لا يؤثر فيه شيء., لا جمال ولا مال ولا هيبة 
اجتماعية. فهذه كلها تفعل فعلها عندما تتم محاكمة النفوس في الحياة. 
وبكلمة موجزة إن القضاء العادل لمحاكمة النفوس لن يتحقق في هذه 
العياف ابل يعد القوت: 
- وثانياً: إن معرفة الإنسان بساعة موته تعطيه فرصة للاستمرار في ارتكاب 
المعاصي. طالما عرف متى يموتء وبالنتيجة سيكف عن ارتكاب الآثام 
قبل ذلك الموعد. وأفلاطون مؤمن بمحاسبة الأشرار.ء وقد يكون هذا 
الإصرار رغبةً منه في محاكمة من أصدروا حكماً بإعدام سقراط. 
يتصل بهذه الأسطورة ما جاء في أسطورة «آر» التي يصف لنا بها «آر» 
كيف تحاكم النفوس» وكيف يكون حالها عندما تستقبل ما تستحق من ثواب 
وعقاب. لقد ذهبت نفس «آر» إلى العالم الآخر بعد أن قتل في إحدى المعارك» 
فرأى كثيراً من التفاصيل عن العالم الآخرء والأماكن والمشاهد التي تمر بها 
النفوس ورأى كيف تحاكم على ما اقترفته من آثام» وعندما نقلت جثته من أرض 


المعركة لتدفن في البيتء وفي أثناء وضعها على دكة الجنازة انتفضت الجثة» وفتح 


.148-160 أفلاطون. جورجياس.... مرجع سابق. ص‎ )١( 


ع 


وظائف الاشطورة اللقلاطونية 


«آر» عينيه وأخذ يقص على السامعين ما شاهده في العالم الآخر. هذا كله 

يظهر لنا منهج أفلاطون في مناقشة موضوع الثواب والعقاب. فرغم الإسهاب 

في التفاصيلء التي تقدم لنا أفلاطون الشاعرء إلا أن رؤية أفلاطون في جدله 

حول تلك التفاصيل لم يغب عنها المنطق العقليء فهو: 

- أولاً: أراد أن يؤكد لنا أن رواية «آر» قد تمت وهو على دكة الجنازة, 
أي قبل أن يُدفنء ومن هنا عندما عادت إليه نفسه وفتح عينيه أخذ 
يروي ما رآه للبشر, أي لأولئك الذين كانوا يقومون بالطقوس التي تسبق 
دفن الجثة. ما يعني أن أفلاطون مؤمن بأن الحديث عن العالم الآخر وما 
يجري فيه لن يكون مقنعاً لو تم بعد دفن «آر» ثم عودته مرة أخرى, 
إذ سيثير ذلك الكثير من الشكوكء وأفلاطون يريد تأكيد خلود النفسء 
الذي يترتب عليه من ثم الإقرار بالثواب والعقاب. وكذلك إثبات تفاصيل 
عما يجري في العالم الآخر الذي سوف تذهب إليه. 

- وثانياً: إن نفس «آر» التي غادرت جسده وتم لها ذلك عندما كانت جثة 
في أرض المعركة. وهي جثة رجل شجاع كما تشير الأسطورةء وهذه 
الإشارة من أفلاطون جاءت لتؤكد أن رؤية ما يجري في العالم الآخر تتطلب 
الشجاعة. فقد روى «آر» أنه عندما وصل إلى الموضع السري حيث يجلس 
القضاة لمحاكمة النفوسء قيل له: «إنه سيحمل إلى البشر تقريراً ما عن 


العالم الآخرء وأمروه أن ينتبه إلى كل ما هو جار هناك»". هذا يعني 


.5017 أفلاطونء الجمهورية.... مرجع سابقء ص‎ )١( 


ع5 


تايل الأسطورة يخ كتإدات اقلاطون 


أن «آر» كلف حمل رسالة إلى البشر تصف لهم ما يجري في العالم الآخر 
الذي يجهلونه. ومن أجل الدقة في نقل التفاصيل أمروه بالانتباه لما يجري 
عليه. وهذا يبين لنا أن أفلاطون عندما وظف هذه الأسطورة للإخبار بما 
يجري في العالم الآخرء اختار شخصاً اتصف بالشجاعة والنباهة, ما جعل 
تفسير أفلاطون لما يجري في العالم الآخر تفسيراً غلب عليه المنطق. 
ولم يكتفٍ أفلاطون بالحديث عن الثواب والعقاب الذي تحظى به النفس 
الإنسانية وفقاً لعملها. بل نراه يخوض في تفاصيل أكثر ذات صلة بالثواب 
والعقاب. وهو الموضع الذي ستنتهي إليه النفوس وفقاً لما تستحق. وهذا 
ما نراه في الأسطورة التي تحدث بها عن مصير النفوس في محاورة فيدون 
حيث ذكر فيها أفلاطون عالمي الفردوس والجحيم". ويبدو موقف أفلاطون 
في هذه الأسطورة مختلفاً في الحكم على الموتىء فهو يصف لنا الحكم على 

حياة الموتى بالشكل الآتى: 

-١‏ من اتسمت حياتهم بالاعتدال يذهبون إلى نهر الأشيرونء ومنه ينقلون 
إلى بحيرة «أشيروزياس». وهو الموضع الذي سيقيمون فيه إلى حين 
تطهرهم من الظلم الذي ارتكبوه ويتم ذلك بما يعانون من آلام. كما 
ينالون ما يستحقون من ثواب في مقابل أعمالهم الحسنة'". بمعنى آخر 
إنهم ينالون ثوابهم وعقابهم عند بحيرة «أشيروزياس»., وهو حكم كما 


نعتقد يتسم بالعدالة. 


.109-١58 حول هذه الأسطورة انظر: الفصل الثالث. ص‎ )١( 


(0) أقلاطونء هِدون.... مرجع سابقء ص .1١17‏ 


عع 


و 


3 


وظائف الاسطورة القلاطونبة 


من ارتكبوا الظلم يكون لهم أحد موضعينء هما: 


ع 


الترتار «الجحيم» يذهب إليه من اتسمت أعمالهم السيئة بالبشاعة, 
كالقتل والسرقات وتدنيس المقدسات. والحكم على هؤلاء يكون 
بإبقائهم في الترتار بلا رجعة. 

نهر «البرفيلجتون» ومنه يذهب إلى بحيرة «أكساموس» أولئك 
الذين اتصفت أخطاؤهم رغم بشاعتهاء بأن من الممكن إصلاحهاء 
ومنها الذنوب التي ترتكب تحت سيطرة الغضب من قبل الأبناء 
بحق الوالدينء ثم يندمون عليها ويكفرون عنهاء فيحكم عليهم 
بالذهاب إلى نهر «البرفيلجتون». حيث يطلبون ممن أساؤوا إليهم 
السماح لهم بالمرور إلى بحيرة «أكساموس». فإذا وفقوا باسترضائهم 
مروا إلى البحيرة لتنتهي آلامهم. أما إذا أخفقوا في استرضائهم, 
فإنهم يذهبون إلى الترتار ليتكرر الأمر مرة أخرىء وذلك إلى حين 
نيلهم رضى من أساؤوا إليهم'". نرى أن فكرة التطهر التي يطرحها 
أفلاطون هنا تتم بنيل رضى من أساء إليه البشر في حياتهم» وليس 
كما هو الحال في فكرة التطهر عن طريق التناسخ حسب رأي 


الأورفية. وبعدها الفيثاغورية» وآمن بها أفلاطون فيما بعد. 


في الفضاى فهم يتحررون مباشرة. وعند وصولهم إلى عليين 


.1119-115 أفلاطونء ضدون.... مرجع سابق» ص‎ )١( 


>60 


تايل اللأسطورة يخ كتدات أفلاطون 


يستقرون فوق سطح الأرض ليُحيوا روحاً دون جسد طوال العمر. 

ويمكن لنا أن نصنف تفسير أفلاطون للحكم على أفعال الإنسان بالآخرة 
بالشكل الآتي: 
-١‏ المعتدلون. 
ا- الظالمون: 

أ- الظالمون بإطلاق (وهم مرتكبو الأفعال الشنيعة عن عمد). 

ب - مرتكبو الأفعال البشعة من دون قصد أو عمد. 
*- الخيرون بإطلاق. 

هذا التصنيف للحكم يمثل موقف أفلاطون الشخصي خصوصاً فيما يتعلق 
بالتطهرء فهو يخالف التطهر الذي يتم بالتناسخ كما ذكره في محاورة مينون 
وفايدروسء, هذا من جانبء ومن جانب آخر يبدو أنه موقف يتسم بالعقلانية 
المعتدلة البعيدة عن التطرفء. فهو يعكس ننا رؤية الفيلسوف العقلية المنطقية 
في تفسير الحكم على الأفعال الحسنة والشريرة التي يقوم بها الإنسان. 

أما «أسطورة خلود النفس» كما ورد ذكرها في محاورة مينون 
فيفسر فيها أفلاطون كيف أن النفس بعد الموت تعود مرة أخرى عن 
طريق التناسخ وهذا يعني أنها خالدة لا تفنى. لقد ترتب على فكرة 
أن النفس خالدة. منطقياً. اطلاعها على المعارف المختلفة. وهذا يثبت 
امتلاك الإنسان للمعرفةء فهو يولد مزوداً بها ولا يكتسبها من العالم 


الخارجي الذي ولد وعاش فيه. إلا أن امتلاك الإنسان لها لا يعني أنه 


يعرف كل شيءء. فهو قد نسي معارفه التي زودت بها نفسه. وهذا يعزز 


اع" 


وظائف السطورة الاقلاطونة 
أهمية التعليم فهو ليس بالمهمة اليسيرةء فالصعوبة فيه تكمن بقدرة الإنسان 
على استعادة معارفه السابقة. لذا نرى أن أفلاطون أولى هذه المسألة اهتماماً 
خاصاً حيث فسرها تفسيراً منطقياً فجاء تفسيره على درجة عالية من الإقناع. 
ويعزز أفلاطون رأيه بخلود النفس بأسطورة أخرى تعد آخر الأساطير التي 
تناولها عن موضوع يتصل بالنفسء وهي «أسطورة المركبة المجنحة». في هذه 
الأسطورة جملة مسائل شغلت فكر أفلاطون, منها: 
- أولاً: إن أفلاطون يسوغ لنا منطقياً لماذا يعتقد بأن المعرفة تذكرء وذلك 
لأن النفس كما جاء على لسان سقراط قوله: «إنها من طوافها بالعالم 
تتخذ هنا وهناك صوراً مختلفة وذلك حين تكون مزودة بالأجنحة تحلق 
في الأعالي على العالم بأجمعه»". وبكلمة أخرى إنها وبسبب هذا 
التحليق قد ألمت بحقائق العالم. وهو سر هيمنتها عليه. 
- ثانياً: يفسر لنا أفلاطون سبب كون معرفة البشر ناقصة مقارنة بمعرفة الآلهة 
الكاملة. وذلك لأن نفوس البشر - كما يرى سقراط - تصاب بالاضطراب 
والتخبط لما تسببه لها الجياد. فهي إما ترفع رأسها نحو المكان الذي يقع 
خارج السماءء ليندفع الجواد في حركة دائرية. يصعب على النفس عندها 
أن تتوجه إزاء الحقائق لما تحدثه الجياد من اضطرابء وإما أن تلك 


الجياد ترفع رأسها مرة وتحنيه مرة أخرىء وبهذا لا تتمكن من السيطرة 


)١(‏ أفلاطونء فإبدروس.... مرجع سابقء ص الا. 


لاع" 


تايل الأسطورة ف كتإدات أقلاطون 


على الجياد. وعليه فلن تتمكن إلا من رؤية بعض الحقائق وعدم رؤية 
بعضها الآخرء وبسبب ما ينالها من التعبء تبتعد ولا تصل إلى تأمل 
الحقائق لذا فهي لا تتغذى إلا بالظن'". إن مسوغات أفلاطون لقصور 
المعرفة البشرية أو نقصها قياساً بمعرفة الآلهة سببه عدم الاستقرار في 
توجه النفس الشهوانية» والغضبية ممثلاً إياها بحركة الجياد غير المنتظمة 
التي تعيق النفس من تأمل الحقائق الكاملة. ومن ثم عدم حصولها على 
تلك المعرفة. وبهذا أراد أفلاطون أن ينبذ السفسطاتيين الذين ينتقلون 
من مكان إلى آخر لإشاعة معارفهم الزائفة» وينتقد كذلك الشباب الأثيني 
الذي يطمع في نيل ما يدعون من معارف حيثما وجدوا. فمن شروط 
اكتساب المعرفة التامة الدقيقة هو الاستقرار على حال معينة. 

ثالثا- تيحاول أفلاطون بيده الأسطورة أن تفسر" لثا سيت: حبوظ النفس 
وحلولها بالجسد. وما يترتب على ذلك السقوط على لسان سقراطء بقوله: 
«النفس التي تفقد أجنحتها فإنها تظل تزحف حتى تصطدم بشيء صلب 
فتقيم فيه»"". بمعنى أن النفس تهبط من السماء إلى الأرض بسبب فقدها 
للأجنحة التي تؤهلها للرقي إلى عالم الكمالاتء التي هي عالم المثل 
وذلك لعدم سيطرة الحوذي على الجياد تفقد ريشهاء فتعجز النفوس عن 


اتباع الآلهة فتظل الرؤية: وكأنها قد امتلأت بالنسيان والفساد. وهنا تثقل 


)0( أفلاطون, كاددروس.... مرجع سابق» ص ع/. 


2 م.ن.. ص الا 


8 


وظائف ااشطورة اللقلاطونبة 


النفوس فتفقد ريشهاء وعندئذ تسقط على الأرض. إن أفلاطون هنا يقدم 
لنا تفسيراً معقولاً لهبوط النفس من العالم السماوي إلى العالم الأرضيء 
وهو التفسير نفسه الذي أعطاها الإمكانية للتحليق» فبزوالها تهبط النفس 
ممثلة بنزول الجياد وما تحدثه من اضطراب وفوضىء تخرج عن سيطرة 
الحوذيء فيكون السقوط إلى العالم الأرضي. ويتصل بعملية الهبوط هذه 
عدة مسائل أراد أفلاطون أن يقدم تفسيراً لها على قدر كبير من الإقناع. 
وهي: 

إن النفس عندما هبطت إلى العالم الأرضي لم تكن رؤيتها موحدة. بل 
رؤىّ مختلفة تعتمدٌ كل رؤية على ما اكتسبته تلك النفوس في العالم 
العلوي من حقائقء وهذا متوقف على قدرة الحوذي على السيطرة على 
الجياد. ومن هنا يصنف أفلاطون النفوس إلى تسع نفوس يتدرج بها وفقاً 
لرؤيتها. وهذا التصنيف الميتافيزيقي لمعرفة النفوس جاء ليعزز رؤيته 
إلى اللامساواة في طبقات المجتمعء فهي ليست مختلفة فقط بسبب 
معدنها الذي صنعت منه. بل بما تملكه من معارف أيضاً. 

إن على الإنسان إدراك المثلء وهذا لا يمكن أن يتحقق لو لم تكن النفس 
قد اطلعت على تلك المثل. بمعنى آخر إن اعتقاد أفلاطون بأن النفس 
كانت تحيا في العالم العلوي هو ضروري لإثبات وجود المثل التي رأتها 
النفس قبل نزولها إلى العالم الأرضي. 

هبوط النفس ونسيانها لما شاهدته. يعزز إيمان أفلاطون بأن 


المعرفة تذكرء فالإنسان مزود بهاء وترسخ عملية الحصول على 


ع 


تايل السطورة يخ كتإدات أقلاطون 


المعرفة غير اليسيرة التي بإمكان كل من شاء الحصول عليهاء فالمعرفة 

تعني استعادة عالم المثل الذي اطلعت عليه النفس في حياتها السابقة 

عندما كانت في العالم السماوي. 

إن أفلاطون على الرغم من أنه يعالج موضوعاً في غاية التجريد الذي يقربه 
من الخيالء لا يمكن فيه أن يحقق لنا الاستعانة بالأدلة والبراهين درجة من اليقين 
والإقناع. إلا أن أفلاطون عندما شرع في مناقشة ما يتعلق بالنفس من مشكلات 
مستعيناً بعدة أساطيرء بدت وكأنها لا تسرد لنا حكاية عن عالم مجهولء بل جعلها 
تبدو وكأنها تقدم لنا تقريراً يصف لنا بدقة متناهية تفاصيل عن ذلك العالم وما 


يجري فيه. 


وفي ختام هذا الفصل يمكن القول إن أفلاطون باستخدامه الأساطير التي 
أشرنا إليها لتؤدي وظيفة ماء سواء كانت نقدية أو سياسية, أو اجتماعية أو 
فلسفية. قد جمع في تلك الأساطير بين الخيال والعقلء واللين والشدة: وبين 
الجد والدعابة» وهذا كله يعكس لنا رغبته الحقيقية في مناقشة المشكلات التي 
يعانيها المجتمع. ومعالجته لما لحق به من أدران اجتماعية وسياسية وفكرية., 
لإعادته إلى سابق عهده. وهذا ما يظهره لنا ظاهر الأساطير التي أشرنا إليهاء أما 
معرفة باطنها فهي موضوع الفصل القادم. من خلال تأويل رموز تلك الأساطيرء 


لعلها تقدم كشفا جديدا لأسرار فلسفة أفلاطونء وتعرفنا حقيقة بها. 


0 


الفصل الخامس 


الرمز ودلالته في الأساطير الأفلاطونية 
(نماذج منتقاة) 


* أولاً: أسطورة خاتم جيجس. 
* ثانيا: أسطورة كرونوس. 
* ثالثاً: أسطورة المركبة أو العربة المجنحة. 


* رابعاً: أسطورة الكهف. 


50 


الرمز ودلالته في الشاطبر القلاطونبة 


الرمز ودلالته في الأساطير الأفلاطونية 
(نماذج منتقاة) 


بعد استقراء أبعاد الأسطورة. والكشف عن وظائفها كما أرادها أفلاطون, 
نذهب إلى فصل القول في هذه الدراسة وهو تأويل رموز بعض من الأساطير 
التي نأمل أن نوفق في إضافة شيء يزيدنا معرفة بفلسفة أفلاطون من خلال 
ما يكشفه لنا الرمز من جوانب حُجبت عنا في فلسفة أفلاطونء أو لم تظهر 
على نحو تام الوضوح. 

ويمكن أن نلخص عملنا في هذا الفصل على النحو الآتي: 
- أولاً: لعل من المناسب قبل الشروع في تأويل رموز عدد من الأساطير أو 

الكشف عن دلالات رموزها أن نقدم لمحة موجزة عن الرمز وما يحمل 

من إمكانات في الأعمال الفكرية والأدبية» بقدر ما يمكن أن يساهم في 
إعطائنا فكرة تعيننا على وعيه وفهمه بصورة واضحة ودقيقة قبل الدخول 

في الكشف عن رموز الأساطير كما استخدمها أفلاطون ودلالاتها. 
- ثانياً: عرض فكرة موجزة عن كل أسطورة ننتقيها لتأويل رموزها. 


ِ ثالثا: حصر رموز كل أسطورة ومحاولة تبويبهاء لتأتي المرحلة 


0١ 


تاريل الأشسطورة ف كتإدات أقلاطون 


الأخيرة. التي هي تأويل تلك الرموز لمعرفة مغزى, أو دلالة كل رمز فيها. 

لقد شغل الرمز حيزاً كبيراً من اهتمام علماء اللغة والاجتماع والأنثروبولوجيا 
والنفس وغيرهم, إضافة إلى الفلاسفة من الذين حاولوا دراسة موروث الإنسان 
الثقافي وتفسيره. كما عكسته الممارسات الطقسية والتفكير الديني والأسطوري 
وغيرهماء حيث لجأ الإنسان منذ بدايات حياته الأولى إلى التعبير عن كينونته 
وصلته بالعالم ومخاوفه وتطلعاته التي لم يشأ أن يكشف عنها الاستخدام المباشر 
للغة لسبب ماء فكان الرمز واحداً من إبداعات الإنسان التي كانت محاولات 
تأويلها مثيرة للجدل, بما يحمله من غموض يثير شوق الإنسان وفضوله للكشف 
عنه. ورسالة قد تنطوي على نقد. أو تحذيرء أو سخرية. أو إصلاح. فكلمة رمز 
«ادطمبرة» كما يشير معجم «أوكسفورد» يمكن أن تدل على عدة معان نذكر 
هنا تمنو اج شي تدرف اسه فقويو | ره و أن لطن او او كلق 
آخرء «ليس تمثيلاً تاماً بل يتم ذلك بأساليب تحمل الكثير من الغموض, كما 
يمكن أن يأتي على نحو عرضي أو بوصفه علامة مقنعة». ويمكن أن يُفهم من 
تعريف معجم «أوكسفورد» للرمز في مكان آخر أنه يمثل سراً عن شيء مقدس 
بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنىء لكل العناصر في القربان المقدس. 
وفي إشارة أخرى يذكر بأن الرمز هو إشارة أو علامة مكتوبةء استعملت لتمثل 
شيئاً ماه حرفا صورة» أو علامة تقليدية وضعت بشكلٍ يقيم نوعاً من العلاقة 
المقنعة في موضوع معينء ومنها تلك الأشكال التي تدل على الكواكب وإشارات 


غ560 


الرمز ودلالته في الأشاطير اللقلاطونة 


البروج”".عندما نتأمل هذه التعاريف التي ورد ذكرها للرمز نقف على عدة 
مسائل حاولت إيضاحهاء ومنها أن الرمز علامة أو إشارة تعبر عن شيء آخرء 
ولكن ذلك لا يدم وصؤزة مباشرة وموضوع تام. بل إنه يحمل شيئاً من الغموض. 
والرمز قد يأتي للإشارة إلى نوع من العلاقة بالمقدس. وهذا يتجلى في 
أنماط من عبارات الأديان التي عرفت الرمز في كثير من نصوصهاء حيث 
اتخذته في طقوسها لتعبر عن الموقف من المقدس. وهناك مسألة أخرى 
وهي أن ذلك الرمز سواء كان إشارة أو علامة مكتوبة. استخدمت لتدل 
على شيء ماء فإن ذلك يتطلب أن يقدم نوعاً من العلاقة الفكرية التي فيها 
درجة من الإقناع تدل على موضوع محدد. بمعنى آخر إن الرمز يحمل في 
مضمونه وأشكاله شيئاً من الغموض والقدسية والإقناع. وكلمة رمز - كما يذكر 
«غادامر» - كانت عند اليونان لفظاً اصطلاحياً يعني «علامة تذكارية». حيث 
كان المضيف يقدم لضيفه ما يعرف بعلامة الضيافة (ننلمنمومط ه»دم1) وذلك 
بأن يقسم شيئاً ما إلى نصفين» فيحتفظ بنصفء ويعطي النصف الآخر لضيفه. 
فلو حدث أن دخل بيت هذا المضيف بعد مرور ثلاثين أو خمسين سنة, 
واحد من نسل الضيفء فعندها يمكن مطابقة القطعتين معاً في فعل من 
أفعال التعرف. فالرمز هنا بمعناه الاصطلاحي يمثل ما هو أشبه بنوع من إذن 


الدخول كان يستخدم في العالم القديم.'" هذا يعني أن الرمز أصلاً عرف لدى 


)0( و02 ر,ؤوعنةط لإأذواء تتلا 0<5010 ,لرمعددماءء01[ تاو اإوط 0120074 1116 


6 م 2 ,آ0/آ ,1970 ,كتة8116 


(0) هانز جورج جادامرء تجلي الجميل ومقالات أخرىء تحرير روبرت برناسكوتيء - 


إعاعانا 


اويل الأسطورة يخ كتإبات أفلاطون 
اليونانيين باعتباره أداة يتعرف بها الإنسان إلى من كانت لهم صلة به سابقاً. 
وقد يكشف ذلك عن حذر اليونانيين من جانبء. وحرصهم على الحفاظ على 
صلات حقيقية تمتد عبر سنين طوال من زاوية أخرى. 

وينظر «غادامر» إلى الرمز انطلاقاً من معناه الاصطلاحي لدى الإغريق 
بقوله: «إن الرمز يتيح لنا أن نتعرف على شيء ماء على نحو ما كان المضيف 
يتعرف على ضيفه بواسطة علامة الضيافة»"2. بكلمة موجزة إن الرمز يخفي 
شيئاً ما لا يمكن لنا أن نعرفه من خلال حرفيته. بل يتم لنا ذلك بمعرفة دلالته 
الكامنة خلف حرفيته. أي بما هو كائن وراء المعنى الظاهري. 

فالرمز يحمل رسالة ما يريد مستخدمه إيصالهاء وإن لم تدرك بصورة 
مباشرة, فالرمز الديني - كما يرى «اإلياد» - يحمل رسالته حتى ولو لم يدرك 
بجملته إدراكاً واعياًء ذلك لأن الرمز يخاطب الكائن البشري كله ولا يقتصر 
ذلك على ذكاته وحسب”". أي إن الرمز لا يدركه الإنسان بعقله وحده. بل 
إنه يدركه بكيانه كله لأنه غير موجه إلى عقله فقط. وهذا يعني - حسب رأي 


«بول ريكور» - أن الدنو المباشر من بنية المعنى المزدوج أمرٌ في غاية الصعوبة, 


ترجمة سعيد توفيق» المجلس الأعلى للثقافة» المشروع القومي للترجمة: 1951, ص .1١5-1117‏ 
)3غ( م.ن.» ص 3207 ,١‏ 
(5؟) مرسيا إلياد. العقدس والعلايء ترجمة عادل العواء دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع» بيروت» 


3-8 ص 109. 


501 


الرمز ودلالته في الأساطر الاقلاطونية 


وذلك لأن الرموز تنتمي إلى حقول بحث متعددة ومتشعبةء وتلك أولى 
المعضلات. أما المعضلة الثانية. فهي أن مفهوم الرمز يجمع بين بعدين بل 
بين عالمين للخطاب. أحدهما لغويء والآخر من مرتبة غير لغوية". أي إن 
ريكور يعتقد أن الصعوبة في الاقتراب من معنى الرمزء إنما تعود إلى تشعب 
الرموز بسبب تعدد حقول المعرفة, وتنوع المجالات التي تضمها من جانب. 
ومن جانب آخر إن الرمز يحمل بعدين أحدهما تحمله اللغة وهو المعنى 
المباشرء والآخر غير لغويء وهو المعنى الكامن خلف ظاهر الرمز. 

ولعلنا نوفق في تأويلنا لرموز الأساطير التي استخدمها أفلاطون في 
الكشف عن موقف أفلاطون الحقيقي الكامن وراء الرموزء التي انطلق منها 
لييث ما فاضت به قريحته ناقداً ومؤسساً ومتطلعاً إلى رموزه التي حملها هذه 
المعاني وغيرها. 

وقبل أن نشرع في تأويل رموز الأساطير التي سوف ننتقيها نود في 
البداية أن نشير إلى أننا سوف نتحرر في هذا الفصل من عبء التاريخ» فلن 
نؤول رموز تلك الأساطير اعتماداً على ترتيب محاورات أفلاطونء بل اعتماداً على 
رؤية تحليلية لهذه الأساطيرء التي نرى فيها تعبيراً عن مجمل فلسفة أفلاطون. 

إن فلسفة أفلاطون التي انطلقت من فكرة جوهرية شكلت 


٠0 بول ريكور, نظرية التأؤويل. ترجمة سعيد الغانميء المركز الثقافي العربي» الدار البيضاى‎ )١( 


ص 40-96. 


/لا0؟ 


تيل الأسطورة يخ كتإدات أفلاطون 
أساس فلسفته كلها وهي المُثلء قد جسدها أفلاطون في محاور رئيسية شغلت 
جل تفكيرهء وهي الأخلاقء والسياسة. والنفسء والمعرفة. وهذه المحاور بينها 
وشائج قوية ليس من السهل الفصل بينهاء فنلاحظ هناك صلة كبيرة بين 
السياسة والأخلاق. والنفس والمعرفة. فلا جدوى من وجود سياسة تفتقر إلى 
القيم النبيلة» ولا معرفة حقيقية دون الإيمان بوجود النفس وخلودها. من هنا 
جاء انتقاؤنا لتأويل بعض رموز أساطير أفلاطون. ووضعها تحت مشارف التأملء 
لأننا نرى أن كل أسطورة من هذه الأساطير تجسد لنا محوراً من المحاور التي 
أشرنا إليهاء حيث تكشف لنا رؤى أفلاطون في الأخلاق» والسياسة: والنفس. 
والمعرفة. 
أولاً: أسطورة خاتم جيجس 

هذه الأسطورة تكشف لنا عن الآصرة التي تربط بين الأخلاق والسياسة 
وتعين على تقديم تصور لما سيطرحه أفلاطون من آراء سياسية فيما بعد 
بمعنى آخر إنها تمهيد لعرض رؤاه السياسية التي سوف تأتي بعد ذلك. 
أ- نبذة مختصرة عن أسطورة (خاتم جيجس) 

كان جيجس كما جاء في الموروثات اليونانية راعياً يعمل في 
خدمة ملك ليديا. وفي أحد الأيام عندما كان يرعى قطعان الملك 
هبت عاصفة ممطرة قوية فأحدثت زلزالاً تسبب بحدوث هوة في 


الأرضء فذهل جيجس مما رأىء ثم اتجه لينظر في تلك الفتحة. ثم 


04 


الرمن ودلالته في الشاطير الاقلاطونبة 


نزل فيها فرأى كثيراً من الغرائب. ومن بين الأشياء التي رآها حصان نحاسي 
احتوى على عدد من الفتحات أو الأبواب. فنظر منها وعندها أبصر جسداً 
ميا وقد بدا له أكبر من جسد الإنسان. ولم يأخذ جيجس مما رآه من أشياء 
سوى خاتم من الذهب كان في إصبع يد الميت. فخرج صاعداً من تلك 
الهوة وبسبب ما أحدثته تلك العاصفة قرر الرعاة إطلاع الملك على ما حدث 
لقطعانه. وفي أثناء اجتماعهم أخذ جيجس الذي كان حاضراً معهم يحرك فص 
الخاتم الذي في إصبعه. فلما صار إلى باطن يده اختفى عن أنظارهم: وعندما 
أداره مرة أخرى ليعيده إلى وضعه الأول ظهر من جديدء فاندهش جيجس 
وأخذ يكرر العملية ليتحقق من ميزة الخاتم تلك. وعندئذ خطط ليكون واحداً 
من الرسل الذين سيحملون التقرير إلى الملكء وحالما وصل إلى بلاط الملك. 
أغوى الملكة؛ فأعانته على التآمر على الملك فقتله واستولى على عرشه". 
ب- الرموز الواردة في الأسطورة وتأويلها: 
-١‏ الخاتم: للخاتم دلالات كثيرة فهو يرمز إلى الزينة التي قد 
تعكس حب الظهور والثراء. وقد يرمز إلى القوة والهيمنة حيث 
يديره المتختم به كيف يشاءء فهو يلبس في إحدى أصابع اليد. 


ما يعني أن الأمور مسيطر عليها كالسيطرة على الخاتم. وما 


)0( ستسة زمع8 تإطئآ' ,متواط زه كعيوماه 11 عط اذ ىأأطبامءظ 1116 ,مأهاط 


.311-312 حرم خاعهزو[ 


-انظر كذلك أفلاطون؛ الجمهورية.... مرجع سابق» ص 579. 


03 


تاؤويل الأسطورة يخ كتدبات أفلاطون 


يدل عليه الخاتم أيضاً عدم الاستقرار والرغبة في التغيير عندما ينشغل 
الإنسان بتحريكهء وربما على عدم الرضى والارتياح. وهذا واضح في 
الأسطورة. إذ تنحصر دلالته في القوة والهيمنة والرغبة في التغييه حيث 
تقود هذه الرغبة جيجس لترك حياة البساطة والخضوع والطاعة المتمثلة 
بالراعي وتحوله إلى حياة القوة والشهوة والحيلة» أو الخداع المتمثلة 
بالملك. 

جيجس: يرمز في هذه الأسطورة إلى القوة الغضبية ويمثل أيضاً طبقة 
الحرسء فهو راع والراعي تتوافر فيه القوة والشجاعة والنباهة إذ بإمكانه 
السيطرة على القطيع وإخضاعه لأوامره. رغم أن القطيع ملك لغيره. 
وهذه الخصال تظهر بعدم خوفه عندما رأى الهوة التي أحدثها الزلزال 
ونزوله فيها وأخذه الخاتم الذي كان في إصبع الميتء وقد يكون أفلاطون 
بهذا أراد أن ينتقد الحكم في أثينا حيث أصبح بإمكان أي شخص أن 
يطمح إلى الوصول إليهء كما هو الحال مع الراعي جيجسء صحيح أنه 
راع يحكم سيطرته على قطيع مسؤول عنه. إلا أن ذلك لا يؤهله لأن 
يسوس الناسء فالحكم كما يرى أفلاطون حكر على الفلاسفة» إما أن يكون 
الفلاسفة حكاماً. وإما أن يصبح الحكام فلاسفة. 

ملك ليديا: هو رمز للقوة العاقلة. وهو الملك الفيلسوف. 

العاصفة الممطرة والزلزال» والهوة التي حدثت في الأرض: جميعها ربما 
كانت ترمز إلى حالة التراجع والتدهور والاضطراب والفوضى التي كانت 


تعانيها أثينا في عصر أفلاطون. 


ا 


1 


الرمز ودلالته في الأساطر القلاطونية 


الحصان النحاسي: هو رمز للحيلة والمكرء وقد استعاره أفلاطون من 
هوميروس «حصان طروادة». فأراد أن يذكرنا بأن حصون طروادة المنيعة 
التي حالت دون هزيمة طروادة واستسلامها للجيش الأثيني. قد هزمت 
في نهاية المطاف بالحيلة والخداع: وهذا يشير به إلى ما سوف يحدث 
لمملكة ليدا التي ستهزمء ويقتل ملكها على يد جيجس. وقد استبدل 
الحصان الخشبي «حصان طروادة» بالحصان النحاسيء لأنه لو كان من 
الخشب لتكسر بفعل الهزة الأرضية. وأراد أفلاطون أن يكون هذا الرمز 
ثانتاً واضحاء قالحيلة والمكن قن أصبحا من القوايت' لذى الإنسان» وطالمًا 
لجأ إليهما لمعالجة مشكلاته المختلفة. 

الفتحات الجانبية العديدة: يشير هذا الرمز إلى أن هناك مداخل كثيرة 
للاحتيال والمكرء يمكن للإنسان أن يستعين بها لتنفيذ مبتغاه. وهنا يريد 
أفلاطون التأكيد على الفجوات الكثيرة التي يعانيها المجتمع الأثيني» فهي 
المداخل التي يمكن لأي شخص اختراقها لتحقيق غاياته بالوصول إلى 
الحكم حتى لو لم يكن مهياً لذلك. 

جثة الميت وحجمها غير المعتاد: هي رمز آخر أراد به أفلاطون 
أن يبرز صورة ملامحها غير منسجمةء وخصوصاً أنه لم يسلط 
الضوء على أي عضو من أعضاء هذه الجثة, باستثناء اليد والإصبع 
التي فيها الخاتم الذهبي. فاليد هنا رمز للبطش والتغيير والهيمنة 


والثراء فى الوقت نفسه. حيث ترمز الحثة - التى يبدو حجمها 


بكسن 


تاؤيل الاشطورة ف كتادات أقلاطون 


-1 


أكبر من جسم الإنسان الاعتيادي - إلى صورة عملاق وهنا يريد أفلاطون 
بهذا الرمز الطاغية الذي تبرز اليد - التي تزين إحدى أصابعها بالذهب - 
حبه للهيمنة والثراء. أي إن أفلاطون جمع بهذا الرمز بين القوة الغضبية, 
والقوة الشهوانية. 

اجتماع الرعاة: رمز ينتقد فيه أفلاطون ما كان يجري في أثينا من 
مناقشاتء فالرعاة هم طبقة العامة بدليل حضور جيجس للاجتماع 
وتحريكه المستمر للخاتم في يده. واكتشاف أمره في ذلك الاجتماع, 
فتحريك الخاتم يرمز إلى الملل والضجر والقلق وعدم الاستقرارء وهو 
يشير أيضاً إلى وجود مشكلة ما. واكتشاف ميزة الخاتم مصادفة يرمز إما 
إلى وجود حقائق يغيب عنا منهج الوصول إليهاء وتقودنا إليها المصادفة 
التي هي إحدى فرص المعرفة الإنسانية» وإما أن البحث المنهجي المنظم 
عن الحقيقة ليس متاحاً لأفراد كل الطبقات وفقاً لنظرية المعادن. 
والمصادفة هنا تعني بلوغ حقيقة لسنا مؤهلين لها في الواقع بطبيعتناء 
ولكن نصل إليها بتدبير قوة خارجة عنا. أي إن أفلاطون أراد بهذا أن 
يقول بأن جيجس هو راع ساذج يفتقر إلى الحكمة التي تؤهله لتولي 
إدارة الدولة. 


9- التخطيط للذهاب مع الرسل لمقابلة الملك: يشير أفلاطون 


بهذا إلى التفكير في تجاوز الطبقة التي ينتمي إليها الفرد. وهو 
ما أكده أفلاطون فيما بعد بفكرة تقسيم المجتمع إلى طبقات. 


وتحقيق الانسجام والعدالة بين تلك الطبقات حينما تلتزم كل 


لم 


520 


-1١ 


-1 17 


الرمز ودلالته في الشاطبر القلاطويبة 
طبقة بحدودها المرسومة لها. فالتفكير في الذهاب مع الرعاة ومقابلة 
الملك. هو الخطوة الأولى للخروج على الطبقة التي ينتمي إليهاء وهي 
طبقة العامة التي يرى أنها جاءت من أرخص المعادنء وهو النحاس. 
الملكة: هي رمز للقوة الشهوانية التي تدفعها رغباتها الشهوانية للتآمر 
مع جيجس على قتل زوجها ملك ليديا. 
تعرض الملكة للإغواء وخضوعها له: هو رمز إلى أن شهوات الإنسان 
ورغباته هي عناصر ضعفء يمكن أن تستغل وتوجه ويحكم السيطرة 
عليها. والسيطرة هنا تتم من قبل النفس الغضبية التي تمثل الحرس على 
طبقة العامة وفقاً للسلم الذي تصوره أفلاطون. 
قتل الملك: هو رمز لقتل الفيلسوفء. والمراد به قتل سقراط الذي تم 
التخلص منه بتدبير تهمة له. وهي إفساد عقول الشبابء» فالفيلسوف هو 
رمز للقوة العقلية التي رأى أفلاطون أنها قادرة على تخليص المجتمع من 
الأدران والمشكلات التي يعانيهاء فلن يصلح المجتمع كما يرى أفلاطون 
إلا عندما يصبح الفلاسفة حكاماً. 


الخلاصة أن أفلاطون بهذه الأسطورة مهد لعرض أفكاره السياسية 


- فيما يتعلق بتقسيم المجتمع إلى طبقات وربطها بأجزاء النفس 


الثلاثة - حيث رأى من الضروري أن يسود المجتمع التخصص في 


وظائفه والانسجام بين طبقاته. وإلا عمت الفوضى وساد الفساد. 


717 


تايل اللسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


ويمكن أن ننظر إلى هذه الأسطورة على أنها قد أوضحت الصلة بين الأخلاق 
والسياسة بجلاء تام فلو كان لهذا الراعي معرفة بالفضيلة لما مارس المكر 
والخداع للتآمر على الملك وإغواء الملكة. والاستيلاء على مملكته. ويُضاف إلى 


جهله بالفضيلة جهله بالسياسة فهو شخص غير مهيأ لممارستها. 


ثانياً: أسطورة كرونوس 

في أسطورة كرونوس”. لا يكشف لنا أفلاطون فقط رؤاه السياسية في 
مسائل الحكم. بل يبين أيضاً انتقاداته التي وجهها إلى ما كان شائعاً في أثينا 
من صراع وتفكك واضطراب. 
أ- نبذة مختصرة عن أسطورة (كرونوس) 

يفتتح أفلاطون الحديث عن عصر كرونوس بقصة النزاع بين 
أتريوس وثيستيس وكذلك ولادة الحمل الذهبي ثم يأتي بعد ذلك 
حدث له دلالته هو عكس حركة الشمس والنجوم من قبل زوس باتجاه 
مضاد تماماً لحركة سيرهماء ثم ينتقل للحديث عن عصر كرونوس 


الذي كان يدير الكون ويتولى رعايته. ثم يتركه ليجري بنفسه في 


(*) لقد أشار أفلاطون إلى عهد كرونوس في أكثر من موضع من محاوراته. حيث ذكره في محاورة 
جورجياس التي تناول فيها محاكمة النفوسء كما ذكره بكتاب القوانين في الكتاب الرابع الذي 

تطرق فيه إلى الحديث عن موقع الدولة وأنواع الحكم. لمزيد من الاطلاع ينظر: 
,285[ ,0غ19[ 0ه ,292 م ,قاع0[ متسدزصء8 ترط نآ رمقلعئه© ,مغداط 


صط بأاع01[ متمدزوعظ بإ6 .11 


ع1" 


الرمن ودلالته في الأساطير الأقلاطونبة 


الاتجاه المعاكس لما كان عليه. وذلك لأن الثبات على حال واحدة وعدم 
التغير هو من خصائص الأمور الإلهية المقدسة. أما الكون فله طبيعة الجسدهء 
لذا يطرأ عليه التغير والتبدل» وسير العالم في الاتجاه المعاكس يتم بحركة 
مطردة في المكان نفسه وعلى الصورة نفسهاء فهي حركة تتم في دائرة لأنها 
تشكل أقل انحراف ممكن بالنسبة إلى حركته الأولى. بعدها ينتقل أفلاطون 
لتفصيل ما يحدث للكون بفعل الحركة المعاكسة. حيث يحدث تغير للأحياء 
والأموات» فبالنسبة إلى الأحياء تتوقف الكائنات الحية عن التقدم في السن ثم 
ينعكس نموهاء لتعود مرة أخرى من مرحلة النضج إلى نقطة البداية التي هي 
الطفولة ثم الانتهاء. أما الأموات فيتخذون شكلاً معيناً ويعودون مرة أخرى إلى 
الحياة حيث يولدون من الأرض. 

بعد أن يعرض ما حدث في الدورة المعاكسة للكون ينتقل أفلاطون إلى 
الحديث عن الحياة في عصر كرونوسء عندما ما كان يدير الكون ويحيط كل 
شيء برعايته. فكانت الحياة مثالية.ء كل شيء بها يؤكد وجود العناية الإلهية, 
فالثمار تنبت من نفسها من أجل البشرء وأجزاء الكون مقسمة إلى مناطق 
تحكمها الآلهة» والحيوانات تتوزع بأجناس وقطعان على آلهة صغارء فكل إله 
يرعى ما هو صالح لقطعانه. وامتاز حكم كرونوس بغياب العنف. فالحيوانات 
لا يأكل بعضها بعضاً. ولم تقم حرب بينهاء أما حياة البشر فكان يرعاها كرونوس, 
لذا لم تكن هناك دول وحكومات. وجميع البشر خرجوا من الأرض لا يذكرون 


شيئاً عن الماضيء فلم يعرف البشر الزواج والولادة. 


510 


تأؤييل الأسطورة يخ كتإدات الفلاطون 

بعدها يهلك الجنس المولود من الأرض وتدفن كل نفس في الأرض 
عدد المرات المقدرة لهاء وعندها ترك كرونوس إدارة العالم مكتفياً بمراقبته. 
وتخلى الآلهة الصغار عن مناطقهم تاركين ذلك للقدر أو للقوة الذاتية الكامنة 
في العالم» فعكسا دورة الأرضء وبسبب هذا الانعكاس هلكت الكائنات الحية 
الضعيفة. وبعد انقضاء فترة من الزمن خيم الهدوء على العالم فرجع إلى سيره 
المعتاد متولياً أمر نفسه. وأمر جميع الكائنات التي يضمهاء حيث تنفذ تعاليم 
الإله بدقة أول الأمرء ثم يجري تنفيذها بشيء من الإهمال وعدم الاكتراث بعد 
ذلك» وبمرور الزمن نسي العالم تعاليم الإلهه فعمت حالة الفوضىء وعندما بلغت 
ذروتها أصبح العالم منطوياً على خير قليل وشر كثيرء فغدا معرضاً لخطر يدمره 
ويدمر جميع الكائنات فيه. وهنا ينظر الإله مرة أخرى بحنو إلى العالم ثانية 
بعد الفوضى التي كادت تجعله يتلاشى فيعيد الإله إلى العالم نظامه ويجعله 
خالداً أبديا حيث تعكس دورة العالم إلى وضعها الأول فيعكس معها كل شيء 
تبعاً للوضع الجديد للعالم فالمخلوقات التي ضمرت وتضاءلت تأخذ بالنموى 
والأطفال الذين ولدتهم الأرض شابوا ثم ماتواء وعادوا إلى الأرض ثانيةً. ولاءم 
الحمل والولادة وضع المخلوقات في التغير الجديد في الحمل والولادة. حيث 
تلاءم وضع المخلوقات مع صورة التغير. أما بنو البشر فتشير الأسطورة إلى أنهم 
قد تركوا عاجزين ليس هناك من يحميهم, لذا أصبحوا عرضة لخطر الوحوش. ونظراً 


إلى عجز الإنسان عن حماية نفسه وسد حاجاته بنفسه فقد وهبت له الآلهة 


711 


الرمز ودلالته في الأساطر الاقلاطونية 


الهبات. فوهب له بروميثيوس النارء ووهب له «هيفستوس» و«أثينا» الفنون 
والصناعاتء ووهبت له آلهة أخرى الحبوب والنباتات» وبهذا استطاع البشر أن 
يتدبروا حياتهم منشغلين بأنفسهم كبقية مخلوقات هذا العالم.” 
وقبل البدء بذكر رموز هذه الأسطورة وتأويلها نود أن نشير إلى أن 
هذه الأسطورة تختلف عن بقية الأساطير التي ذكرها أفلاطونء لأنها لا تسرد 
لنا جكايةٌ متصلة الأحذاك حول حدث معين. بل قضصف الخناة عبر مراجل 
ثلاث. تمثل المرحلة الأولى الحياة في عهد الدورة المعكوسة لنظام الكون, 
ثم تأتي المرحلة الثانية التي يتم التطرق فيها إلى الحياة في حكم كرونوس, 
وبعدها تأتي المرحلة الثالثة» التي يشير فيها إلى عطف وحنو كرونوس على 
العالم وإعادته إلى نظامه الأولء فرغم تشعب الأحداث واختلافها إلا أن محورها 
جميعاً يدور حول كرونوسء موضوع الأسطورة. حيث تجري الأحداث عبر ثلاث 
دورات» هي: 
-١‏ العالم في الدورة المعاكسة: وهو يدار من قبل القدر, والقوة الذاتية 
الكامنة فيه. 
"- العالم في عصر كرونوس. 


- إعادة الإله العالم إلى وضعه الأولء وجعل نظامه خالداً. 


)١(‏ حول تفاصيل هذه الأسطورة. ينظر: 
.586-589 «زع اق.جه ....متهام كه كعلتهه[012([آ عا 101 ,5124125771011 ,0غ2132 


71/ 


تايل الأسطورة ف كتإدات أقلاطون 


ب- الرموز الواردة في الأسطورة وتأويلها: 


-١ 


3 


أتريوس”": هو رمز للقوة العاقلة» ويرمز هنا إلى الحاكم. 

فيستيس: يرمز إلى القوة الغضبيةء ويمثل طبقة الحرسء. فهو يصارع من 
أجل الوصول إلى الحكمء ولا يتردد لتحقيق ذلك في اللجوء إلى الإغواء 
والخديعة. حيث يغوي زوج أتريوس للحصول على ذلك الحمل الذهبي. 
الحمل الذهبي: رمز مادي يؤكد أن الحق في الحكم لمن يحظى به هبة 
من الآلهة. هو علامة على تميز الحاكم من غيره. 

زوس: يبدو هنا رمزاً للنظام والرعاية والعدل حيث يعكس حركة الشمس 
والنجوم. كدليل لحق أتريوس في الحكم. 

انعكاس حركة الشمس والنجوم: هو رمز مجرد يعزز حق أتريوس في 
الحكم بخرق النظام المألوف والقدرة على استبداله. بمعنى أن الإله زوس 
أراد أن يعجز ثيستيس بهذا البرهان الذي يمثل معجزة لا يمكن له الإتيان 
بمثلهاء كما استحوذ على البرهان المادي «الحمل الذهبي». هذا الرمز 
أراد به أفلاطون أن يؤكد ما طرحه في محاورة الجمهورية في أسطورة 
أبناء الأرض التي ميز فيها الإله بين طبقات المجتمع من خلال المعادن 


المختلفة التي تكون منها أفراد البشرء بمعنى آخر إن الحاكم مميز من قبل 


.111-١7١ حول تفاصيل النزاع بين «أتريوس» و«ثيستيس» ينظر: الفصل الثالث,. ص‎ )١( 


711 


3 


34 


الرمز ودلالته في الأساطر القلاطونية 


الإله. فهو ينتمي إلى طبقة الذهب. لعل ذلك هو أساس القول بالحق 
الإلهي في السيطرة والحكم. 

كرونوس: هو ابن جيا «الأرض» وأورانوس «السماء» الذي لبى دعوة أمه 
بالتخلص من أبيهء ثم تزوج أمه. قتل الأب والزواج من الأم يمنح شرعية, 
ويتكرر ذلك في الأماطير وحكايات الملوكء حيث اعتلى عرش أبيه في 
الأوليفوسن ‏ معلنا 'بيتظركه "عليه وإخضاعة- لف فامغاة عصرة بالازدهاد 
والرخاء. فعرف بالعصر الذهبي. يريد أفلاطون بهذا الرمز التذكير بأثينا 
الغابرة في ذلك العصر الذي يمثل عهداً مثالياً خلا من النزاعات بين 
البشرء وبين سائر المخلوقاتء. وساد السلام والأمنء والحصول على ما يلبي 
كل الحاجات. فلم تشعر المخلوقات فيه بحاجتها إلى الغذاء والمأوى 
والأمنء فعصر كرونوس رمز لحكم مثالي يكون فيه الحاكم قادراً على 
الوفاء بكل حاجات الرعية ومتطلبات حياتهم. يريد أفلاطون هنا نقد 
العصر الذي يعيش فيه. وهو عصر سادته الفوضى والاضطراب والتراجع 
عما عرف بالعصر الذهبي. 

ما يحدث للكون في الدورة المعاكسة (الأحياء والأموات): 
يرمز توقف الكائنات الحية عن التقدم في السن إلى التقهقر 
والتراجع.ء ويتضح ذلك بحالة التراجع بعكس النمو من 
الشيخوخة إلى الشبابء فالطفولة والانتهاء. وكذلك فقد علامات 


الرجولة للشباب. فالشيخوخة ترمز إلى النضج والحكمة والتعقل, 


51 


تيل الاأمطورة يخ كتابات الفلاطون 
بينما يرمز الشباب رغم امتلاكه للطاقة والحيوية إلا أنه يفتقد الحكمة, 
فيتصف سلوكه بالاندفاع والتسرع والطيش وخصوصاً بفقد علامات الرجولة 
التي تشير إلى حالة التقدم نحو النضج والتعقل والاكتمال والمسؤولية 
والطفولة ترمز في جانب منها إلى الجهل وعدم المعرفةء وهو ما يحاول 
أفلاطون إبرازه هنا. كما ترمز إلى البراءة والبساطة أي الافتقار إلى الخبرة, 
وهذا كله يؤكد اقتناع أفلاطون بأن العهد الذهبي «عصر كرونوس» قد 
ذهبء فكل شيء يرمز إلى حالة التراجع من النضج والكمال إلى النقص 
والتراجع. ربما يمكن قراءة ذلك كأنه فلسفة للتاريخ عند أفلاطون... 
أساسها أن الزمن يمثل تراجع الإنسان ومؤسساته كما تتراجع معارفه 
من المثل إلى المعارف الناقصة. أما عودة الموتى إلى الحياة فترمز إلى 
خلود النفس التي تعود مرة أخرى بعد الموت. وهو هنا يشير إلى أن 
التغير الذي يحدث لا يشمل الأحياء فقط بل الأموات أيضاً. ويشير اختفاء 
حالات الحمل والولادة إلى غياب الأنثى في هذه الدورة» ومن ثم غياب 
الإنجاب. فأفلاطون الذي ألغى الأسرة في الجمهورية» نراه هنا يلغي 
الإنجاب, بالتخلص من المرأة» فهي رمز إلى الخصوبة وتجدد الحياة في 
هذه الدورة المعاكسة لحركة الكون المبدئية.ء حيث تراجع فيها كل شيء 
عما هو مألوفء فالعالم يُسير بصورة آلية» الأحياء يتراجعون إلى الموت. 


والأموات يعودون إلى الحياة وهكذا. 


7 


الرمز ودلالته في الأساطر الاقلاطونية 


العتانا في عهد كرونوس: أرك. أفلاطون أن جرس بها إلى النطام «والعتاية 
والانضباط إذ تشير كل التفاصيل في حكم كرونوس إلى ذلك. فانقسام 
أجزاء الكون إلق #مناطق: ترمق إلى التخصض» وإذا كان كروتوين هو ترمة 
للقوة العقلية. وهو رمز للفيلسوف الحاكم: فالآلهة الأخرى التي تسيطر 
على الحيوانات والمناطق في هذا العالم يمثلون طبقة الحرس التي 
تتلقى الأوامر من كرونوسء وهذا يتضح بغياب الصراع بين الحيوانات, 
فهي لا تأكل بعضها بعضاًء كما يرمز عدم ظهور الدول والحكومات إلى 
غياب النزاع والأنانيات والمصالح الفردية بين البشر. ويشير غياب الزواج 
بين الرجال والنساء إلى اختفاء القوة الشهوانية. والعيش عراة في عصر 
كروسن ترم إلى العيق ابووق: قي قنصل عي التشر قن عام مقا 
أشبه بعالم الفردوس. أما العيش في الهواء الطلق فيرمز إلى العيش وسط 
أجواء نقية خالية من المكايد والدسائس. واتخاذ البشر في عهد كرونوس 
من العْشْب مضاجع لهم يرمز إلى النقاء والأمن والسلام وطمأنينة البشر 
إلى عدم خوفهم من الحيوانات التي قد تتعرض لهمء كما يشير إلى 
قناعتهم وإيمانهم بوجود رعاية إلهية صارمة تحيط بهمء فتحكم سيطرتها 
على كل شيء. أراد أفلاطون بهذه الرموز أن يؤكد النظام في عهد كرونوس 
الذي كان غاية في الدقة والصرامة. وهذا كله تجسيد لكماله كما يرى 
1 اشن حمر ازودى الل يعيفن فيه 


7/1 


تؤيل الأسطورةي كتادات افلاطون 


3 


إعادة العالم إلى وضعه الأول وجعل نظامه خالداً: لعل ذلك يُمثل الموقف 
الفلسفي لأفلاطون القائم على نظرة محافظة على العلاقات الإنسانية 
والاجتماعية تتجلى في جوانب مختلفة من فلسفته. فهذه المرحلة التي 
تعيد العالم بعد الفوضى التي كادت تقضي عليه بفعل عكس دورة العالم» 
تشير إلى نظرة الإله الحانية إلى العالم» وعودته لتولي إدارة الدفة مشيرة 
إلى ضرورة وجود النظام: فبدونه تسود الفوضى والاضطرابء كما أوضحت 
ذلك الأسطورة التي تحدث فيها عن الدورة المعاكسة. وما حدث فيها 
للكون كله. وترمز إلى إعادة النظام إلى العالم وجعله خالدا وإلى الثبات 
فما يحدث في العالم من تغيرات يشير إلى النقص. فالمخلوقات في هذا 
العالم هي أشباح لا تستقر على حالء فهي في حالة نقص مستمر. أما 
نظام العالم فيمتلك الثبات الذي يدل على كماله. 


ث 


ويرمز إلى نمو المخلوقات من جديد. فمن ولدتهم الأرض شابواء ثم 


ماتواء ثم عادوا إلى الأرض مثلما عاد الحمل والولادة إلى الكائنات الحية. هذه 


التفاصيل كلها ترمز إلى دورة الحياة في الولادة والنموء ثم الذبول والانتهاء. 


وكذلك غياب الآلية في تفسير ما يحدث في العالم. وحديث أفلاطون يبدو هنا 


فيه أنه أصبح أكثر واقعية من المرحلة الأولى التي يبدو فيها ناقداً ذاماً لكل 


ما يحدث في الحياة. ومن المرحلة الثانية التي يبدو فيها مثالياً حالماً يرسم فيها 


حياة مثالية للبشر وللمخلوقات الأخرىء فلا نزاع بينهم ولا نقص في متطلبات 


ا 


الرمز ودلالته في الشاطبر القلاطويبة 


حاجاتهم بمعنى آخر إنها الدولة التي يرغب أن يكون كل شيء فيها وفقاً لما 
ينبغي أن يكون. وتتجلى رؤية أفلاطون في أنواع الحكم التي تتعاقب على حياة 
البشر, فبرأيه إن الآلهة قد وهبت للإنسان الهبات. حيث يرمز بروميثيوس الذي 
وهب للبشر النار إلى الحكم الملكي الذي يحظى به فردء ويمثل الفيلسوف 
الملك. ويرمز هيفستوس وأثينا اللذان وهبا لهم الفنون والصناعات إلى الحكم 
الأرستقراطي الذي يتولاه اثنان أو أكثرء بينما ترمز الآلهة الأخرى التي وهبت 
للبشر الحبوب والنباتات إلى الحكم الديمقراطي الذي تشترك فيه الأغلبية. فمن 
هذه الأنواع الثلاثة المتعاقبة تشكلت حياة البشر في هذا العالم» حيث يعيشون 
ويتغيرون تارة مع هذا الشكل من الحكم, وتارة مع شكل آخر. بمعنى أن هذه 
الأنواع الثلاثة من الحكم تتعاقب على حياة الإنسان» وهذا التغير ينسجم مع 
طبيعة العالم المادية التي تجعل من سماته عدم الثبات على حالٍ واحدة. 

هذه الأسطورة عكست رؤية أفلاطون السياسية في الحكم والشروط 
الواجب توافرها فيمن يتولى إدارة شؤون الدولة. وعبرت عن وجهة نظر أفلاطون 
الناقدة لحالة التراجع والتدهور التي يعانيها المجتمع الأثيني» إذ حاول أن يسلط 
الضوء على حالة التراجع والابتعاد عن الكمال من خلال حديثه الذي ورد في 
هذه الأسطورة عن كمالات عصر كرونوس. فالعودة إلى الماضي والتذكير به 
إما للنقد وإما شحذ الهمم من خلال إحياء أمجاد الماضيء فلعل فيه إصلاح 
المجتمع. 


ا 


تؤريل الأمطورة يي كتإبات افلاطون 
كالقاء أسظورة المركئة أو الكرية المستحة 

كان اختيارنا لهذه الأمطورة لتأويل رموزهاء بسبب أهمية موضوع النفس 
لدى أفلاطونء لقد كان هذا الموضوع الأوفر حظاً من بين الموضوعات التي 
عبر أفلاطون عنها بكثير من التفصيل مستعيناً بالأمطورة, إضافة إلى أهمية 
موضوع خلود النفس في فلسفة أفلاطونء» وعلاقة ذلك بالمعرفة» وكيفية 
الحصول عليها. وبالنظر إلى ما يراه أفلاطون من أهمية النفسء وأثر كمالها 
في رقي الفرد وإصلاح المجتمع والتميز بين طبقاته. فقد حاول أفلاطون أن 

يربط تلك الطبقات بأجزاء النفس الثلاثة. العقلية. والغضبيةء والشهوانية. 

أ- نبذة مختصرة عن (أسطورة المركبة المجنحة): يفتتح أفلاطون سرده 
للأسطورة بتصوير طبيعة النفس بمركبة تتألف من جوادين مجنحين وسائق 
يقودهماء ثم ينتقل إلى الحديث عن نفوس الآلهة, مشيراً إلى أن جيادها 
وسائقها جميعهم أخيار ومن سلالة خيرة. في حين أن الموجودات الأخرى 
عناصرها مختلطة, وهذا يجعلها غير متجانسة الأجزاء. فأحد الجياد جميل 
ومن سلالة جيدة, بينما الجواد الثاني طبيعته وسلالته متدنيتان. ثم ينتقل 
إلى البحث عن فكرة الفناء أو الخلود من أين جاءت للكائن الحي؛» وهو 
أن النفس عندما تكون مزودة بالأجنحة فإنها تحلق في الأعالي» وتشرف 
على العالم؛ وفي أثناء ذلك تتخذ من هنا وهناك صوراً مختلفة. أما النفس 
التي تفقد أجنحتها فإنها تظل تنزل حتى تصطدم بجسم صلب فتقيم 


قا 


الرمز ودلالته في الأساطير القلاطونة 
فيه متخذة جسماً أرضياً فتكون عندئذ مصدر قوته. فالكائن الحي هو 
المركب من النفس والجسمء وهو يوصف بأنه فان. ثم تنتقل الأسطورة 
بعد ذلك لتصوير الكائن الخالد «الآلهة» فهو مؤلف أيضاً من نفس وجسم 
مرتبطين معأ يقود موكب السماء الإله زوسء متقدماً سير الجميع» حيث 
يوجه جميع الأشياء ويرعاهاء ويتبعه جيش من الآلهة وأنصاف الآلهة, 
وقد انتظمت في إحدى عشرة فرقة في حين تبقى هستيا (دنا»8) 
«الأرض» في منزل الآلهة. وكل إله يقوم بمهامه. دون وجود أي أثر للغيرة 
في صدور الآلهة. وتجتاز مركبات الآلهة المرتفعات الوعرة التي تؤدي 
إلى قبة السماء بيسر وسهولة بسبب تكوين جيادها الخاص وانصياعها 
لتوجيه السائق. فالنفوس الخالدة حينما تصل إلى القمة تتجه إلى الخارج 
فتقف في قمة القبة حيث تدرك الحقائق» أما النفوس الأخرى فهي 
تسعى لتتبع موكب الآلهة وعندها إما أن يرفع سائقها رأسه نحو المكان 
الذي يكون خارج السماء فيندفع بحركة دائرية بحيث يصبح من الصعب 
على تلك النفس أن تتجه نحو الحقائق «المثل». بسبب الاضطراب الذي 
تسببه لها الجياد. وإما ترفع رأسها مرة وتحنيها أخرىء ولأنها لا تستطيع 
السيطرة على الجياد لذا فهي تتمكن من رؤية بعض الحقائق» وعدم 
رؤية بعضها الآخر. وتصور الأسطورة كيف أن رغبة النفوس في الصعود 
تجعلها تتبع بعضها ولكن بلا جدوىء. فتتخبط في الازدحام. وتصطدم 


7/0 


تؤيل الأسطورةي كتادات افلاطون 


بعضها ببعضء وبسبب ذلك تعجز كثير من النفوسء» بسبب عدم سيطرة 
قادتها على الخيولء فتفقد ريشها الذي يمكنها من الارتفاع» حيث تقصر 
عن وصولها لتأمل الحقائقء ولأنها لم تتمكن من رؤية الحقائق فلا 
تتغذى إلا بالظن. وفي وضع النفوس هذا تصدر داستنيا (برمنوء0) «ربة 
القصاص» قانونها على النفوسء فالنفوس التي كانت بصحبة إله وتوصلت 
إلى رؤية بعض الحقائق الصحيحة. فإنها تسلم من الشرور حتى الدورة 
التالية. وعندما تكون قادرة على الاحتفاظ بتلك الرؤية فإنها تظل بمأمن 
من أي أذى. أما النفوس التي عجزت عن أن تتبع الآلهة وضلت الرؤية 
كأنها قد حملت بالنسيان والفسادء فتثقل وتفقد ريشها ساقطة إلى الأرضء 
وعندها يصدر حكم عليها بأنه لا يمكن أن توجد في أي حيوان عند بدء 
توالدها على الأرض. أما النفوس التي رأت بعض الحقيقة فيصنفها وفقاً 
لرؤيتهاء وهي كالآتي: 

النفس ذات الرؤية الشاملة تستقر في رجل تهيأ ليصبح فيلسوفاً أو فناناً 
أو موسيقياً يمتلك مزاج محب. 

الدرجة الثانية من النفوس تستقر في ملك عادل (يحكم بالقانون)» أو 
في محارب ماهر في القيادة. 

الدرجة الثالثة تستقر في سياسي أو اقتصادي أو تاجر. 

الدرجة الرابعة تستقر في محب الرياضة أو في شخص مهتم بإصلاح 


الجسم, كأن يكون طبيباً مثلاً. 


الا 


الرمز ودلالته في الأساطر القلاطونية 


0- الدرجة الخامسة تناسب حياة عراف أو كاهن معني بطقوس العبادة. 

1- الدرجة السادسة تناسب شخصية شاعر أو فنان من أولئك المنشغلين 
بالمحاكاة. 

ا- الدرجة السابعة تناسب حياة صانع أو مزارع. 

8- الدرجة الثامنة تناسب السفسطائي أو الخطيب. 

9- الدرجة التاسعة والأخيرة وهي للطاغية المستبد”". 

ب- الرموز الواردة في الأسطورة وتأويلها. 

-١‏ المركبة: هي رمز مادي يشير إلى الجسد أو الجسم. وهذا تأكيد أن 
الإنسان يتألف من جزءينء مادي وهو الجسد. وروحي وهو النفس,. 
فالمركبة هي المكان الذي تستقر فيه النفسء وسيرها وتجوالها في العالم 
العلوي» يرمز إلى توجهها نحو قمة السماء أي نحو المثل للاطلاع عليهاء 
بمعنى أن النفس بأجزائها المختلفة تتوجه إلى قمة السماءء. فالعربة هي 
المكان الذي تتجمع فيه تلك الأجزاء «العاقلة, والغضبيةء والشهوانية». 

"ا- الجوادان المجنحان: أحدهما يرمز إلى النفس الغضبية. وهو 
الجواد الأصيل المطيعء ويرمز هنا أيضاً إلى طبقة الحرس التي 
تتلقى الأوامر من طبقة الحكام وتنفذهاء وهي أيضاً تمثل الصلة 


التي تربط بين القوة العقلية والقوة الشهوانية. أما الجواد الآخر 


)1( .124-55 جم ماك.م0 ,...قتاملعقط2 ,1260م 


للا 


تؤيل الأسطورةي كتادات أقلاطون 


سٍ 


-0 


5 


غير الأصيل فيرمز إلى النفس الشهوانية» ويرمز إلى طبقة العامة التي 
تهيمن عليها طبقة الحرس. ويرمز الجناح إلى الأداة أو الطاقة أو القوة 
التي يستعان بها للتحليق ورؤية المثل. 

سائق العربة أو الحوذي: هو رمز للنفس العاقلة.ء وهو يشير إلى طبقة 
الفلاسفة التي تهيمن على طبقة الحرس. 

مركبة الآلهة: رمز أراد به أفلاطون أن يقارن بين نفوس الآلهة ونفوس 
البشر. فهي أيضاً مؤلفة من جسد ونفس إلا أنها تختلف عن نفوس البشر 
بأنها أكثر انسجاماً بين أجزائها من نفوس البشرء وسبب ذلك أن خيول 
هذه العربة وقائدها كلها أصيلة وخيرة. وهذا يؤدي إلى انسجامها خلافاً 
لمركبة نفوس البشر التي تمتاز باضطرابهاء لأن خيولها وقائدها غير أصيلة 
وغير خيرة. وبسبب الصراع بين النفس العاقلة والغضبية والشهوانية. 
تكون غير منسجمة إذ إنها ليست من طبيعة واحدة» وهنا يعاود أفلاطون 
الترميز بالمعادن» الذهب والفضة والنحاسء التي أشار إليها في محاورة 
الجمهورية» ويعيد التذكير بها هنا لتأكيد التمايز الطبقي بين البشر. 
التحليق: ويرمز فيه إلى رغبة النفس في السمو والارتفاع لرؤية الحقائق 
والاطلاع عليها تمييزاً لها من المادة أو الجسم. وتمثل الرغبة في رؤية 
المثل «كمالات الأشياء». 

فقد الأجنحة: رمز للعجز والقصور في الحصول على المعرفة, 
وهو يشير إلى عدم امتلاك الأدوات التي تعين الإنسان على 


الحصول على المعرفة, فليس كل إنسان بطبيعته مهيأ لها. ويريد 


ايض 


/ا- 


-6 


9 


-|٠ 


ك١‎ 


الرمز ودلالته في الأساطر القلاطونة 


أفلاطون بهذا الرمز أن يؤكد أن المعرفة هي حكر على الفلاسفة الذين 
يمتلكون القوة العاقلة التي تعينهم على معرفة المثل. 

اتصاف الطبيعة الإلهية بالجمال والحكمة والخير: يريد أفلاطون بهذا 
أن يصل إلى أن نفوس الآلهة متناغمة وعاقلة وخيرة. وهذا يعود إلى 
طبيعة المركبة وأصالتها وخيولها وقائدهاء خلافاً لنفس الإنسان التي هي 
خليط غير متجانس بين النفس العاقلة والغضبية والشهوانية. وهذا يعني 
أن أفلاطون يريد أن يبين أثر الاختلاف في نفوس البشر بما يجعلها غير 
منسجمة بعضها مع بعضء ومن ثم ليس من السهل قيادها. 

زوس: قائد موكب السماءء. هو رمز للنظام والرعاية. 

الآلهة وأنصاف الآلهة التي تتبع زوس: هي رمز لمساعدي زوس الذين 
ينفذون أوامره» وهنا يريد أفلاطون أن ينتقد المجتمع الإغريقي مقارنة 
بمجتمع الآلهة المثاليء وذلك لافتقاره إلى وجود قائد يحكم سيطرته على 
المجتمع: ويحيطه برعايته. كما ينتقد المجتمع الإغريقي الذي لا ينفذ 
أوامر القائد إن وجدء كما هو الحال مع الآلهة أتباع زوس. 

هستيا «دذ:ه»11» «الأرض»: هي رمز للثبات والاستقرارء وهي هنا رمز مادي 
يشير إلى المكان وقد يكون أفلاطون قد أراد بها التذكير بأثينا الغابرة. 
ولعل أفلاطون بتميزه بين الآلهة وسواهم.ء بأن الآلهة لا توجد 
في صدورهم الأحقاد والحسد والغيرة والضغائنء وهو الشرط 


الأول للانسجام والصفاء الذي يعكس كمالهم. ويريد أفلاطون 


7 


تاؤويل الأسطورة يخ كتبات افلاطون 


1 


11” 


ع1- 


-160 


-15 


هنا أن يقارن من خلال هذا الرمز بين مجتمع الآلهة ومجتمع البشر, 
ويعرب عن رغبته في إعادة الصفاء والإخلاص إلى نفوس البشر وتطهيرها 
من الضغائن والحسد. لإصلاح المجتمع والسمو بالنفوس نحو الكمال. 
المرتفعات الوعرة: ترمز إلى المشقة في الوصول إلى قبة السماء حيث 
تشاهد المثل التي تجتازها مركبات الآلهة بيسر بسبب أصالة الجياد التي 
تقودها وخيريتها. فالوصول إلى الكمال ليس بالأمر الهين وإنما يتطلب 
عناء ومشقة. 

القبة السماوية: يرمز بها أفلاطون إلى مثال الخير الذي هو قمة المثل 
التي رتبها أفلاطون على شكل هرم جعل قاعدته مثال الحق والجمالء 
وفي قمته مثال الخير الذي يمثل مصدر النور لجميع الأشياء. 
الاضطراب ورفع الرأس وانحناؤها: رمز يشير إلى الصراع وعدم الانسجام 
والاستقرارء وهنا يريد أفلاطون التأكيد أن المعرفة وتأمل الحقائق لا تتم 
بدون الاستقرار الفكري والنفسي. 

رؤية بعض الحقائق وعدم رؤية بعضها الآخر: رمز يدل على نقص معرفة 
البشر إذا قيست بمعرفة الآلهة فبلوغ الكمال في المعرفة أمر يقصر عن 
بلوغه البشر وأقصى ما يستطيعون أن يسعوا باتجاهه. فكأن كمال النفس 
الإنسانية محدود بالسعي نحو الكمال - الذي هو للآلهة - لا بلوغه. 
الرغبة في الصعود: رمز لرغبة النفس في استعادة معارفها التي 


7 


/1؟- 


-18 


م 


الرمز ودلالته في الأساطر القلاطونية 


نسيتهاء فعندما تتذكر بعضاً مما رأته سابقاً تشعر كأن ريشاً ينبت لها. 
فترغب في التحليق» أي في الارتقاء والسمو لمعرفة المثل. 

ابتعاد النفوس عن تأمل الحقائق: رمز إلى استحالة الوصول إلى مثال 
الخير الذي هو أصل جميع الحقائق. لأن أفلاطون رتب المثل على شكل 
هرم قاعدته مثال الجمال والحقء وقمته مثال الخيرء ما يعني أن هناك 
طريقين يسلكهما الإنسان للوصول إلى القمة: أي إننا لن نصل أبداً إلى 
هذا المثال لأنه بعد أن يسلك الإنسان أحد الطريقين» فيصل إلى مثال 


الخيرء ينحدر مرة أخرى ليسلك الطريق الآخر. 


الخير 


الجمال الحق 

تغذي نفوس البشر بالظن: يرمز أفلاطون بهذا إلى سمة المعرفة 
الإنسانية فهي متغيرة ليست صادقة دائماً كالمعرفة العقلية ولا هي 
كاذبة دائماً كالمعرفة الحسية, بل إنها تجمع بين الاثنتينء فتارة صادقة 
وتارة كاذبةء وهذا يؤكد أنها متغيرة. وكأنه هنا يريد نقد المعرفة كما 
تصورها السفسطائيون. 

داستنيا («منهء©) (ربة القصاص): يرمز بها أفلاطون هنا إلى الموازين 
العادلة التي تحدد مصير كل نفس وفقاً لعملها في الدنياء وهذا تأكيد 
يدل على اعتراف أفلاطون بخلود النفس ومحاسبتها على أفعالها التي 


مارستها في الحياة. 


مكنا 


تايل الأسطورة يخ كتدات أقلاطون 


النفوس التسع: ترمز إلى أجزاء النفس الثلاثة» وترمز كذلك إلى طبقات 
المجتمع الثلاث» التي قسمها أفلاطون في الجمهورية إلى «طبقة الحكام, 
وطبقة الحرسء وطبقة العامة». وربطها بأجزاء النفسء إلا أنه هنا أعطى 
تفصيلاً أكثر لها في هذه الأسطورة. فالنفوس الثلاث الأولى تمثل طبقة 
الحكام التي تمثل القوة العقلية. فمن صنفهم بالدرجة الأولىء وهم 
الفيلسوفء والفنان» والموسيقي الذي يتمتع بمزاج المحبء والدرجة الثانية 
في سلم النفوس التي تضم الحاكم العادلء والمحارب الماهر, والدرجة 
الثالثة في سلم النفوس التي تتضمن السياسيء والاقتصاديء والتاجرء هؤلاء 
جميعاً يتمتعون بالقوة العقلية التي تمكنهم من حسن إدارة الأمور بما 
هو مناسب. بينما ترمز النفوس الثلاث التالية إلى طبقة الحرسء أي النفس 
الغضبية التي تمتاز بالانفعال: فالرياضي والعراف أو الكاهن المتفرغ 
لممارسة الطقوسء والشاعر أو الفنان جميعهم يتحكم فيهم الحماسة 
والانفعال والعاطفة,» في حين ترمز نفس المزارع والصانع والسفسطائي 
والطاغية إلى طبقة العامة. أي الطبقة التي تهيمن عليها القوة الشهوانية, 
حيث تسيطر القوة الشهوانية على نفوس هؤلاء. 
إن هذا التقسيم للنفوس وإن وسع من دائرته أفلاطون2. هو 

تأكيد لرغبته في التميز الطبقي بين البشرء ومما يلفت النظر في هذا 

التصنيف غياب المرأة فيه. فهو خاص بالرجال. وقد ظهرت المرأة في 


مجتمع الآلهة في شخصيتين في هذه الأسطورة هما هستياء وهي 


م 


الرمز ودلالته في الشاطبر القلاطونبة 


الأرض وترمز إلى الثبات والاستقرارء وكذلك دستنيا ربة القصاص التي تحاكم 
النفوس في الآخرة. 

بعد تأويل رموز هذه الأسطورة نرى بأنها قد أوضحت لنا رؤية أفلاطون 
في المعرفة, فالمعرفة لدى أفلاطون تتمثل بمعرفة المثلء وهو يرى أن الوصول 
إليها عسيرء وقد عبر عن تلك المشقة بعناء النفوس. وهي تصارع من أجل 
الوصول إلى ذلكء إلا أنها في نهاية المطاف تصاب بالتعب والعجزء فتتراجع 
عن إكمال طريقها. ولرغبة أفلاطون في ارتقاء النفس الإنسانية نراه يُقارن بين 
معرفة الآلهة الكاملة ومعرفة البشر الناقصة. وربما يريد بها تحفيز الإنسان 
على استعادة معرفته الكاملة. ويبدو أن أفلاطون قد وجد أن هذه المقارنة 
بين معرفة الآلهة ومعرفة البشر غير مجديةء فلجأ إلى طريق آخر وهو التميز 
الطبيعى بين البشر: الفلاسفة. الحرسء العامة. وربطها بأجزاء النفس العاقلة 
والغضبية والشهوانية. وقد يكون هذا هو السبب الذي دعاه لتوسيع دائرة 
الطبقات التي قسمها إلى ثلاث طبقات في الجمهورية. فأصبحت تسع طبقات 
بدلا من أن تكون ثلاثاً. 

رابعا: اسطورة الكهف 

هذه الأسطورة تمثل خلاصة لفلسفة أفلاطون يكل تفاصيلهاء 
حيث نجد المعرفة والمنطق والأخلاق والسياسة والميتافيزيقاء 
وتعكس لنا بصورة خاصة رؤية أفلاطون للمعرفة والتربية. فأردنا أن 


نختم هذا التأويل بتقديم رؤية شاملة للمشكلات التي ناقشها أفلاطون 


8 


تاؤيل الأسطورة يي كتادات أقلاطون 


مستعيناً بالأمطورة لإضفاء الطراوة في مناقشة تلك المشكلات ووعيهاء ومحاولة 

إيجاد الحلول المناسبة لها. 
لقد اختلفت الآراء حول هذه الأسطورة حتى في تسميتهاء فهناك من 

يرى أن الكهف أسطورة ومن هؤلاء «أرنست كاسيرر» الذي يسميها ب«أسطورة 

سجناء الكهف»". وكذلك يعدها تسانوف أسطورة مشهورة.!" أما الموسوعة 

الفلسفية فتعد استخدام أفلاطون للكهف يجري مجرى الاستخدام المجازي". 

بينما يسميه «زيلر» تشبيه الكهف“. ونرجح أن تكون الكهف أسطورة. أو أن 

أحداثها تجري مجرى الأسطورة. من كون أحداثها تنتمي إلى ماض فيه غرائبية 

وخيال يميز جو الأساطير لأسباب منها: 

-١‏ أنها تتحدث عن الماضيء والأسطورة من سماتها أنها تنتمي إلى الماضيء 
صحيح أن أفلاطون لم يذكر لنا بصورة مباشرة زمن هذه الأسطورة وهو 
الماضيء لكنه أشار إلى ذلك بصورة غير مباشرة 
بقوله: «وقد سجن فيه أولئك الأقوام منذ طفولتهم»”2. وعندما يصف 

ماهم عليه. فهو يتحدث عن أناس لم يعودوا أطفالا أي مرّ عليهم زمن منذ 


طفولتهم. 


.٠١© أرنست كاسيرر, الدولة .... مرجع سابق, ص‎ )١( 


2 7 معأك.م0 ...مع ممعهاترزط غوء 6 1116 ,فق .1350[وه20] كأأمصد5ك]" 
م .5 م« .ءعتاظ ,أهلا مغق.م0 ....بزتاومدماقطط زه متاءمماءين:ظ 1116 
)0( .158 م ماق.م0 ...ل اممعماة[ط تزه 01411 ,لعممسةظ معلاء.2 
)6( و« ماكق.م0 ...ع تاطيامء8 1116 ,منهاط 


ع8 


ص 


الرمز ودلالته في الشاطبر القلاطويبة 
الغرابة والخيال اللذان يغمران جو هذه الأسطورة في تصوير مشاهدها 
المختلفة. 
إن طريقة روايتها ورموزها لا تجري مجرى القصة التي تروي أحداثاً 
لواقعة معينة. فتنسج تلك الأحداث بأسلوب أدبي مشوقٍ مع كثير من 
الخيالء فأفلاطون في هذه الأسطورة لم يذكر أنها حدثت أو أنها ستحدث. 
بمعنى آخر إنها لا تروي أحداثاً قد وقعت فعلاً. فهي خيالٌ صرفء ولعلها 
مزيج من الأسطورة والمثل الذي يقترب من أن يكون له مقابل في الواقع. 
أ- نبذة مختصرة عن «أسطورة الكهف» 


إن شهرة هذه الأسطورة تغنينا عن ذكر كثير من تفاصيلهاء التي سوف 


تتضح عند تأويل رموزها لذا سنذكرها باختصار. 


تصور هذه الأسطورة مجموعة من السحناء يعيشون فى كهف منذ 


طفولتهم: وقد قيدت أعناقهم وأرجلهم بالسلاسل فلا يستطيعون الحركة. فهم 


ينظرون أمامهم فقطء وخلفهم نار بينهم وبينها جدار. وخلف الجدار أناس 


يمشون حاملين أشياء مختلفة على رؤوسهم تعكس صورهم على الجدار 


الذي أمامهم. فتتشكل معارفهم من الظلال. فلو أن أغلال أحدهم قد فكت 


وتمكن من الالتفات جهة النورء فإنه لن يستطيع رؤية النارء وإذا أجبر على 


الصعود خارج الكهف لرؤية نور الشمس فإنه سوف يتألم ويستاء من ذلك. 


وعندما يصعد إلى الأعلى لا يستطيع في بداية الأمر النظر مباشرة إلى نور 


مانا 


تاؤيل الأشطورةة كتادات أقلاطون 


الشمس.ء فيحاول رؤية صورتها منعكسة على الماء. ثم يتمكن في نهاية الأمر 


من رفع عينيه لرؤية الشمس.'" 


ب- الرموز الواردة في الأسطورة وتأويلها 


-١ 


0) 


الكهف: هو رمز لمكان أراد به أفلاطون كما نعتقد أثينا التي تراجعت 
مع الأفكار الجديدة التي روجها السفسطائيون. فالآثينيون سجناء الأوهام 
والأكاذيب التي أبعدتهم عن الحقيقة. فهذه الأفكار أصابت عقولهم 
بالجمود إلى حد إقبالهم عليها وتمسكهم بها. وتصديهم أو رفضهم لسواها 
من الأفكار والمعتقدات. 

السجناء أو الناس داخل الكهف: قصد أفلاطون بهم الأثينيين» فهم سجناء 
الأوهام التي أبعدتهم عن القيم التي كانت عليها أثينا الغابرة. 
السلاسل: ترمز إلى القيود والعوائق التي تحول بين الإنسان والمعارف 
الحقيقية. فهي رمز لما يكبل الإنسان من معارف زائفة. 

الأعناق والأرجل: رمز للحركة فهي الأدوات التي إذا استعان 
بها الإنسان تغير ما لديه من أفكار أو حقائق سواء كان ذلك 


بالالتفات. الذي أراد به الانتباه. أو بالتقدم إلى الأمام. وهي 


.388-89 «زع .ككق.م0 ....ءااطلاوءظ 1116 ,مغواط 


وينظر كذلك: أفلاطون, الجمهورية.... مرجع سابق. ص 9ا١184-1.‏ 


امنا 


م0- 


5 


الرمز ودلالته في الشاطبر القلاطونبة 


الخطوة التي ينطلق منها السجينء إذا ما تحرر من تلك القيود «السلاسل». 
ليخرج خارج الكهف. أي ليخرج على تلك الظلال والأباطيل» أو يتراجع 
فرة" أخوق هارياً حَن “مواحية” الكقائق) ذهذا'ما يدك السحيق غتدها 
يُجبر على الالتفات لرؤية النارء والخروج لمواجهة نور الشمس. 

النار: أراد بها النور الذي تبعثه الناند حيث يرمز إلى مثال الخير داخل 
الكهف. كما يرمز نور الشمس إلى مثال الخير خارج الكهفء. وليبين 
أهمية نورها إذ لولا وجودها لما انعكست صور الأشخاصء وما يحملون 
على الجدار الذي أمام السجناء. فكما تمثل المحسوسات ظلالاً أو أشباحاً 
للمثلء كذلك تمثل الصور المنعكسة بفعل النار ظلالا فتتشكل عقول 
السجناء ومعارفهم وفقاً لها. 

الجدار الذي يفصل بين داخل الكهف وخارجه: يشير به أفلاطون إلى 
الحاجز الكبير الذي يفصل بين الظلام والنورء والجهل والمعرفة. الوهم 
والحقيقة, والذي من الصعب على الإنسان اجتيازه إذا ما أراد العبور. أو 
تجاوز الظلام والجهل والوهم والانطلاق إلى النور والمعرفة والحقيقة. 
بمعنى أن هناك فاصلاً واضحاً وكبيراً يفصل بين من يعرف الحقيقة» ومن 
يدعي المعرفة بها. وقد صور أفلاطون هذا الحاجز بجدار مادي ليؤكد 
وجود فاصل ظاهر للعيان بين الحقيقة والزيف بصورة واضحة لا لبس 


فيهاء ولا مجال للجدل حولها. 


ا 


تاؤيل الأشطورة ة كتادات أفلاطون 


/ا- 


-4 


9 


التماثيل والأواني المحمولة على الرؤوس: ربما تكون رمزاً لتنوع مفردات 
هذا العالم» وقد يريد بالتمثال ثبات الشكل أو القالب. وهنا يريد 
أفلاطون أن ينبه إلى مسألة غاية في الأهمية في فلسفته. وهي أن تلك 
الظلال التي يراها السجناء تثبت في أذهانهم. وخصوصاً أن أفلاطون قد 
أخفى الجسدء ولم يظهر من المارة سوى رؤوسهم - وهي موضع الحواس 
التي يتم بها وعي العالم - التي تحمل تلك التماثيل البشرية والحيوانية 
والأواني» أي إنه ركز على العقول فهي رمز للمعرفة إذا ما تمت رعايتها 
بصورة صحيحة. وفي ذلك نقد للسفسطائيين الذين شوهوا العقول بما 
أشاعوا من أباطيل كما يعتقد أفلاطون. 

الكلام والصمت: يشير بهما إلى منهج الفلسفة في المناقشة: فالكلام هو 
الحوار الجاد العميق. والصمت هو رمز للإصغاء بهدوء إلى صوت الحقيقة. 
وهنا أراد أفلاطون بعكس صداه للسجناء في الكهف نبذ السفسطائيين 
الذين أساؤوا إلى الحوارء فأصبحت وسيلتهم للإقناع - بزيف قضاياهم 
التي يطرحونها - الصخب والتزويق اللفظي أو التلاعب بالألفاظ. 
التحرر من القيود: يشير إلى نبذ ظلال الحقائق أو أشباح الحقائق. وربما 
قصد أفلاطون بالسجناء المقرنين بالأصفاد الأثينيين الواقعين في إسار 


الإلف والعادة. 


٠‏ الالتفات إلى الوراء: يرمز به هنا إلى التنبه إلى وجود الحقيقة 


التي تمثل المرحلة الأولى للتحرر من الظلال بعد التخلص من 


884 


-1١ 


-١17 


؟11- 


ع1 - 


-160 


الرمز ودلالته في الأساطر القلاطونية 


السلاسل «أي من القيود»» حيث تبدأ مرحلة جديدة للحصول على 
المعرفة بالتوجه إلى النور, أي الانتقال من الظلام إلى النور ويقصد هنا 
من الجهل إلى المعرفة. 

الحيرة: رمز للتوقف بين اختلاف المواقف الذي هو أساس الصراع بين 
عالمين مختلفين عالم ألفه الإنسانء وهو عالم الظلال والأوهام: وعالم 
لم يألفه بعد. وهنا يؤكد أن ترك الظلال والتفتيش عن الحقائق لا يتم 
دون معاناة للنفس في صراعها بين ما ألفته. وما لم تتعوده بعد. 
صعود السجين إلى الأعلى: يشير هذا الرمز إلى الجدل الصاعد. حيث 
ينتقل فيه الإنسان من الجزئيات المتغيرة إلى الكليات أي إلى الثوابت. 
من عالم الظلال المختلفة إلى عالم الحقائق. 

نور الشمس: رمز لمثال الخير الذي هو أساس جميع الحقائق. 

الصور المنعكسة على الماء: رمز إلى المعرفة الظنيةء وهنا يشير أفلاطون 
إلى أن السجين الذي تجاوز ذلك الجدار بعد تحرره من القيود لم يستطع 
مواجهة الحقائق» التي تتمثل بنور الشمس الساطع القوي الواضحء الذي 
لم تألفه بعد عيناه ولم يستطع مواجهته بسبب الألم الذي يصيبهما 
لخروجه من ظلام الكهف إلى نور الشمس. أي إن نفس السجين لم 
تستعد بعد لتقبل حقائق غير تلك التي ألفتها في عالم الكهف. 
القمر والنجوم: يمثلان المعرفة الحسية. وهي ترمز هنا إلى رغبة 
السجين في التعلم حيث يألف نور القمر والنجوم الخافت قياساً 


5 


تايل الأسطورة يخ كتدات أقلاطون 


-1 


بنور الشمسء بمعنى آخر إن أفلاطون يؤكد هنا أن اكتساب المعرفة 
الحقيقية لا يتم بصورة سلسة بل يمر بمخاضات عسيرة كما هو حال 
السجين الذي انتقل من ظلام الكهف إلى نور الشمس فرغم رغبته في 
رؤية نورها الساطع الجميلء إلا أنه يواجه مصاعب جمة تحول بينه وبين 
ما يريد. إلا أنه لا يكف عن المحاولة. حيث يفكر في رؤية نور القمر 
والنجوم: عله يتمكن في آخر الأمر من تحقيق مبتغاه برؤية نور الشمسء 
وهو ما يتحقق في نهاية رحلة السجين المريرة المنهكة. حيث يتشجع 
في نهاية الأمر فيرفع رأسه لتواجه عيناه نور الشمسء أي تتمكن نفسه 
التي يرمز إليها هنا بالعين من التحرر من ذلك الكهف. أي من الجسد 
لترى الحقائق الثابتة الكاملة «المثل». وهذا يشير إلى التخلص من الظلال 
والأوهام التي تشبعت بها النفس عندما كانت رهينة لها. ويؤكد إيمان 
أفلاطون بإمكانية تخليص المجتمع مما لحق به من أوهام وظلال وأدران» 
كان أبرز من بثها فيه هم السفسطائيون كما يعتقد أفلاطون. 

هبوط السجين أو عودته مرة ثانية إلى الكهف: يرمز فيه 
أفلاطون إلى الجدل النازل الذي تنتقل فيه النفس بعد حصولها 
على المعارف من الحقائق الكلية إلى الجزئيات» وهو يرمز فيه 
أيضاً إلى سقراط الذي حاول أن يخلص الشباب الأثيني مما 
بثه السفسطائيون في أذهانهم من أوهام. وخصوصاً أنه سوف 


يواجه المتاعب بعودته كما يعبر أفلاطون عن ذلك بقوله: «إذا 


8 


الرمز ودلالته في الأساطر الاقلاطونية 


حاول أحد فك أغلالهم: والصعود بهم إلى النور. أفلا يستاؤون منه إلى 


حد أنهم يغتالونه. إذا كان في طاقة يدهم الإيقاع به؟»'". من الواضح 


أنه يشير إلى سقراط وهو أمر أكده كوبلستون بقوله: «في استطاعتنا 
أن نفهم هنا الإشارة إلى موت سقراط على يد الأثينيينء الذي استطاع 
أن ينير كل من استمع إليه. وأن يجعلهم يدركون الحقيقة والعقلء بدلاً 
من أن يتركهم نهباً لتضليل السفسطة والأحكام المبتسرة»". وأفلاطون 
هنا يوجه نقده اللاذع للأثينيين الذين أقدموا على إعدام سقراطء وفي 
الوقت نفسه يذكر بالعقبات الصلبة التي واجهها لينير العقول. وليخلد 
ذكرى أستاذه سقراطء الذي هو رمز للفلسفة بحقيقتها الناصعة. 


وفي ختام تأويل رموز هذه الأسطورة نود أن نشير إلى بعض المسائل 


-١‏ رموز هذه الأسطورة انقسمت إلى قسمين رموز داخل الكهف ورموز 
خارج الكهف. الرموز التي تتحدث عن داخل الكهف تمثل الأوهام 
والزيف والأقنعة, أما الرموز التي تجري وقائعها خارج الكهف فهي الواقع 
الحقيقي الذي تعكس رموزه. وتعبر عن رموز عالم المثل كالشمس التي 
هي رمز لمثال الخير. 


لا- فى هذه الأسطورة رموز مادية وأخرى مجردة. منها: الكهيف 


(1) أفلاطونء الجمهورية.... مرجع سابق» ص .١76‏ 
(0) فردريك كوبلستونء تلايج .... المجلد الأول. مرجع سابقء ص /الا7. 


لكا 


تاؤويل الأسطورة يخ كتدات افلاطون 


والسجناء. والسلاسل... إلخ رموز مادية» بينما الأصوات والظلال المنعكسة 
على الجدارء ونور الشمس رموز مجردة أو غير مادية. 

غرض أفلاطون من وضع رموز داخل الكهف وأخرى خارجه كناية عن 
مكانين مختلفين أو بيئتين متمايزتين للمعرفة. وهو هنا يقارن بين 
الزيف والحقيقة» بين الظلام والنورء أي بين المعرفة والجهل. وهناك صلة 
أراد أن يبرزها بين العالمين «الكهف وخارجه». ففي داخل الكهف يتمثل 
العالم الأرضيء العالم الحسي المملوء بالنقصء بينما يمثل العالم خارج 


الكهف. العالم العلوي المملوء بالكمال والثبات قياساً بالعالم السفلي. 


ذه 


الخائمة 


الخاتمة 


في نهاية حديثنا عن تأويل رموز الأسطورة في كتابات أفلاطون من 
المناسب والمفيد أيضاً أن نقف وقفة متأنية لنرصد أهم النتائج التي كشف عنها 
البحث والتي نطمح أن تضيف قطرات أخرى إلى ذخيرة معرفتنا بهذا المفكر, 
وبجانب من جوانب كتاباته الفلسفية التي يمكن أن نصوغها على النحو الآتي: 
-١‏ لعل أبرز ما يميز الأسطورة أنها تختزن في داخلها من الصور والحوادث 
المتشابكة ما يجعلها قادرة على الإلهام في جوانب متعددة. ويجعلها 
قابلة للتأويل باتجاهات مختلفة. وقد ألمحنا إلى ذلك عند محاولاتنا 
تأويل رموز الأساطير ومحاولات استكشاف دلالات هذه الرموز. كما أن 
قدرة الأساطير على الاحتفاظ لنفسها بمكان ظلت تشغله طويلاً في 
الذاكرة الإنسانية. جعلها تمارس دوراً كبير الفاعلية في صوغ الوعي 
الإنساني» بقيت ظلال تأثيراته قائمة منذ أجيال» وربما حتى اليوم. 


'- كانت الأساطير التي استعان بها أفلاطون لطرح الكثير من 


اركدنا 


تاويل الأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


المشكلات الفلسفية ومناقشتهاء والتي أشرنا إليها في هذه الدراسة 
تكشف لنا عن إلمام واطلاع أفلاطون ومعرفته لا بالتراث الأثيني فقطء 
بل اطلاعه على موروث الأمم الأخرىء كما نرى ذلك في الأسطورة التي 
تحدثت عن راعي ملك مملكة ليدياء وكذلك إشارته إلى أسطورة أبتاء 
الأرض وهي قصة فينيقية» ونجد إشارة أخرى في أسطورة أطلنطس 
سمعها سولون من كاهن مصري. ولعل الأساطير كانت تمتلك أجنحة 
تعينها على الانتقال عبر الأمكنة وعبر الأزمنة وعبر الحضارات. 

لم تكن الأساطير التي وظفها أفلاطون في فلسفته مجرد قصص بسيطة 
وإنما هي قصص لها منطقها الخاص بهاء ونظام خاص في تآلف أفكارها 
وترابطهاء وإغفال ذلك ربما أدى إلى خلل في نظام وعيها ومعرفة 
ما طرحه أفلاطون من رؤى فلسفية. 

نالت بعض الأفكار الفلسفية ذات الرؤى الخاصة التي أضفت عليها جواً 
من الغموض الذي لا ينفك عن طبيعتها الخاصة. مثل مشكلة النفس» 
مساحة كبيرة نسبياً من استخدام الأساطير مثل هذه الموضوعات التي 
يكتنفها الغموض وتموج بالأسرارء وربما وجد أفلاطون في الأساطير أداة 
تفي بغرضه. ولكن ليس بديلاً عن التحليل المنطقي والبناء الفكري 
الفلسفي بل مصاحب لهما. وخصوصاً أن موضوع البحث في النفس 
الإنسانية شغل مكانة خاصة في فلسفة أفلاطون وفسر من خلالها نظرته 


إلى الأخلاق والسياسة. 


>33 


-0 


-/ 


الخائمة 


ربما يكون أفلاطون قد وجد في الأسطورة ما لم يجده في غيرها من 
إمكانيات تلبي أغراضه المختلفة» فنراه تارةً يبرزها لمجرد التسلية 
والإمتاع.ء أو للسخرية. أو لمناقشة أفكار عميقة جادة. ولإقناعنا بما 
لا يستطيع الدليل العقلي المنطقي إقناعنا به على النحو الذي أراده. 
وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن الأسطورة بما تحمله من إمكانيات 
قد حظيت باهتمام أفلاطون. وقد عكست لنا تفاصيل كثيرة عن رؤاه 
الفلسفية عبر مراحل حياته الثلاث. الشبابء النضجء الشيخوخة. ولم تخل 
مرحلة من مراحل حياة أفلاطون دون الالتفات إلى الأسطورة. والإفادة 
منهاء وهذا يعني أن الأفكار الأسطورية لازمت تطوره الفلسفيء. ولم تكن 
أمراً طارئاً في حياته الفكرية الفلسفية. 

جمع أفلاطون في بعض ما استخدمه من أساطير الأدب والصورة الشعرية 
والموسيقى. وهذا ما نراه بصورة خاصة في مشهد عالمي الفردوس 
والجحيم كما في أسطورة الأرض الجغرافية مثلما يسميها النشارء والتي 
ورد ذكرها في محاورة فيدون. وكذلك أسطورة «آر» التي وردت في 
الجمهورية» والمركبة المجنحة أو العربة المجنحة التي ذكرها في محاورة 
فايدروس. 

ربما يجد الباحث في لجوء أفلاطون في كثير من جهوده 


الفلسفية إلى استخدام الأسطورة. ما يدعم رأي عدد من 


0 


تايل الأسطورة يخ كتإدات أقلاطون 
الباحثين الذين رأوا أن الفكر الفلسفي الإنساني لم يبزغ على صورته 
التي عرف فيها لدى المدارس الفلسفية اليونانية دون أن يكون قد مرٌء 
ولمدة ليست بالقصيرة» برؤى ومفاهيم انحدرت من جو الأساطير التي 


كانت جزءاً من خبرة الإنسانية الفكرية إن لم تكن كلها في وقت ما. 


9 


م 


أعع لطة عتتاهه عتغط) عجتعموعم 0غ وطاتومم 4ه 70110 عط 1ه صمنهنأعمعم عط[]' 

1251 لإكةء 2ه غ20 15 ورإأعك50 تمقصتط عغطا صذ صصغطا كه عامء عط أبمطة ععلع1ستمص1][ 
أه امعسرمماءمع0 عط 4ه بماقلط عطا أه ندم غأمماءرممصنا بورع 2 كتمءوعرمء1 طاولا 
غمماموم صل ضه كه 0عمعلتقصف عط اناف غذ هد عومع لصتا لصة غ11[ 2ه 5وع2ع2121 مفمسسط عط 

.عكنا قتط آه قاأءعم25 لإقمقطط صل ععدع لمعم مقستتط 1ه بإتمائتط عغطا كه أتهم 

0 أتملآء عطا كه أعدم أمعمع 2 لم أمصتاععه قطاترجم كه تإليطة عط كه أدعنعاصذ عط]1' 
ه] .وستسدعطط 2ه لمعل غمعمع 2 قط طاترحه كتمامطاءة عصرمد مغ عصتلممءعق .5تهامطءة ترتسقدر 
صذ لصه 701104 عتاكتلوءء وتط 4ه 80214 أعاللههتدم 2 0عأصعوعنمع: )ل دوعتاعكنه5 عتكغتسكمم عط 
4 منغداط ععطمهدملتطم غمععع عدده 76214 عاكتلدءء عط 02 غ2مممتاد 02 5026 2 عومعة 2 
5ل كتوعطا عنطا 2ه عاقهغ عط عاعم؟؟ لدعتطمهدمالتطم قتط له عتمم عصرهد صذ مطحجهم 2ه 0ع2تلنت 
غقطم +1 لقة قطاجم لعقن عط عتمم 2ه كاأععءم25 أقطمد صذ غتاوطاج موعاكة عمزامة عحاع 10 
ما 200160 مذ ومعاممطك 5 10 0ع10تلل كذ تتلباد علطا كاأععمكة عتغطا تلتمدك مغ دعوممكتام 
.عناعملامء لصة عدومامهم 

لعنلن غ1 رجلتاة عط كه عصتوع لمعتاء معط ج 0غ 160مع0 كو موعاهطك غوقة عط]1' 
آه تناد عط كه لمطاعم غصعيع تل عط طخت لمعل غذ ه215 مضه كتطعدامطا كه ره ه عه طاتردر 


77 تاعأصقك خنطا ص[ «تتطمهدماتطم لصة غخطعتمطا لامعتطاتو معءساعط ممنداء عط هه ,طاتودر 


لا 


تاوبل الالأسطورة يخ كتإدات القلاطون 


18 طعغط ,مغهاط عدمقعط دكلده؟؟ لمعتطمه5ملقطم عمدهة عطا صذ طلتجم 2ه ععدام عط لعتليذة مكله 


.مغقاط برط لعقنا عنء7؟ طعتطم طاتجمر عط كه ومتماءمم نعغصزذ هه طعوعم مغ 4ع أ مسعناة 

قلط صذ لعكنا عمع؟ أهطا طاتوصر 2ه دععبطدع؟ عط لعنلماد عن موعأمقطء 0رمععو عط 11 
ده [أممطءة ععطاه آه ععمعسكمة عط عندئنادعتتمذ مغ دعموم1وتل تجاعوء عتط صذ ,لمعم طغتامر 
مقط عط معطو ععهاه 6غ[ قط صذ طاتودم غه عكن عتط لعنلنناة عند صعطظط' تتطممهدماتطم قتط 
خنطا عط صا .ععمعع تل عغطا لمعبعءم مغ 70110 عغطا أه برعلا 01 غصلمم عكتمسعطء ةم صرمء 0 
ملقعتوتتطصةاأعصط عطا ,عطاتزهم عتصمعهام 4ه قصمتعصعصتل عصحمة لمعتع مغ لع ارصع عه عر وعاممقط 
همدع تتصنا عط لصة ,عسله؟ عط 

0 ذا طاتومر أه عقن عط كه كدم6أعصدط عط لعدددءئئتل عب وعأمقط طاتتده؟ عطا مآ 
هيت ذه «متأعصدة عط لصة لمعتانامم عط بلمتءه؟ عط ,لوعقغك عط «بجطمرهدوملتطم 

مناه عتطا صذ لعلمعبهع: عمعمة أقطبن 1ه لإتتفستصسصيد 2 علهمد عمد عسوملامء عط سآ 

ملهع ةا نتلهصة ملدعتتمغقلط ,فلم طاعخمط أاصدععاءء امعد صتمي لع أقعدعط عث تزلماة تاه صآ 
.كلهطاعص لوعتاتت سه عحغوعهةممامء 

65 7762 5011166 طتقطط نتناه غتاطا 0ع5نا صععط عكقط 5عع02ا50 عتلأصعط نم2 تإسدك1 


031111 15 


يكنا 


المصلار والمراجع 


المصادر والمراجع 


أولاً: المصادر 

أ- المصادر العربية 
أفلاطون: 

-١‏ أفلاطونء. الخطيب» نقله إلى العربية أديب نصورء دار صادرء دار بيروت» 
1511 

؟- أفلاطون» جورجياسء, ترجمة محمد حسن ظاظاء راجعها علي سامي النشار, 
الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر: مصر .191١‏ 

“- أفلاطونء دروتاجوراسء ترجمة ودراسة محمد كمال الدين علي يوسف. 
راجعها محمد صقر خفاجة. دار الكاتب العربي: القاهرة. 1951. 

#- أفلاطونء مينون: ترجمها عن النص اليوناني وقدم لها وعلق عليهاء عزت 


قرنى. مكتبة سعيد رأفتء. جامعة عين شمس: القاهرة. 1947. 


كفل 


تايل اللسطورة يخ كتإدات أقلاطون 


-0 


34 


-١١ 


-7 


17 


أفلاطون. الملادة ترجمة وليم الميريء دار المعارف: مصر, .191١‏ 
أفلاطون. محاورات أفلاطون. عربها عن الإنكليزية. زكي نجيب محمود. 
مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشرء القاهرة. .١1937‏ 

أفلاطون. ضِدون, ترجمة وتعليق» نجيب بلديء علي سامي النشارء عباس 
الشربيني» المعارف: الإسكندرية. .1931١‏ 

أفلاطونء الجمهوربة ترجمة حنا خبازء المطبعة المصرية: مصرء ط”, 
5 

أفلاطونء ذإبدروس, ترجمة وتقديم أميرة حلمي مطرء دار المعارف: مصر, 
,. 

أفلاطون. رجل الدولة. نقله إلى العربية أديب نصورء دار بيروتء دار 
صادر: بيروت. 1505. 

أفلاطون: الطملوس وأكريتبسء ترجمة الأب فؤاد جرجي بربارةء تحقيق 
وتقديم البير ريفو. منشورات وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي: 
دمشقء 1938. 

أفلاطون» السفسطاتيء ترجمة وتقديم أوغست دييسء ترجمة الأب فؤاد 
جرجي بربارة» منشورات وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي: دمشق» 
83 

أفلاطون. القوانينء نقله إلى العربيةء محمد حسن ظاظاء مطابع الهيئة 


المصرية العامة للكتاب: القاهرة. 1987. 


-١ع‎ 


-10 


المصلار والمراجع 


أفلاطونء الرسالة السإدعة ترجمة عبد الغفار مكاويء دار الهلال: مصرء 
/ا أ .١‏ 

أفلاطونء الِشٍتتسء ترجمة الأب فؤاد جرجي بربارةء منشورات وزارة 
الثقافة: دمشقء. ١/ا19١.‏ 


ب- المصادر الأجنبية 


لقاع كنآ عط!1' جأأء01[ تقلطقة زدء8 زط ك1" ,مغة[2 5ه دعتع 101210 عغطا صذ نت[طنامع8 ,منهاط ‏ .1 


.8 ,5.شئتا بله ,2220 :مودعنطت 1ه 

.2120 ]0 و5عتاع101210 عطا صذ رسهلة 5215 مغهاط ‏ .2 
.0 ]0 وعتاع101210 عا طا ,رتنتالوه 7 تطر5 ,مغواط 2 .3 
.2120 4ه دعبع10ة01آ عطا صذ ,كتاكعقسلط' ,مغهاط 2 .4 
.40 6ه دعتاعه10121 عطا صا ,كتاطعلتطط ,مغهاط ‏ .5 
.اط كه دعتاعه10121 عطا صا ,كهءرميةغه:2 ,مغهاط ‏ .6 
.0 06 5عناع01310آ1 عطا صذ ,كتاعلعقط2 ,مغداط ‏ .7 
.60 ذه د5عتعه10121 عطا صا ,كدتعىه© ,منداط ‏ .8 


.0 06 و5عتاع01210آ1 عط 1 ,وتته[ ,مغهاط ‏ .9 


ثانياً: المراجع 


أ- المراجع العربية 


- 


أحمد كمال زكى. اسار دراسة حضااية مقلاتة دار العودة: بيروت. 
طق 4/ا9١1.‏ 
إدموند ليتش. كلوه يفي شتراوس 2دراسة فكرية. ترجمة ثائر ديب» 


منشورات وزارة الثقافة: دمشق. .5٠١7‏ 


آرثر لفجوي. سلسلة الوجود الجرى» ترجمة ماجد فخري» دار 


اويل الاأسطورة يخ كتابات أفلاطون 


م 


3 


/ا- 


-/ 


3 


الكاتب العربيء: نشر بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر: 
بيروت نيويورك. 1956. 

أرنست باركرء النظرية السياسية عند اليونان. ترجمة لويس إسكندرء 
راجعه محمد سليم سالمء مؤسسة سجل العرب: القاهرة. 1977. 
أرنست كاسيررء الدولة والأسطورة. ترجمة أحمد محمود. مراجعة أحمد 
خاكيء الهيئة المصرية العامة للكتاب: القاهرة. 19100. 

ألكسندر كواريه. مدخل لقراءة أفلاطون. ترجمة عبد المجيد أبو النجاء 
مراجعة أحمد فؤاد الأهواني. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء 
والنشرء الدار المصرية للتأليف والترجمة: مصر.ء .١1957‏ 

أليزابيث دروء الشعر كيف نفهمه ونتذوقه. ترجمة محمد إبراهيم 
الشوشء نشر بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين المساهمة للطباعة والنشر: 
بيروت - نيويورك. .١55١‏ 

أمبرتو ايكو, التأويل بين السيميائيات والتفكيكية, ترجمة وتقديم» سعيد 
بنكراد. المركز الثقافي العربي: بيروت» الدار البيضاى .,7٠٠١‏ 

أميرة حلمي مطرء دراسات في الفلسفة اليونانية (التأمل» الزمانء الوعي 
الجمالي) دار الثقافة للطباعة والنشر: القاهرة. .198٠١‏ 

أميرة حلمي مطرء الفلسفة عند اليونانء دار النهضة العربية: القاهرة, 


151 


ا 


-١ 


-١ 17 


-117 


-١ع‎ 


-10 


-11 


-١ا/‎ 


-1 


- 16 


المصلار والمراجع 


إميل برهييه. تلادخ الفلسفة. ترجمة جورج طرابيشثيء دار الطليعة: بيروت» 
طلا 3541 الجزء الأول. 

برتراند رسلء تلريج الفلسفة الغريبة ترجمة زكي نجيب محمود, مطبعة 
لجنة التأليف والترجمة والنشر: القاهرة. 195137. 

برتراند رسلء حكمة الغربء ترجمة فؤاد زكرياء المجلس الوطني للثقافة 
والفنون والآداب: الكويت. 3948 الجزء الأول. 

بول ريكورء صراع التلويلاتء ترجمة منذر عياثيء مراجعة جورج زيناتي» 
دار الكتاب الجديد المتحدة: بيروت. .5٠٠0‏ 

بول ريكورء في التفسير محاولة في فرويد. ترجمة وجيه أسعد. دار أطلس 
للنشر والتوزيع: دمشقء. .7٠١‏ 

بول ريكورء نظردة التأويلء ترجمة سعيد الغانميء المركز الثقافي العربي: 
الدار البيضاى [٠٠07‏ 

بيتر مونزء حين ينكسر الغصن الذهبيء بنبوبة أم طولوجية ترجمة 
صبار سعدون السعدونء مراجعة جبرا إبراهيم جبراء دار الشؤون الثقافية 
العامة: بغداد. 1985. 

توفيق الطويلء فلسفة الأخلاق نشاتها وتطورهاة دار النهضة العربية: 
القاهرة. طث. 7/ا19. 

جورج سارتونء تلإريخ العلمء ترجمة توفيق الطويلء دار المعارف بالاشتراك 


0 


تلؤبل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


3 


١ 


3 


١ 


ع 


0 


5 


لا 


-7 


جورج سباين» تطور الفكر السياسيء. ترجمة حسن جلال العروسي» تصدير 
عبد الرزاق أحمد السنهوريء مراجعة وتقديم عثمان خليل عثمانء دار 
المعارف بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين: ط”؛ القاهرة نيويورك» 1957. 
جون لويسء مدخل إلى الفلسفة. ترجمة أنور عبد الملك. الدار المصرية 
للكتب: القاهرة. /ا1501١.‏ 

حسين الشيخ» «راسات في تاريج حضلة اليونان والرومال» دار المعرفة 
الجامعية: الإسكندرية, /1941. 

رولان بارت. أسطوريات (أساطبر الحياة اليومية)» ترجمة قاسم المقداد. 
مركز الإنماء الحضاري: حلب» 1997. 

زكريا إبراهيمء مشكلات فلسفية ©) مشكلة الفلسفة دار القلم: القاهرة, 
.١15117‏ 

سوزان سونتاغ» ضد التأويل ومقالات أخرىء ترجمة نهلة بيضونء مراجعة 
سعدون المولىء المنظمة العربية للترجمة: بيروت» .7٠١8‏ 

شارل فرنرء الفلسفة اليونانية. ترجمة تيسير شيخ الأرضء دار الأنوار: 
بيروت: 1954. 

عادل مصطفىء مدخل إلى الهرمنبوطة! النهضة العربية: بيروت» .7٠١*‏ 
عبد الرحمن بدويء افلاطون. وكالة المطبوعاتء دار العلم: الكويت» 


بيروت: 191/8. 


ان 


19 


ود 


1 


المصلار والمراجع 


عبد الغفار مكاويء مدرسة الحكمة. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر: 
القاهرة. .١951/‏ 

عبد القادر الجرجانيء اسرلا البلاغة. علق حواشيه أحمد مصطفى المراغي 
بك. مطبعة الاستقامة: القاهرة. .١1968‏ 

عزت قرنيء الفلسفة اليوناذية حتى أقلاطون. مجلس النشر العلميء لجنة 
التأليف والتعريب والنشر: الكويت. طلل ..7. 

عمارة ناصرء اللغة والتأويل: دار الفارابي» منشورات الاختلاف: بيروت - 
الجزائ /ا-٠[.‏ 

فراس السواح. الاشطورة والمعنىء. دار علاء الدين للنشر والتوزيع 
والترجمة: دمشق. طلاء .5٠١0١‏ 

فرانكفورتء ما شل الفلسفة الإنسان في مغامرته الفكرية الؤلى: ترجمة 
جبرا إبراهيم جبراء مراجعة محمود الأمينء نشر بالاشتراك مع مؤسسة 
فرانكلين المساهمة للطباعة والنشر: بغداد - القاهرة - بيروت - نيويورك» 
1 

فردريك كوبلستونء تلايخ الفلسفة. ترجمة إمام عبد الفتاح إمام» المجلس 
الأعلى للثقافة: القاهرة. .,5٠٠“*‏ المجلد الأول (اليونان وروما). 

فردريك نيتشة. الفلسفة في العصر المأسوي الإغربقيء تعريبء سهيل 
القشء. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع: بيروت. طلء 19417. 
فرديناند ألكييه. معنى الفلسفة ترجمة حافظ الجماليء منشورات اتحاد 


الكتاب العرب: دمشقء 1998. 


تاؤبل الأسطورة ف كتادات أقلاطون 


لفل 


-ع١‎ 


اع- 


لع 


عع- 


-0 


-ع١ا‎ 


لاع- 


- 


فرنسوا غريغوارء المذلهب الأخلاشِّة الكرىء ترجمة قتيبة المعروفي. 
عويدات: بيروت. .191/٠١‏ 

فؤاد زكرياء هراسة لجمهوربة افلاطون. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر: 
القاهرة. /19577. 

كارين أرمسترونغء تلايخ ااشسطورة ترجمة وجيه قانصوء الدار العربية 
للعلوم ناشرون: بيروت. .7٠١08‏ 

كلود ليفي شتراوس, الاسطورة والمعنىء. ترجمة صبحي حديديء دار 
الحوار: سورية, 1980. 

مجموعة من المؤلفينء الاسطورة والرمزء ترجمة جبرا إبراهيم جبراء وزارة 
الإعلام. الجمهورية العراقية: بغداد., 191/79. 

محمد عبد الرحمن مرحباء قل أل يتفلسف الإنسالء دار النشر للجامعيين: 
بيروت. 1908. 

محمد علي عبد المعطيء الفكر السياسي الغربيء دار المعارف: مصر. 
/. 

محمد غلاب الفكر البوناني أو الأب الهلبني (نشاة الفلسفة البونانبة» 
دار الكتب الحديثة: القاهرة. 315017 الجزء الثاني. 

محمود مراد. دراسات في الفلسفة البونانية. دار الوفاء لدنيا الطباعة 
والنشر: الإسكندرية, ع٠٠5.‏ 

مرسيا إلياد. المقدس والعلايء. ترجمة عادل العواء دار التنوير للطباعة 
والنشر والتوزيع: بيروت» .7٠١4‏ 

مصطفى علي الجوزوء من الشاطيبر العريية والخرافات. دار الطليعة: 


بيروت: 191/7. 


الك 


المصلار والمراجع 


9- هائز جورج جادامرء تجلي الجميل ومقالات أخرىء تحرير روبرت 
برناسكوتي. ترجمة سعيد توفيقء المجلس الأعلى للثقافة. المشروع 
القومي للترجمة: /1991. 

6- نصر حامد أبو زيدء إشكالبات القراءة وألِبات التأويل: المركز الثقافي 
العربي: بيروتء الدار البيضاءء طلاء 195917. 

-١‏ وليم رايترء الاأسطورة واللأبء ترجمة صبار سعدون السعدونء مراجعة 
سلمان داود الواسطيء وزارة الثقافة والإعلام دار الشؤون الثقافية العامة: 
بغداد. 19917. 

0- وولتر ستيسء تلايخ الفلسفة اليونانية. ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد, 
دار الثقافة للنشر والتوزيع: القاهرة. 1986. 

0- يوسف كرمء تاريخ الفلسفة البونانبة دار القلم: بيروت. طبعة جديدة. 


ب- المراجع الأجنبية 


تتصسنل1712 بر مكآ' ,سدم ننه ععءعء07 برامهده[ةط[ط غتعاع م4 زه مكف ,5 7ه [مسسمومظ8 
رقع تاطتامع8 أ5تله50 غ501 04 متمتنا عطا صذ :#جمعوه]8 ونع طمتاطام ووعمومءط طاعتوععلص ماك 
.19285 

عطا رووء81 تطاؤةء تحتدتا علهلا معحهاط مع[!!ا ,علهاد ع1 [ه لأبزالط علا بأقصدظ مععزوموت 
17 رشة.5.لا :مب عمغماءط دعسلا 

10500 نلتتوط ممععكام لمطة عع لع لتحا ,عولءاسمان1 زه بزرمء:1[11 5مغواظ رك 1 00121010 
.1968 

1 ,0110150 :ووع؟81 تداع حتطلا ركهء12 تزه بزدمع 1 205و[ ,55و10 1033210 

217 0 ملع5ت9ع18 ,00 لطهة غ801 تمع ,نزاممعه1ةط زه بروماوقط 4 ,ن.ف.ظ معللبط 
2 كاملا 


متمتكهاعصوء ]1 ' ,2111204 ننه اه 17 ,2©015©) رقصدا8 «#عصتحمكقكد 


تاؤويل اأسطورة يي كتإدات أقلاطون 


كتصعلهعة بصستاطفصمماظ8 ,للقطوعدك8ة .© للهده2آ لصة تعصساع طفصاع؟ اعم[ وتط لعكامعم 
.3 ,رش.ذ.نا : 60 ,أة 1 

م تلة تتام 100 ,15" ,نز تأمهدماقلام زه عفاذوءط :11 ,0018 ,قصطهكط1 متعستفلديى 
ملعملا م26 : 

نووع212 الود ء كتمنا ععلتتطسسهن ,ننوإممدعملقطط عاءعء67 زه «« :ماوق 4 ,1810 عقطامن 
.آمل/ا ,1967 ,ععلةتطصسدت 

:ع5 110طصهن) دوع تجاذماء حتمنا ,نزطممده1ةط[ط عأءء7© إه رماو 4 ,1810 عتنطاسي 
11 .1701 ,1969 يستفخترظ لمع 

,1012108115 كط لصة مهالا معطلا متهاط ,نوامهده1ة[ط عاءء67 زه بوممادوةط ,181.0 عتعطانو 
17 .01لا ,1980 ,سمتهات8 غمعدت بووعوط اتوي لمنا عولصطصدت 

.0 ,تته0كطمآ :واتوطع حتمنآ طامتاوصظ ,نروامزهكده11ط ,0.8.8 1020 

:قو 21 لإأذوطء الملا مامتاوصظ عطلا ,نرطممده1ق[ط كره بمماعلط لأءدتنامبز بأعوءع1 1116 مسطه[ متوع1 
2 مسمتهغخترظ أمعن 

أه:61 بلء رطاكة تتعصصة1' غقصه ععلاماظ ,دمل معلمظ كاة 2114 نزاء5061 عزه 1836 ,1.11 عع روط 
66 ,8116332 

م0510 له ,لم2 :ووءة8 تطتوى ءكتصنا عطا ن1اءله21[ «عتاجوظ وامنواط ,لنتقطعته «سمعصتطمه 
.19253 

ر(714مطا عا از عتعبروط ننه عتائاوط ,طابر2) عمط 1:مغؤكة1 1/6 ,مقصمط]1' ععوصنة 
0 ,0225303 لصة رة.د.تا :عقل6 سمه 

.6 ,020013.آ تمعتتطاعالا ولتمسر عط 07214 تتعاة ع[ منواط رظا.ى م1نرهة1' 

ب[هملا ؟وع]8 4ع ,250 :1017 لصة نعم نهآط ,كع اممدماتطاط غوء7©) ع1 رك 237[و11200 1520011" 
4 ,دضملصهمآ لصة مرمغوسو8 

.58 عاعملا بع81 :تإتططنا ممع تع مسظ ماعم عط رو ط[ممدم[التاط عاءء7© مدع عه عع سعدلا 
أهع1) :مم0<ء:018) عطا غه 01010 ,ماع80 زه أنةق ,كاء[1مأواع4 ع8 صمالنصدط 3 
7 821681130 


717 عامو8 سهتلتهعمم ك ,روإومدماة[ط ره بوماوقاط عط زه ععد غ0 ,لمفسك8 ععلاء2 


.5 عاناملا 


10. 


11 


12. 


13. 


14 


15 


16. 


17. 


18 


19. 


20. 


المصلار والمراجع 


ثالثاً: المعاجم والدوريات والموسوعات 


أ- المعاجم العربية 


-١ 


ابن منظورء لساك العربه دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر 
والتوزيع. طبعة جديدة مصححة وملونة: بيروت. ط "ا 1987 الجزء الأول. 
ابن منظورء لساك العربء الجزء العاشر. 

جميل صليباء المعجم الفلسفيء دار الكتاب اللبناني: بيروت» الجزء الثاني. 
محمد أبو بكر بن عبد القادر الرازيء مختل الصحاح دار الرسالة: الكويت» 


137 


ب- المعاجم الأجنبية 


1 .1701 ,1973 اهملا بوعل8 :قصمة أتعصطتلك5 وعانتقطن ,ع1 01 19ه8115]0 غه تإتمصممء1ن[1 
0< :دوع]2 طذوع تلصتا عطا غه بتدملمع مقطن عط ,تإممصم ماع11 طامتاعوصظ 0م01 عط1' 

1 ,8 .1م78 ,1961 
.01 ,1970 ممتةغلوظ غأدع02 :لإازو تنصلآ 021010 رإتمصمتك01آ امتاعصظ :0:14 عط]1' 
ع8 2ه عكتتاعصدا! طمتاومظ عط كه بإتهصمنغع1طط لهسم ته مععاصة ممعم لعتط ومع غوداءلآ 


.أ ,1976 بوعتتعملة 6ه 5غ6غه5 اعاتسصنا عط ندعتصصفاتمظ وتلءممل ترعمظ 


ج - الدوريات العربية 


-١‏ صفوت كمالء. عالم الفكر (الرمز والأسطورة والشعائر في 


ا 


تاويل الأسطورة يخ كتإدات افلاطون 
المجتمعات البدائية) وزارة الإعلام: الكويت. 21919 المجلد التاسع, العدد 
الرابع. 

'ا- ب. غريمالء الثقافة الأجنبة «الإنسان والأسطورة». ترجمة فاضل 
السعدونيء وزارة الثقافة والإعلام, دار الشؤون الثقافية العامة: العراق» 
0 

“- وليم كريء الثقافة الأجنييةة «الاستعارة والمعنى», ترجمة صفاء عيسى, 
دار الشؤون الثقافية العامة: بغداد. ,5٠١9‏ العدد الرابع. 

»- ياسر محمود الأقرع, المعرفة «الخطاب الأدبي بين التفسير والتأويل» 
وزارة الثقافة: الجمهورية العربية السورية, /ا١٠2‏ العدد الرابع. 


د - الدوريات الأجنبية 


.7 ,2006 :ووع2- لسسع لمآ كمصكامه21 عصطهور[ عطا روعه1ملتطط 2ه لممهتاه[ سمعتمعسة -1 


.2 20 ,21 .1أ70ا ,2006 :203م17آ1 لإعصدلط! كمورظ -2 
5 ع هو 
ه -ا لمو سو عات ١‏ لاجنبية 


ططذه لصة نمكت ممم ,(تروه[مطاتركا8) امه ,معتطاظ سه صمنوناعظ 4ه ونلعمملءعمظ ‏ .1 
ع1 .آمك ,1971 ,ستفماترظ ندعم :لعأتسنا 
عطا (أمطصحدرك لصة طتولة) عمه ,وععمعك5 لهكه50 عط 4ه منلعمماعترعصظ لهمه 1 مممعام 1‏ .2 


701.9 ,1972 لاملا ببعل< نووعء2 عع2 0ننه 00 تتهالتصمهعول13 


.1/01 ,(مغة1) انه ,ؤععمعك5 5021 عط كه هنلعمملعترعصظ لمممتأممعام1 3.2 


5 


المصلار والمر لجع 


كله عاعء02 عطا كه لاعمب؟ عطا نوع ها[مطاتاة عاعءع0 كه متلعءمماء عمط عاأعامصمن عط 1‏ .4 


.0 2003 :لعم23أتامط 5نانات (03نء0011 صذ) ,وعتتاعام لصة 170205 صذ وأءموعط لصدة 


و26 غ126 عط سه ه00 طقالتمن 842 عط (طاوا8) ععه تجطمهدملتطط زه دتلعم معد عط" .5 


.239 .1701 ,1967 عاتملا بولح 


عتذى .701 (0غ2[ط) غعة تجطمهدهط[طط 4ه دتلءمملءتعمظ عط 1‏ .6 


22 نعمت ,(ترعهامطاركة فصد طاولة) امه ,معتمسصففارظ دتلعدم م روعمظ معلة عط1 .7 


.2 .71 ,1974 فشكنا :هع1قسة 8 


5١ 


الكتاب الذي نقدمه للقارىٌ العربي 
هوسياحة فكرية في نظريات أخلاطون 
القاسقية للا دكا حون أسيقيا اسلسفية 
القريية. بل محاولة للوصول إلى أصول 
لها تضرب عميقا في أرضن الوعي 
الإنساني لما يعين بشكل أساسي على 
تكوين وعي بالعلاقة بين النظريات : 
والأفكار ونظم صياغتها وهوبهذا المعنى يهم كلاً من القارئٌ المتخصص 
والقارئ المثقف. 

فالكتاب يحاول الإجابة عن جملة من التساؤلات وتحليل عدد من الإشكالات 
التي أبرزتها دراسة كتابات أغخلاطون واستخدامه للأسطورة وتأمل الدواعي 
التي أدت إلى بزوغ التفكير الأسطوري بوصفه طريقة من طرائق وعي 
الإنسان بالعالم وبذاتهء بالإضافة إلى الكشف عن المناهج المناسبة لدراسة 
الأساطير ومحاولات الفلاسفة والمفكرين والعلماء لفك رموزها وتحليلها مع 
عناية خاصة بأهمية الأسطورة في دراسة فلسفة أغلا طون وعرض مشكلا تها . 





د مها عيسى فتاح العبداللّه 

© أستاذة مساعدة في قسم الفلسفة . كلية الآداب. جامعة البصرة. 

©» حاصلة على الماجستير في الفلسفة من جامعة بغداد عام 19910/ 
أطروحة موسومة «الفلسفي والآيديولوجي في نظرية أفللاطون 
السياسية». 

©» حاصلة على الدكتوراه من جامعة دمشق عام .7١1١‏ 

© لها عدد من اليحوث المنشورة منها: 

- المحاورةالأغللا طوئية (دراسة في كتابة أفلا طون ا لفلسفية) عام 1999. 

- موقف أغلا طون الأيديو لوجي من الفن عام 7٠١7‏ 

- الالخالاق في الميثو لوجيا اليونائية عام .7٠١1‏ 

- السفسطائية نشأتها ومواقفها الفلسفية عام .7٠١‏ 

- تقد أقلا طون للسغسطائية عام .7٠١5‏ 

- ملامح أسطورية في الفكر الفلسفي قبل سقراط عام .7١117‏ 


- فلسفة اللفة لدى أخللا طون عام .7١١54‏ 
لاا 9